.

اليوم م الموافق ‏23/‏شوال/‏1445هـ

 
 

 

في مدرسة النمل

6030

التوحيد, موضوعات عامة

الربوبية, مخلوقات الله

بلال بن عبد الصابر قديري

جدة

11/10/1424

جامع الغبيشي

محامد و أدعية طباعة الخطبة بدون محامد وأدعية 

ملخص الخطبة

1- أهمية عبادة التفكر وحاجة العبد إليها. 2- عبودية المخلوقات من غير البشر لله. 3- النمل أمة تسبح الله. 4- حال النملة مع نبي الله سليمان. 5- من دروس النمل الحركة والنشاط والتضحية والتعاون. 6- النمل المفسد: الأرضة. 7- حكم قتل النمل.

الخطبة الأولى

أما بعد: فإن الوصية المبذولة لي ولكم هي تقوى الله سبحانه, فهي عدة الصابرين وذخيرة المجاهدين وسلوان المصابين, ما خاب من اكتسى بها, ولا خسر من اكتنفها, بها النجاة في الأولى والفوز في الأخرى, لا يسألكم الله رزقًا هو يرزقكم والعاقبة للتقوى.

أيها الناس، إن سياحة المرء بعقله وتدبره بفكره في الآيات القرآنية ونصوص السنة النبوية تورث العبد علمًا جمًا وفوائد شتى بما كان وما سيكون, ناهيك عن آيات الكون الناطقة لله تعالى بالوحدانية.

وفي كل شيءٍ له آيةٌ   تدل على أنه الواحد

من هنا كانت نصوص الشرع تأتي في غير ما موضع تَنُصُّ وتَحُثُّ على التفكر والتأمل, مفصحة عن جليل الفوائد في ذلك لأولي العقول والبصائر والألباب, قال الله تعالى: إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لآيَاتٍ لأُولِي الأَلْبَابِ [آل عمران: 190]، وقال سبحانه: إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِمَا يَنفَعُ النَّاسَ وَمَا أَنزَلَ اللَّهُ مِنْ السَّمَاءِ مِنْ مَاءٍ فَأَحْيَا بِهِ الأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَبَثَّ فِيهَا مِنْ كُلِّ دَابَّةٍ وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ وَالسَّحَابِ الْمُسَخَّرِ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ لآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ [البقرة: 164]. وإن عبادة التفكر معطّلةٌ عند جمع ليس بالقليل من بني الإسلام.

ولنتعرض لذكر شيءٍ من النصوص التي توضّح بجلاء أن ثمة مخلوقات في الكون هي دون الإنسان في المنزلة, ودونه فيما كرمه الله به وحباه من مكانةٍ عَليَّةٍ, ولكنها أطوع لله وأهدى من كثير من بني آدم ممن استنكفوا عن طاعة الله، أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَسْجُدُ لَهُ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَمَنْ فِي الأَرْضِ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ وَالنُّجُومُ وَالْجِبَالُ وَالشَّجَرُ وَالدَّوَابُّ وَكَثِيرٌ مِنْ النَّاسِ وَكَثِيرٌ حَقَّ عَلَيْهِ الْعَذَابُ وَمَنْ يُهِنْ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ مُكْرِمٍ إِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ [الحج: 18]. فدل على أن أكثر بني آدم عصاةٌ مستكبرون ضالون, وَمَا أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ [يوسف: 103].

ولأجل أن نستشعر عبوديتنا لله تعالى سنسلط الضوء على أمثلة متنوعة لكمال عبودية بعض المخلوقات والجمادات لله تعالى, قال النبي يومًا حين مرت به جنازة: ((مستريح ومستراح منه))، فقالوا: ما المستريح وما المستراح منه؟ قال : ((إن العبد المؤمن يستريح من نصب الدنيا وأذاها إلى رحمة الله, والعبد الفاجر يستريح منه العباد والبلاد والشجر والدواب)).

فانظر كيف يغار الشجر والدواب من الرجل الفاجر وعصيانه لله تعالى, فالمخلوقات المسبحة لله وكلها كذلك تُسَبِّحُ لَهُ السَّمَوَاتُ السَّبْعُ وَالأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلاَّ يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَكِنْ لا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا [الإسراء: 44]، أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُسَبِّحُ لَهُ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَالطَّيْرُ صَافَّاتٍ كُلٌّ قَدْ عَلِمَ صَلاتَهُ وَتَسْبِيحَهُ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِمَا يَفْعَلُونَ [ النور: 41]، هذه المخلوقات تعلم أنه ما ينزل بأهل الأرض من قحطٍ وبلاء إلا وسببه عصيان بني آدم, قال أبو هريرة رضي الله عنه: (إن الحبارى لتموت في وكرها من ظلم الظالم) رواه الترمذي وقال: "حسن صحيح", وقال مجاهد رحمه الله: "إن البهائم لتلعن العصاة من بني آدم إذا اشتدّت السّنة وأمسك المطر تقول: هذا بشؤم معصية بني آدم"، وقال عكرمة رحمه الله: "دواب الأرض وهوامها حتى الخنافس والعقارب يقولون: منعنا القطر بذنوب بني آدم".

وبالمقابل فأخريات من الدواب تفرح بالتدين, فتدعو وتصلي وتستغفر لصالحي بني آدم, فعند الترمذي أن النبي قال: ((إن الله وملائكته وأهل السموات والأرض حتى النملة في جحرها وحتى الحوت ليصلون على معلم الناس الخير))، بل إن الدواب جميعًا تفرق من هول يوم القيامة, قال النبي : ((ما من دابة إلا وهي مصغية يوم الجمعة خشية أن تقوم الساعة)) رواه أحمد.

وهذا هو الديك يدعو للخير والفلاح، قال النبي : ((لا تسبّوا الديك؛ فإنه يدعو إلى الصلاة)) رواه أحمد وأبو داود, وروى أحمد قول النبيّ : ((إنه ليس من فرس عربي يؤذن له مع كل فجر يدعو فيقول: اللهم إنك خولتني من خولتني من ابن آدم، فاجعلني من أحب أهله وماله إليه))، قال : ((إن هذا الفرس قد استجيبت له دعوته)).

وأما الشجر فهو من النبات عباد الله، فإن الله يقول في شأنها: وَالنَّجْمُ وَالشَّجَرُ يَسْجُدَانِ [الرحمن: 6]، وروى ابن ماجه قول النبي : ((ما من ملب يلبي إلا لبَّى ما عن يمينه وشماله من حجر أو شجر أو مدر, حتى تنقطع الأرض من ها هنا وها هنا)). ويتضح ولاء الحجر والشجر للمؤمنين ونصرته لدين الله حينما ينطقه خالقه غيرة على دينه, في مثل قول النبي : ((لا تقوم الساعة حتى يقاتل المسلمون اليهود، فيقتلهم المسلمون حتى يختبئ اليهودي من وراء الحجر والشجر، فيقول الحجر والشجر: يا مسلم، يا عبد الله، هذا يهودي خلفي فتعال فاقتله)) رواه مسلم.

وهذا ذئب يدعو إلى الإسلام فيما رواه أحمد من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: عدى ذئب على شاة فأخذها, فطلبه الراعي فانتزعها منه, فأقعى الذئب على ذنبه قال: ألا تتقي الله تنزع مني رزقًا ساقه الله إليَّ؟ فقال: يا عجبي، ذئب مقع على ذنبه يكلمني كلام الناس! قال الذئب: ألا أخبرك بأعجب من ذلك؟ محمد بيثرب يخبر الناس بأنباء ما قد سبق. وعند البخاري قال النبي : ((فإني أومن بذلك أنا وأبو بكر وعمر)).

وأما النمل ـ يا رعاكم الله ـ فتلك أمة من الأمم المسبحة لله سبحانه, مع صغر خلقتها وهوان شأنها وازدراء البشر لها, وهي التي قال الله عنها: حَتَّى إِذَا أَتَوْا عَلَى وَادِي النَّمْلِ قَالَتْ نَمْلَةٌ يَا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَسَاكِنَكُمْ لا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمَانُ وَجُنُودُهُ وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ [النمل: 18].

قال : ((قرصت نملة نبيًا من الأنبياء, فأمر بقرية النمل فأحرقت, فأوحى الله إليه: أفي أن قرصتك نملةٌ أحرقت أمةً من الأمم تسبح الله؟)) رواه البخاري, فلا إله إلا الله والله أكبر.

الشمس والبدر من أنوار حكمتـه       والبَر والبحر فيض من عطايـاه

الطيْر سبّحـه والوحـش مَجَّـدَهُ      والموج كبَّرَهُ والْحـوت ناجـاه

والنملُ تَحت الصخور الصم قدَّسَه      والنحل يهتف حمدًا فِي خلايـاه

و الناس يعصونه جهرًا فيسترهـم       والعبد ينسى وربي ليس ينسـاه

أيها المسلمون، النمل حشرة صغيرة معروفة, جمعها نمال, والمفرد نملة, وأرض نَمِلَةٌ أي: ذات نمل, وطعام منمول أي: أصابه النمل. فهلموا إلى مدرسة النمل نستقي منها دروسًا, في حصة دراسية قصيرة, على عجالةٍ وإيجاز شديدين, ولا عجب أن يكون حديث الجمعة عن النمل والنمال؛ فإنه حديث القرآن في سورة من أطول سوره، ثم حاشا ربنا أن يخلق شيئًا عبثًا, فإنه تعالى أعطى كل شيءٍ خلقه ثم هدى.

يحكي القرآن قصة نملة مع قومها حين بذلت النصح فقالت: قَالَتْ نَمْلَةٌ يَا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَسَاكِنَكُمْ لا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمَانُ وَجُنُودُهُ وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ [النمل: 18]. كانت واعظة صادقة فاستحقت التخليد في القرآن, فلما رأت خطرًا محدقًا حذَّرَت, مع أن المحذَّرَ منه ليس بعدوٍ, إنما هو نبيٌ صالحٌ, لكن خوفًا من التحطيم والهلاك لقومها أنذرت, فكيف لو كان المحذَّرُ منه عدوًا مهلكًا؟! فماذا عساها فاعلة؟! ولَكَم هي الأخطار والأضرار المحدقة بالأمة الإسلامية, فأين هم المحذرون والمنذرون الصادقون؟! ولم تحملها الأنانية على النجاة بنفسها هربًا.

ثم إنها كانت في وادي النمل, فلم تتّكل على غيرها, ولم تنظر إلى كثرة النمل غيرها, وكانت نملة من أفراد النمل, لا منصب لها ولا مكانة, فلم تزدري نفسها, بل قامت بالبلاغ المبين فأنقذت أمتها, مع أنها لم تكن ذات منصب أو وجاهة. وكان العدل لها سمةً, فاعتذرت عن فعل سليمان, في حين إنه لا حاجة لاعتذارها له, فهي لم تفسر أعمال القلوب, واعتذارها براءة لها من حمل الأفعال على سيئ المحامل والمقاصد, إذ تتبع العثرات ليس من شيم الكرام. وذكر بعض أهل التفسير أن النملة تكلمت بعشرة أنواع من البديع, ففي قولها: يَا نادت، أيُّهَا نبَّهت، النَّمْلُ سمت، لا يَحْطِمَنَّكُمْ حذرت، سُلَيَْمَانُ خصت، وَجُنُودُهُ عمَّت، وَهُمْ أشارت، لا يَشْعُرُونَ اعتذرت, فجاء التبسم من سليمان إعجابًا بقولها ورضا, إذ التبسم يكون تبسم المستهزئ وتبسم الغضبان وتبسم العجب, ولكنه لما كان عن سرورٍ أتبعه الله بقوله: ضَاحِكًَا، وإنما كان فرح سليمان سرورًا بدينها وعدلها, وأنها دافعت عنه دون حاجة أو طلب.

أمة الإسلام، دروس النمل تترى, فإنها لم تسمَّ نملة إلا لتَنَمُّلِها, أي: كثرة حركتها, مما يُنِمُّ عن جدٍ وجلد, تورث جديةً ومثابرة عجيبين, فتحاول النملة الصعود مرات وكرات حتى تنجح, وهي التي تحمل فوق ظهرها أضعاف أوزانها مرات, وعند بنائها البيوت ترى النمل كل النمل دائب الحركة والعمل, لا ترى نملة واقفة, ولا أخرى نائمة أو قاعدة عن العمل, فالجدية والمثابرة صفة للنمل, يكاد يكون عليها إجماع الباحثين, ولكم يتمنى المتمني صبرًا كصبر النملة أمام الفتور الذي دب في كثير من الناس, لا سيما في العمل للدين وفي خدمة المسلمين. إن مجتمع النمل مجتمع متعاون, لا ترى نملة تبني بيتها لوحدها أبدًا, وعند حمل الحب يتعاونون أيضًا, وكذا في السير ترى اجتماعهم في خط سير مستقيم, فما أحرى أمة الإسلام إلى تعاونها على البر والتقوى في حين تفرقت أوصالها كما تفرقت أيدي سبأ.

وللتضحية في حياة النمل صور ومواقف, فعندما تقطع حاجزًا مائيًا أو جدول ماءٍ تتشابك أيديها وتتلاحم كالجسر, يسير الباقي فوقها, وتذهب مجموعة مع سيل المياه, تضحي بنفسها لأجل الآخرين.

والنمل يحتكر قوته في زمن الصيف لزمن الشتاء, وله في الاحتكار من الحيل ما إنه إذا احتكر ما يخاف إنباته قسمه نصفين, وإذا خاف العفن على الحبِّ أخرجه إلى ظاهر الأرض ونشره, وأكثر ما يفعل ذلك ليلاً في ضوء القمر، وبيوت النمل مقسمة إلى أماكن للتخزين, وأخرى للنوم, ومقر للملكة تبني عشها, وتجعل الفتحة جهة المشرق دومًا, وكم من باحث يستدل جهة المشرق بالنظر إلى جحور النمل، ومن النمل ما يزرع, ومنه ما يقطع الشجر, الملكة تضع البيض وتوجه, والشغالات في خدمة الملكة, والوصيفات تبلغ أوامر الملكة, والعساكر ينفذون, دون تنازع أو خصام، وعند الأزمات تسير قطعان النمل متحدة لتفتك بالعدو, ولقد أثبتت الدراسات أن النمل ينظف نفسه, ويتكرر ذلك في اليوم مرات, فسبحان من أودعها حكمًا وأبدعها خلقًا, أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى [طه: 50].

تلك الطبيعة قف بنا يـا سـاري        حتى أريك بديع صنع الباري

فالأرض حولك والسمـاء اهتزتا        لروائـع الآيـات والآثـارِ

فأين ذوو الألباب والبصائر من هذي العبر والآيات؟!

اقنع بمـا ترزق يـا فتى        فليس ينسى ربنا نمله

إذا أقبل الدهر فقم قائمًا       وإن تولى مدبرًا نم له

أيها المسلمون، وشأن النمل كغيره من المجتمعات فيه الصالح والطالح, ففيهم نوع فاسد, مجتمع تخريبي يعيش على إهلاك الحرث والإفساد, لا يعمل إلا في الظلام, يبني جحوره في مسافات بعمق خمسة وأربعين مترًا تحت الأرض, إنه النمل الأبيض: الأرضة, التي حكى القرآن طرفًا من خبرها مع سليمان: فَلَمَّا قَضَيْنَا عَلَيْهِ الْمَوْتَ مَا دَلَّهُمْ عَلَى مَوْتِهِ إِلاَّ دَابَّةُ الأَرْضِ تَأْكُلُ مِنسَأَتَهُ فَلَمَّا خَرَّ تَبَيَّنَتْ الْجِنُّ أَنْ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ الْغَيْبَ مَا لَبِثُوا فِي الْعَذَابِ الْمُهِينِ [سبأ: 14]؛ إذ الأرضة نخرت في العصا من الداخل, وسليمان قائمٌ على عصاه حولاً ميتًا, والجنّ تعمل تلك الأعمال الشاقّة وهم لا يشعرون بموته, حتى أكلت الأرضة العصا فخرّ ميتًا, فعلموا بموته, وكذا مجتمع البشر لا يخلو من المخربين, كالمنافقين والعلمانيين ممن يعملون تحت الظلام لإفساد البشر, ولئن كانت الأرضة قد أفسدت أطنان الكتب فإن أرضة البشر أفسدوا عقول المئات وأديانهم, ببدع مضللة راجت بدعوى العقلنة وحرية الفكر, أو سمّه حرية الكفر, كزعمهم أن الشريعة لا تصلح لكل أحد ولا لكل زمان, أو الدعاية لفصل الدين عن الدولة, فلا سياسة في الدين, ولا دين في السياسة, أو كمن يقول: الدين لله والوطن للجميع, أو من يقول: دع ما لله لله وما لقيصر لقيصر, أو من يصف الإسلام بالرجعية, والحدود الشرعية بالهمجية والغلظة, أو من يصف الدين بالمقيِّدِ للمرأة والظالم لها, أو من يرى حريَّة المرأة متمثلة في خروجها عن حدود ربها وإعلانها العصيان لشريعة الخالق وجعلها إناءً لكل والغ ولقيطًا لكل لاقط.

ولئن كانت ثمة دعوات نادت إلى إقامة وكالة دولية لمحاربة النمل الأبيض, فما أحوجنا لردع أرضة البشر ممن أهلكوا البلاد والعباد.

وبعد: أيها المسلون، فإن النمل أمةٌ مسبحة لله كما تقدم آنفًا, وعند الدارقطني والحاكم أن النبي قال: ((خرج سليمان ذات يوم يستسقي, فإذا هو بنملة مستلقية على قفاها رافعة قوائمها, فقال لمن معه: ارجعوا فقد كفيتم, وسقيتم بغيركم)).

من هنا ورد النهيُ عن قتلها, كما في حديث ابن عباس بإسناد صحيح على شرط الشيخين عند أبي داود وابن ماجه أن النبي نهى عن قتل أربع من الدواب: النملة والنحلة والهدهد والصُّرَد. فلا يُقْتَلُ من النمل إلا ما تحقق ضرره يقينًا, كما حكاه القرطبي وغيره, وكان بعض السلف يحرِّج عليها إلا خرجت من داره فيخرجن.

وَاللَّهُ خَلَقَ كُلَّ دَابَّةٍ مِنْ مَاءٍ فَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلَى بَطْنِهِ وَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلَى رِجْلَيْنِ وَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلَى أَرْبَعٍ يَخْلُقُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ [النور: 45].

 

الخطبة الثانية

إن على العباد استشعار عظمة الله وأثر عبودية الجماد والحيوان لله, وهي أقلُ من البشر قدرًا وتكريمًا. والإنسان مقصرٌ مهما ادعى القصد أو الكمال, فبُعد البشر عن المعرفة الحقة لله تعالى وغلبة الشهوات مع الغفلة تحتاج إلى جهاد وحرص على الخير.

يصبح المرء فيؤمر بلزوم الطاعة والحذر من المعصية, وقد قيل قَبْلُ للخليل: اذبح ولدك بيدك, واقطع ثمرة فؤادك بكفك, ثم قم إلى المنجنيق لترمى في النار, ويقال للغضبان: اكظم, وللبصير: اغضض, ولذي المقول: اصمت, ولمستلذ النوم: تهجّد, ولمن مات حبيبه: اصبر, وللواقف في الجهاد بين الغمرات: لا يحلّ لك أن تفرّ, وإذا وقع بك مرض فلا تشكُ لغير الله, هذه هي العبودية الحقة لله تعالى.

ثم صلوا وسلموا ـ رحمكم الله ـ على خير الورى طرًا وأفضل الخليقة شرفًا وطهرًا, صلاة تكون لكم يوم القيامة ذخرًا, فقد أمركم بذلك ربكم في تنزيل يتلى ويقرا, فقال قولاً كريمًا: إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا [الأحزاب: 56]...

 

محامد و أدعية طباعة الخطبة بدون محامد وأدعية 

إلى أعلى

إذا كانت لديك أية ملاحظات حول هذه الخطبة، إضغط هنا لإرسالها لنا.

كما نرجو كتابة رقم هذه الخطبة مع رسالتك ليتسنى لنا التدقيق وتصويب الأخطاء

 
 

 2004© مؤسسة المنبر الخيرية للمواقع الدعوية على شبكة الإنترنت، جميع الحقوق محفوظة

عدد الزوار حالياً