.

   عناية الإسلام بالمرأة: ثالثًا: حق المرأة في العبادة:     الصفحة السابقة          الصفحة التالية         (عناصر البحث)

 

ثالثًا: حق المرأة في العبادة:

1- الأصل مساواة المرأة للرجل في الأحكام الشرعية:

والدليل على ذلك:

أ- أن مناط التكليف بأحكام الشريعة الإسلامية كون الإنسان بالغًا عاقلاً لحديث: ((رفع القلم عن ثلاثة: عن النائم حتى يستيقظ، وعن الصبي حتى يحتلم، وعن المجنون حتى يفيق))([1])، فإذا بلغ الإنسان الحلم وكانت أقواله وأفعاله جارية وفقًا للمألوف المعتاد بين الناس مما يستدلُّ به على سلامة عقله حُكِم بتكليفه بأحكام الشريعة لتوفُّر مناط التكليف، والمرأة يتحقق فيها هذا المعنى كما يتحقق في الرجل[2].

ب- قول النبي صلى الله عليه وسلم: ((إنما النساء شقائق الرجال))[3].

قال الخطابي: "أي: نظائرهم وأمثالهم في الخلق والطباع، فكأنهن شُقِقن من الرجال. وفيه من الفقه... أنّ الخطاب إذا ورد بلفظ الذكور كان خطابًا للنساء إلا مواضع الخصوص التي قامت أدلة التخصيص فيها"[4].

ج- أن الرسول صلى الله عليه وسلم مبعوث إلى الرجال والنساء جميعا.

قال ابن حزم: "ولما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم مبعوثًا إلى الرجال والنساء بعثًا مستويًا وكان خطاب الله تعالى وخطاب نبيه صلى الله عليه وسلم للرجال والنساء واحدًا لم يجز أن يخَصَّ بشيء من ذلك الرجالُ دون النساء إلا بنصّ جليّ أو إجماع"[5].

وقال أيضًا: "وقد تيقنَّا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مبعوث إليهن كما هو إلى الرجال، وأن الشريعة التي هي شريعة الإسلام لازمة لهن كلزومها للرجال، وأيقنَّا أن الخطاب بالعبادات والأحكام متوجِّه إليهن كتوجُّهه إلى الرجال إلا ما خصَّهن أو خصَّ الرجالَ منهن دليلٌ، وكل هذا يوجب أن لا يُفرد الرجالُ دونهن بشيء قد صحَّ اشتراكُ الجميع فيه إلا بنص أو إجماع"[6].

2- إسقاط بعض العبادات عن المرأة نظرًا لطبيعتها:

وهذا له صور كثيرة منها:

أ- إسقاط الصلاة والصوم عن الحائض والنفساء:

قال صلى الله عليه وسلم: ((أليس إذا حاضت لم تصلِّ ولم تصم؟! فذلك نقصان دينها))[7].

قال النووي: "أجمع المسلمون على أن الحائض والنفساء لا تجب عليهما الصلاة ولا الصوم في الحال"[8].

وقال أبو عبد الله محمد بن عبد الرحمن البخاري([9]) في بيان الحكمة من ذلك: "علِم الله تعالى ضعفَ النساء وفتورَهن إذ هو خَلَقهن فأحبَّ أن يضع عنهن بعضَ العبادات ترفيهًا في حقِّهن وتخفيفًا لهن، فكان أليقَ الأحوال بالوضع حالةُ الحيض إذ هي متلوثةٌ بأشد الأشياء لوثًا سماه الله تعالى أذًى بقوله: {قُلْ هُوَ أَذًى} [البقرة:222]، وهو الدم المخصوص بالرحم يترشَّح فيه من جميع الأعضاء، ويجتمع في الرحم، ثم يخرج في هذه الأيام المعدودة، فوضع الله تعالى عنها كلَّ عبادة تختصُّ بالطهارة نحو الصلاة وقراءة القرآن ومسِّ المصحف ودخول المسجد والطوافِ بالبيت، وجعل الطهارة عن الحيض شرطًا لأداء الصوم، وإذا كان الصوم لا يختصُّ بالطهارة عن سائر الأحداث إظهارًا لفحش هذه الحالة وإظهارًا لشرف هذه العبادة، فوضع العبادات عنها ونهاها عن إقامة شيء من هذه العبادات لتنتهي بنهي الله تعالى، فيحصل لها ثواب الانتهاء كما يحصل لها ثواب الائتمار حالة الطهر"[10].

ب- إلزامها بقضاء الصوم دون الصلاة بعد زوال الحيض:

عن معاذة قالت: سألت عائشة فقلت: ما بال الحائض تقضي الصوم ولا تقضي الصلاة؟! فقال: أحرورية أنت؟! قلت: لست بحرورية ولكني أسأل، قالت: كان يصيبنا ذلك فنؤمر بقضاء الصوم ولا نؤمر بقضاء الصلاة[11].

قال ابن المنذر: "أجمع أهل العلم على أن عليها الصوم بعد الطهر، ونفى الجميع عنها وجوب الصلاة"[12].

قال ابن حجر: "والذي ذكره العلماء في الفرق بين الصلاة والصيام أن الصلاة تتكرر فلم يجب قضاؤها للحرج بخلاف الصيام"[13].

ج- وضع الصيام عن الحامل والمرضع:

عن أنس بن مالك الكعبي رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((إن الله تعالى وضع عن المسافر الصوم وشطر الصلاة، وعن الحامل أو المرضع الصوم أو الصيام))[14].

قال ابن قدامة: "وجملة ذلك أن الحامل والمرضع إذا خافتا على أنفسهما فلهما الفطر وعليهما القضاء فحسب، لا نعلم بين أهل العلم اختلافًا؛ لأنهما بمنزلة المريض الخائف على نفسه، وإن خافتا على ولديهما أفطرتا وعليهما القضاء وإطعام مسكين عن كل يوم"[15].

د- إسقاط طواف الوداع عن الحائض:

عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: أُمر الناس أن يكون آخر عهدهم بالبيت إلا أنه خفِّف عن الحائض[16].

قال الخرقي: "والمرأة إذا حاضت قبل أن تودِّع خرجت ولا وداع عليها ولا فدية"، قال ابن قدامة: "وهذا قول عامة فقهاء الأمصار"[17].


[1] أخرجه أحمد (6/100-101)، وأبو داود في الحدود، باب: في المجنون يسرق أو يصيب حدًا (4398)، والنسائي في الطلاق، باب: من لا يقع طلاقه من الأزواج (3432)، وابن ماجه في الطلاق، باب: طلاق المعتوه والصغير والنائم (2041)، وصححه الحاكم (2/59)، ووافقه الذهبي، وخرجه الألباني في الإرواء (297) وقال: "صحيح".

[2] المفصل في أحكام المرأة (4/ 176).

[3] أخرجه أحمد (6/ 256)، وأبو داود في الطهارة، باب: في الرجل يجد البلة في منامه (236)، والترمذي في الطهارة، باب: ما جاء فيمن يستيقظ فيرى بللاً ولا يذكر احتلامًا (113) عن عائشة رضي الله عنها، وصححه الشيخ أحمد شاكر في تعليقه على الترمذي بشواهده (1/190-192)، والألباني في السلسلة الصحيحة (2863).

[4] معالم السنن (1/161).

[5] الإحكام في أصول الأحكام (3/337).

[6] الإحكام في أصول الأحكام (3/341-342).

[7] أخرجه البخاري في الحيض، باب: ترك الحائض الصوم (304)، ومسلم في الإيمان (79) عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه.

[8] شرح صحيح مسلم (1/637).

[9] هو من علماء الحنفية، توفي في جمادى الآخرة سنة 546هـ. انظر: الجواهر المضية، وأبجد العلوم (2/497).

[10] محاسن الإسلام (ص 35).

[11] أخرجه البخاري في الحيض، باب: لا تقضي الحائض الصلاة (321)، ومسلم في الحيض، باب: وجوب قضاء الصوم على الحائض دون الصلاة (335).

[12] الأوسط (2/203).

[13] فتح الباري (1/502).

[14] أخرجه الترمذي في الصوم، باب: ما جاء في الرخصة في الإفطار للحبلى والمرضع (715)، والنسائي في الصيام، ذكر اختلاف معاوية بن سلام وعلي بن المبارك (2274)، وقال الترمذي: "حسن"، وصححه الألباني في صحيح سنن الترمذي (575).

[15] المغني (4/ 394).

[16] أخرجه البخاري في الحج، باب: طواف الوداع (1755)، ومسلم في الحج (1328).

[17] المغني (5/341).

 

.