عنوان الخطبة

النار أهلها وأهوالها

اسم الخطيب

صالح بن عبد الله بن حميد

رقم الخطيب

2

رقم الخطبة

42

اسم المسجد

المسجد الحرام

تاريخ الخطبة

 

ملخص الخطبة

حال الخائفين حقاً من النار – صفة النار وحال أهلها أعاذنا الله منها – بعض الأعمال المتوعد عليها بالنار – بعض الأعمال المُنجية من النار

الخطبة الأولى

 

أما بعد:

فأوصيكم ـ أيها الناس ـ ونفسي بتقوى الله عز وجل: وَٱتَّقُواْ يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى ٱللَّهِ اتقوا يومًا الوقوف فيه طويل والحساب فيه ثقيل.

أيها الإخوة المسلمون، كل نفس لا تحمل إلا حملها، ولا تكسب إلا عليها، ولا تزر وازرة وزر أخرى، ولسوف تأتى كل نفس تجادل عن نفسها.

أهلكت كثيرًا من الناس الأماني، إيمان بلا أثر، وقول بلا عمل، ترى فيهم رجالا ولا ترى عقولا، وتسمع حسيسًا ولا ترى أنيسًا، عرفوا ثم أنكروا، وحرموا ثم استحلوا. يقول الحسن البصري رحمه الله: أمؤمنون بيوم الحساب هؤلاء؟!! كلا، كذبوا ومالك يوم الدين.

لا يدخل الجنة إلا من يرجوها، ولا يسلم من النار إلا من يخافها، ورود النار متيقَّن: وَإِن مّنكُمْ إِلاَّ وَارِدُهَا كَانَ عَلَىٰ رَبِّكَ حَتْماً مَّقْضِيّاً [مريم:71] ولكن هل الخروج منها متيقن؟!

أين الخوف من هول ذلك المورد؟ ومن ترى بالنجاة والفكاك يحظى ويسعد؟ يقول موسى بن سعد: كنا إذا جلسنا إلى سفيان كأن النار قد أحاطت بنا لما نرى من خوفه وجزعه. من خاف أدلج ومن أدلج بلغ المنزل: قَالُواْ إِنَّا كُنَّا قَبْلُ فِى أَهْلِنَا مُشْفِقِينَ فَمَنَّ ٱللَّهُ عَلَيْنَا وَوَقَـٰنَا عَذَابَ ٱلسَّمُومِ إِنَّا كُنَّا مِن قَبْلُ نَدْعُوهُ إِنَّهُ هُوَ ٱلْبَرُّ ٱلرَّحِيمُ [الطور:26-28]. حقـًا وصدقـًا، إن هدى الله ورحمته للذين هم لربهم يرهبون.

أيها الإخوة في الله، وهذا حديث ذكرى وتذكير، وإنذار وتخويف عما أخبر به الكتاب وصحت به الأخبار عن رسولنا محمد من الوعيد للمكذبين، والخوف على المقصرين، حديث عن النار وأهلها وأهوالها أعاذنا الله منها بمنِّه وكرمه: يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ قُواْ أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً وَقُودُهَا ٱلنَّاسُ وَٱلْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَـئِكَةٌ غِلاَظٌ شِدَادٌ لاَّ يَعْصُونَ ٱللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ [التحريم:6].

يقول الحسن البصري رحمه الله: والله ما صدق عبد بالنار إلا ضاقت عليه الأرض بما رحبت، وإن المنافق لو كانت النار خلف ظهره ما صدق بها حتى يتجهم[1] في دركها. والله ما أنذر العباد بشيء أدهى منها. فَأَنذَرْتُكُمْ نَاراً تَلَظَّىٰ لاَ يَصْلَـٰهَا إِلاَّ ٱلاْشْقَى ٱلَّذِى كَذَّبَ وَتَوَلَّىٰ [الليل:14-16]. إنها نار السعير، لا ينام هاربها، وجنة الفردوس لا ينام طالبها.

الخوف من النار فلذ أكباد الصالحين: إِنَّهَا لإِحْدَى ٱلْكُبَرِ نَذِيراً لّلْبَشَرِ لِمَن شَاء مِنكُمْ أَن يَتَقَدَّمَ أَوْ يَتَأَخَّرَ [المدثر:35-37].

ألم تعملوا أن التخويف من النار نال الملائكة المقربين والأنبياء المرسلين؟! اقرأوا في شأن الملائكة: وَمَن يَقُلْ مِنْهُمْ إِنّى إِلَـٰهٌ مّن دُونِهِ فَذٰلِكَ نَجْزِيهِ جَهَنَّمَ كَذَلِكَ نَجْزِى ٱلظَّـٰلِمِينَ [الأنبياء:29]. واقرأوا في حق الأنبياء: وَلاَ تَجْعَلْ مَعَ ٱللَّهِ إِلَـٰهًا ءاخَرَ فَتُلْقَىٰ فِى جَهَنَّمَ مَلُومًا مَّدْحُورًا [الإسراء:39].

أيها الناس، اتقوا النار، اتقوا النار ولو بشق تمرة اتقوا النار بكلمة طيبة. أكثروا من ذكرها، واعملوا للنجاة منها: ذٰلِكَ يُخَوّفُ ٱللَّهُ بِهِ عِبَادَهُ يٰعِبَادِ فَٱتَّقُونِ [الزمر:16]. والنار شر دار، وعذابها شر عذاب، حرها شديد وقعرها بعيد، ومقامعها حديد، يهوي الحجر من شفيرها سبعين خريفـًا ما يدرك قعرها. مسالكها ضيقة، ومواردها مهلكة، يوقد فيها السعير، ويعلو فيها الشهيق والزفير، أبوابها مؤصدة، وعمدها ممددة، يرجع إليها غمها، ويزداد فيها حرها، هي غضب الجبار ورجزه، وسخطه ونقمته.

جثت الأمم على الركب، وتبين للظالمين سوء المنقلب، انطلق المكذبون إلى ظل ذي ثلاث شعب، لا ظليل ولا يغني من اللهب، وأحاطت بهم نار ذات لهب، سمعوا الزفير والجرجرة، وعاينوا التغيظ والزمجرة، ونادتهم الزبانية: فَٱدْخُلُواْ أَبْوَابَ جَهَنَّمَ خَـٰلِدِينَ فِيهَا فَلَبِئْسَ مَثْوَى ٱلْمُتَكَبّرِينَ [النحل:29]. الهاوية تجمعهم، والزبانية تقمعهم، في مضايقها يتجلجلون، وفي دركاتها يتحطمون. ترى المجرمين مقرنين في الأصفاد، سرابيلهم من قطران، وتغشى وجوههم النار. الأغلال في أعناقهم والسلاسل يسحبون، وبالنواصي والأقدام يؤخذون، وفي الحميم ثم في النار يسجرون.

 يصب من فوق رءوسهم الحميم، يصهر به ما في بطونهم والجلود ولهم مقامع من حديد فوق رءوسهم. تكوى جباههم وجنوبهم وظهورهم.

ذُوقُواْ مَسَّ سَقَرَ [القمر:48]. طعامهم الزقوم والضريع، لا يسمن ولا يغني من جوع. شرابهم الحميم والغساق والماء الصديد، يشوي الوجوه ويقطع الأمعاء، ويملأ البطون: يَتَجَرَّعُهُ وَلاَ يَكَادُ يُسِيغُهُ [إبراهيم:17]. وَهُمْ يَصْطَرِخُونَ فِيهَا رَبَّنَا أَخْرِجْنَا نَعْمَلْ صَـٰلِحاً غَيْرَ ٱلَّذِى كُـنَّا نَعْمَلُ أَوَلَمْ نُعَمّرْكُمْ مَّا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَن تَذَكَّرَ وَجَاءكُمُ ٱلنَّذِيرُ فَذُوقُواْ فَمَا لِلظَّـٰلِمِينَ مِن نَّصِيرٍ [فاطر:38]. كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْنَـٰهُمْ جُلُوداً غَيْرَهَا لِيَذُوقُواْ ٱلْعَذَابَ [النساء:56].

يتمنون الموت والهلاك، ولكن أين المفر؟ ومتى الفكاك؟

وَنَادَوْاْ يٰمَـٰلِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ قَالَ إِنَّكُمْ مَّـٰكِثُونَ لَقَدْ جِئْنَـٰكُم بِٱلْحَقّ وَلَـٰكِنَّ أَكْثَرَكُمْ لِلْحَقّ كَـٰرِهُونَ [الزخرف:77،78].

ثم يعلو شهيقهم، ويزداد زفيرهم، وقد حيل بينهم وبين ما يشتهون، فيعظم يأسهم، ويرجعون إلى أنفسهم: سَوَاء عَلَيْنَا أَجَزِعْنَا أَمْ صَبَرْنَا مَا لَنَا مِن مَّحِيصٍ [إبراهيم:21]. نعوذ بالله ربنا من غضبه وأليم عقابه وعذابه.

أيها الإخوة، هذه أخبار صدق عن جهنم  ولظى، وأنباء حق عن السعير والحُطمة، والله لتملأن والله لتملأن: وَلَـٰكِنْ حَقَّ ٱلْقَوْلُ مِنْى لاَمْلانَّ جَهَنَّمَ مِنَ ٱلْجِنَّةِ وَٱلنَّاسِ أَجْمَعِينَ [السجدة:13].

فويل لكل مشرك ومشركة، وويل لكل خبيث وخبيثة ممن طغى وبغى وآثر الحياة الدنيا، ولم يؤمن بيوم الحساب: يُعْرَفُ ٱلْمُجْرِمُونَ بِسِيمَـٰهُمْ [الرحمن:41]. حَلاَّفٍ مَّهِينٍ هَمَّازٍ مَّشَّاء بِنَمِيمٍ مَّنَّاعٍ لّلْخَيْرِ مُعْتَدٍ أَثِيمٍ عُتُلٍ بَعْدَ ذَلِكَ زَنِيمٍ [القلم:10-13]. لا يؤمن بالله العظيم، ولا يحض على طعام المسكين، لم يكُ من المصلين، ولم يكُ يطعم المسكين، يخوض مع الخائضين، ويكذب بيوم الدين. هؤلاء هم أصحاب الجحيم عياذا بالله.

عباد الله، النار موعود بها مدمن الخمر وقاطع الرحم والمصدق بالسحر والمنان والنمام، وما أسفل الكعبين من الإزار ففي النار[2]، موعود بها الذين يكنزون الذهب والفضة ولا ينفقونها في سبيل الله، ومن أشد الناس عذابًا طائفتان: المصورون الذين يضاهئون خلق الله[3]، والذين يعذبون الناس في الدنيا.

يا ترى ما حال المرائين من القراء والعلماء والمجاهدين؟! يأمرون بالمعروف ولا يأتونه، وينهون عن المنكر ويأتونه، يقولون ما لا يفعلون إذا وعظوا عنفوا وإذا وعظوا أنِفُوا.

وأصناف من القضاة في النار، ((ومن غش رعيته فهو في النار))[4]، ((ومن بايع إمامه لا يبايعه إلا لدنيا فإن أعطاه منها وفى وإن لم يعط لم يفِ))[5]، ((ومن اقتطع مال أخيه بيمين فاجرة فليتبوأ مقعده من النار))[6]، ((والذي يشرب في آنية الذهب والفضة فإنما يجرجر في بطنه نار جهنم))[7]. والذين يأكلون أموال اليتامى ظلما إنما يأكلون في بطونهم نارًا وسيصلون سعيرًا.

وويل لأكلة الربا ثم ويل لأكلة الربا، و((كل جسد نبت من سحت فالنار أولى به))[8].

((وصنفان من أهل النار: قوم معهم سياط كأذناب البقر يضربون بها الناس، والكاسيات العاريات المائلات المميلات على رءوسهن كأسنمة البخت لا يدخلن الجنة ولا يجدن ريحها))[9]، ((والنائحة إذا لم تتب تقام يوم القيامة وعليها سربال من قطران ودرع من جرب))[10]، ((والمكر والخداع في النار))[11]، ((والفجور يهدي إلى النار))[12]، ((وشر الناس منزلة عند الله من تركه الناس اتقاء فحشه))[13]، وويل للذين يحبون أن تشيع الفاحشة في الذين آمنوا لهم عذاب أليم في الدنيا والآخرة.

أيها الأحبة، رحمني الله وإياكم ووقانا عذاب السموم: هذه ألوان من أهوال النار، وصنوف من أهلها؛ فاتقوا الله واتقوا النار، اتقوا النار بالبكاء من خشية الله؛ فلن يلج النار رجل بكى من خشية الله حتى يعود اللبن في الضرع، وعينان لا تمسهما النار؛ عين بكت من خشية الله، وعين باتت تحرس في سبيل الله. ومن صام يومًا زحزحه الله عن النار سبعين خريفـًا .

تعوذوا بالله من النار؛ فهذا دأب الصالحين الذاكرين.

ملائكة الله السياحون يمرون بمجالس الذكر ثم يسألهم ربهم عن أحوال الذاكرين فيقول لهم وهو أعلم بهم: مِمَّ يتعوذون؟ فيقولون: من النار. فيقول: وهل رأوها ؟ قالوا: لا. والله ما رأوها. فيقول: كيف لو رأوها؟ فيقولون: لو رأوها كانوا أشد منها فرارًا وأشد منها مخافة؟ قال فيقول: إني أشهدكم أني قد غفرت لهم[14].

وجاء في خبر آخر: ((ما سأل رجل مسلم الجنة ثلاثـًا، إلا قالت الجنة: اللهم أدخله الجنة. ولا استجار رجل مسلم من النار ثلاثـًا، إلا قالت النار: اللهم أجره مني))[15].

اللهم أجرنا من النار، اللهم أجرنا من النار، اللهم أجرنا من النار.

رَبَّنَا إِنَّنَا ءامَنَّا فَٱغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَقِنَا عَذَابَ ٱلنَّارِ [آل عمران:16].

رَبَّنَا ٱصْرِفْ عَنَّا عَذَابَ جَهَنَّمَ إِنَّ عَذَابَهَا كَانَ غَرَاماً [الفرقان:66، 67].

نفعني الله وإياكم بالقرآن العظيم...

 




[1] يتجهم: أي يقع.

[2] صحيح، أخرجه البخاري: كتاب اللباس – باب ما أسفل من الكعبين فهو في النار، حديث (5787).

[3] صحيح، أخرجه البخاري: كتاب اللباس – باب ما وطئ من التصاوير، حديث (5954)، ومسلم: كتاب اللباس والزينة – باب تحريم تصوير صورة الحيوان... حديث (2107).

[4] صحيح، أخرجه البخاري: كتاب الأحكام – باب من استُرعي رعية فلم ينصح، حديث (7150، 7151)، ومسلم: كتاب الإيمان – باب استحقاق الوالي الغاش... حديث (142) عن معقل بن يسار قال: سمعت رسول الله يقول: ((ما من عبد يسترعيه الله رعيّة، يموت يوم يموت وهو غاش لرعيته، إلا حرّم الله عليه الجنة))، واللفظ لمسلم.

[5] صحيح، أخرجه البخاري: كتاب المساقاة – باب إثم من منع ابن السبيل من الماء، حديث (2358)، ومسلم: كتاب الإيمان – باب بيان غلظ تحريم إسبال الإزار... حديث (108) واللفظ له.

[6] صحيح، أخرجه مسلم: كتاب الإيمان – باب وعيد من اقتطع حق مسلم بيمين فاجرة بالنار، حديث (137) وانظر البخاري: كتاب المساقاة – باب إثم من منع ابن السبيل من الماء، حديث (2358).

[7] صحيح، أخرجه البخاري: كتاب الأشربة – باب آنية الفضة، حديث (5634)، ومسلم: كتاب اللباس والزينة – باب تحريم استعمال أواني الذهب والفضة في الشرب، حديث (2065).

[8] صحيح، أخرجه أحمد (3/321)، والترمذي: كتاب الجمعة – باب ما ذُكر في فضل الصلاة، حديث (614)، والدرامي: كتاب الرقاق – باب في أكل السحت، حديث (2776) بنحوه. وصححه ابن حبان (1723)، والحاكم (4/422). وقال المنذري: رواتهما محتج بهم في الصحيح. الترغيب (3/134)، وقال الهيثمي: رجالهما رجال الصحيح (5/247).

[9] صحيح، أخرجه مسلم: كتاب اللباس والزينة – باب النساء والكاسيات العاريات – حديث (2128).

[10] صحيح، أخرجه مسلم: كتاب الجنائز – باب التشديد في النياحة، حديث (934).).

[11] صحيح، أخرجه الطبراني في الكبير (10234) وابن عدي في الكامل (2/161) في ترجمة: جراح بن ميليح، والحاكم (4/607)، والبيهقي في الشعب (5268)، وصححه ابن حبان (567) وجوّد المنذري إسناده. الترغيب (2/359). وقال الحافظ في الفتح (4/256): إسناده لا بأس به. ثم قوّاه. وصححه الألباني، السلسلة الصحيحة (1057).

[12] صحيح، جزء من حديث متفق عليه، أخرجه البخاري في كتاب الأدب – باب قول الله تعالى: يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله...، حديث (6094) ومسلم في كتاب البر والصلة والآداب – باب قبح الكذب وحسن الصدق وفضله، حديث (2607).

[13]صحيح، أخرجه البخاري: كتاب الأدب – باب لم يكن النبي فاحشاً، حديث (6032) و(6054)، ومسلم: كتاب البر والصلة والآداب – باب مداراة من يتقى فحشه، حديث (2591).

[14] صحيح، أخرجه البخاري: كتاب الدعوات – باب فضل ذكر الله عز وجل، حديث (6408)، ومسلم: كتاب الذكر والدعاء والتوبة والاستغفار – باب فضل مجالس الذكر، حديث (2689).

[15] صحيح، أخرجه أحمد (3/117)، والترمذي: كتاب صفة الجنة – باب ما جاء في صفة أنهار الجنة، حديث (2572)، والنسائي: كتاب الاستعاذة – باب الاستعاذة من حر النار، حديث (5521)، وابن ماجه: كتاب الزهد – باب صفة الجنة، حديث (4340). وصححه ابن حبان (1014) والحاكم (1/534-535) وذكره الضياء في الأحاديث المختارة (4/388-390). وقال المنذري: رواه أبو يعلى بإسناد على شرط البخاري ومسلم. الترغيب (4/243)، وصححه الألباني، صحيح سنن الترمذي (2079) وصحيح الترغيب (3653، 3654).

الخطبة الثانية

 

الحمد لله المبدئ المعيد، ذي البطش الشديد، الفعال لما يريد، أحمده سبحانه وأشكره؛ فبالشكر تدوم النعم وتزيد، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمدًا عبده ورسوله أنذر القريب والبعيد، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأزواجه وأصحابه والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.

أما بعد:

فيا أيها الناس، أزعج ذكر النار قلوب الخائفين، وأطار النوم من عيون المتعبدين.

أيها الإخوة، شاهدوا موقف القيامة بقلوبكم، وانظروا في منصرف الفريقين إلى الجنة والنار بهممكم.

أشعروا أفئدتكم وأبدانكم ذكر النار ومقامعها، وأطباقها ودركاتها ووقودها وحجارتها، السلاسل والأغلال، والسعير والحميم، والغساق والغسلين، وسقر والهاوية.

اذكروا بعد القعر، واشتداد الحر. ابكوا وتباكوا، اعرضوا على قلوبكم تقلب الظالمين بين أطباق النيران: لَهُمْ مّن فَوْقِهِمْ ظُلَلٌ مّنَ ٱلنَّارِ وَمِن تَحْتِهِمْ ظُلَلٌ [الزمر:16]. كُلَّمَا خَبَتْ زِدْنَاهُمْ سَعِيرًا [الإسراء:97]. خُذُوهُ فَغُلُّوهُ ثُمَّ ٱلْجَحِيمَ صَلُّوهُ ثُمَّ فِى سِلْسِلَةٍ ذَرْعُهَا سَبْعُونَ ذِرَاعاً فَاْسْلُكُوهُ [الحاقة:30-32] فِى سَمُومٍ وَحَمِيمٍ وَظِلّ مّن يَحْمُومٍ لاَّ بَارِدٍ وَلاَ كَرِيمٍ [الواقعة :42-44].

ألا فاتقوا الله رحمكم الله: اللهم إنا نعوذ بك من النار وما قرب إليها من قول وعمل. واتقوا النار التي أعدت للكافرين.