معجزات الأنبياء

عبد العظيم بن بدوي الخلفي

1097

محامد و أدعية طباعة الخطبة بدون محامد وأدعية اضف إلى رف الخطب

ملخص المادة العلمية

1- لكل نبي آية تدل على صدقه تناسب زمن ظهوره والقوم الذين ظهر فيهم والقرآن هو آية صدق نبينا . 2- حال الكفار مع القرآن وعنادهم في عدم الاستسلام لله تعالى. 3- طلب الكفار للآيات والمعجزات وإمهال الله تعالى لهم.

عن أبي هريرة قال: قال رسول الله : ((ما من الأنبياء نبي إلا أعطي من الآيات ما مثله آمن عليه البشر، وإنما كان الذي أوتيته وحيا أوحاه الله إلي، فأرجو أن أكون أكثرهم تابعا يوم القيامة)).

أفاد هذا الحديث أن النبي لابد له من معجزة تقتضي إيمان من شاهدها بصدقه، ولا يضره من أصر على المعاندة.

والمعنى أن كل نبي أعطي آية أو أكثر من شأن من شاهدها من البشر أن يؤمن بذلك مغلوبا عليه، بحيث لا يستطيع دفعه عن نفسه، لكن قد يجحد فيعاند، كما قال تعالى: وجحدوا بها واستيقنتها أنفسهم ظلما وعلوا [النمل:14].

وقوله : ((وإنما كان الذي أوتيته وحيا أوحاه الله إلي)) يعني أن معجزتي التي تحدّيت بها الوحي الذي أنزل علي، لأن كل نبي أعطي معجزة خاصة به لم يعطها بعينها غيره، وتحدّى بها قومه. وكانت معجزة كل نبي تقع مناسبة لحال قومه، كما كان السحر فاشيا عند فرعون فجاء موسى عليه السلام بالعصا على صورة ما يصنع السحرة لكنها تلقف ما صنعوا، ولم يقع ذلك بعينه لغيره. وكذلك إحياء عيسى عليه السلام الموتى، وإبراء الأكمه والأبرص، لكون الأطباء والحكماء كانوا في ذلك الزمان في غاية الظهور، فأتاهم من جنس عملهم بما لم تصل قدرتهم إليه.

ولهذا لما كان العرب الذين بعث فيهم النبي في الغاية من البلاغة جاءهم بالقران الذي تحداهم أن يأتوا بسورة من مثله فلم يقدروا على ذلك، والقرآن لم يؤت أحد قبله مثله، وهو باق بإعجازه إلى يوم القيامة، بخلاف معجزات من قبله فإنها قد انقرضت.

ولذا قال : ((فأرجو أن أكون أكثرهم تابعا يوم القيامة)).

والمعجزة أمر خارق للعادة، مقرون بالتحدي، سالم عن المعارضة. وهي مختصة بالأنبياء وحدهم، فمن ادعاها من غيرهم فهو كاذب. وفرق بينها وبين الكرامة. يقول الفيروزآبادى: المعجزة مختصة بالنبي دائما، ووقت إظهارها مردد بين الجواز والوجوب، وتقرن بالتحدي، وتحصل بالدعاء، ولا تكون ثمرة المعاملات المرضية، ولا يمكن تحصيلها بالكسب والجهد.

وأما الكرامة فموقوفة على الولي، ويكون كتمانها واجبا، وإن أراد إظهارها وإشاعتها زالت وبطلت.

وقد تحدثنا قبل عن الولاية والأولياء، وثبوت كراماتهم، ومن تمام القول أن نقول هنا: أن الكرامة لا تبلغ درجة المعجزة، ولا يراد بها التحدي، وقد تكون للولي كرامات عدة، كما تكون للنبي معجزات عدة كذلك. والنبي يؤمر بإظهار معجزاته لأنها من الوحي، خلافا للولي فإنه إن قصد إظهار الكرامة عوقب بحرمانها، أما إن ظهرت من غير قصد فيكون لله حكمة في ظهورها، وعلى صاحبها أن لا يغتر بظهورها، فربما كان ذلك ابتلاء من الله فيوقع نفسه في مهلكة الحرمان.

وقد حاز النبي قصب السبق من الأنبياء بمعجزاته، كما حازه بتفضيله الذاتي عليهم جميعا، وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء. ولم يكن النبي نبيا بالمعجزات بل كانت به المعجزات. فهو رسول الله إلى خلقه، وأمينه على وحيه، وهذا كاف في بلوغه المنزلة التي لا يطمع في بلوغها بشر، ويقصر عن التطلع إليها العقل والبصر، غير أنه كان فضلا من الله عليه أن آتاه من الآيات البينات والدلائل الظاهرات ما يكفي في إقناع المعاندين المنكرين أنه رسول الله يوحى إليه من ربه.

وقد اجتمعت معجزات الأنبياء جميعا بين يديه صلوات الله وسلامه عليه، مدوّنة في أفضل معجزاته وأكملها، وأجلّها وأعظمه، وهي القرآن الكريم، وأظلها بظله إعجازه القاهر بنظمه ومعناه ولفظه، فكان معجزة المعجزات، وآية الآيات، يُدرَك ولا يُدرِك، ويَغلب ولا يُغلب، ويَنال ولا يُنال، ليس كمثله شيء، لا يأتيه الباطل، ولا يعتريه التبديل، يأتي يوم القيامة شاهدا ومشهودا.

يقول: الفيروزآبادى: ومذهب أهل السنة أن القرآن معجزة من جميع الوجوه: نظما ومعنى ولفظا، لا يشبهه شيء من كلام المخلوقين أصلا، مميز عن خطب الخطباء، وشعر الشعراء، باثني عشر معنى، لو لم يكن للقرآن غير معنى واحد من تلك المعاني لكان معجزا، فكيف إذا اجتمعت فيه جميعا ؟! ومجملها: إيجاز اللفظ، وتشبيه الشيء بالشيء، واستعارة المعاني البديعة، وتلاؤم الحروف والكلمات، والفواصل والمقاطع والآيات، وتجانس الصيغ والألفاظ، وتعريف القصص والأحوال، وتضمين الحكم والأسرار، والمبالغة في الأمر والنهي، وحسن بيان المقاصد والأغراض، وتمهيد المصالح والأسباب  والإخبار عما كان وعما يكون. وكل من ذكر شيئا من وجوه الإعجاز ليس من هذه فمردّه إليها، فهي جماع الإعجاز في القرآن. وحينما كان الكفار يلبّسون بمنطق الحق الذي يواجههم به النبي ولا يجدون في مستودع فصاحتهم ما يقدرون به على الرد عليه يقولون له: ما أنت بأهل لما تدّعيه!.

وقالوا لولا نزل هذا القرآن على رجل من القريتين عظيم [الزخرف:31].

ويطلبون منه أن يأتيهم بآية بينة على صدق دعواه ليؤمنوا به ويتبعوه وقالوا لن نؤمن لك حتى تفجر لنا من الأرض ينبوعا أو تكون لك جنة من نخيل وعنب فتفجر الأنهار خلالها تفجيرا أو تسقط السماء كما زعمت علينا كسفا أو تأتي بالله والملائكة قبيلا أو يكون لك بيت من زخرف أو ترقى في السماء ولن نؤمن لرقيك حتى تنزل علينا كتابا نقرؤه [الإسراء:90-93].

فما يكون جوابه إلا أن يقول: سبحان ربي هل كنت إلا بشرا رسولا [الإسراء:93].

ثم يفضح القرآن ما يسّروه من الجحود والإصرار على الكفر فيقول: وإن يروا كل آية لا يؤمنوا بها [الأنعام:25].

ويأمر الله نبيه أن يعلمهم أن الأمر في هذه الآيات بيد الله وحده، وأنهم لن يؤمنوا بها إن بدت لهم: وما كان لرسول أن يأتي بآية إلا بإذن الله [الرعد:38].

قل إن الله قادر على أن ينزل آية ولكن أكثرهم لا يعلمون [الأنعام:37].

ولئن جئتهم بآية ليقولن الذين كفروا إن أنتم إلا مبطلون [الروم:58].

وما تأتيهم من آية من آيات ربهم إلا كانوا عنها معرضين [يس:46].

إن الذين حقت عليهم كلمت ربك لا يؤمنون ولو جاءتهم كل آية حتى يروا العذاب الأليم  [يونسك96-97].

قال أبو جعفر الطبري: ولو جاءتهم كل آية وموعظة وعبرة فعاينوها حتى يعاينوا العذاب الأليم لم يؤمنوا كما لم يؤمن فرعون وملؤه إذ حقت عليهم كلمة العذاب حتى عاينوا العذاب الأليم.

وكان طلبهم أن يأتيهم النبي بآية يقترن أحيانا بالإثارة والسخرية والاتهام: بل قالوا أضغاث أحلام بل افتراه بل هو شاعر فليأتنا بآية كما أرسل الأولون [الأنبياء:5].

فيرد عليهم متوعدا: إن نشأ ننزل عليهم من السماء آية فظلت أعناقهم لها خاضعين [الشعراء:4].

وإن يروا آية يعرضوا ويقولوا سحر مستمر [القمر:2].

وإذا كانوا لا يريدون إلا إظهار عجز النبي ليكون ذلك سبيلا إلى إبقاء سلطانهم على الضعفاء، والحيلولة بينهم وبين الإيمان، وصرف الناس عن دعوة الحق، فذلك أمر سفاهة ينبغي أن يجل بالنبي عن مجاراتهم فيه، لذا فلم يحفل القرآن بمرادهم، وجعل أمر الإيمان بدعوة الحق متوطاً بنور آياته والوقوف على الأسرار العظيمة فيها، لأن ذلك أدعى لثبات الإيمان واستقراره، والظهور على العجز النفسي الذي أطبق عليهم بكل جحوده وعناده، ويسّر لهم فهمه والعلم به: ولقد يسرنا القرآن للذكر [ القمر:17].

من هنا كانت المعجزات التي قامت أمام عناد الكفار وجحودهم وصدتهم عن النيل من القرآن تدور حول محور القرآن، ومن أعظم الشواهد على ذلك علم علماء بني إسرائيل به: أولم يكن لهم آية أن يعلمه علماء بني إسرائيل [الشعراء:197].

والمعنى: أو ليس يكفيهم من الشاهد الصادق على ذلك أن علماء بني إسرائيل يجدون ذكر هذا القرآن في كتبهم التي يدرسونها، ووجه الإعجاز فيه الكتب السماوية التي سبقت القرآن جاء ذكره فيها، فصدق به أهلها، فكانت البشارة به قبل بعث النبي الذي سيبشر به بعد نزوله معجزة ظاهرة أيد الله بها نبيه .

وقد أفاض القرآن في ذكر المعجزات والآيات التي كانت للأنبياء السابقين، ففيها المقنع الكافي لمن أراد أن يذكر أو أراد النجاة لنفسه، ولا ريب أنهم كانوا على علم بما أصاب الأقوام السابقة من عذاب واستئصال لكفرهم بأنبيائهم وبالمعجزات التي جاءوا بها من عند ربهم، فكان منّ الله بهم أن حبس عنهم هذه المعجزات لئلا يصيبهم ما أصاب من قبلهم من سوء العذاب.

قال تعالى: وما منعنا أن نرسل بالآيات إلا أن كذّب بها الأولون [الإسراء:59].

جاء في سبب نزول هذه الآية: ((قالت قريش للنبي : ادع لنا ربك أن يجعل لنا الصفا ذهبا ونؤمن بك. قال: (وتفعلون؟!) قالوا: نعم، قال: فدعا. فأتى جبريل فقال: إن ربك يقرأ عليك السلام، ويقول لك: إن شئت أصبح لهم الصفا ذهبا، فمن كفر منهم بعد ذلك عذبته عذابا لا أعذّبه أحدا من العالمين، وإن شئت فتحت لهم أبواب التوبة والرحمة، فقال: بل باب التوبة والرحمة)).

والمعنى: أن الله تعالى لم يرسل الآيات التي طلبها المشركون من قريش، إلا أنه قد كذّب بها الأولون بعد ما سألوها وجرت سنة الله تعالى فيهم وفي أمثالهم أنهم لا يؤخرون إن كذبوا بها بعد نزولها.

ولما قالوا: فليأتنا بآية كما أرسل الأولون [الأنبياء:5].

رد عليهم بقوله: ما آمنت قبلهم من قرية أهلكناها أفهم يؤمنون [الأنبياء:6].

أي: ما آتينا قرية من القرى الذين بعث فيهم الرسل آية على يدي نبيها فآمنوا بها، بل كذبوا فأهلكناهم بذلك، أفهؤلاء يؤمنون بالآيات لو رأوها دون أولئك؟ كلا.

هذا إلى جانب أن القرآن العظيم وهو معجزة النبي الباقية على الدهر، بل معجزة المعجزات جميعا كان سجلا لمعجزات الأنبياء السابقين، فبتلاوته تحجز نفوس الناس عن أسباب الهلاك والمعاصي.

من أجل ذلك اكتفى القرآن بذكر معجزتين للنبي ، واحدة كانت بطلب النبي من الله: وهي معجزة انشقاق القمر، والثانية كانت من غير طلب منه فكانت تكريما عظيما له ومواساة لقلبه، وكلاهما وقع في السماء، ليظهر الله نبيه عليهم بأن كلمته ستكون فوق كلمتهم، وكأن ذلك كان من الله إعلانا لنبيه بذلك، وبخاصة وأنهما كانتا في مكة وهو في حال من الضعف هو وأصحابه، وأن القدرة التي تحدث المعجزات في السماء هيّن عليها أن تحدث المعجزات في الأرض، وأن الأشواق النبوية علوية لا تجد لها مستقرا تأوي إليه، ولا مستراحا تطمئن فيه إلا في ملكوت السماء، فإليها يتوجه، وفيها يقلّب طرفه، ومن أطرافها يستلهم الحكمة، ومنها يتنزل عليه الوحي.

ولكي يقيم الله الحجة عليهم، ويظهرهم على ما بأنفسهم من عناد وجحود، وليعلمهم أن المعجزات شيء من خلقه فلا يعجز عن شيء منها، وأنها لا تكون إلا بإذن منه وحده سبحانه أجرى لهم آيتين على يدي نبيه .

والآية الأولى التي تذكرها لنا سورة القمر في مطلعها اقتربت الساعة وانشق القمر معجزة ضخمة عظيمة كهذه يذكرها القرآن في كلمتين اثنتين فقط، لأن القمر انفلق فلقتين، فليكن التعبير عنها فقط بكلمتين أيضا، وليدع للعقل البشري في كل زمان، وفي كل مكان أن يتصور هول هذه المعجزة التي بشقيها ربما يعقبها دمار العالم، ولكنها لأنها معجزة يلتئم شقها فيهدأ روح العالم، ويؤمن بأن معارفه التجريبية كلها لا يمكن أن تبلغ به حد التصديق أن شيئا من ذلك يكون، فما يكون من سبيل إلا التصديق بها إلا التسليم القلبي المحض، ورد ذلك إلى عالم الغيب والشهادة.

جاء في سبب هذه المعجزة:

أن أهل مكة سألوا النبي آية، فانشق القمر بمكة مرتين، فنزلت: اقتربت الساعة وانشق القمر . إلى قوله: ويقولوا سحر مستمر .

أما المعجزة الثانية فهي معجزة الإسراء والمعراج، وإذا كان العقل يُبعد بل يُحيل انشقاق القمر، فهو لمعجزة الإسراء والمعراج أشد إبعادا وإحالة، ذلكم أن انشقاق القمر شيء مرئي إذا وقع لا ينكر فيعود العقل إلى تصديق ما أحال أو أبعد حدوثه ثم إن القمر جرم لم يكن عند العرب معروفا بما كشفه العلم وأظهر الناس على ما فيه، فأن ينشطر شطرين وينفلق فلقتين أمر يمكن تأويله علميا مع صغر دائرة علوم العرب إذ ذاك، التي قد تضيق عن الاستمرار في التأويل، فترده أخيرا إلى حركة الأنواء التي كانت عقيدة راسخة فيهم، مكنت لكثير من الخرافات في عقولهم.

أما أن يرتحل إنسان من مكة إلى بيت المقدس ليلا في مثل لمح البصر، ثم يصعد به إلى السماء ولا يرى، ويعود ولا يحس به أحد، فهذا لا يدنو أبدا من دائرة العقل، وقد عقلت العرب كل الأساطير والخرافات التي بلغتها ورسخت في صدورها، وأخذ عليها كل أقطارها، وملأت أجربة علمها، ولكنها لم ولن تصدّق الذي حدّث به محمدٌ الناس.

ولكي يقطع الله تعالى على العرب والبشر جميعا طريق الشك في هذه المعجزة الفذة سجلها في كتابه، فقال في شأن الإسراء: سبحان الذي أسرى بعبده ليلا من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى الذي باركنا حوله لنريه من آياتنا إنه هو السميع البصير [الإسراء:1].

وقال في شأن المعراج: ولقد رآه نزلة أخرى عند سدرة المنتهى عندها جنة المأوى إذ يغشى السدرة ما يغشى ما زاغ البصر وما طغى لقد رأى من آيات ربه الكبرى [النجم:13-18].

والمراد: لقد رأى محمد جبريل مرة أخرى، عند سدرة المنتهى في السماء السابعة، على أصل خِلقته الملائكية التي خلقه الله عليها، وكان قد رآه قبلُ في مكة جهة أجياد، قد ظهر له في الأفق له ستمائة جناح قد سد بها الأفق. ولقد رأى النبي في عروجه إلى السماء الكثير من الآيات التي تدل على عظمة الله وتفرده سبحانه بالألوهية. هذا وسنفرد هذه المعجزة بخطبة مستقلة إن شاء الله.

محامد و أدعية طباعة الخطبة بدون محامد وأدعية اضف إلى رف الخطب

إلى أعلى