الخشوع في الصلاة

زكريا بن محمود الخطيب

1783

محامد و أدعية طباعة الخطبة بدون محامد وأدعية اضف إلى رف الخطب

ملخص المادة العلمية

1- معنى الخشوع. 2- فضل الخشوع. 3- خشوع الجسد تبع لخشوع القلب. 4- تأويل قوله تعالى: الذين هم في صلاتهم خاشعون. 5- حكم الخشوع. 6- حكم صلاة من عُدِم الخشوع.7- هل من الخشوع إغماض العينين؟ 8- درجات الخشوع. 9- خشوع النفاق. 10- الخشوع المحمود. 11- بعض الأسباب المعينة على الخشوع. 12- موانع الخشوع.

معنى الخشوع لغة وشرعاً

أ -  الخشوع لغة :

1- قال ابن منظور في لسان العرب :

 "خَشَعَ يَخْشَعُ خُشُوعاً و اخْتَشَعَ و تَـخَشَّعَ رمى ببصره نـحو الأَرض وغَضَّه وخَفَضَ صَوته. وقوم  خُشَّع:  مُتَـخَشِّعُون. و خَشَع بصرُه: انكسر، ولا يقال اخْتَشَع؛ قال ذو الرمة:

تَـجَلَّـى السُّرى عن كلِّ خِرْقٍ كأَنه        صَفِـيحةُ سَيْفٍ، طَرْفُه غيرُ خاشِع

  واخْتَشَعَ إِذا طأْطأْ صَدْرَه وتواضع، وقيل: الـخُشوع قريب من الـخُضوع إِلا أَنَّ الـخُضوع فـي البدن، وهو الإِقْرار بالاستِـخْذاء، و الـخُشوعَ فـي البَدَن والصوْت والبصر كقوله تعالـى: خاشعةً أَبصارهُم؛ و خَشَعَتِ الأَصواتُ للرحمن، .."[1].

2- وقال صاحب القاموس:

الخُشوعُ: الخُضوعُ، كالاِخْتِشَاعِ، والفعْلُ: كمنَع، أوـ: قَريبٌ من الخُضوعِ، أو هو في البَدَنِ، والخُشُوعُ في الصوتِ والبَصَرِ، وـ: السُّكونُ والتَّذَلُّلُ، وـ في الكَوْكَبِ: دُنُوُّه من الغُروبِ. والخاشِعُ: المكانُ المُغْبَرُّ لا مَنْزِلَ به، والمكانُ لا يُهْتَدَى له، والمُسْتَكِينُ، والراكِعُ [2].

3- وقال في الصحاح:

الـخُشُوعُ: الـخُضوعُ، يقال: خَشَعَ واخْتَشَعَ؛ وخَشَعَ ببصره، أي غَضّهُ.

وبلدةٌ خَاشِعَةٌ، أي مُغْبَرَّةٌ لا منزِل بها، ومكانٌ خَاشِعٌ.

والـخُشْعَةُ، مثال الصُبْرَةِ: أكَمةٌ متواضِعةٌ، وفـي الـحديث: ((كانت الأرض خُشْعَةً علـى الـماء ثم دُحِيَتْ)).

والتَـخَشُّعُ: تكلُّفُ الـخُشوع.

4- المفردات في غريب القرآن :

الخُشوعُ الضّرَاعَةُ وأكْثَرُ ما يُسْتَعْملُ الْخُشوعُ فيما يُوجَدُ عَلَى الجَوَارِحِ. والضّرَاعَةُ أكثرُ مَا تُسْتَعْمَلُ فيما يُوجَدُ في القَلْبِ ولذلك قيلَ فِيما رُوِيَ: إذا ضَرَعَ الْقَلْبُ خَشَعَتِ الجَوَارِحُ، قَال تعالى: ويزيدهم..خشوعا وقال: الذين..خاشعون وكانوا..خاشعين ـ وخشعت الأصوات ـ خاشعة..أبصارهم ـ أبصارها..خاشعة كِنايَةٌ عَنها وَتنبيهاً عَلَى تَزَعْزُعِهَا كقولِه: إذا..رجاً ـ و ـ إذا..زلزالها ـ يوم..سيرا.

5- التفاسير:

القرطبي: الخاشعون جمع خاشع وهو المتواضع، والخشوع هيئة في النفس يظهر منها في الجوارح سكون وتواضع وقال قتادة: "الخشوع في القلب، وهو الخوف وغض البصر في الصلاة. قال الزجاج: الخاشع الذي يرى أثر الذل والخشوع عليه كخشوع الدار بعد الإقواء هذا هو الأصل.

قال النابغة:

رماد ككحل العين لأيا أبينه         ونؤي كجذم الحوض أثلم خاشع

ومكان خاشع: لا يهتدى له. وخشعت الأصوات أي: سكنت. وخشعت خراشي صدره إذا ألقى بصاقا لزجا. وخشع ببصره إذا غضه. والخشعة قطعة من الأرض رخوة، وفي الحديث (كانت خشعة على الماء ثم دحيت بعد) وبلدة خاشعة مغبرة لا منزل بها.

قال سفيان الثوري: "سألت الأعمش عن الخشوع". فقال: "يا ثوري، أنت تريد أن تكون إماما للناس ولا تعرف الخشوع"، سألت إبراهيم النخعي عن الخشوع. فقال: أعيمش، تربد أن تكون إماما للناس ولا تعرف الخشوع، ليس الخشوع بأكل الخشن ولبس الخشن وتطأطأ الرأس لكن الخشوع أن ترى الشريف والدنيء في الحق سواء وتخشع لله في كل فرض أفترض عليك"[3].

وقال الطبري: "الذين هم في صلاتهم متذللون لله بإدامة ما ألزمهم من فرضه وعبادته وإذا تذلل لله فيها العبد رؤية ذلة خضوعه في سكون أطرافه وشغله بفرضه وتركه ما أمر بتركه فيها"[4].

أضواء البيان: "الخشوع: السكون والطمأنينة والانخفاض".

و فسره أبو السعود في تفسيره:  "الخوف والتذلل ".

وفي البحر المحيط بـ:  "الخضوع والتذلل".

وعرفه شيخ الإسلام ابن تيمية:

فقال: "والخشوع   يتضمن معنيين. أحدهما: التواضع والذل. والثاني: السكون والطمأنينة. وذلك مستلزم للين القلب المنافي للقسوة، فخشوع القلب يتضمن عبوديته لله وطمأنينته أيضا، ولهذا كان الخشوع في الصلاة يتضمن هذا وهذا التواضع والسكون.

وعن ابن عباس في قوله- تعالى-: الذين هم في صلاتهم خاشعون. قال: "مخبتون أذلاء". وعن الحسن وقتادة: "خائفون". وعن مقاتل: "متواضعون".  وعن على: "الخشوع في القلب وان تلين للمرء المسلم كنفك ولا تلتفت يمينا ولا شمالاً". وقال مجاهد: "غض البصر وخفض الجناح" [5].

 

ب -  تعريف الخشوع في الشرع :-

- خشية من الله تكون في القلب فتظهر على الجوارح[6].

- السكون والطمأنينة والتؤدة والوقار والتواضع، والحامل عليه الخوف من الله ومراقبته[7].

هو قيام القلب بين يدي الرب بالخضوع والذل[8].

وأجمع هذه التعاريف وأمنعها عندي القول الأول.

فضل الخشوع:

إن الله –  جل وعلا – قد امتدح الخاشعين في مواضع كثيرة في محكم التنزيل، فقال: قد أفلح المؤمنون الذين هم في صلاتهم خاشعون [المؤمنون].

وقال – جل وعلا – مخبراً عن نبيه زكريا وزوجه: فاستجبنا له ووهبنا له يحيى وأصلحنا له زوجة إنهم كانوا يسارعون في الخيرات ويدعوننا رغباً ورهباً وكانوا لنا خاشعين [الأنبياء:90].

وقال – جل وعلا – مادحاً عباده المؤمنين بالخشوع ضمن عشر صفات: إن المسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات والقانتين والقانتات والصادقين والصادقات والصابرين والصابرات والخاشعين والخاشعات والمتصدقين والمتصدقات والصائمين والصائمات والحافظين فروجهم والحافظات والذاكرين الله كثيراً والذاكرات أعد الله لهم مغفرة وأجراً عظيماً [الأحزاب].

وامتدح – جل وعلا –  أولو العلم الذين إذا سمعوا القرآن خروا سجداً خاشعين فقال: قل ءامِنوا به أو لا تؤمنوا إن الذين أوتوا العلم من قبله إذا يتلى عليهم يخرون للأذقان سجداً ويقولون سبحان ربنا إن كان وعد ربنا لمفعولاً ويخرون للأذقان يبكون ويزيدهم خشوعاً [الإسراء].

واستبطأ - سبحانه وتعالى - الخشوع من المؤمنين فعاتبهم قائلاً: ألم يأن للذين آمنوا أن تخشع قلوبهم لذكر الله وما نزل من الحق ولا يكونوا كالذين أوتوا الكتاب من قبل فطال عليهم الأمد فقست قلوبهم وكثيرٌ منهم فاسقون [الحديد].

قال ابن مسعود - رضي الله عنه -: "ما كان بين إسلامنا وأن عوتبنا بهذه الآية إلا أربع سنين"[9].

أما القلوب التي لا تعرف الخشوع .. أما القلوب القاسية  فقد حذرها - جل وعلا - وزجرها، ولم يسوي بينها وبين القلوب العامرة بذكره فقال: أفمن شرح الله صدره للإسلام فهو على نور من ربه فويل للقاسية قلوبهم من ذكر الله أولئك في ضلل مبين [الزمر].

وبين – صلى الله عليه وآله وسلم – فضل الخشوع والبكاء من خشية الله، فقال: ((عينان لا تمسهما النار، عين باتت تحرس في سبيل الله، وعين بكت من خشية الله))[10].

وقال – صلى الله عليه وآله وسلم –: ((لا يلج النار رجل بكى من خشية الله حتى يعود اللبن في الضرع، ولا يجتمع غبار في سبيل الله ودخان جهنم))[11].

وقال – صلى الله عليه وآله وسلم –: ((سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله. . ثم ذكر منهم "ورجل ذكر الله خاليا ففاضت عيناه))[12].

خشوع الجسد تبع لخشوع القلب

"وخشوع الجسد تبع لخشوع القلب إذا لم يكن الرجل مرائيا يظهر ما ليس في قلبه كما روى تعوذوا بالله من خشوع النفاق، وهو أن يرى الجسد خاشعا، والقلب خاليا لاهيا. فهو سبحانه استبطأ المؤمنين بقوله: ألم يأن للذين آمنوا أن تخشع قلوبهم لذكر الله وما نزل من الحق فدعاهم إلى خشوع القلب لذكره وما نزل من كتابه. ونهاهم أن يكونوا كالذين طال عليهم الأمد فقست قلوبهم، وهؤلاء هم الذين إذا ذكر الله وجلت قلوبهم، وإذا تليت عليهم آياته زادتهم إيمانا. وكذلك قال في الآية الأخرى: الله نزل أحسن الحديث كتابا متشابها مثاني تقشعر منه جلود الذين يخشون ربهم ثم تلين جلودهم وقلوبهم ألي ذكر الله والذين يخشون ربهم، هم الذين إذا ذكر الله تعالى وجلت قلوبهم[13]".

تأويل قوله تعالى: قد أفلح المؤمنون الذين هم في صلاتهم خاشعون.

أولاً:

فضائل الآيات التي ذكرت فيهن هاتين الآيتين:

أخرج عبد الرزاق، وأحمد، وعبد بن حميد، والترمذي، والنسائي، وابن المنذر، والعقيلي، والحاكم وصححه، والبيهقي في الدلائل، والضياء في المختارة: عن عمر بن الخطاب قال: كان إذا أنزل على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الوحي يسمع عند وجهه كدوي النحل. فأنزل عليه يوما فمكثنا ساعة، فسري عنه فاستقبل القبلة فرفع يديه فقال: ((اللهم زدنا ولا تنقصنا، وأكرمنا ولا تهنا، وأعطنا ولا تحرمنا، وآثرنا ولا تؤثر علينا، وأرض عنا وأرضنا))، ثم قال: ((لقد أنزلت علي عشر آيات من أقامهن دخل الجنة. ثم قرأ: قد أفلح المؤمنون)) حتى ختم العشر.

وأخرج البخاري في الأدب المفرد والنسائي وابن المنذر والحاكم وصححه وابن مردويه والبيهقي في الدلائل عن يزيد بن بابنوس قال: قلنا لعائشة، كيف كان خلق رسول الله - صلى الله عليه وسلم -؟ قالت: ((كان خلقه القرآن)). ثم قالت: تقرأ سورة المؤمنون: قد أفلح المؤمنون فقرأ حتى بلغ العشر فقالت: هكذا كان خلق رسول الله" – صلي الله عليه وسلم. وأخرج ابن عدي والحاكم والبيهقي في الأسماء والصفات: عن أنس قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((خلق الله جنة عدن، وغرس أشجارها بيده وقال لها: تكلمي. فقالت: قد أفلح المؤمنون)). وأخرج الطبراني في السنة وابن مردويه من حديث ابن عباس مثله. وأخرج عبد الرزاق وابن جرير عن قتادة في قوله: قد أفلح المؤمنون قال: قال كعب: "لم يخلق الله بيده إلا ثلاثة. خلق آدم بيده، والتوراة بيده، وغرس جنة عدن بيده، ثم قال: تكلمي. فقالت: قد أفلح المؤمنون، لما علمت فيها من الكرامة. وأخرج ابن جرير عن مجاهد قال: "لما غرس الله الجنة نظر إليها فقال: قد أفلح المؤمنون".

وأخرج ابن جرير عن أبي العالية: "لما خلق الله الجنة قال: قد أفلح المؤمنون وأنزل الله به قرآنا"[14].

عن الزهري، عن عروة، عن عبد الرحمن بن عيد القارئ، عن عمر ـ رضي الله عنه ـ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((لقد أنزلت علي عشر آيات من أقامهن دخل الجنة ثم قرأ: قد أفلح المؤمنون))[15]. إلى عشر آيات.

ب - أسباب النزول:

أَخرج الحاكم عن أَبي هريرة: ((أَنَّ رسول الله- صلى الله عليه وسلم - كان إذا صلَّى رفع بصره إلى السَّماء، فنزلت: الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاَتِهمْ خَاشِعُونَ فطأْطأَ رأْسه)).

وأَخرجه سعيد بن منصور، عن ابن سيرين مرسلاً بلفظ: ((كان يقلب بصره، فنزلت)).

وأَخرج ابن أبي حاتم عن ابن سيرين مرسلاً: كان الصحابة يرفعون أَبصارهم إلى السَّماء في الصَّلاة.

وأخرج عبد الرزاق وابن أبي شيبة عن ابن سيرين قال: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ربما ينظر إلى الشيء في الصلاة فرفع بصره حتى نزلت آية، إن لم تكن هذه فلا أدري ما هي الذين هم في صلاتهم خاشعون فوضع رأسه[16].

وقد روي عن كعب الأحبار، ومجاهد، وأبي العالية، وغيرهم: "لما خلق الله جنة عدن وغرسها بيده نظر إليها وقال لها: "تكلمي". فقالت: قد أفلح المؤمنون. قال كعب الأحبار: "لما أعد لهم من الكرامة فيها" وقال أبو العالية: "فأنزل الله ذلك في كتابه".

وقد روي ذلك عن أبي سعيد الخدري مرفوعا[17].

جـ - علاقة الآيات بما قبلها

اختتم الله – جل وعلا – سورة الحج بخطابه للمؤمنين: يا أيها الذين آمنوا اركعوا واسجدوا واعبدوا ربكم وافعلوا الخير لعلكم تفلحون [الحج].

خاطبهم على سبيل الترجي فناسب ذلك قوله – جل وعلا – :- قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ إخباراً بحصول ما كانوا رجوه من الفلاح[18].

تأويل قوله تعالى: الذين هم في صلاتهم خاشعون.

الطبري:

الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ

"الذين هم في صلاتهم متذللون لله بإدامة ما ألزمهم من فرضه وعبادته وإذا تذلل لله فيها العبد رؤية ذلة خضوعه في سكون أطرافه، وشغله بفرضه، وتركه ما أمر بتركه فيها[19]".

"واختلف أهل التأويل في الذي عني به في هذا الموضع من الخشوع. فقال بعضهم: عني به سكون الأطراف في الصلاة. ذكر من قال ذلك: حدثنا ابن بشار قال: ثنا عبد الرحمن قال ثنا سفيان عن منصور عن مجاهد: الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ قال: "السكون فيها" حدثنا ابن عبد الأعلى قال: ثنا ابن ثور عن معمر عن الزهري الذين هم في صلاتهم خاشعون قال: "سكون المرء في صلاته".  ....  وقال آخرون عني به الخوف في هذا الموضع  ذكر من قال ذلك حدثنا ابن عبد الأعلى قال ثنا ابن ثور عن معمر عن الحسن الذين هم في صلاتهم خاشعون قال: "خائفون" حدثنا الحسن بن يحيى قال: أخبرنا عبد الرزاق قال أخبرنا معمر في قوله: الذين هم في صلاتهم خاشعون قال الحسن: "خائفون". وقال قتادة: "الخشوع في القلب". حدثني علي قال ثنا عبد الله قال ثني معاوية عن علي عن ابن عباس في قوله: الذين هم في صلاتهم خاشعون يقول: "خائفون ساكنون[20]".

تفسير الموردي:

قال أبو الحسن الموردي في النُكَتُ والعيون:

"قوله تعالى: الذين هم في صلاتهم خاشعون فيه خمسة أوجه:

أحدها: خائفون، وهو قول الحسن وقتادة.

والثاني: خاضعون، وهو قول ابن عيسى.

والثالث: تائبون، وهو قول إبراهيم.

والرابع: أنه غض البصر، وخفض الجناح، قاله مجاهد.

الخامس: هو أن ينظر إلى موضع سجوده من الأرض، ولا يجوز بصره مصلاه ...".

فصار في محل الخشوع على هذه الأوجه قولان:

أحدهما: في القلب خاصة، وهو قول الحسن و قتادة.

والثاني: في القلب والبصر، وهو مقتضى قول مجاهد وإبراهيم[21]".

تفسير  السعدي:

الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ.

"والخشوع في الصلاة هو: حضور القلب بين يدي الله تعالى، مستحضراً لقربه، فيسكن لذلك قلبه، وتطمئن نفسه، وتسكن حركاته ويقل التفاته، متأدباً بين يدي ربه، مستحضراً جميع ما يقوله ويفعله في صلاته، من أول صلاته إلى آخرها، فتنتفي بذلك، الوساوس، و الأفكار الرديئة. وهذا روح الصلاة، والمقصود منها. وهو الذي يكتب للعبد. فالصلاة التي لا خشوع فيها ولا حضور قلب، وإن كانت مجزية مثاباً عليها، فإن الثواب على حسب ما يعقل القلب منها".

النسفي:

خَاشِعُونَ خائفون بالقلب ساكنون بالجوارح. وقيل: الخشوع في الصلاة جمع الهمة لها والإعراض عما سواها. وأن لا يجاوز بصره مصلاه. وأن لا يلتفت ولا يعبث. ولا يسدل ولا يفرقع أصابعه ولا يقلب الحصى ونحو ذلك. وعن أبي الدرداء: "هو إخلاص المقال وإعظام المقام واليقين التام وجمع الاهتمام. وأضيفت الصلاة إلى المصلين لا إلى المصلى له لانتفاع المصلي بها وحده وهي عدته وذخيرته، وأما المصلى له فغني عنها".

البحر المحيط:

قال عمرو بن دينار: هو السكون وحسن الهيئة. وقال مجاهد: غض البصر وخفض الجناح. وقال مسلم بن يسار وقتادة: تنكيس الرأس. وقال الحسن: الخوف. وقال الضحاك: وضع اليمين على الشمال. وعن عليّ: ترك الالتفات في الصلاة.

الكشاف:

".. وكان الرجل من العلماء إذا قام إلى الصلاة هاب الرحمن أن يشدّ بصره إلى شيء، أو يحدث نفسه بشأن من شأن الدنيا. وقيل: هو جمع الهمة لها، والإعراض عما سواها. ومن الخشوع: أن يستعمل الآداب، فيتوقى كفّ الثوب، والعبث بجسده وثيابه والالتفات، والتمطي، والتثاؤب، والتغميض، وتغطية الفم، والسدل، والفرقعة، والتشبيك، والاختصار، وتقليب الحصى ... ونظر الحسن إلى رجل يعبث بالحصا، وهو يقول: اللَّهم زوّجني الحور العين، فقال: بئس الخاطب أنت! تخطب وأنت تعبث؟

وفي ظلال القرآن:

الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ: ".. تستشعر قلوبهم رهبة في الصلاة بين يدي الله، فتسكن وتخشع، فيسري الخشوع منه إلى الجوارح والملامح والحركات. ويغشى أرواحها جلال الله في حضرته، فتختفي في أذهانهم جميع المشاغل، ولا تشتغل بسواه وهم مستغرقون في الشعور به مشغلون بنجواه. ويتواري عن حسهم في تلك الحضرة القدسية كل ما حولهم وكل ما بهم، فلا يشهدون إلا الله، ولا يحسون إلا إياه، ولا يتذوقون إلا معناه. ويتطهر وجدانهم من كل دنس، وينفضون عنهم كل شائبة، فما يضمون جوانحهم على شئ  من هذا مع جلال الله .. عندئذ تتصل الذرة التائهة بمصدرها، وتجد الروح الحائرة طريقها، ويعرف القلب الموحش مثواه. وعندئذ تتضاءل القيم والأشياء والأشخاص إلا ما يتصل منها بالله[22]".

وبين الله – جل وعلا - أن عباده المؤمنون الفائزون بالفلاح لا يخشعون في الصلاة فحسب، بل موصوفون أيضا بالمحافظة على هذه  الصلاة  فيؤدونها في أوقاتها وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَوَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ وذلك لبيان مكانة هذه الفريضة.

يقول الأستاذ سيد قطب – رحمه الله –: "ولقد بدأت صفات المؤمنين بالصلاة وختمت بالصلاة للدلالة على عظيم مكانتها في بناء الإيمان[23]".

وبين هاتين الصفتين ذكر - تبارك وتعالى- إعراضهم عن اللغو، وإيتاؤهم الزكاة، وحفظهم لفروجهم، وأداؤهم  للأمانة، ووفاؤهم للعهد. فبتخلقهم بهذه الصفات نالوا عظيم الدرجات في جنات الخلد، نالوا الفردوس، وما أدراك ما لفردوس؟! إنها الجنة التي خلقها الله بيديه، وجعلها تحت عرشه في عليين.

فتح القدير: قال الأمام الشوكاني: "وفي الصحيح: جنات الفردوس أربع: اثنتان من ذهب حليتهما وآنيتهما وما فيهما، واثنتان من فضة حليتهما وآنيتهما وما فيهما". وفي حديث عبادة الفردوس أعلاها يعني أعلا الجنة. قال قتادة: "وربوتها ومنها تفجر أنهار الجنة[24]".

فما أعظمه من أجر! .. فهل من مشمر؟

 

حكم الخشوع

هل هو من فرائض الصلاة أو من فضائلها ومكملاته؟

هناك من العلماء من قال بوجوب الخشوع في الصلاة. ومنهم من قال: بل هو من فضائل الصلاة ومكملاتها.

فممن قال بوجوبه: الإمام الغزالي في الإحياء وتابعه فريق من العلماء، وقال بوجوبه ابن حامد من أصحاب الإمام أحمد،وروي عن الإمام أحمد روايتين، وقال بوجوبه ابن تيمية.

وقال الإمام النووي وابن حجر أنه من سنن الصلاة وجعله الرازي شرط صحة لا شرط قبول. وفصل القول الإمام  ابن القيم في مدارج السالكين.

وفي هذا الفصل سوف نتعرض لأدلة كل منهم، والرأي الراجح من هذه الأقوال.

 

أ-  أدلة القائلين بوجوب الخشوع :

أفلا يتدبرون القرآن [النساء:82]. والتدبر لا يتصوّر بدون الوقوف على المعنى.

أقم الصلاة لذكري [طه:14]. والغفلة تضادّ الذكر، ولهذا قال: ولا تكن من الغافلين [الأعراف:205].

إنَّ حركة اللسان غيرُ مقصودة؛ بل المقصود معانيها.

ما روي عن النبي (صلي الله عليه وآله وسلم) مسندا : ((إن العبد ليصلي الصلاة لا يكتب له سدسها ولا عشرها، وإنما يكتب للعبد من صلاته ما عقل منها)).

عن معاذ بن جبل: (من عرف من على يمينه وشماله متعمداً وهو في الصلاة فلا صلاة له).

عن الحسن رحمه الله: "كل صلاة لا يحضر فيها القلب فهي إلى العقوبة أسرع".

وقال عبد الواحد بن زيد: "أجمعت العلماء على أنه ليس للعبد من صلاته إلا ما عقل".

 

[انظر تفسير الرازي  أول المؤمنون المسألة السابعة] هذه غالب أدلتهم ولمزيد من الإيضاح أنقل:

 قول ابن تيمية في الفتاوى: قال – رحمه الله -:

"فقد قال الله تعالى: واستعينوا بالصبر والصلاة وإنها لكبيرة إلا على الخاشعين وهذا يقتضي ذم غير الخاشعين. كقوله- تعالى-: وما جعلنا القبلة التي كنت عليها إلا لنعلم من يتبع الرسول ممن ينقلب على عقبيه وإن كانت لكبيرة إلا على الذين هدى الله وقوله –تعالى-: كبر على المشركين ما تدعوهم إليه. فقد دل كتاب الله - عز وجل - على من كبر عليه ما يحبه الله أنه مذموم بذلك في الدين، مسخوط منه ذلك. والذم أو السخط لا يكون إلا لترك واجب أو فعل محرم. وإذا كان غير الخاشعين مذمومين، دل ذلك على وجوب  الخشوع. فمن المعلوم أن الخشوع المذكور في قوله – تعالى –: وإنها لكبيرة إلا على الخاشعين لابد أن يتضمن   الخشوع في الصلاة. فإنه لو كان المراد الخشوع خارج الصلاة لفسد المعنى. إذ لو قيل: إن الصلاة لكبيرة إلا على من خشع خارجها ولم يخشع فيها. كان اقتضى أنها: لا تكبر على من لم يخشع فيها، وتكبر على من خشع فيها وقد، انتفى مدلول الآية. فثبت أن الخشوع واجب في الصلاة. ويدل على وجوب الخشوع فيها أيضا قوله – تعالى -: قد أفلح المؤمنون الذين هم في صلاتهم خاشعون والذين هم عن اللغو معرضون والذين هم للزكاة فاعلون والذين هم لفروجهم حافظون إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم فإنهم غير ملومين فمن ابتغى وراء ذلك فأولئك هم العادون والذين هم لأماناتهم وعهدهم راعون والذين هم على صلواتهم يحافظون أولئك هم الوارثون الذين يرثون الفردوس هم فيها خالدون أخبر- سبحانه وتعالى-: "أن هؤلاء هم الذين يرثون فردوس الجنة". وذلك يقتضي أنه لا يرثها غيرهم. وقد دل هذا على وجوب هذه الخصال. إذ لو كان فيها ما هو مستحب، لكانت جنة الفردوس تورث بدونها، لأن الجنة تنال بفعل الواجبات دون المستحبات، ولهذا لم يذكر في هذه الخصال إلا ما هو واجب. وإذا كان الخشوع في الصلاة واجباً. فالخشوع يتضمن السكينة والتواضع جميعا.  ومنه حديث عمر - رضى الله عنه - حيث رأى رجلا يعبث في صلاته. فقال: "لو خشع قلب هذا لخشعت جوارحه" أي: لسكنت وخضعت".

وقال – رحمه الله – مفصلا نصيب الخاشعين: "فان قيل فخشوع القلب لذكر الله وما نزل من الحق واجب قيل نعم لكن الناس فيه على قسمين مقتصد وسابق فالسابقون يختصون بالمستحبات والمقتصدون الأبرار هم عموم المؤمنين المستحقين للجنة ومن لم يكن من هؤلاء ولا هؤلاء فهو ظالم لنفسه وفى الحديث الصحيح عن النبي اللهم إني أعوذ بك من علم لا ينفع وقلب لا يخشع ونفس لا تشبع ودعاء لا يسمع[1]".

 

أدلة القائلين أن الخشوع سنة وليس بواجب:

أمر رسول الله من سها في صلاته بسجود السهو ولم يأمره بالإعادة مع قوله:

((إن العبد لينصرف من الصلاة ولم يكتب له إلا نصفها، ثلثها، ربعها، حتى بلغ عشرها)).

إجماع الفقهاء على أنه ليس بشرط.

ما ثبت عن النبي في الصحيح أنه قال: ((إذا أذن المؤذن بالصلاة أدبر الشيطان وله ضراط، حتى لا يسمع  التأذين، فإذا قضي التأذين أقبل، فإذا ثوب بالصلاة أدبر، فإذا قضي التثويب أقبل، حتى يخطر بين المرء ونفسه، يقول: "أذكر كذا .. أذكر كذا"، ما لم يكن يذكر، حتى يظل لا يدري كم صلى، فإذا وجد أحدكم ذلك فليسجد سجدتين وهو جالس)).

قالوا: فأمره النبي في هذه الصلاة التي قد أغفله الشيطان فيها، حتى لم  يَدر كم صلى بأن يسجد سجدتين السهو، ولم يأمره بإعادتها، ولو كانت باطلة -  كما زعمتم – لأمره بإعادتها[2]".

"وقد حكى النووي الإجماع على أن الخشوع ليس بواجب[3]".

ولذلك قالوا بأن الخشوع سنة كما جاء في المنهاج وشرحه لابن حجر: "ويسن الخشوع في كل صلاته بقلبه بأن لا يحضر فيه غير ما هو فيه .... والظاهر أن هذا مراد النووي من الخشوع لأنه سيذكر الأول بقوله: ويسن دخول الصلاة بنشاط وفراغ قلب إلا أن يجعل ذلك سبباً له ولذا خصه بحالة الدخول[4]".

وفي شرح أصول الفقه الشافعي:

"ومن سنن الصلاة   الخشوع  وترتيل القراءة وتدبرها وتدبر الذكر والدخول فيها بنشاط وفراغ القلب[5]".



[1] مجموع الفتاوى ج: 7 ص: 29.

[2] انظر مدارج السالكين 1/ 112, 528-530.

[3] فتح الباري ج: 2 ص: 226.

[4] انظر تفسير الألوسي أول سورة المؤمنون.

[5] المقدمة الحضرمية ج: 1 ص: 74.

 



[1] لسان العرب وانظر لسان اللسان 1/340.

[2] القاموس المحيط 641.

[3] القرطبي تفسير الآية 44 البقرة.

[4]  تفسير الطبري ج: 18 ص: 3.

[5] مجموع الفتاوى ج: 7 ص: 28.

 [6]أضواء البيان  تفسير الآية.

 [7]تفسير ابن كثير.

  [8]مدارج السالكين 1/250.

[9]  مسلم.

[10] ت : حسن غريب.

[11]  الترمذي في كتاب الجهاد

[12] متفق عليه.

[13] مجموع الفتاوى ج: 7 ص: 29.

[14] الدر المنثور.

[15] تفسير السمرقندي.

[16] الدر المنثور.

[17] تفسير ابن كثير أول المؤمنون.

[18] انظر البحر المحيط.

[19] تفسير الطبري ج: 18 ص:3.

[20] تفسير الطبري ج: 18 ص: 2, 3.

[21] النكت والعيون تفسير الموردي : ج : 4 ص : 45, 46.

[22] ظلال القرآن 2454.

[23] ظلال القرآن  2457.

[24] فتح القدير آخر سورة الكهف.

محامد و أدعية طباعة الخطبة بدون محامد وأدعية اضف إلى رف الخطب

إلى أعلى