عبادة الحج (دروس وحِكم)2

منقذ السقار

1603

محامد و أدعية طباعة الخطبة بدون محامد وأدعية اضف إلى رف الخطب

ملخص المادة العلمية

1- من دروس عبادة الحج مخالفة المشركين. 2- من دروس عبادة الحج إغاظة المشركين. 3- من دروس عبادة الحج تذكر الحشر الأكبر.

 

ذكرنا فيما سبق أن شرائع الله لا تنفك عن الحكمة الإلهية، وشرعنا في بيان بعض حكم عبادة الحج، فذكرنا أمورأً ثلاثة: ذكر الله، والاستسلام لأمره، والصبر وحسن الخلق.

د – من دروس الحج مخالفة المشركين بل وإغاظتهم.

والحج عبادة شرع الله شعائرها لإبراهيم عليه السلام، وفي ذلك يقول الرسول صلى الله عليه وسلم ((كونوا على مشاعركم فإنكم اليوم على إرث من إرث إبراهيم)) [رواه الترمذي ح833،وابن ماجه ح3011، والحاكم ح1699]

ثم غيرت قريش وبدلت حسب هواها، فلما بعث النبي أقام شعائر الحج كما أمر الله وهجر ما كانت عليه قريش.

ومن ذلك أن قريشاً كانت دون سائر العرب لا تقف في عرفات بل في مزدلفة قالت عائشة: (فلما جاء الإسلام أمر الله نبيه أن يأتي عرفات ثم يقف بها ثم يفيض منها فذلك قوله تعالى: ثم أفيضوا من حيث أفاض الناس [رواه البخاري 4520].

وفي حديث الترمذي أنهم كانوا يقولون: ((نحن قطين الله)) أي سكان حرم الله فلا نخرج من الحرم. [الترمذي 884]. وفي رواية ابن ماجه قالت عائشة: (قالت قريش: نحن قواطن البيت لا نجاوز الحرم) فقال الله: ثم أفيضوا من حيث أفاض الناس [ابن ماجه 3018].

وقد تعمد رسول الله مخالفة المشركين في ذلك، ففي صحيح مسلم عن جابر: فسار رسول الله ولا تشك قريش إلا أنه واقف عند المشعر الحرام كما كانت قريش تصنع في الجاهلية، فأجاز رسول الله حتى أتى عرفة. [مسلم ح 1218].

قال سفيان: وكان الشيطان قد استهواهم فقال لهم: إنكم إن عظمتم غير حرمكم استخف الناس بحرمكم، فكانوا لا يخرجون من الحرم. [فتح الباري3/516].

وقد كان عموم المشركين يغادرون عرفات في الظهيرة، فخالفهم رسول الله وجعله بعد الغروب.

وروى ابن أبي حاتم بإسناده عن ابن عباس قال (كان أهل الجاهلية يقفون بعرفة، حتى إذا كانت الشمس على رؤوس الجبال، كأنها العمائم على رؤوس الرجال، دفعوا، فأخر رسول الله الدفعة من عرفة حتى غربت الشمس). [رواه ابن خزيمة في صحيحه ح 2838]. وعن المسور بن مخرمة قال ثم خطبنا رسول الله  صلى الله عليه وسلم  بعرفة فحمد الله وأثنى عليه ثم قال(( أما بعد فإن أهل الشرك والأوثان كانوا يدفعون من ها هنا ثم غروب الشمس حين تكون الشمس على رؤوس الجبال مثل عمائم الرجال على رؤوسها فهدينا مخالف لهديهم  وكانوا يدفعون من المشعر الحرام ثم طلوع الشمس على رؤوس الجبال مثل عمائم الرجال على رؤوسها، فهدينا مخالف لهديهم))[ رواه الحاكم في المستدرك ح3097، وقال: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه، ووافقه الذهبي على تصحيحه]

ومن مخالفة الجاهلية في الحج الأمر بالتزود له، جاء في حديث ابن عباس أنه قال: (كان أهل اليمن يحجون ولا يتزودون، ويقولون: نحن المتوكلون. فإذا قدموا مكة سألوا الناس، فأنزل الله تعالى: وتزودوا فإن خير الزاد التقوى) [رواه البخاري 1523].

قال أبو الطيب الآبادي في قولهم (نحن المتوكلون): الحال: أنهم المتآكلون أو المعتمدون على الناس. [عون المعبود3/107].

ومن مخافة النبي لأمر الجاهلية أنه شرع التمتع بالعمرة إلى الحج، خلافاً لشريعة الجاهلية التي تمنع الجمع بينهما، قال ابن عباس رضي الله عنهما: (كانوا يرون أن العمرة لمن اعتمر).

((قدم النبي وأصحابه صبيحة رابعة مهلين بالحج، فأمرهم أن يجعلوها عمرة، فتعاظم ذلك عندهم فقالوا: يا رسول الله أي الحل؟ قال: حل كله)) [رواه البخاري ح 1564، ومسلم 1240].

وروى ابن حبان عن ابن عباس قال: "والله ما أعمر رسول الله عائشة في ذي الحجة إلا ليقطع بذلك أمر أهل الشرك فإن هذا الحي من قريش ومن دان دينهم كانوا يقولون: إذا عفا الوتر، ووتر الدبر فقد حلّت العمرة لمن اعتمر". [رواه ابن حبان ح3757].

وقولهم: (إذا برا الدَّبَر) معناه أي شفيت الإبل من مشقة السفر وآثار الأحمال التي حملت عليها في رحلة الحج.

وقولهم: (وعفا الأثر) أي اندرست آثار سير هذه الإبل أو اندرست آثار الدبر المذكور. [عون المعبود 3/320].

ومن المخالفة أيضاً مخالفة الجاهلية في تلبيتها حيث كانوا يلبون كما في صحيح مسلم: ((لبيك لا شريك لك، إلا شريكاً هو لك تملكه وما ملك))، فكان إذا قالوا: لا شريك لك، قال: ((ويلكم قدْ قدْ)) [مسلم 1185]. ومعناه أي يكفي هذا القول.

وفي مخالفتهم شرع التلبية الشرعية: ((لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك، إن الحمد والنعمة لك والملك، لا شريك لك)) [البخاري ح 1549].

ومن مخالفة المشركين أيضاً ما ذكره عمر بن الخطاب عن سبب مبادرة النبي للخروج من مزدلفة قبيل طلوع الشمس.

قال عمرو بن ميمون شهدت عمر صلى بجُمَع (مزدلفة) الصبح ثم وقف فقال: (إن المشركين كانوا لا يفيضون حتى تطلع الشمس ويقولون: أشرق ثبير، وأن النبي خالفهم ثم أفاض قبل أن تطلع الشمس) [البخاري ح 1684].

وقولهم: أشرق ثبير. معناه: لتطلع الشمس عليك يا جبل ثبير.

وقد جاء في مسند أحمد أنهم كانوا يقولون: (أشرق ثبير كيما نغير) [أحمد ح 297]. أي نمشي إلى  النحر.

وقد كانت مواسم الحج في الجاهلية محلاً للتفاخر بالآباء والتنافس بالأشعار وسواها، فجعلها الله محلاً لذكره، قال ابن عباس: كان أهل الجاهلية يقفون في الموسم يقول الرجل منهم: كان أبي يطعم ويحمل الحمالات، ليس لهم ذكر غير ذكر فعال آبائهم، فأنزل الله على محمد : فاذكروا الله كذكركم آباءكم أو أشد ذكراً [البقرة:200].

هـ ومن حكم مشروعية الحج ودروسه إغاظة المشركين، فثمة أمور صنعها النبي أول ما صنعها إغاظة للمشركين، وليس مخالفة لهم فحسب، ونحن نصنعها تأسياً به ، من ذلك الرمل في السعي والأشواط الثلاثة الأُوَل في الطواف.

قال ابن عباس: قدم رسول الله وأصحابه فقال المشركون: إنه يقدم عليكم وقد وهنهم حمى يثرب، فأمرهم النبي أن يرملوا الأشواط الثلاثة وأن يمشوا بين الركنين. وفي مسلم: ((ليرى المشركون جَلَدهم، فقال المشركون: هؤلاء الذين زعمتم أن الحمى قد وهنتهم؟  هؤلاء أجلد من كذا وكذا)) [البخاري 1602، ومسلم 1266].

قال عمر عن الرمل: (إنما كنا راءينا به المشركين وقد أهلكهم الله، ثم قال: شيء صنعه النبي ، فلا نحب أن نتركه) [البخاري ح 1605].

والاضطباع وهو كشف الكتف والذراع الأيمن، وقد كان أيضاً لإغاظة المشركين، يقول ابن عباس: بلغ أصحاب رسول الله أن قريشاً تقول (عن الصحابة): ما يتباعثون من العجف (يتندرون بضعفهم)، ثم أقبل رسول الله حتى دخل المسجد وقعدت قريش نحو الحجر فاضطبع بردائه ثم قال: ((لا يرى القوم فيكم غميزة)) [ أحمد 2778].أي ضعفاً يغمزونكم به.

وأخيراً فإن رجم الجمار تجديد لعداوتنا الشيطان، وترغيم له، وهو يذكرنا بصنيع أبينا إبراهيم حين أراد الشيطان أن يثنيه عن طاعة الله في ذبح ابنه إسماعيل، فرجمه إبراهيم في هذه المواضع ورغمه، ونحن نرجم الجمرات تأسياً بإبراهيم عليه السلام وترغيماً للشيطان نرجم ما يدل عليه ويرمز إليه.

وـ ومن دروس الحج أيضاً تذكر الحشر الأكبر، وهو درس تعلمنا إياه زحمة الحجيج ومشقة المناسك وحر الصيف، فيما تذكرنا ملابس الإحرام بأكفاننا التي نساق فيها إلى قبورنا.

محامد و أدعية طباعة الخطبة بدون محامد وأدعية اضف إلى رف الخطب

إلى أعلى