الملف العلمي للبحوث المنبرية لفقه وآداب وأحكام العيد

.

  أحكام متعلقة بصلاة العيد: رابعًا: مصلى العيد وأحكامه:                                                                 قائمة محتويات هذا الملف    

 

 مصلى العيد والأحكام المتعلقة به

هل العيد يصلى في أكثر من موضع ؟

 اتفق أهل العلم في أنّ الأفضل في صلاة العيدين الاجتماع بمكان واحد، ولم يختلفوا في جواز تعدد إقامتها إذا كان ثمّ حاجة، وإن اختلفوا في جواز تعدد إقامة الجمعة ([1]).

 قال الرمليُّ: "ويستحب الاجتماع لها في مكان واحد، ويُكره تعدده من غير حاجة، وللإمام المنع منه، وله الأمر به" ([2]).

 

الصلاة في المصلى :

اتفق الفقهاء على مشروعية صلاة العيدين في المصلى وفي المساجد، ولكن اختلفوا أيّهما أفضل ؟ على قولين :

القول الأول :

أنّ المصلى هو الأفضل، سواء وسعهم المسجد أو لم يسعهم .

وهو قول الحنفية، والمالكية، واختيار الرافعي من الشافعية ([3]).

قال مالك: "الأفضل أن يصلي العيد في المصلى بكل حال" ([4]).

القول الثاني:

أنّ المسجد هو الأفضل إن كان يسعهم، وإلاّ خرج بهم .

وهو قول الشافعية ([5]).

قال الشافعي: "فإنّ عُمِّر بلدٌ فكان مسجد أهله يسعهم في الأعياد لم أرَ أنّهم يخرجون منه، وإن خرجوا فلا بأس"([6]).

الأدلة :

أدلة القول الأول:

استدلوا بالأحاديث المتكاثرة في خروج النبي صلى الله عليه وسلم إلى المصلى يوم العيد، من ذلك ما جاء عن ابن عمر قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم يغدو إلى المصلى، والعنَزة بين يديه تحمل، وتنصب بالمصلى بين يديه، فيصلي إليهما ([7]).

وعن أبي سعيد الخدري قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم يخرج يوم الفطر والأضحى إلى
المصلى
([8]).

أدلة القول الثاني :

1- أنّ أهل مكة كانوا يصلون في المسجد الحرام، والمسجد إذا وسع الناس كان أفضل؛ لأنه أشرف وأنظف .

وهذا التعليل فيه نظر؛ لأنّ الظاهر من صلاة أهل مكة في الحرم كثرة الجبال فيها، وأنّ الصحراء ليست قريبة بالنسبة لهم .

وكان النبيُّ صلى الله عليه وسلم يُصلي في المصلى مع مسجده، وصلاة النافلة في البيت أفضل مع شرف المسجد.

2- حضور المسجد أسهل من حضور المصلى .

وقد رُدّ ونوقش هذا التعليل بأنّ المصلى أسهل للحضور، لكون العيد يقصده أهل القرى والبوادي، ويأتون من كل مكان، فكان المصلى أيسر لهم .

3- إنّما حمل النبي صلى الله عليه وسلم على الصلاة في المصلى ضيق المسجد .

وهذا الاستدلال لا يصح، لأنّ أول صلاة عيدٍ صلاّها النبي صلى الله عليه وسلم في السنة الثانية للهجرة([9])، وكان المسلمون يومئذ قلّة، فالذين كانوا يحضرون معه الجمعة هم الذين كانوا يحضرون معه العيد، فلم يكن المسجد يضيق بهم .

الترجيح :

والراجح – والله أعلم - أنّ الصلاة بالمصلى هي السنة والأفضل، وأنّ الخروج في العيدين إليها تشريع من النبي صلى الله عليه وسلم، وليست اتفاقًا من أجل ضيق المسجد.

قال ابن المنذر: "السنة أن يخرج النّاس إلى المصلى في العيد" ([10]).

وقال ابن حزم: "وسنة صلاة العيدين أن يبرز أهل كل قرية أو مدينة لفضاء واسعٍ" ([11]).

وقال شيخ الإسلام: "ولم يكن يُصلّي صلاة العيد إلاّ في مكان واحدٍ مع الإمام، يخرج بهم إلى الصحراء، فيصلي هناك، فيصلي المسلمون كلهم صلاة العيد" ([12]).

 

* مراجع المسألة :

حاشية ابن عابدين (2/169)، مجمع الأنهر (1/173)، الفتاوى الهندية (1/150)، المبسوط (1/39 – 40)، المدونة (1/171)، المعونة (1/324)، الكافي (1/263)، عقد الجواهر (1/242)، شرح ابن عليش (1/279)، الأم (1/207)، الحاوي (2/486، 497)، المجموع (5/4)، فتح العزيز (5/37)، نهاية المحتاج (2/395)، البيان (2/626)، روضة (2/74)، شرح الزركشي (2/217)، المقنع (5/336)، المستوعب (3/54)، الشرح الكبير (5/336)، الفروع (2/139)، الإنصاف (5/
36)، المغني (3/261)، الإعلام لابن الملقن (4/253).

 

مصلى العيد هل يأخذ أحكام المسجد :

هذه المسألة اختلف الفقهاء فيها على قولين :

القول الأول :

مصلى العيد يأخذ أحكام المسجد .

وهو قول الحنابلة .

قال في الإنصاف: "ومصلى العيد مسجد على الصحيح من المذهب"([13]).

وهو اختيار ابن عثيمين ([14]).

القول الثاني :

مصلى العيد لا يأخذ حكم المسجد .

وهو قول الحنفية ([15])، ومذهب البخاري ([16]).

الأدلة :

أدلة القول الأول :

استدلوا بحديث أم عطية: ((أن يُخرج العواتق وذوات الخدود والحيض، وليشهدن الخير ودعوة المؤمنين، ويعتزل الحيض المصلى))([17]).

وجه الدلالة: أنّ الحائض ممنوعة من دخول المسجد، ولا وجه لمنعها من حضور المصلى إلاّ كون المصلى مسجدًا .

أدلة القول الثاني :

أنّ المسجد هو الذي تقام فيه الصلوات الخمس، ومصلى العيد لا تقام فيه الصلوات الخمس، بل لا تقام به فريضة واحدة من فرائضه .

الترجيح :

والراجح هو أنّ مصلى العيد لا يأخذ حكم المسجد، وكون الحائض تمنع منه إنّما هو وقت الصلاة؛ لأنها لا تصلي، لكراهة جلوس من لا يصلي مع المصلين في محل واحد، فعن يزيد بن الأسود قال: شهدت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم حجته قال: فصليت معه صلاة الفجر في مسجد الخيف، يعني مسجد منى، فلمّا قضى صلاته إذا هو برجلين في آخر القوم، ولم يصليا معه، فقال: ((عليّ بهما)). فأتي بهما ترعد فرائصهما، فقال: ((ما منعكما أن تصليا معنا)) ؟ قالا: يا رسول الله ! كنا قد صلينا في رحالنا. قال: ((فلا تفعلا، إذا صليتما في رحالكما ثم أتيتما مسجد جماعة، فصليا معهم، فإنّها لكم نافلة)) ([18]).

وقد ورد في صحيح مسلم صراحة المراد بالاعتزال، وأنّه اعتزال الصلاة، وذلك في إحدى روايات حديث أم عطية قالت: (فيعتزلن الصلاة)([19]).

ولو كان الاعتزال مقصودًا به اعتزال كل ما يطلق عليه أنّه مصلى، بَعُدْن عن شهود الخير ودعوة المسلمين، ولم يكن في وسعهن سماع الخطبة.

قال ابن رجب: "والأظهر أنّ أمر الحيّض باعتزال المصلّى، إنّما هو حال الصلاة ليتسع على النساء الطاهرات مكان صلاتهن، ثم يختلطن بهن في سماع الخطبة" ([20]).

 

* مراجع المسألة :

الفروع (1/170)، الشرح الكبير (2/116)، البحر الرائق (2/39)، الشرح الممتع (5/24)، إحكام الأحكام (ص: 349)، الإعلام لابن الملقن (4/253).

 

خروج النساء إلى العيدين :

 اتفق أهل العلم على أنّ خروج النساء إلى العيدين زمن النبي صلى الله عليه وسلم كان مشروعًا واختلفوا بعد ذلك في حكم خروجهنّ على أقوال :

القول الأول :

كراهية خروج النساء الشواب إلى العيدين، وترخيص ذلك للعجوز الكبيرة .

وهو قول محمد بن الحسن، والشافعي، ورواية عن أحمد ([21]). ومذهب الحنفية، والشافعية، والصحيح من مذهب الحنابلة ([22]).

واختاره المجد ابن تيمية ([23]).

القول الثاني :

للنساء أن يخرجن إلى العيدين، وليس عليهنّ ذلك، من غير كراهة ولا استحباب .

وهو قول مالك، ورواية عن أحمد ([24]).

القول الثالث :

يستحب خروج النساء، المخدرات وغير المخدرات، الشابة والعجوز، إذا خرجن من غير شهوة اللباس والطيب .

وهو رواية عن أحمد، واختارها من الحنابلة ابن حامد ([25]).

القول الرابع :

كراهة خروج النساء عامة شابة أو عجوز .

وهو رواية عن أحمد ([26])، واختارها القاضي أبو يعلى ([27]).

الأدلة :

أدلة القول الأول :

قالوا: خشية الفتنة بالنساء الشواب، وأمن ذلك في العجائز .

أدلة القول الثاني :

لم يقولوا بالكراهة، لأمر النبي صلى الله عليه وسلم لهنّ بالخروج، ولم يقولوا بالاستحباب لخشية الفتنة بخروجهن .

أدلة القول الثالث :

أخذو بظاهر حديث أم عطية في الصحيحين ([28]) في الأمر بخروجهنّ، وعدم التفريق في ذلك بين الشابة والعجوز .

أدلة القول الرابع :

عللوا قولهم بفساد الزمان بعد عصر الصحابة رضوان الله عليهم .

الترجيح :

والقول الأقرب إلى الصواب هو القول باستحباب خروج النساء مطلقًا مخدرة كانت أو غير مخدرة، شابة كانت أو عجوزًا .

للأمر الصريح من النبي صلى الله عليه وسلم بإخراجهن، بل القول بوجوب إخراجهنّ هو الأقوى كما مضى توضيحه في بيان حكم صلاة العيدين، والله أعلم .

* مراجع المسألة :

الأصل (1/343)، الحجة (1/306)، المبسوط (2/41)، بدائع الصنائع (1/275)، المدونة (1/368)، عقد الجواهر (1/241)، الذخيرة (2/417)، الأم (1/206)، الحاوي (2/ 483)، المجموع (5/ 8)، فتح العزيز (5/ 24)، البيان (2/630)، التمام (1/246)، مسائل أحمد لصالح (ص: 402)، الشرح الكبير (5/ 328)، المستوعب (3/ 54)، الإنصاف (5/328)، المغني (3/263)، الإعلام (4/251).

 

المشي إلى المصلى :

يُستحبّ الخروج إلى المصلى ماشيًا باتفاق الفقهاء من غير خلاف في المسألة، لما روي عن علي قال: (من السنة أن تخرج إلى العيد ماشيًا، وأن لا يُركب إلاّ من عذر)([29]).

قال الترمذيُّ: "والعمل على هذا الحديث عند أكثر أهل العلم، يستحبون أن يخرج الرجل إلى العيد ماشيًا، وأن لا يركب إلاَّ من عذر ".

وعن جعفر بن برقان أنّ عمر بن عبد العزيز كتب من استطاع منكم أن يمشي إلى العيدين فليفعل ([30]).

وقال سعيد بن المسيب: "من سنة الفطر المشي، والأكل قبل الغدو، والاغتسال" ([31]).

وقال أبو المعالي: "إن كان البلد ثغرًا استحب الركوب وإظهار السلاح"([32]).

وقال ابن قدامة صاحب الشرح الكبير: "وإن كان بعيدًا فلا بأس أن يركب"([33]).

 

* مراجع المسألة :

مجمع الأنهر (1/173)، المدوَّنة (1/171)، المعونة (1/322)، الكافي (1/263)، عقد الجواهر (1/
242)، الذخيرة (2/419)، الأم (1/207)، الحاوي (2/486)، المجموع (5/10)، فتح العزيز(5/37،40)، نهاية المحتاج (2/396)، الشرح الكبير (5/326)، المبدع (2/180)، الإنصاف (5/326).

 

الذهاب من طريق والعودة من طريق آخر :

 يستحب الذهاب إلى مصلى العيد من طريق، والرجوع من طريق آخر باتفاق أكثر الفقهاء، لما روي عن جابر قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا كان يوم عيد خالف الطريق ([34]).

وعن أبي هريرة قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا خرج يوم العيد في طريق رجع في
غيره
([35]).

قال الترمذيُّ: "وقد استحبَّ بعض أهل العلم للإمام إذا خرج في طريق أن يرجع في غيره، اتباعًا لهذا الحديث، وهو قول الشافعي" ([36]).

قال ابن رجب: "وقد استحبّه كثير من أهل العلم للإمام وغيره، وهو قول مالك والثوري والشافعي وأحمد – وألحق الجمعة بالعيد في ذلك - ولو رجع من الطريق الذي خرج منه لم يكره" ([37]).

قال ابن حجر: "والذي في الأم أنه يستحب للإمام والمأموم، وبه قال أكثر الشافعية، وقال الرافعي: لم يتعرض في الوجيز إلاّ للإمام، وبالتعميم قال أكثر أهل العلم" ([38]).

قال الحصفكي: "ولا بأس بعوده راكبًا، وندب كونه من طريق آخر" ([39]).

قال ابن عابدين: "قوله: (من طريق آخر) لِما رواه البخاريُّ أنّه كان إذا كان يوم عيدٍ خالف الطريق؛ ولأنّ فيه تكثير الشهود، لأنّ أمكنة القرية تشهد لصاحبها" ([40]).

وقال ابن أبِي زيد القيروانِي: "ويستحب في العيدين أن يمضي من طريق، ويرجع من أخرى" ([41]).

وقال النوويُّ: "والسنة أن يمضي إليها في طريق، ويرجع في أخرى" ([42]).

وقال المرداويّ: "هذا المذهب، وعليه جماهير الأصحاب، وقطع به كثير منهم" ([43]).

 وقد تلمّس بعض العلماء حِكَمًا لهذه المغايرة، منها :

1- قيل: ليشهد له الطريقان .

2- وقيل: ليشهد له سكان الطريقين من الجنّ والإنس .

3- وقيل: ليتصدق على أهل الطريق .

4- وقيل: ليتصدق على أهل الطريقين .

5- وقيل: ليساوي بينهما في التبرك به، وفي المسرة بمشاهدته، والانتفاع بمسألته .

6- وقيل: ليغيظ المنافقين أو اليهود، ويرهبهم .

7- وقيل: لأن الطريق الذي يغدو منه كان أطول .

8- وقيل: لأن طريقه إلى المصلى كانت على اليمين، فلو رجع لرجع إلى جهة الشمال .

9- وقيل: لإظهار شعار الإسلام فيهما .

10- وقيل: ليتفاءل بتغيير الحال إلى المغفرة والرضا، إلى غير ذلك من الحكم التي تلمسها أهل العلم ([44]).

 

* مراجع المسألة :

مجمع الأنهر (1/173)، المدونة (1/171)، الرسالة (ص: 144)، المعونة (1/322)، الكافي (1/263)، بداية المجتهد (1/515)، عقد الجواهر (1/243)، شرح الزركشي (2/232)، المقنع (5/330)، المستوعب
(5/540)، الشرح الكبير (5/ 330)، المغني (5/262، 283)، الإنصاف (5/330)الأم (1/207)، الحاوي (2/495)، فتح العزيز (5/56)، نهاية المحتاج (2/395)، البيان (2/633)، حلية العلماء (2/311)، نيل الأوطار (3/290).

 

 إخراج المنبر في العيدين :

 لأهل العلم في هذه المسألة قولان:

القول الأوّل:

كراهية إخراج المنبر للعيدين.

وهو قول محمد بن الحسن، والحنفية، واختلفوا في جواز بنائه في المصلى، أو كراهية ذلك ([45]).

القول الثانِي:

يجوز إخراج المنبر في العيدين.

وهو قول الشافعيّ، واستحبّه النووي ([46]).

الأدلة:

أدلة القول الأوّل:

أنّ النبي صلى الله عليه وسلم كان يخطب على قدميه، فعن أبي سعيد الخدري قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم يخرج يوم الفطر والأضحى إلى المصلى، فأوَّل شيء يبدأ به الصلاة، ثم ينصرف فيقوم مقابل الناس، والناس جلوس على صفوفهم، فيعظهم ويوصيهم ويأمرهم، فإن كان يريد أن يقطع بعثًا قطعه، أو يأمر بشيء أمر به ثم ينصرف .

قال أبو سعيد: فلم يزل الناس كذلك، حتى خرجتُ مع مروان – وهو أمير المدينة – في أضحى أو فطر، فلما أتينا المصلى إذا منبر بناه كثير بن الصلت، فإذا مروان يريد أن يرتقيه قبل أن يصلي، فجبذت بثوبه فجبذنِي، فارتفع فخطب قبل الصلاة، فقلت له: غيرتم - والله -.

فقال: يا أبا سعيد قد ذهب ما تعلم. فقلت: ما أعلم - والله - خير مما لا أعلم. فقال: إنّ الناس لم يكونوا يجلسون لنا بعد الصلاة، فجعلتها قبل الصلاة ([47]).

وقال: أخرج مروان المنبر في يوم عيد، فبدأ بالخطبة قبل الصلاة، فقام رجل فقال: يا مروان، خالفت السنة، أخرجت المنبر في يوم عيد، ولم يكن يخرج فيه، وبدأت بالخطبة قبل الصلاة. فقال أبو سعيد: من هذا ؟ قالوا: فلان بن فلان. فقال: أما هذا فقد قضى ما عليه، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((من رأى منكم منكرًا فاستطاع أن يغيره بيده فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان))([48]).

قال الشوكانِيُّ: "وهذا الحديث يدل على أنّه لم يكن في المصلى في زمانه صلى الله عليه وسلم منبر" ([49]).

ويؤخذ منه أيضًا أنّ النبي صلى الله عليه وسلم كان يخطب على قدميه، قال ابن رجب: "وذِكْرُ استقباله الناسِ = يدل على أنه صلى الله عليه وسلم لم يرق منبرًا، وأنّه كان على الأرض" ([50]).

أدلة القول الثانِي:

قاسوه على الجمعة، فخطبة الجمعة تكون على المنبر.

الترجيح:

والراجح عدم استحباب إخراج المنبر، ولا بناؤه فيه؛ لأنّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم كان يخطب على قدميه، وقد كان بالإمكان أن يأمرهم بإخراجه، أو يبني واحدًا آخر فيه.

وهذا التقرير قد يُشكِل عليه قول جابر رضي الله عنه: قام النبيُّ صلى الله عليه وسلم يوم الفطر فصلّى، فبدأ بالصلاة ثم خطب، فلما فرغ نزل فأتى النساء ... الحديث ([51]).

فقوله : ((فلمّا فرغ نزل)) يشعرُ أنّه كان على منبر.

وقد حلّ هذا الإشكال ابن حجر بقوله: "فيه إشعار بأنه صلى الله عليه وسلم كان يخطب على مكان مرتفع، لما يقتضيه قوله: (نزل) وقد تقدم في باب الخروج إلى المصلى أنّه صلى الله عليه وسلم كان يخطب في المصلى على الأرض، فلعل الراوي ضمّن النزول معنى الانتقال"([52]).

فهذا هو الذي يخلص إليه البحث أنّ السنة عدم إخراج المنبر في العيدين، ولا تظهر الحاجة للمنبر في هذه الأزمان لتوفر مكبرات الصوت، والله تعالى أعلم .

 

* مراجع المسألة :

الكتاب (1/345)، حاشية ابن عابدين (2/169)، المبسوط (2/ 43)، بدائع الصنائع (1/ 280)، الأم (1/394، 397)، المجموع (5/22، 23).

 

الأذان أو النداء لصلاة العيدين :

 اتفق العلماء على أنه لا يشرع لصلاة العيدين أذان ولا إقامة، لحديث ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلّى بغير أذان ولا إقامة ([53]).

فعن مالكٍ أنّه سمع غير واحدٍ من علمائهم، يقول: لم يكن في عيد الفطر، ولا الأضحى = نداء ولا إقامة، منذ زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى اليوم.

وقال مالك: "وتلك السنة التي لا اختلاف فيها عندنا" ([54]).

وقال محمد بن الحسن: "ليس فيهما أذانٌ ولا إقامة" ([55]).

واختلف أهل العلم في هل يشرع لها نداء على صيغة معيّنة؛ كقول المؤذن: الصلاة جامعة ؟ على قولين :

القول الأول:

أنّه لا يُشرع فيها النداء بقوله: الصلاة جامعة، ولا بأي صيغة أخرى .

وهو قول المالكية ([56]).

قال خليل: "ولا يُنادى الصلاة جامعة" ([57]).

القول الثاني :

أنه يستحب النداء لصلاة العيدين بقول: الصلاة جامعة .

وهو مذهب الشافعية، والحنابلة ([58]).

قال الشافعيّ: "وأحبّ أن يأمر الإمام المؤذن أن يقول في الأعياد، وما جمع النّاس له من الصلاة: الصلاة جامعة" ([59]).

الأدلة :

أدلة القول الأول :

استدلوا بما روي عن جابر أنّه قال: "لا أذان للصلاة يوم الفطر حين يخرج الإمام ولا بعدما يخرج، ولا إقامة ولا نداء، ولا شيء، لا نداء يومئذ ولا إقامة" ([60]).

أدلة القول الثاني :

استدلوا بما روي عن الزهري قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم يأمر في العيدين المؤذن أن يقول: الصلاة جامعة.

وهذا حديث مرسل لا يقاوم حديث جابر .

واستدلوا بالقياس على صلاة الكسوف، والقياس لا يثبت أمام النصّ .

الترجيح :

والراجح أنّه لا يشرع للعيدين أذان ولا إقامة ولا نداء بالصلاة جامعة، ولا شيء؛ لحديث جابر .

وهو اختيار ابن قدامة من الحنابلة ([61]).

قال: وقال بعض أصحابنا، يُنادى لها: الصلاة جامعة، وهو قول الشافعيّ، وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم" ([62]).

 فصل:

قيل: إنّ أوّل من أذّن لصلاة ابن الزبير رضي الله عنهما؛ بل رُوي عنه أنّه أذَّن، وأقام .

فعن عطاء بن يسارٍ أنّ ابن الزبير سأل ابن عبّاس، وكان الذي بينهما حسنًا يومئذٍ، فقال: لا تؤذن ولا تُقم. فلمّا ساء الذي بينهما أذّن، وأقام ([63]).

وقيل: إنّ أوَّل من أذَّن في العيدين ابن زياد ([64]). وارتضاه ابن الملقن ([65]).

والصحيح أنّ أوّل من أذّن للأذان في العيدين، لما روي عن سعيد بن المسيب قال: "أوّل من أحدث الأذان في العيدين معاوية" ([66]).

وجرى عليه ابن زياد ومروان بن الحكم لأنهما ولاة تحت إمرته .

قال ابن عبد البر: "كان هذا بالحجاز معلومًا مجتمعًا عليه قبل أن يحدث معاوية الأذان في العيدين، وكان أمراؤه وعمّاله يفعلون ذلك، حيث كانوا".

قال الماوردي: "ثم جرى عليه بنو أمية أيام ملكهم، إلى أن ولي بنو العباس، وردوا الأمر إلى حاله، وهو اليوم سيرة الأندلس وبلاد المغرب من أعمال بني أمية" ([67]).

والله تعالى أعلم.

 

* مراجع المسألة :

الكتاب (1/336)، مجمع الأنهر (1/173).

الأم (1/208)، الحاوي (2/489)، المجموع (5/13)، فتح العزيز (5/45)، البيان (2/634)، الرسالة الفقهية (ص: 144)، المعونة (1/ 323)، الكافي (1/ 264)، بداية المجتهد (1/505)، شرح الزركشي (2/219)، الشرح الكبير (5/338)، المستوعب (3/55)، الإنصاف (5/338)، المغني (3/267)، المقنع (5/338)، نيل الأوطار (3/293)، الإعلام لابن الملقن (ح/226).

 

التنفل قبل الصلاة وبعدها :

 اتفق عامة الفقهاء على أنّ النبيّ صلى الله عليه وسلم لم يتنفل قبل الصلاة، ولا بعدها في المصلى .

واختلفوا هل يكره للمأموم أن يتنفل قبل الصلاة أو بعدها، أم لا ؟ على أقوال ثلاثة:

القول الأول:

له أن يتنفل بعدها لا قبلها، وهو قول الحنفية ([68]).

قال أبو حنيفة: "لا صلاة قبل العيدين، فأمّا بعدهما فإن شئت صليتَ أربعًا، وإن شئتَ لم تصلِ" ([69]).

القول الثاني:

يكره له التنفّل قبل الصلاة وبعدها، وهو قول المالكية، والحنابلة ([70]).

القول الثالث:

له أن يتنفل قبل الصلاة وبعدها، ويكره للإمام، وهو قول الشافعيّ ([71])، واختار هذا القول الشيخ ابن عثيمين رحمه الله ([72]).

الأدلة :

أدلة القول الأول :

حديث أبي سعيد الخدري قال: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يصلي قبل العيد شيئًا، فإذا رجع إلى منزله صلى ركعتين)([73]).

أدلة القول الثاني:

حديث ابن عباس رضي الله عنهما قال: خرج النبي صلى الله عليه وسلم يوم عيد فصلى ركعتين، لم يصل قبلهما ولا بعدهما ([74]).

وعن ابن عمر رضي الله عنهما: أنه خرج يوم عيد فلم يصل قبلها ولا بعدها، وذكر أن النبي صلى الله عليه وسلم فعله ([75]).

أدلة القول الثالث:

أنّ أحاديث الباب التي وردت في كراهية التنفل قبل صلاة العيد وبعدها محمولة على الإمام، وأن المأموم خلاف الإمام، فله أن يصلي إذا ارتفعت الشمس أينما شاء .

الترجيح :

والراجح هو القول بكراهة التنفل قبل الصلاة وبعدها في المصلى، وذلك لأنّه المنقول من فعل النبي صلى الله عليه وسلم وصحابته، ولأنه لو اشتغل بالنافلة قبل الصلاة اشتغل عن عبادة الوقت، وهو التكبير، ويكون بذلك انتقل من الفاضل إلى المفضول، فيكره له ذلك، والله أعلم . 

* مراجع المسألة :

شرح فتح القدير (2/73)، الكتاب (1/341، 441)، حاشية ابن عابدين (2/169 – 170)، الحجة (1/300)، مجمع الأنهر (1/173)، المبسوط (3/40)، بدائع الصنائع (1/280)، المدونة (1/170)، المعونة (1/326)، الكافي (1/263)، بداية المجتهد (1/511)، عقد الجواهر (1/242)، الأم (1/207 – 208)، المجموع (5/13)، فتح العزيز (5/44)، نهاية المحتاج (2/396)، البيان (2/632)، مختصر الخلافيات (2/365)، حلية العلماء (2/302)، شرح الزركشي (2/230)، المقنع (5/358)، الشرح الكبير (5/358)، الإنصاف (5/ 358)، المستوعب (3 /62)، النكت (1/163)، المغني (3/208)، الشرح الممتع (5/202)، نيل الأوطار (3/300).

 
 


 

([1])      المجموع (4/591)، المغني (3/212)، مجموع فتاوى شيخ الإسلام (24/208).

([2])      نهاية المحتاج (5/386).

([3])      حاشية ابن عابدين (2/169)، عقد الجواهر (1/150)، فتح العزيز (5/37).

([4])      البيان (2/627).

([5])      الحاوي (2/486)، المجموع (5/4).

([6])      الأم (3/223)ط: حسّون .

([7])      البخاري (973).

([8])      البخاري (956).

([9])      راجع: أول صلاة عيد صلاها النبيُّ صلى الله عليه وسلم.

([10])     الأوسط (4/257).

([11])     المحلى (5/81).

([12])     مجموع الفتاوى (17/480).

([13])  الإنصاف (2/116).

([14])     الشرح الممتع (5/204).

([15])  حاشية البحر الرائق (2/39)، حاشية ابن عابدين (1/657).

([16])  فتح الباري (12/130).

([17])  البخاري (324)، مسلم (890).

([18])     أخرجه أبو داود (575)، والترمذي (219)، والنسائي (2/112)، وصححه ابن خزيمة (1638)، وابن حبان (164)، والألباني في صحيح سنن أبي داود (538).

([19])     مسلم (2/606، 890).

([20])     فتح الباري لابن رجب (2/142).

([21])     الأصل (1/343)، الأم (1/206)، الفروع (2/137).

([22])     المبسوط (2/41)، الحاوي (2/283)، الإنصاف (5/338)، المستوعب (3/54).

([23])     الإنصاف (5/338).

([24])     المدوّنة (1/368)، عقد الجواهر (1/241)، الذخيرة (2/417)، الفروع (2/137)، الإنصاف (5/338).

([25])     الفروع (/137)، التمام (1/246)، الإنصاف (5/328).

([26])     الفروع (2/137)، مسائل الإمام أحمد لصالح (رقم: 402)، الإنصاف (5/338).

([27])     التمام لابن أبي يعلى (1/246).

([28])     البخاري (324)، مسلم (890).

([29])     أخرجه الترمذي (536)، وقال: "هذا حديث حسن"، وحسّنه الألباني في صحيح سنن الترمذي (437).

([30])     انظر: المدوّنة (1/171).

([31])     انظر: المدوّنة (1/171).

([32])     الإنصاف (5/325).

([33])     الشرح الكبير (5/326).

([34])     البخاري (986).

([35])     الترمذي (547)، ابن ماجه (1301)، قال أبو عيسى: "حسن غريب "، وصححه الألباني في صحيح سنن الترمذي (446).

([36])     سنن الترمذي (2/425 – 426).

([37])     فتح الباري لابن رجب (9/72).

([38])     فتح الباري لابن حجر (2/472 – 473).

([39])     الدر المختار، انظر: حاشية ابن عابدين (2/169).

([40])     حاشية ابن عابدين (2/169).

([41])     الرسالة (ص 144).

([42])     المجموع (5/15).

([43])     الإنصاف (5/330).

([44])  انظرها في الإنصاف (5/331 – 332).

([45])     الأصل (1/345)، المبسوط (2/169)، بدائع الصنائع (1/280).

([46])     الأم (1/394)، المجموع (5/22).

([47])     البخاري (956).

([48])     أبو داود (1140)، ابن ماجه (1275)، وصححه ابن حبان (307)، والألباني في صحيح سنن أبي داود(1009).

([49])     نيل الأوطار (3/373).

([50])     فتح الباري لابن رجب (9/45).

([51])     البخاري (978).

([52])     فتح الباري لابن حجر (2/467).

([53])     أخرجه أحمد (1/227)، وأبو داود (1147)، وابن ماجه (1274)، وصححه الألباني في سنن أبي داود (1016).

([54])     موطأ مالك (1/177) في العيدين، باب العمل في غسل العيدين، والنداء بينهما.

([55])     الأصل (1/336).

([56])     كفاية الطالب لأبي الحسن المالكي (1/491).

([57])     مختصر خليل (ص 48).

([58])     الحاوي (2/489)، الشرح الكبير (338).

([59])     الشرح الكبير (5/338)، المستوعب (3/553).

([60])     مسلم (886).

([61])     المغني (3/268).

([62])     المغني (3/368).

([63])     أخرجه ابن أبي شيبة (5665)، وصححه ابن حجر في الفتح (2/453)، والشوكاني في النيل (3/351).

([64])     انظر: المغني (3/267).

([65])     الإعلام بفوائد عمدة الأحكام له (4/223).

([66])     مصنف ابن أبي شيبة برقم (5665).

([67])     الحاوي الكبير (3/113)ط: محمود عطرجي .

([68])     الأصل (1/341).

([69])     الحجة لمحمد بن الحسن (1/300).

([70])     الكافي لابن عبد البر (1/263)، عقد الجواهر (1/242)، المغني (3/208).

([71])     الأم (1/391).

([72])     الشرح الممتع (5/202).

([73])     ابن ماجه (1293)، وصححه الألباني (1069).

([74])     أخرجه أحمد (1/354)، وأبو داود (1159)، والنسائي في الكبرى (1792)، وصححه الألباني (1027).

([75])     مسند أحمد برقم (5212)، مصنف ابن أبي شيبة (5735)، والترمذي (538)وقال: حسن صحيح .

 

.