الغناء

عبد الحميد التركستاني

736

محامد و أدعية طباعة الخطبة بدون محامد وأدعية اضف إلى رف الخطب

ملخص المادة العلمية

1- انتشار الغناء في بيوت المسلمين. 2- مشغلة شبابنا بأخبار الفنانين واللاهين. 3- أدلة حمرمة الغناء من الكتاب والسنة. 4- أقوال العلماء في الغناء وذمه. 5- الغناء سبب للعقوبة في الدنيا والآخرة. 6- حرمة بيع أشرطة الغناء ودعوة لترك هذا الكسب الخبيث.

أما بعد:

أيها الناس: اتقوا الله واعلموا أن من أعظم ما يصد عن ذكر الله ويشغل العباد عن طاعته استماع الأغاني والمعازف على اختلاف أنواعها وتعدد أشكالها، تلكم الأغاني التي احتلت غالب بيوت المسلمين اليوم  وحاصرت البيوت التي لم تستطع احتلالها حصارا شديدا تحاول الدخول فيها والتغلغل إلى ساكنيها، لقد فتن بها كثير من الرجال والنساء الذين ضعف إيمانهم وخفت عقولهم، وافتتن بهم شباب الأمة من بنين وبنات فشغلوا أوقاتهم وملأوا أرجاء بيوتهم بأصوات المغنين والمغنيات عبر الأشرطة والإذاعات ومن وراء ذلك الصحف والمجلات الماجنة التي تنوه بشأن هؤلاء المطربين وتنشر أسماءهم وصورهم على صفحاتها لتعريف الناس بهم وترويج بضاعتهم المنتنة الخبيثة وهذا والله من أقسى مصائب اليوم أن نرى دعاة الضلال هؤلاء يلقون إجلالا وهم ينفثون في الناس سماً.

حتى لقد أصبح كثير من الشباب يعرف عن هؤلاء المغنين والمغنيات وأغنياتهم كل دقيق وجليل ويعرف مواقيت بث تلك الأغاني آناء الليل والنهار ولو سألته عن معنى لا إله إلا الله لقال: هاه هاه لا أدري. ولو سألته عن مواقيت الصلاة لقال: لا أدري ولو سألته عن كتاب الله وعن بعض السور القصيرة لقال: لا أدري بل إن بعضهم لا يفرق بين الآية والحديث ولو سئل عن أبسط جزئيات الدين لقال: لا أدري. وكيف يدري ومن أين يدري؟ وهمته متجهة عند ذلك وهو يلقن أغنية فلان

        إذا كنت لا تدري ولم تك بالذي       

                       يسأل من يدري فكيف إذاً تدري

        جهلـت و لم تعلـم بأنك جاهل                       

                         فكيف إذا تدري بأنك لا تدري

        ومن أعجب الأشياء أنك لا تدري               

                          وأنك لا تدري بأنك لا تدري

فإلى الله المشتكى وإلى الله نشكو ما لاقاه إسلامنا، وما يلاقيه من المنحرفين الذين أوقفوا حياتهم على تقويض أركان الإسلام وهدم أصوله وقواعده فشككوا في العقائد وعطلوا الأحكام واعترضوا على الله في التشريع وعلى الرسول في البيان.

قال تعالى: ومن الناس من يشتري لهو الحديث ليضل عن سبيل الله بغير علم ويتخذها هزوا أولئك لهم عذاب مهين وإذا تتلى عليه آياتنا ولى مستكبرا كأن لم يسمعها كأن في أذنيه وقرا فبشره بعذاب أليم .

قال عبد الله بن مسعود : لهو الحديث هو الغناء والذي لا إله غيره - 3 مرات -.

فلهو الحديث هو الغناء وهو كل كلام يلهي القلب، ويأكل الوقت ولا يثمر خيرا ولا يؤتي حصيلة تليق بوظيفة الإنسان المستخلف في هذه الأرض لعمارتها بالخير والصلاح فمن الناس من يشتري هذا اللهو من أشرطة أو آلات موسيقية أو قصائد غزلية يشتريه بماله ويشتريه بوقته ويشتريه بحياته، يبذل تلك الأثمان الغالية في لهو رخيص، يفنى فيه عمره المحدود الذي لا يعاد ولا يعود يشتري هذا اللهو ليضل عن سبيل الله بغير علم ويتخذها هزوا فهو جاهل محجوب لا يتصرف عن علم ولا يرمي عن حكمة وهو سيئ النية والغاية، يريد ليضل عن سبيل الله، يضل نفسه ويضل غيره بهذا اللهو الذي ينفق فيه الحياة وهو سيء الأدب يتخذ سبيل الله هزوا ويسخر من الدين وأهله ومن ثم كان عقابه في الآخرة أن له عذابا مهينا، ووصف العذاب بأنه مهين مقصود هنا للرد على سوء الأدب والاستهزاء بمنهج الله وسبيله القويم فكانت العقوبة بإهانة هؤلاء الساخرين من الدين وأهله.

أيها الإخوة: إن حكم سماع الأغاني والآلات الموسيقية هو الحرمة ومن كان في شك من تحريم الأغاني والموسيقى والمعازف فليزل الشك باليقين من قول رب العالمين والرسول الأمين في تحريمها وبيان أضرارها فهناك النصوص الكثيرة من الكتاب والسنة تدل على تحريم الأغاني، والوعيد لمن استحل ذلك وأصر عليه والمؤمن يكفيه دليل واحد من كتاب الله أو صحيح سنة رسول الله فكيف إذا تكاثرت الأدلة على ذلك وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمرا أن يكون لهم الخيرة من أمرهم ومن يعص الله ورسوله فقد ضل ضلالا مبينا .

والدليل الذي ذكرته قبل قليل كاف في المسألة والعذاب المهين في الآخرة أكبر رادع لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد، ولكن من باب الاستزادة فمن الأدلة من كتاب الله:

قوله تعالى: واستفزز من استطعت منهم بصوتك، قال مجاهد عن ابن عباس رضي الله عنهما: صوت الشيطان هو الغناء والمزامير واللهو.

وقال تعالى: والذين هم عن اللغو معرضون واللغو هو الكلام الباطل والغناء، بلا شك  والذين لا يشهدون الزور قال محمد بن الحنفية: الزور ههنا الغناء والغناء من أعظم الزور.

وأما الأدلة من السنة:

فعن أبي هريرة قال: قال رسول الله : ((يمسخ قوم من هذه الأمة في آخر الزمان قردة وخنازير، قالوا: يا رسول الله، أليس يشهدون أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله؟ قال: بلى، ويصومون ويصلون ويحجون، قيل: فما بالهم؟ قال: اتخذوا المعازف والدفوف والقينات فباتوا على شربهم ولهوهم فأصبحوا وقد مسخوا قردة وخنازير)).

وروى البخاري في صحيحه عن أبي مالك الأشعري أنه سمع النبي يقول: ((ليكونن أقوام من أمتي يستحلون الحرَ والحرير والخمر والمعازف)).

ومعنى يستحلون: إما أنهم يفعلون هذه المحرمات، فعل المستحل لها بحيث يكثرون منها ولا يتحرجون من فعلها وإما أنهم يعتقدون حلها وقد يكون هذا بسبب فتوى ضالة من فتاوى أصحاب الأهواء والمراد بالمعازف في الحديث آلات اللهو من طبل وطنبور وعود وقانون وقيتار ونحوها.

ودلالة هذا الحديث على تحريم الغناء دلالة قطعية ولو لم يرد في المعازف حديث ولا آية سوى هذا الحديث لكان كافيا وخاصة فيما يغني به المطربون اليوم من ألفاظ الفحش والبذاءة والمجاهرة بفنون المجون والخلاعة وذكر أشعار الغزل المتضمن لوصف القدود والخدود والثغور والنهود مع ذكر المحبة والغرام، والاشتياق وما جرى هذا المجرى مما هو أعظم الأسباب في إثارة الوجد والهوى وإزعاج النفوس المريضة إلى طلب العتبا وخلع جلباب الحياء والدعوة إلى الزنا نسأل الله السلامة، وأما حكم الأئمة الأربعة على الغناء واستعمال المعازف والاستماع إليها:

فهذا محمد بن القاسم تلميذ الإمام مالك سأل مالكا عن الغناء فأجابه قائلا: قال تعالى: فماذا بعد الحق إلا الضلال أفحق هو أم باطل؟ وما أحسن جواب الإمام مالك فإن الغناء إن لم يكن حقا فهو باطل وباطل والباطل في النار.

وهل من عاقل يقول إنه حق؟

وقال مرة أيضا وقد سئل عما يترخص به أهل المدينة من الغناء، قال: إنما يفعله عندنا الفساق. فحكم مالك على المغنين والمستمعين والمشتغلين بالغناء والطرب بالفسق والفاسق في حكم الإسلام لا تقبل له شهادة ولا يصلي عليه الأخيار إن مات بل يصلي عليه غوغاء الناس وعامتهم، فمن يريد أن يكون كذلك؟ طبعا لا أحد.

وأما الإمام الشافعي رحمه الله فقال: إن الغناء لهو مكروه يشبه الباطل والمحال ومن استكثر منه فهو سفيه ترد شهادته.

أما الإمام أبو حنيفة رحمه الله فقد كان حكمه أشد وأقسى، فهو يرى الغناء من الذنوب التي يجب تركها والابتعاد عنها وتجب منها التوبة فورا كسائر الذنوب والمعاصي وبالغ أصحابه في النهي عن السماع إلى حد أن قالوا: سماع الأغاني فسق والتلذذ بها كفر.

أما الإمام أحمد فقد قال: الغناء ينبت في القلب النفاق فلا يعجبني. ومذهب تحريم الملاهي عامة، غناء كانت أو ضربا على عود أو مزمارا أو غير هذه، عن أحمد بن حنبل رحمه الله تعالى وعند أصحابه أجمعين، ومع هذا نجد أن المذاهب الأربعة اتفقت على تحريم آلات الطرب كلها أيضا.

قال عمر بن عبد العزيز رحمه الله: الغناء مبدؤه من الشيطان وعاقبته سخط الرحمن. وقال القرطبي: الغناء ممنوع بالكتاب والسنة، وقال ابن الصلاح الغناء مع آله: الإجماع على تحريمه ولم يثبت عن أحد ممن يعتد بقوله في الإجماع والاختلاف أنه أباح الغناء.

وأخيرا فهذا حكم حماة الإسلام وأنصار الشريعة وأمناء الأمة مالك والشافعي وأبي حنيفة وأحمد رحمهم الله أجمعين وهذا حكم واضح وصريح في منع الغناء وتفسيق فاعله والمستمع إليه، كما هو حكم مستمد من كتاب الله وسنة رسوله.

وقد تقدم على حكم الأئمة حكم الله ورسوله وهو كذلك أكثر صراحة وأشد وضوحا في منع الغناء وتحريمه فهل يجوز بعد هذا لمؤمن يحب الله ورسوله أن يقول: إن هذا الغناء الذي يعرفه الناس اليوم مباح حلال؟ وهل يجوز لمسلم يحترم نفسه ويستبرئ لدينه وعرضه أن يعدل عن هذا المنهج القويم، وهذه الجادة الواضحة إلى مسلك أعوج مسلك أناس منحرفون غارقون في شهواتهم ولذاتهم حتى أصبحت حياتهم كلها في خدمة هذا العفن الفني.

 قال ابن القيم رحمه الله:

                      حب القران وحب ألحان الغنا                

                                 في قلب عبد ليس يجتمعان

                  والله ما سلم الذي هو دأبه                    

                                أبداً من الإشراك بالرحمن

                  وإذا تعلق بالسماع أصاره                       

                                 عبدا لكـل فـلانة وفلان

وقال بعض العارفين: الغناء يورث النفاق في قوم والعناد في قوم والكذب في قوم، والرعونة (المياعه) في قوم والخبث في قوم.

وأكثر ما يورث عشق الصور واستحسان الفواحش وإدمان سماعه يثقل القرآن على القلب وسر المسألة أنه قرآن الشيطان فلا يجتمع هو وقرآن الرحمن في قلب أبدا.

والغناء أشد لهوا، وأعظم ضررا من أحاديث الفساق وأخبارهم فإنه رقية الزنا ومنبت النفاق وخمرة العقل وصده عن القرآن أعظم من صد غيره من الكلام الباطل لشدة، إقبال النفوس عليه ورغبتها فيه.

ويوضح ذلك أنه لا يوجد أحد ممن عُني بالغناء وسماع آلاته إلا وفي ضلال عن طريق الهدى علما وعملا وفيه رغبة عن استماع القرآن إلى استماع الغناء بحيث إذا عرض له في المذياع إذاعة القرآن تجده يصرف الموجة بحثا عن أي موجة فيها أغنية وهذا ديدن الكثير من الناس اليوم أصلحهم الله.

ومن أسماء الغناء أنه رقية الزنا وهو اسم موافق لمسّماه ولفظ مطابق لمعناه فليس في رقى الزنى أنجح منه ومن المعلوم: أن المرأة إذا استعصت على الرجل اجتهد أن يسمعها صوت الغناء فحينئذ تعطي الليان.

وهذا لأن المرأة سريعة الانفعال للأصوات جدا فإذا كان الصوت بالغناء صار انفعالها من جهتين من جهة الصوت ومن جهة معناه، ولهذا قال النبي لأنجشه حاديه: ((يا أنجشه رويدك رفقا بالقوارير)) يعني النساء وعن خالد بن عبد الرحمن قال: (كنا في عسكر سليمان بن عبد الملك، فسمع غناء من الليل فأرسل إليهم بكرة، فجيء بهم، فقال: إن الفرس ليصهل فتستودق  له الرمكة، وإن الفحل ليهدر فتضيع له الناقة، وإن التيس لينبت فتستحرم له العنز وإن الرجل ليتغنى فتشتاق إليه المرأة).

وهذا الحطيئة نزل برجل من العرب ومعه ابنته مليكه فلما جنه الليل سمع غناءا فقال لصاحب المنزل: كف هذا عني، فقال: وما تكره من ذلك، فقال: إن الغناء رائد من رائدة الفجور ولا أحب أن تسمعه ابنتي وقال في قصة أخرى: (جنبوني نديّ مجالسكم ولا تسمعوني أغاني شبيبتكم فإن الغناء رقية الزنا).

ولا ريب أن كل غيور يجب عليه أن يجنب أهله سماع الغناء، كما يجنبهن أسباب الريب ومن يسر لأهله سماع رقية الزنا فهو أعلم بالإثم الذي يستحقه.

فلعمر الله كم من حرّة صارت بالغناء من البغايا وكم من حرٍ أصبح به عبدا للصبيان أو الصبايا وكم من غيور تبدّل به اسما قبيحا بين البرايا، وكم من معافى تعرض له فأمسى وقد حلت به أنواع البلايا وكم جرّع من غصّة وأزال من نعمة وجلب من نقمة وذلك منه إحدى العطايا وكم خبّأ لأهله من آلام متنظرة وغموم متوقعة وهموم مستقبلة وعذاب في الآخرة ولعذاب الآخرة أشد وأبقى نسأل الله السلامة والعافية.

محامد و أدعية طباعة الخطبة بدون محامد وأدعية اضف إلى رف الخطب

إلى أعلى