موسوعة البحـوث المنــبرية

.

  حكم الاحتفال بليلة الإسراء والمعراج                                        

 

حكم الاحتفال بليلة الإسراء والمعراج:

أجمع السلف الصالح رضوان الله عليهم على أنّ اتخاذ موسم غير المواسم الشرعية من البدع المحدثة التي نهى عنها المصطفى صلى الله عليه وسلم بقوله: ((إياكم ومحدثات الأمور، فإن كل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة))، وبقوله صلى الله عليه وسلم: ((من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد))، وفي لفظ: ((من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد)).

فالاحتفال بليلة الإسراء والمعراج بدعة محدثة لم يفعلها الصحابة والتابعون، ومن تبعهم من السلف الصالح، وهم أحرص الناس على الخير والعمل الصالح.

قال شيخ الإسلام ابن تيمية: "ولا يعرف عن أحدٍ من المسلمين أنه جعل لليلة الإسراء فضيلةً على غيرها، لا سيما على ليلة القدر، ولا كان الصحابة والتابعون لهم بإحسان يقصدون تخصيصَ ليلة الإسراء بأمر من الأمور ولا يذكرونها، ولهذا لا يعرف أيّ ليلة كانت".

وبالرغم من كون الإسراء من أعظم فضائله صلى الله عليه وسلم فإنه صلى الله عليه وسلم لم يشرع لأمته تخصيصَ ذلك الزمان ولا ذلك المكان بعبادة معينة، بل غار حراء الذي ابتدئ فيه بنزول الوحي، وكان يتحراه قبل النبوة، لم يقصده هو ولا أحد من الصحابة بعد النبوة مدة مقامه بمكة، ولا خصَّ اليوم الذي أنزل فيه الوحي بعبادة ولا غيرها، ولا خصّ المكان الذي ابتدئ فيه بالوحي ولا الزمان بشيء.

ومن خصّ الأمكنةَ والأزمنة من عنده بعبادات لأجل هذا وأمثاله كان من جنس أهل الكتاب الذين جعلوا زمانَ أحوال المسيح مواسمَ وعبادات؛ كيوم الميلاد ويوم التعميد، وغير ذلك من أحواله.

وقد رأى عمر بن الخطاب رضي الله عنه جماعة يتبادرون مكانًا يصلّون فيه فقال: (ما هذا؟) قالوا: مكان صلّى فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: (أتريدون أن تتّخذوا آثار أنبيائكم مساجد؟! إنما هلك من كان قبلكم بهذا، فمن أدركته فيه الصلاة فليصلِّ، وإلاّ فليمضِ).

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية: "وأما اتخاذ موسم غير المواسم الشرعية كبعض ليالي شهر ربيع الأول التي يقال: إنها ليلة المولد، أو بعض ليالي رجب، أو ثامن عشر ذي الحجة، أو أوّل جمعة من رجب، أو ثامن من شوال الذي يسميه الجهال عيد الأبرار، فإنها من البدع التي لم يستحبّها السلف ولم يفعلوها".

وقال ابن الحاج: "ومن البدع التي أحدثوها فيه أعني في شهر رجب ليلة السابع والعشرين منه التي هي ليلة المعراج....".

ثم ذكر كثيرًا من البدع التي أحدثوها في تلك الليلة من الاجتماع في المساجد، والاختلاط بين النساء والرجال، وزيادة وقود القناديل فيه، والخلط بين قراءة القرآن وقراءة الأشعار بألحان مختلفة، وذكَر الاحتفالَ بليلة الإسراء والمعراج ضمنَ المواسم التي نسبوها إلى الشرع وليست منه.

وقال الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ في ردّه على دعوةٍ وجِّهت لرابطة العالم الإسلامي لحضور أحد الاحتفالات بذكرى الإسراء والمعراج، بعد أن سئل عن ذلك: "هذا ليس بمشروع، لدلالة الكتاب والسنة والاستصحاب والعقل:

أما الكتاب:

فقد قال تعالى: {ٱلْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِى وَرَضِيتُ لَكُمُ ٱلإسْلاَمَ دِيناً} [المائدة:3]، وقال تعالى: {يَـٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ أَطِيعُواْ ٱللَّهَ وَأَطِيعُواْ ٱلرَّسُولَ وأُوْلِى ٱلأمْرِ مِنْكُمْ فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِى شَىْء فَرُدُّوهُ إِلَى ٱللَّهِ وَٱلرَّسُولِ} [النساء:59]، والردّ إلى الله هو الردّ إلى كتابه، والردّ إلى الرسول هو الرجوع إليه في حياته، وإلى سنته بعد موته، وقال تعالى: {قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ ٱللَّهَ فَٱتَّبِعُونِى يُحْبِبْكُمُ ٱللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَٱللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ} [آل عمران:31]، وقال تعالى: {فَلْيَحْذَرِ ٱلَّذِينَ يُخَـٰلِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَن تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} [النور:63].

وأما السنة:

فالأول: ما ثبت في الصحيحين من حديث عائشة رضي الله عنها أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد))، وفي رواية لمسلم: ((من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد)).

الثاني: روى الترمذي وصححه وابن ماجه وابن حبان في صحيحه عن العرباض بن سارية قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إياكم ومحدثات الأمور، فإنّ كل محدثة ضلالة...)).

وأما الاستصحاب: فهو هنا استصحاب العدم الأصلي.

وتقرير ذلك أن العبادات توقيفية، فلا يقال: هذه العبادة مشروعة إلا بدليل من الكتاب والسنة والإجماع، ولا يقال: إن هذا جائز من باب المصلحة المرسلة أو الاستحسان أو القياس أو الاجتهاد؛ لأنّ باب العقائد والعبادات والمقدَّرات كالمواريث والحدود لا مجال لذلك فيها.

وأما المعقول: فتقريره أن يقال: لو كان هذا مشروعًا لكان أولى الناس بفعله محمد صلى الله عليه وسلم.

هذا إذا كان التعظيم من أجل الإسراء والمعراج، وإن كان من أجل الرسول صلى الله عليه وسلم وإحياء ذكره كما يفعل في مولده صلى الله عليه وسلم فأولى الناس به أبو بكر رضي الله عنه ثم عمر ثم عثمان ثم علي رضي الله عنهم، ثم مَن بعدهم الصحابة على قدر منازلهم عند الله، ثم التابعون ومن بعدهم من أئمة الدين، ولم يعرَف عن أحد منهم شيء من ذلك فيسعنا ما وسعهم".

ثم ساق رحمه الله كلامَ ابن النحّاس في كتابه تنبيه الغافلين حول بدعة الاحتفال بليلة الإسراء والمعراج، جاء فيه: "إنّ الاحتفال بهذه الليلة بدعة عظيمة في الدين، ومحدثات أحدثها إخوان الشياطين".

وذكر الشيخ محمد بن إبراهيم في فتوى أخرى: "إن الاحتفال بذكرى الإسراء والمعراج أمر باطل وشيء مبتدع، وهو تشبّه باليهود والنصارى في تعظيم أيام لم يعظمها الشرع، وصاحب المقام الأسمى رسول الهدى محمد صلى الله عليه وسلم هو الذي شرع الشرائع، وهو الذي وضح ما يحلّ وما يحرم، ثم إنّ خلفاءه الراشدين وأئمّة الهدى من الصحابة والتابعين لم يعرف عن أحد منهم أنّه احتفل بهذه الذكرى"، ثم قال: "المقصود أنّ الاحتفال بذكرى الإسراء والمعراج بدعة، فلا يجوز ولا تجوز المشاركة فيه".

وأفتى رحمه الله: "بأن من نذر أن يذبح ذبيحة في اليوم السابع والعشرين من رجب من كلّ سنة فنذره لا ينعقد، لاشتماله على معصية، وهي أن شهرَ رجب معظّم عند أهل الجاهلية، وليلة السابع والعشرين منه يعتقد بعض الناس أنها ليلة الإسراء والمعراج، فجعلوها عيدًا يجتمعون فيه، ويعملون أمورًا بدعية، وقد نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الوفاء بالنذر في المكان الذي يفعل فيه أهل الجاهلية أعيادهم، أو يذبح فيه لغير الله، فقال صلى الله عليه وسلم للذي نذر أن ينحر إبلاً ببوانة: ((هل كان فيها وثن من أوثان الجاهلية يعبَد؟)) قالوا: لا، قال: ((فهل كان فيها عيد من أعيادهم؟)) قالوا: لا، فقال صلى الله عليه وسلم: ((أوفِ بنذرك؛ فإنه لا وفاء لنذر في معصية الله، ولا فيما لا يملك ابن آدم)).

وقال الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز: "وهذه الليلة التي حصل فيها الإسراء والمعراج لم يأتِ في الأحاديث الصحيحة تعيينها، وكلّ ما ورد في تعيينها فهو غير ثابت عن النبي صلى الله عليه وسلم عند أهل العلم بالحديث، ولله الحكمة البالغة في إنساء الناس لها، ولو ثبت تعيينها لم يجز للمسلمين أن يخصّوها بشيء من العبادات، ولم يجز لهم أن يحتفلوا بها؛ لأنّ النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه رضي الله عنهم لم يحتفلوا بها، ولم يخصّوها بشيء، ولو كان الاحتفال بها أمرًا مشروعًا لبينه الرسول صلى الله عليه وسلم للأمة إمّا بالقول أو الفعل، ولو وقع شيء من ذلك لعرِف واشتهر، ولنقله الصحابة رضي الله عنهم إلينا، فقد نقلوا عن نبيهم صلى الله عليه وسلم كلّ شيء تحتاجه الأمة، ولم يفرّطوا في شيء من الدين، بل هم السابقون إلى كلّ خير، فلو كان الاحتفال بهذه الليلة مشروعًا لكانوا أسبقَ الناس إليه، والنبي صلى الله عليه وسلم هو أنصح الناس للناس، وقد بلَّغ الرسالة غايةَ البلاغ وأدّى الأمانة، فلو كان تعظيم هذه الليلة والاحتفال بها من دين الإسلام لم يغفله النبي صلى الله عليه وسلم ولم يكتمه، فلما لم يقع شيء من ذلك علم أن الاحتفال بها وتعظيمها ليسا من الإسلام في شيء، وقد أكمل الله لهذه الأمة دينها، وأتم عليها النعمة، وأنكر على من شرع في الدين ما لم يأذن به الله، قال سبحانه وتعالى في كتابه المبين من سورة المائدة: {ٱلْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِى وَرَضِيتُ لَكُمُ ٱلإسْلاَمَ دِيناً} [المائدة:3]، وقال عز وجل في سورة الشورى: {أَمْ لَهُمْ شُرَكَاء شَرَعُواْ لَهُمْ مّنَ ٱلدّينِ مَا لَمْ يَأْذَن بِهِ ٱللَّهُ وَلَوْلاَ كَلِمَةُ ٱلْفَصْلِ لَقُضِىَ بَيْنَهُمْ وَإِنَّ ٱلظَّـٰلِمِينَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} [الشورى:21]، وثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في الأحاديث الصحيحة التحذير من البدع والتصريح بأنها ضلالة، تنبيهًا للأمة على عظم خطرها، وتنفيرًا لهم من اقترافها".

ثم أورد رحمه الله تعالى بعضَ الأحاديث الواردة في ذم البدع مثل قوله صلى الله عليه وسلم: ((من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد))، وقوله صلى الله عليه وسلم: ((من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد))، وقوله صلى الله عليه وسلم: ((أما بعد: فإن خير الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها وكل بدعة ضلالة))، وقوله صلى الله عليه وسلم: ((فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي تمسكوا بها، وعضوا عليها بالنواجذ، وإياكم ومحدثات الأمور فإن كل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة)).

فما ذُكر من كلام العلماء وما استدلّوا به من الآيات والأحاديث فيه الكفاية والمقنع لمن يطلب الحقّ في إنكار هذه البدعة، بدعة الاحتفال بليلة الإسراء والمعراج، وأنها ليست من دين الإسلام في شيء، وإنما هي زيادة في الدين، وشرع لم يأذن به رب العالمين، وتشبّه بأعداء الله من اليهود والنصارى والمشركين في زيادتهم في دينهم، وابتداعهم فيه ما لم يأذن به الله، وأنّ لازمها التنقّص للدين الإسلامي، واتهامه بعدم الكمال، ولا يخفى ما في ذلك من الفساد العظيم والمنكر الشنيع والمصادمة لقوله تعالى: {ٱلْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ}، والمخالفة الصريحة لأحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم المحذّرة من البدع.

ومما يؤسَف له أنّ هذه البدعة قد فشت في كثير من الأمصار في العالم الإسلامي، حتى ظنّها بعض الناس من الدين، فنسأل الله أن يصلح أحوال المسلمين جميعًا، ويمنحهم الفقه في الدين، ويوفقنا وإياهم للتمسك بالحق، والثبات عليه، وترك ما خالفه، إنه ولي ذلك والقادر عليه، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

 

.