عنوان الخطبة

الثبات على الطاعة

اسم الخطيب

سعود بن إبراهيم الشريم

رقم الخطيب

14

رقم الخطبة

2253

اسم المسجد

المسجد الحرام

تاريخ الخطبة

6/10/1422

ملخص الخطبة

1- سرعة انصرام الأوقات. 2- مظاهر الكسل والفتور بعد رمضان. 3- العبرة بحقائق العبادات وآثارها. 4- حال من يرجع إلى المعاصي بعد الطاعة. 5- المداومة على الطاعة. 6- الضعف من طبيعة البشر. 7- العبادات الثوابت. 8- تقلّب القلب. 9- الفرح بالعيد وضوابطه. 10- استحباب صيام ست من شوال. 11- استحباب صيام أيام البيض.

الخطبة الأولى

أما بعد:

فاتقوا الله معاشر المسلمين، وراقبوه في السر والعلن، واعبدوه كأنكم ترونه، فإن لم تكونوا ترونه فإنه يراكم، وَتَوكَّلْ عَلَى ٱلْعَزِيزِ ٱلرَّحِيمِ ٱلَّذِى يَرَاكَ حِينَ تَقُومُ وَتَقَلُّبَكَ فِى ٱلسَّـٰجِدِينَ إِنَّهُ هُوَ ٱلسَّمِيعُ ٱلْعَلِيمُ [الشعراء:217-220].

عباد الله، إن في كرِّ الأيام والليالي لعبرةً، والأيام تمر مرَّ السحاب، عشيةٌ تمضي، وتأتي بكرة، وحساب يأتي على مثقال الذرة، والناس برُمَّتم منذ خُلقوا لم يزالوا مسافرين، وليس لهم حطٌّ عن رحالهم إلا في الجنة أو في السعير، ألا وإن سرعة حركة الليل والنهار لتؤكِّد تقارب الزمان الذي هو من أشراط الساعة كما صحَّ بذلكم الخبر عن الصادق المصدوق صلوات الله وسلامه عليه[1]. وهذا كله – عباد الله – يُعدُّ فرصةً عظمى لإيقاظ ذوي الفطن وأصحاب الحجى، لفعل الخير، والتوبة النصوح، وإسداء المعروف، وترك ما يشين، وَهُوَ ٱلَّذِى جَعَلَ ٱلَّيْلَ وَٱلنَّهَارَ خِلْفَةً لّمَنْ أَرَادَ أَن يَذَّكَّرَ أَوْ أَرَادَ شُكُوراً [الفرقان:62].

لقد ظل المسلمون جميعاً شهراً كاملاً ينالون من نفحات ربهم، ويورون الله من أنفسهم متقلِّبين في ذلك بين دعاء وصلاة وذكر وصدقة وتلاوةٍ للقرآن، ولكن سرعان ما انقضت الأيام، وتلاشت الذكريات، وكأنها أوراق الخريف عصفت بها الريح على أمر قد قدر، أو بلابل روح قد هدأ تغريدها، وإلى الله المصير.

أيها المسلمون، إن من يقارن أحوال الناس في رمضان وبعد رمضان ليأخذ العجبُ من لبِّه كلَّ مأخذ، حينما يرى مظاهر الكسل والفتور والتراجع عن الطاعة في صورة واضحة للعيان، وكأنَّ لسان حالهم يحكي أن العبادة والتوبة وسائر الطاعات لا تكون إلا في رمضان، وما علموا أن الله سبحانه هو رب الشهور كلها، وما شهر رمضان بالنسبة لغيره من الشهور إلا محط تزود وترويض على الطاعة والمصابرة عليها، إلى حين بلوغ رمضان الآخر، ولا غرْو في ذلك عباد الله، فالله جل وعلا أتبع فرض الصيام على عباده بقوله: لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ [البقرة:21].

ومن هنا – عباد الله – كان لزاماً علينا أن ننظر إلى حقائق العبادات وآثارها، لا إلى صورها ورسومها، إذ كم من مجهد نفسه كان حظه من صيامه الجوعَ والعطش، وكم من مواصل للعبادة فيه فكان حظه فيه التعب والسهر، وآكد ما يدل على ذلك حينما يُسائل الناس أنفسَهم: كم مرة قرؤوا القرآن في رمضان؟ وكم سمعوا فيه من حِكَم ومواعظ وعبر؟ ألم يسمعوا كيف فعل ربهم بعاد إرم ذات العماد التي لم يخلق مثلها في البلاد؟! ألم يقرؤوا صيحة عاد، وصاعقة ثمود، وخسف قوم لوط؟ ألم يقرؤوا الحاقة والزلزلة والقارعة وإذا الشمس كورت؟! فسبحان الله، ما هذا الران الذي على القلوب؟! أَفَلاَ يَتَدَبَّرُونَ ٱلْقُرْءانَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِندِ غَيْرِ ٱللَّهِ لَوَجَدُواْ فِيهِ ٱخْتِلَـٰفاً كَثِيراً [النساء:82]. أفقُدَّت قلوبنا بعد ذلك من حَجَر؟! أمْ خُلقت من صخر صلب؟! ألا فليت شعري، أين القلب الذي يخشع والعين التي تدمع؟ فلله كم صار بعضها للغفلة مرتعاً، وللأُنس والقربة خراباً بلقعاً، وحينئذ لا الشاب منا ينتهي عن الصبوَة، ولا الكبير فينا يلتحق بالصفوَة، بل قد فرطنا في كتاب ربنا في الخلوة والجلوَة، وصار بيننا وبين الصفاء أبعد ما بين المروة والصفا، فلا حول ولا قوة إلا بالله، أَفَلاَ يَتَدَبَّرُونَ ٱلْقُرْءانَ أَمْ عَلَىٰ قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا إِنَّ ٱلَّذِينَ ٱرْتَدُّواْ عَلَىٰ أَدْبَـٰرِهِمْ مّن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ ٱلْهُدَى ٱلشَّيْطَـٰنُ سَوَّلَ لَهُمْ وَأَمْلَىٰ لَهُمْ [محمد:24، 25].

ألا فاعلموا – يا رعاكم الله – أن من قارب الفتور والكسل بَعُد عنه النصب والاجتهاد، ومن ادعى الترويح والتسلية وُكِل إلى نفسه، ومن وُكِل إلى نفسه فقد وُكِل إلى ضيعة، فإياك إياك – أيها المسلم – أن تغتر بعزمك على ترك الهوى في رمضان بمقاربة الفتنة بعده، فإن الهوى مُكايد، وكم من صنديد شجاع في غبار الحرب اغتيل، فأتاه ما لم يحتسب ممن يأنف النظر إليه، واذكروا – رحمكم الله – حمزة مع وحشي رضي الله عنهما.

إن من وقع في التقصير بعد التمام، أو تمكن من الذنوب بعد الإقلاع عنها لهو أبعد ما يكون عن الفوز بالطاعة، ولو غشَّ نفسه بعبادات موسمية ذات خِداج، إلا أنها لا تبرح مكانها بل لربما وجد معها خفيّ العقوبة الرئيس، وهو سلب لذة المناجاة وحلاوة التعبد، إلا رجالٌ مؤمنون ونساء مؤمنات من عبَّاد رب الشهور كلها، بواطنهم كظواهرهم، شوالهم كرمضانهم، الناس في غفلاتهم، وهم في قطع فلاتهم، وحينئذ أخْلِقوا بذي الصبر أن يحظى بحاجته، وبمدمن القرع للأبواب أن يلج، ولأجل هذا لم يكن العجب في أن يَغلب الطبع، وإنما العجب في أن يُغلب الطبع، وأمثال هؤلاء هم – ولا شك – ممن يسيرون على هدي المصطفى في المداومة على الطاعة. نعم لرمضان ميزة وخصوصية في العبادة ليست في غيره من الشهور، بيْد أنه ليس هو محل الطاعة فحسب، ولذلك كان النبي جواداً في كل حياته غير أنه يزداد جوده إذا حلَّ رمضان[2]، ناهيكم عن أن الرجوع والنكوص عن العمل الصالح هو مما استعاذ منه النبي بقوله فيما صح عنه: ((وأعوذ بك من الحور بعد الكور))[3] والله جل وعلا يقول: وَلاَ تَكُونُواْ كَٱلَّتِى نَقَضَتْ غَزْلَهَا مِن بَعْدِ قُوَّةٍ أَنكَـٰثًا [النحل:92]. ويؤكد ذلك ما قاله في دعائه المشهور: ((واجعل الحياة زيادة لي في كل خير))[4]، إذ لم يُقصر الخير على شهر رمضان فحسب، بل إن هذا كله إنما هو استجابة لأمر ربه جل وعلا بقوله: وَٱعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّىٰ يَأْتِيَكَ ٱلْيَقِينُ  [الحجر:99]، فلا منتهى للعبادة والتقرب إلى الله إلا بالموت.

إن مما لا شك فيه أن هناك ضعفاً في البشر لا يملكون أن يتخلصوا منه، وليس مطلوبٌ منهم أن يتجاوزوا حدود بشريتهم، غير أن المطلوب أن يستمسكوا بالعروة الوثقى التي تشدهم إلى الله في كل حين، وتجعل من التدين في جميع جوانب الحياة عندهم ثقافةً وأسرة وإعلاماً من الثوابت التي لا تتغير، ولا تخدَع بها النفس في موسمٍ ما دون غيره، كما أنها تمنعهم في الوقت نفسه – بإذن الله – من التساقط والتهالك، وتحرسهم من الفترة بعد الشرَّة مهما قلَّت مادامت هي على الدوام، فرسول الله يقول: ((يا أيها الناس، خذوا من الأعمال ما تطيقون، فإن الله لا يمل حتى تملوا، وإن أحب الأعمال إلى الله ما دام وإن قل)) [رواه البخاري ومسلم][5].

ولأجل هذا أيها المسلمون، فإن هناك عبادات هي من الثوابت التي لا تتغير بعد رمضان، كالصلاة والزكاة والصدقة، وكذا الدعاء لنفسك ولمن أوصاك به ولإخوانك في الملة والدين من المعوزين والمستضعفين والمجاهدين، ناهيكم عن ثابت التوبة المطلوبة في كل حين وآن، والتي أمرنا الله بها في قوله: وَتُوبُواْ إِلَى ٱللَّهِ جَمِيعاً أَيُّهَ ٱلْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ [النور:31]، وكان يتأولها النبي بقوله: ((إني لأستغفر الله وأتوب إليه في اليوم مائة مرة))[6].

إذا عرفت – أيها المرء – هذه الأمور كلها، فما عليك إلا أن تلزم، ولقد أحسن من انتهى إلى ما سمع أو علم، ولقد ذقت طعم العبادة في رمضان ولذة القرب من الله، فلا تعكرن هذا الصفو بالكدر، والهناء بالشقاء، والقرب بالبعد.

إن البقاء على الطاعة في كل حين أو التهاون عنها كرات ومرات ليعودان في المرء – بإذن الله – إلى القلب، وهو أكثر الجوارح تقلباً في الأحوال، حتى قال فيه المصطفى : ((إنما سُمِّي القلب من تقلبه، إنما مثل القلب كمثل ريشة في أصل شجرة يقلبها الريح ظهراً على بطن)) [رواه أحمد] [7]، ولأجل هذا كان من دعائه : ((يا مقلب القلوب، ثبت قلبي على دينك)) [رواه الإمام أحمد] [8].

وبعدُ يا رعاكم الله، فإن من حق نفسك عليك – أيها المرء – أن تفرح بعيدها، فالله جل وعلا جعل الفرح والروح في الرضا واليقين، وجعل الغم والحزن في السخط والشك، وساخط العيش – عباد الله – هو في الحقيقة كثير الطيش، وكأن الدنيا في عينه سمُّ الخياط، حتى يكون حرضاً أو يكون من الهالكين. والعيد – عباد الله – مسرح للاستئناس البريء، البعيد عن الصخب والعطب، بيتاً ومجتمعاً وإعلاماً، ومتى تجاوز الناس حدود الله في أعيادهم من لهوٍ محرم، وإيذاء للآخرين بالضجيج والأهازيج فما قدروا الله حق قدره، وما شكروه على آلائه، ولقد رأى علي رضي الله تعالى عنه قوماً يعبثون في يوم عيدٍ بما لا يُرضي الله فقال: (إن كان هؤلاء تُقُبل منهم صيامهم فما هذا فعل الشاكرين، وإن كانوا لم يُتقبل منهم صيامُهم فما هذا فعل الخائفين)[9]، ورحم الله ابن القيم حين قال عن الفرح: "إن الله عز وجل سيسوق هذه البضاعة إلى تجارها، ومن هو عارف بقدرها، وإن وقعت في الطريق بيد من ليس عارفاً، فرُبَّ حامل فقه ليس بفقيه، ورُبَّ حامل فقه إلى من هو أفقه منه مَثَلُ ٱلَّذِينَ حُمّلُواْ ٱلتَّوْرَاةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا كَمَثَلِ ٱلْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَاراً [الجمعة:5]"[10].

فعلى المسلم إذاً أن لا يكون مفراحاً إلى درجة الإسراف، لأن الله لا يحب الفرحين من أمثال هؤلاء، إذ بمثل هذا الفرح يتولد الأشر والبطر، ويدل لذلك قوله تعالى: مِن شَرّ ٱلْوَسْوَاسِ ٱلْخَنَّاسِ [الناس:4]. فقد قال بعض المفسرين: إن الشيطان الوسواس ينفث في قلب ابن آدم عند الحزن وعند الفرح، فإذا ذكر الله خنس.

ألا فاتقوا الله معاشر المسلمين، واللهَ اللهَ في الانضباط حال الفرح والسرور والابتهاج، فالمؤمن الصادق لا يفرح إلا فرح الأقوياء الأتقياء، وهو في الوقت نفسه لا يبغي ولا يزيغ، ولا ينحرف عن الصواب، ولا يفعل فعل أصحاب النار الذين قال الله فيهم: ذَلِكُمْ بِمَا كُنتُمْ تَفْرَحُونَ فِى ٱلأرْضِ بِغَيْرِ ٱلْحَقّ وَبِمَا كُنتُمْ تَمْرَحُونَ [غافر:75]، وقد قال علي بن أبي طالب رضي الله عنه: (كل يوم لا يعصي فيه العبد ربه فهو عيد).

بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيهما من الآيات والذكر الحكيم، قد قلت ما قلت، إن صواباً فمن الله، وإن خطأً فمن نفسي والشيطان، وأستغفر الله إنه كان غفاراً.


 



[1] أخرج البخاري في كتاب الجمعة، باب: ما قيل في الزلازل والآيات (1036) واللفظ له، ومسلم في العلم (157) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لا تقوم الساعة حتى يقبض العلم، وتكثر الزلازل، ويتقارب الزمان، وتظهر الفتن)) الحديث.

[2] هو عند البخاري في كتاب: الصوم، باب: أجود ما كان النبي صلى الله عليه وسلم (1902)، ومسلم في: الفضائل (2308) من حديث ابن عباس رضي الله عنهما.

[3] أخرجه أحمد (5/83)، والترمذي في: الدعوات، باب: ما يقول إذا خرج مسافراً (3439)، وأصله في مسلم كتاب الحج (1343) من حديث عبد الله بن سرجس رضي الله عنه.

[4] أخرجه مسلم في: الذكر والدعاء، باب: التعوذ من شر ما عمل ومن شر ما لم يعمل (2720) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.

[5] البخاري في: اللباس، باب: الجلوس على الحصير ونحوه (5862)، ومسلم في: صلاة المسافرين، باب: فضيلة العمل الدائم من قيام الليل وغيره (782) من حديث عائشة رضي الله عنها.

[6] أخرجه مسلم في: الذكر والدعاء، باب: استحباب الاستغفار والإكثار منه (2702) من حديث الأغر المزني رضي الله عنه.

[7] أخرجه أحمد (4/408) بنحوه، وابن ماجه في: المقدمة، باب: القدر (88)، والبزار (8/50) من حديث أبي موسى الأشعري رضي الله عنه . وصححه الألباني في صحيح ابن ماجه (71).

[8] أخرجه أحمد (3/112)، والترمذي في: القدر، باب: ما جاء أن القلوب بين أصبعي الرحمن (2140)، وأبو يعلى (6/35-3687) من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه، قال الترمذي: "وهذا حديث حسن". وصححه الحاكم (1/707)، والضياء في المختارة (6/211)، والألباني كما في المشكاة (102).

[9] أخرجه البيهقي في الشعب (3/346) من قول وهيب بن الورد، ولم أقف عليه من قول علي رضي الله عنه.

[10] مدارج السالكين (1/210).

الخطبة الثانية

الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.

أما بعد:

فاتقوا الله أيها المسلمون، واعلموا أن الشارع الحكيم قد سنّ لكم صيام الست من شوال، وجعل ذلك من متابعة الإحسان بالإحسان، فقد قال النبي : ((من صام رمضان وأتبعه بست من شوال كان كصيام الدهر كله)) [رواه مسلم] [1].

ووجه كون صيام الست بعد رمضان كصيام الدهر هو أن الله جل وعلا جعل الحسنة بعشر أمثالها كما في قوله: مَن جَاء بِٱلْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا [الأنعام:160]. فصيام رمضان يُعدُّ مضاعفاً بعشرة شهور، وصيام الست بستين يوماً، فيتحصَّل من ذلكم أجر صيام سنة كاملة.

والأفضل في صيام هذه الست أن تكون على الفور بعد يوم العيد، وأن تكون متتالية، ومن فرق بينها فلا بأس، ومن أخرها إلى وسط الشهر أو آخره فلا بأس، وهي ليست واجبة، ولا صحَّة لما يظنه بعض العوام من أن من صامها سنة وجبت عليه في السنين الأخرى، بل هي سُنة، من فعلها أثيب عليها، ومن تركها فلا شيء عليه، ومن كان مواظباً عليها في كل عام ثم مرض أو سافر في عام آخر فإنها تكتب له، وإن لم يصمها، لقول النبي في الحديث الصحيح: ((إذا مرض الإنسان أو سافر كتب له ما كان يعمل صحيحاً مقيماً))[2].

كما أنه لا يجوز تقديم صيام الست على أيام القضاء من رمضان؛ لأن من شروط حصول أجر الست من شوال أن يكون المرء قد صام رمضان بأكمله، وبذلك يكون المرء كأنما صام عاماً بأكمله.

ثم إن من أراد الزيادة ومضاعفة الأجر فليحافظ على صيام أيام البيض من كل شهر، وهي يوم الثالث عشر والرابع عشر والخامس عشر من كل شهر، فلقد صح في السنن أن النبي جعل صيامها كصيام الدهر[3]، أي كسنة كاملة، والسنة فيها اثنان وأربعون يوماً من الأيام البيض فقط، ويضاف إليها ستة وثلاثون يوماً لرمضان وست من شوال، فيكون صيام ثمانية وسبعين يوماً في السنة يعدل صيام سنتين كاملتين أي أكثر من سبعمائة يوم، وذَلِكَ فَضْلُ ٱللَّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَاء وَٱللَّهُ ذُو ٱلْفَضْلِ ٱلْعَظِيمِ [الحديد:21].

اللهم صل على محمد وعلى آل محمد، كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم في العالمين إنك حميد مجيد...

 



[1] صحيح مسلم كتاب: الصيام، باب: استحباب صوم ستة أيام من شوال (1164)، من حديث أبي أيوب الأنصاري رضي الله عنه.

[2] أخرجه البخاري في: الجهاد، باب: يكتب للمسافر ما كان يعمل في الإقامة (2996) من حديث أبي موسى رضي الله عنه بنحوه.

[3] أبو داود في: الصوم، باب: في صوم الثلاث من كل شهر (2449)، والنسائي في: الصيام (2431)، وابن ماجه في: الصيام، باب: ما جاء في صيام ثلاثة أيام من كل شهر (1707)، وأحمد (5/28) من حديث قتادة بن ملحان القيسي رضي الله عنه، وصححه الألباني في صحيح أبي داود (2139).