اما بعد :
ايها المسلمون: اتقوا الله فيما أوجبه عليكم، تعلمون أن الصلاة هي آكد أركان الإسلام بعد الشهادتين، وهي عمود الدين، واول ما يحاسب عنه العبد يوم القيامة. وتعلمون أن هذه الصلاة شرعت في أوقات معينة، لا يجوز تاخيرها عنها أو تقديمها عليها من غير عذر شرعي كسفر أو مرض يبيحان الجمع بين الصلاتين. قال تعالى: فخلف من بعدهم خلف أضاعوا الصلاة واتبعوا الشهوات فسوف يلقون غياً إلا من تاب [مريم:59-60]. قال ابن مسعود: ليس معنى أضاعوها تركوها بالكلية. ولكن أخروها عن أوقاتها. وقال سعيد ابن المسيب إمام التابعين: هو أن لا يصلي الظهر حتى ياتي العصر، ولا يصلي العصر إلى المغرب. ولا يصلي المغرب إلى العشاء. ولا يصلي العشاء إلى الفجر. ولا يصلي الفجر إلى طلوع الشمس. فمن مات وهو مصرٌ على هذه الحالة ولم يتب اوعده الله بغيّ، وهو واد في جهنم بعيد قعره شديد عقابه. وقال تعالى: يا أيها الذين آمنوا لا تلهكم اموالكم ولا أولادكم عن ذكر الله ومن يفعل ذلك فاولئك هم الخاسرون . قال جماعة من المفسرين: المراد بذكر الله الصلوات الخمس. فمن اشتغل عن الصلاة في وقتها بماله كبيعه او صنعته او ولده كان من الخاسرين. ولهذا قال – - ((أول ما يحاسب العبد عنه يوم القيامة من عمله: صلاته، فإن صلحت فقد أفلح وأنجح، وإن نقصت فقد خاب وخسر)). وقال تعالى: فويل للمصلين الذين هم عن صلاتهم ساهون [الماعون:4-5]. قال – -: ((هم الذين يؤخرون الصلاة عن وقتها ))- وأخرج أحمد بسند جيد والطبراني وابن حبان في صحيحه. أنه – - ذكر الصلاة يوما فقال: ((من حافظ عليها كانت له نورا وبرهانا ونجاة يوم القيامة. ومن لم يحافظ عليها لم تكن له نور ولا برهان ولا نجاة. وكان يوم القيامة مع قارون وفرعون وهامان وأُبّي بن خلف)) - قال بعض العلماء: إنما حشر مع هؤلاء لأنه إن اشتغل عن الصلاة بماله أشبه قارون فيحشر معه، او بملكه أشبه فرعون فيحشر معه، او بوزارته أشبه هامان فيحشر معه، او بتجارته أشبه أُبي بن خلف تاجر كفار مكة فيحشر معه. وروى الشيخان والأربعة: ((الذي تفوته صلاة العصر كأنما وتر أهله وماله)). زاد ابن خزيمة في صحيحه :قال مالك تفسيره يعني: ذهاب الوقت. وروى البخاري عن سمرة بن جندب - - قال: كان رسول الله عليه وسلم مما يكثر أن يقول لأصحابه: ((هل رأى أحد منكم من رؤيا؟))، فيقص عليه ما شاء الله أن يقص، وانه قال لنا ذات غداة: ((انه أتاني الليلة آتيان، وإنهما ابتعثاني. وإنهما قالا لي: انطلق، وإني انطلقت معهما ،وإنا أتينا على رجل مضطجع، واذا آخر قائم عليه بصخرة، واذا هو يهوي بالصخرة على رأسه فيثلغ رأسه فيتدهده الحجر – أي فيتدحرج – ها هنا، فيتبع الحجر فيأخذه فلا يرجع إليه حتى يصح رأسه كما كان، ثم يعود إليه فيفعل به مثل ما فعل في المرة الاولى – قال: قلت لهما: سبحان الله ما هذان؟ فاخبراه أنه الرجل ياخذ القرآن فيرفضه، وينام عن الصلاة المكتوبة )). وفي حديث البزار قال: ثم اتى النبي - - على قوم ترضخ رؤوسهم بالصخر، كلما رضخت عادت كما كانت، ولا يفتر عنهم من ذلك شيء. قال: يا جبريل: من هؤلاء؟ قال: هؤلاء الذين ثقلت رؤوسهم عن الصلاة.
عباد الله: إن الصلاة اليوم قد خف ميزانها عند كثير من الناس فتهاونوا بها، فمنهم من يتهاون بشروطها وأركانها وواجباتها؛ فلا يأتي بها كاملة ،ولا يتعلمها ويتفهمها حتى يأتي بها على وجهها؛ فربما يخل بشرط من شروطها، أو ركن من أركانها، فلا تصح صلاته ويستمر على هذه الحالة يظن أنه يصلي وهو لا يصلي، وقد رأى النبي – - رجلا في قدمه لمعة قدر الدرهم لم يصبها الماء، فامره أن يعيد. ورأى رجلا يصلي ولا يطمئن في صلاته ،فقال له: ((ارجع فصل فإنك لم تصل…)). ومنهم من يتهاون بالصلاة مع الجماعة. وهذا من علامات النفاق، ومن ترك الصلاة مع الجماعة من غير عذر شرعي فقد ارتكب جرما عظيما، واستحق عقوبة شديدة في الدنيا والاخرة، بل ذهب جمع من العلماء إلى عدم صحة صلاته التي صلاها وحده.
واليوم نرى من الناس تساهلا عظيما في الصلاة مع الجماعة. فمنهم من لا نراه في المسجد ابداً في جميع الصلوات، وهو يسكن بجوار المسجد. يخرج من بيته لأعماله الدنيوية ولا يخرج من بيته لأداء الصلاة في المسجد وهو يسمع النداء خمس مرات في اليوم والليلة. فيقول: سمعنا وعصينا، والعجيب في الأمر أن مثل هذا الشخص الذي عصى ربه وأبى أن يجيب دعوته ويحضر في المسجد لاداء فريضته. العجيب في الامر ان هذا يسكن معه في البيت رجال من أهله يصلون مع المسلمين، ولا ينكرون عليه بل يتركونه في البيت كأنه ما فعل شيئا، ويؤاكلونه ويشاربونه ويجالسونه!!، فأين الغيرة في الدين ؟! وأين الامر بالمعروف والنهي عن المنكر؟ إن الواجب على هؤلاء ان ينكروا على هذا العاصي أشد الانكار، فإن تاب إلى الله وصلى مع المسلمين، وإلا أخرجوه من مسكنهم، وإن كان المسكن له خرجوا هم من عنده وسكنوا في بيت بعيد عنه. فلا محاباة ولا مداهنة في دين الله. وإن كانوا يرجون من الشخص العاصي طمعا دنيويا – فما عند الله خير وابقى والله خير الرازقين [الجمعة:11]، ومن يتق الله يجعل له مخرجاً ويرزقه من حيث لا يحتسب [الطلاق:2-3].
والبعض من الناس يصلي مع الجماعة بعض الصلوات ويترك الجماعة في البعض الآخر كصلاة الفجر، فإن الذين يتخلفون عن صلاة الفجر مع الجماعة كثير، وقد أخبر النبي أن ذلك من علامات النفاق. وسمعتم في الحديثين السابقين أن الذين تثاقلت رؤوسهم عن صلاة الفجر ترضخ رؤوسهم بالحجارة في قبورهم يوم نشورهم، وكلما رضخت عادت كما كانت، ولا يزال هذا دأبهم والعياذ بالله … ومما يسبب النوم عن صلاة الفجر في هذا الزمان أن كثيرا من الناس يسهرون الليل إما على قيل وقال، وإما على لهو ولعب واستماع أغان ومزامير، وإما على مشاهدة أفلام تعرض في التلفزيون أو الفيديو، وقد تكون أفلاما خليعة. فإذا أقبل طلوع الفجر ناموا عن الصلاة – فهؤلاء سهروا على محرم وناموا عن واجب؛ وهكذا المعاصي يجر بعضها بعضا. ولو أن إنسانا سهر على تلاوة القران ونام عن الصلاة لكان سهره حراما، فكيف بالذي يسهر على معصية الله وينام على طاعة الله؟ وقد يضيف إلى ترك الجماعة جريمة أخرى وهي إخراج الصلاة عن وقتها، فلا يصليها إلا بعد طلوع الشمس. فيكون من الذين هم عن صلاتهم ساهون.
أيها المسلمون: إن المسلم الذي تهمه صلاته لا ينام عن صلاة الفجر ولا يتخلف عن الجماعة، فالمسلم يعمل الاحتياطات التي توقظه للصلاة، ومن ذلك أن ينام مبكراً حتى يستيقظ مبكرا، ومن ذلك ان يوصي من يوقظه من أهله او جيرانه. ومن ذلك أن يجعل عنده ساعة تدق عند حلول الوقت، بل أن الانسان إذا نام على نية الاستيقاظ للصلاة فإن الله يهيئ له ما يوقظه، لكن إذا لم يبال بالصلاة ولم تخطر على باله، فإن الشيطان يستحوذ عليه ويثبطه .
فاتقوا الله عباد الله في امور دينكم عامة، وفي صلاتكم خاصة، فإنها اخر ما يفقد من الدين فليس بعدها دين.
فخلف من بعدهم خلف اضاعوا الصلاة واتبعوا الشهوات فسوف يلقون غيا الا من تاب وامن وعمل صالحا فأولئك يدخلون الجنة ولا يظلمون شيئا [مريم:59-60].
|