الغيبة

محمد بن سليمان المهوس

3066

محامد و أدعية طباعة الخطبة بدون محامد وأدعية اضف إلى رف الخطب

ملخص المادة العلمية

1- تعريف الغيبة وبيان حرمتها. 2- حرمة المسلم. 3- لماذا يغتاب المفلس؟ ومن المفلس؟ 4- آثار الغيبة على المجتمع وعلى الفرد. 5- اللسان وآفاته وما ينبغي على المسلم في حق لسانه. 6- الحالات التي تباح فيها الغيبة.

أيها الناس، مرضٌ خطير وداءٌ فتاك ومِعول هدام وسلوك يُفرّقُ بين الأحباب وبهتانٌ يغطي على محاسن الآخرين، ألا وهي الغيبة، البذرة التي تُنبت شرورًا في المجتمع المسلم، وتقلب موازينَ العدالة والإنصاف إلى الكذب والجور، والتي وصف الله فاعلها بأبشع الأوصاف وأشنعها: وَلاَ يَغْتَب بَّعْضُكُم بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَن يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ إِنَّ ٱللَّهَ تَوَّابٌ رَّحِيمٌ [الحجرات:12]، يقول عليه الصلاة والسلام فيما رواه مسلم: ((أتدرون ما الغيبة؟)) قالوا: الله ورسوله أعلم، قال: ((ذكرك أخاك بما يكره))، قيل: أفرأيت إنْ كان في أخي ما أقول؟! قال: ((إن كان فيه ما تقول فقد اغتبته، وإن لم يكن فيه فقد بهته)) أي: افتريت عليه الكذب.

ذكرك أخاك بما يكره، سواء كان في بدنه أو في لباسه أو في ولده أو في ثوبه أو في داره أو في دابته، ولا تقتصر الغيبة ـ عباد الله ـ على القول، بل تجري أيضًا في الفعل كالحركة والإشارة.

والغيبة ـ عباد الله ـ كبيرة ٌمن الكبائر، جعلها رسول الله عديلة غصْب المال وقتْلِ النفس بقوله : ((كلُّ المسلم على المسلم حرام: دمه وماله وعرضه)) رواه مسلم.

وتقول عائشة رضي الله عنها: قلت للنبي : حسبك من صفية كذا وكذا تعني قصيرة، فقال: ((لقد قلتِ كلمة لو مُزِجت بماء البحر لمزَجَتْه)) رواه أبو داود والترمذي وقال: "حديث حسن صحيح"، أي: غيرت هذه الكلمة ماء البحر، وقال : ((إن من أربى الربا الاستطالة في عِرْض المسلم بغير حق)) رواه أحمد بسند صحيح، وعن عمرو بن العاص أنه مر على بغل ميت، فقال لبعض أصحابه: (لأن يأكل الرجل من هذا حتى يملأ بطنه خيرٌ له من أن يأكل لحم رجل مسلم).

عباد الله، للغيبة أسباب وبواعثُ، منها شفاءُ المغتاب غيظه بذكر مساوئ من يغتابه، ومنها مجاملةُ الأقران والرفاق ومشاركتُهم فيما يخوضون فيه من الغيبة، وقد قيل: الغيبة فاكهة المجالس، ومنها حسدُ من يُثنِي عليه الناس ويذكرونه بخير، يقول عليه الصلاة والسلام: ((أتدرون من المفلس؟)) قالوا: المفلس فينا من لا درهم له ولا متاع، فقال: ((إن المفلس من أمتي من يأتي يوم القيامة بصلاة وصيام وزكاة، ويأتي وقد شتم هذا وقذف هذا وأكل مال هذا وسفك دم هذا وضرب هذا، فيُعطى هذا من حسناته وهذا من حسناته، فإن فنِيت حسناته قبل أن يُقضى ما عليه أُخذ من خطاياهم فطرحت عليه، ثم طرح في النار)) رواه مسلم.

فتصور ـ أخي المسلم ـ عندما تأتي يوم القيامة بإعمال جليلة، تذهب هدرًا بسبب أكلك للحوم الناس، تنظر إلى سجل أعمالك فتجد بدلاً من الصلاة شرب الخمر أو الزنا، وبدلا من الصيام الربا والرشوة، وعن الزكاة شهادة الزور والسرقة وغيرها، فتسأل عن سبب وجودها، فيقال: هذه سيئات كانت على أناس أكلت لحومَهم واغتبتهم، فأُخذ من سيئاتهم فطرحت عليك، وأُخذ من حسناتك فجعلت في سجل أعمالهم، ولما عُرج برسول الله قال: ((مررت بقوم لهم أَظْفار من نَحاس يَخْمِشون وجوههم وصدورهم، فقلت: من هؤلاء يا جبريل؟ قال: هؤلاء الذين يأكلون لحوم الناس ويَقَعُون في أعراضهم)) والحديث صحيح رواه أبو داود.

عباد الله، الغيبة شر مستطير تؤذي وتضرّ وتجلب الخصام والنفور، مرض اجتماعي يقطع أواصر المحبة بين المسلمين، لذا ينبغي لمن سمع غيبة مسلم أن يردها ويزجر قائلها، وإذا لم يستطع فارق ذلك المجلس، كما قال تعالى: وَإِذَا سَمِعُواْ ٱللَّغْوَ أَعْرَضُواْ عَنْهُ [القصص:55]، وقال تعالى: وَٱلَّذِينَ هُمْ عَنِ ٱللَّغْوِ مُّعْرِضُونَ [المؤمنون:3]، وقال : ((من رد عن عرض أخيه رد الله عن وجهه النار يوم القيامة)) رواه الترمذي وسنده حسن.

وأيضًا على المسلم أن يتقيَ الله في لسانه، فرُبّ كلمة هو قائلها لا يظن أن تبلغ ما بلغت يكتب الله له بها سخطه إلى يوم القيامة، ويقول سفيان بن عبد الله : قلت: يا رسول الله، حدثني بأمر أعتصم به، قال: ((قل: ربي الله، ثم استقم))، قلت: يا رسول الله، ما أخوف ما تخاف عليّ؟ فأخذ بلسان نفسه ثم قال: ((هذا)) رواه ابن ماجه والترمذي. فلا يستقيم إيمان عبد حتى يستقيم قلبه، ولا يستقيم قلبه حتى يستقيم لسانه؛ لأنه ترجمان القلب والمعبر عنه.

عباد الله، روي عن الحسن البصري رحمه الله أن رجلاً قال له: إن فلانًا قد اغتابك، فبعث إليه رُطَبًا وقال: قد بلغني أنك أهديت إليّ من حسناتك، فأردت أن أُكُافِئَكَ عليها، فاعْذرني فإني لا أقدرُ أن أكافئَك على التمام.

فاتقوا الله عباد الله، واجتنبوا الغيبة، وتحللوا ممن اغتبتموهم قبل أن لا يكون دينار ولا درهم، إن كان له عمل صالح أخذ منه بقدر مظلمته، أو أخذ من سيئات صاحبه فحمل عليه.

بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.


 

محامد و أدعية طباعة الخطبة بدون محامد وأدعية اضف إلى رف الخطب

إلى أعلى