.

اليوم م الموافق ‏23/‏شوال/‏1445هـ

 
 

 

الإيمان بالله

5998

الإيمان

الله عز وجل

سعيد بن سالم السناني

الساحل

جامع الساحل

محامد و أدعية طباعة الخطبة بدون محامد وأدعية 

ملخص الخطبة

1- وجوب تعلم العقيدة الصحيحة. 2- أهمية العقيدة الصحيحة. 3- أركان العقيدة الإسلامية. 4- توحيد الربوبية. 5- توحيد الألوهية. 6- توحيد الأسماء والصفات.

الخطبة الأولى

قال تعالى: فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ.

يأمرنا ربنا يبارك وتعالى في الآية الكريمة بمعرفته تمام المعرفة، معرفة توحيده وصفاته وأسمائه الحسنى، فعلم التوحيد هو أشرف العلوم وأهمها؛ لأنه يتعلق بالله تعالى، وهو أصل الدين وأساس الملة، من جهل به كان دائنا بدين لا دليل عليه، ومن فقهه كان من أهل الدين الثابت، أَفَمَن يَعْلَمُ أَنَّمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَبِّكَ الْحَقُّ كَمَنْ هُوَ أَعْمَى إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُوْلُواْ الأَلْبَابِ.

وتعلم العقيدة وعلم التوحيد فرض واجب على كل مسلم؛ بحيث يعرف به أصول دينه ويتوفر لديه الاقتناع العقلي والقلبي بأنه الدين الحق، وما من أمة إلا خلا فيها نذير يبني العقيدة الصحيحة ويؤسس التوحيد الخالص لله، وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَّسُولاً أَنِ اعْبُدُواْ اللّهَ وَاجْتَنِبُواْ الطَّاغُوتَ. ورسولنا الكريم ظل في مكة ثلاث عشرة سنة يدعو إلى التوحيد ويخلّص الناس من ظلمات الشرك والخرافات.

العقيدة الصحيحة بها تقبل الأعمال الصالحة، أما صاحب العقيدة الفاسدة فعمله باطل مردود. العقيدة ضرورية للإنسان، بل هي أعظم ضرورة من الأكل والشرب. بالعقيدة يدري الإنسان من خلقه، ولماذا خلق، ومن خلق هذا الكون. بالعقيدة يدري إلى أين مصيره ومصير هذا الكون. بالعقيدة يثبت الإنسان في قبره وينجو من أهوال يوم القيامة ويدخل الجنة، أَفَمَن يَمْشِي مُكِبًّا عَلَى وَجْهِهِ أَهْدَى أَمَّن يَمْشِي سَوِيًّا عَلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ. بالعقيدة يسير الإنسان نحو هدف واضح وطريق مستقيم، فلا حيرة ولا غموض ولا تردد، فيرتاح في الدنيا والآخرة. بالعقيدة تصلح المجتمعات ويصلح أفرادها وينتشر فيها الخير وتقل فيها المنكرات والمعاصي. التوحيد يثمر العمل الصالح والأخلاق الحسنة والصفات النبيلة.

أيها المسلمون، تقوم العقيدة الإسلامية على أركان ستة أساسية، وهي الإيمان بِاللّهِ وَمَلاَئِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ والقدر خيره وشره، وَمَن يَكْفُرْ بِاللّهِ وَمَلاَئِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلاَلاً بَعِيدًا، وقال عليه السلام لجبريل لما سأله عن الإيمان: ((أن تؤمن بِاللّهِ وَمَلاَئِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ والقدر خيره وشره)) رواه مسلم، وسنتحدث اليوم عن الركن الأول وهو الإيمان بالله.

يعرف التوحيد بأنه إفرادُ الله بالخلق والتدبير، وإخلاصُ العبادة له وترك عبادة ما سواه، وإثبات ما لَهُ من الأسماء الحسنى والصفات العليا، وتنزيهه عن النقص والعيب؛ فهو بهذا التعريف يشملُ أنواع التوحيد الثلاثة، وبيانها كالتالي:

أولا: توحيد الربوبية:

ومعناه الاعتقاد الجازم بوجود الله وإفراده تعالى بأفعاله؛ بأن يُعتقَدَ أنه وحده الخالق لجميع المخلوقات: اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ، وأنه الرازق لجميع الدواب والآدميين وغيرهم: وَمَا مِن دَابَّةٍ فِي الأَرْضِ إِلاَّ عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا، وأنه مالكُ الملك والمدبّرُ لشؤون العالم كله؛ يُولِّي ويعزل، ويُعزُّ ويُذل، قادرٌ على كل شيء، يُصَرِّفُ الليل والنهار: قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَن تَشَاءُ وَتَنزِعُ الْمُلْكَ مِمَّن تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَن تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَن تَشَاءُ بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَىَ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ، وأنه هو سبحانه الذي بيده الضر والنفع وحده، ولا يملك أي من المخلوقات كان أن يضرّ أو ينفع من دون الله: وَإِن يَمْسَسْكَ اللّهُ بِضُرٍّ فَلاَ كَاشِفَ لَهُ إِلاَّ هُوَ وَإِن يَمْسَسْكَ بِخَيْرٍ فَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدُيرٌ، والله هو الذي يحيي ويميت: قُلْ مَن يَرْزُقُكُم مِّنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ أَمَّن يَمْلِكُ السَّمْعَ والأَبْصَارَ وَمَن يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيَّتَ مِنَ الْحَيِّ وَمَن يُدَبِّرُ الأَمْرَ فَسَيَقُولُونَ اللّهُ فَقُلْ أَفَلاَ تَتَّقُونَ.

وقد نفى الله سبحانه أن يكون له شريكٌ في الملك أو معين، كما نفى سُبحانه أن يكونَ له شريكٌ في الخلق والرِّزق، قال تعالى: هَذَا خَلْقُ اللَّهِ فَأَرُونِي مَاذَا خَلَقَ الَّذِينَ مِن دُونِهِ، وقال تعالى: أَمَّنْ هَذَا الَّذِي يَرْزُقُكُمْ إِنْ أَمْسَكَ رِزْقَهُ. كما أعلن انفراده بالربوبية على جميع خلقه فقال: الْحَمْدُ للّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، وقال: إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ يَطْلُبُهُ حَثِيثًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومَ مُسَخَّرَاتٍ بِأَمْرِهِ أَلاَ لَهُ الْخَلْقُ وَالأَمْرُ تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ.

وقد فَطَرَ الله جميعَ الخلق على الإقرار بربوبيته؛ حتى إنّ المشركين الذين جعلوا له شريكًا في العبادة يقرون بتفرّده بالربوبية، كما قال تعالى: قُلْ مَن رَّبُّ السَّمَاوَاتِ السَّبْعِ وَرَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ أَفَلاَ تَتَّقُونَ قُلْ مَن بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ يُجِيرُ وَلا يُجَارُ عَلَيْهِ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ فَأَنَّى تُسْحَرُونَ.

فالإقرارُ بربوبية الله والتوجه إليه أمر فطري، مغروس في النفس البشرية، والشرك حادث طارئ، وقد قال النبي : ((كلُّ مولود يُولد على الفطرة، فأبواه يُهوِّدانه أو يُنصِّرانه أو يُمجِّسانه)) رواه الشيخان. فلو خُلِّيَ العبد وفطرته لقَبِل دعوة الرسل واتجه إلى التوحيد الذي جاءت به الرسل ونزلت به الكتب ودلّت عليه الآيات الكونية، ولكن التربية المنحرفة والبيئة الملحدة هما اللتان تغيران اتجاه المولود، ومن ثَمَّ يقلد الأولاد آباءهم في الضلالة والانحراف، يقولُ الله تعالى في الحديث القدسي: ((خلقت عبادي حنفاء، فاجتالتهم الشياطين)) رواه أحمد ومسلم.

والعقل السليم من الشبهات والشهوات يقطع بأن المخلوقات لا بدّ لها من خالق؛ لأنها لا يمكن أن توجد صدفة، ولا يمكن أن توجد نفسها بنفسها، فالعدم لا ينشئ وجودا، فلا بد من خالق موجود وهو الله سبحانه، أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ.

هذا أعرابي في الصحراء يستدل على وجود الله بعقله وفطرته فيقول: "البعرة تدل على البعير، والطريق يدل على المسير، فسماء ذات أبراج وأرض ذات فجاج وبحار ذات أمواج ألا يدل هذا على العليم الخبير؟!". هذا الكون الفسيح والنظام البديع الدقيق الذي أبدعه الله في هذا الكون يدل بلا شك على وجود خالق، فلو دخل إنسان على غرفة ورآها منظمة مرتبة مزركشة فقيل له: "إن هذا الترتيب والتنسيق في هذه الغرفة حدث صدفة بدون صانع" لما صدّق هذا القول، واتهم صاحبه بالجنون، فكيف بهذا الكون دقيق الصنع؟! أفِي اللّهِ شَكٌّ فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ.

فالله جعل للإنسان عقلا يفكر وسمعا يسمع به وعينا يبصر بها، قال تعالى: إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلاَفِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِمَا يَنفَعُ النَّاسَ وَمَا أَنزَلَ اللّهُ مِنَ السَّمَاءِ مِن مَّاء فَأَحْيَا بِهِ الأرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَبَثَّ فِيهَا مِن كُلِّ دَابَّةٍ وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ وَالسَّحَابِ الْمُسَخِّرِ بَيْنَ السَّمَاء وَالأَرْضِ لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ. فلو استعملت عقلك وفكرت لوحّدت الله وقلت: لا إله إلا الله، ولم ينكر هذا التوحيد إلا طائفة من بني البشر وهم الشيوعية والدّهرية، وهم في قرارة أنفسهم يعترفون بالخالق، والكفار إذا تعرضوا للشدة لا يدعون إلا الله، فهذه طائرة في جو السماء مليئة بالكفار والملاحدة، وفجأة اختلت الطائرة وأخذت تنحرف يمينا ويسارا، موقف رهيب، أيقنوا جميعا بالهلاك، ولا يقدّر هذا الموقف إلا من تعرّض له، الطيار لا يملك للطائرة شيئا، والركاب خائفون، وإذا بقلوب الكفرة والملاحدة تتجه بفطرتها إلى السماء وتقول: يا رب، فنجاهم الله، وبعد أن وصلوا إلى بلادهم كفروا بالله ورجعوا للإلحاد، وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيرًا مِّنَ الْجِنِّ وَالإِنسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لاَّ يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لاَّ يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لاَّ يَسْمَعُونَ بِهَا أُوْلَئِكَ كَالأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُوْلَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ.

فالحادث لا بد له من محدث، المصنوع لا بد له من صانع. إنَّ جميع الكون بسمائه وأرضه وأفلاكه وكواكبه ودوابه وشجره ومدره وبره وبحره وملائكته وجنه وإنسه كله خاضع لله، مطيع لأمره الكوني، قال تعالى: وَلَهُ أَسْلَمَ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ طَوْعًا وَكَرْهًا، أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَسْجُدُ لَهُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَمَن فِي الأَرْضِ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ وَالنُّجُومُ وَالْجِبَالُ وَالشَّجَرُ وَالدَّوَابُّ وَكَثِيرٌ مِّنَ النَّاسِ.

والنوع الثاني من التوحيد: توحيد الألوهية:

إنَّ من أقرَّ بتوحيد الربوبية لله فاعترف بأنه لا خالق ولا رازق ولا مدبِّر للكون إلا الله عز وجل يلزمه أن يُقرَّ بأنه لا يستحق العبادة بجميع أنواعها إلا الله سبحانه، وهذا هو توحيد الألوهية، فإنَّ الألوهية هي العبادة؛ فالإله معناه: المعبود، فلا يُدعى إلا الله، ولا يُستغاثُ إلا به، ولا يُتوَكَّلُ إلا عليه، ولا تذبح القرابين وتُنذر النذورُ ولا تُصرفُ جميعُ أنواع العبادة إلا له؛ فتوحيدُ الربوبية دليلٌ لوجوب توحيد الألوهية؛ ولهذا كثيرًا ما يحتجُّ الله سُبحانه على المنكرين لتوحيد الألوهية بما أقروا به من توحيد الربوبية، مثل قوله تعالى: يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الأَرْضَ فِرَاشًا وَالسَّمَاءَ بِنَاءً وَأَنزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقًا لَّكُمْ فَلاَ تَجْعَلُواْ لِلّهِ أَندَادًا وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ.

ومن خصائص الألوهية الكمالُ المطلقُ من جميع الوجوه الذي لا نقص فيه بوجه من الوجوه، وذلك يوجب أن تكون العبادة كلها له وحده والتعظيم والإجلال والخشية والدعاء والرجاء والإنابة والتوكل والاستغاثة وغاية الذّلِّ مع غاية الحب، كل ذلك يجب عقلاً وشرعًا وفطرةً أن يكون لله وحده، ويمتنع عقلاً وشرعًا وفطرةً أن يكون لغيره. قُلْ إِنَّ صَلاَتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ لاَ شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَاْ أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ.

وتوحيد الألوهية من أهم أنواع التوحيد، من أجل هذا التوحيد خلق الله الجن والإنس، قال تعالى: وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلا لِيَعْبُدُونِ. ومن أجل هذا التوحيد أرسل الله الرسل وأنزل الكتب: وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَّسُولاً أَنِ اعْبُدُواْ اللّهَ وَاجْتَنِبُواْ الطَّاغُوتَ.

توحيد الألوهية الذي معناه لا معبود بحق إلا الله هو حق الله على العباد، قال رسول الله لمعاذ: ((يا معاذ، هل تدري حق الله على عباده؟ وما حق العباد على الله؟)) قال: قلت: الله ورسوله أعلم، قال: ((فإن حق الله على العباد أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئا، وحق العباد على الله أن لا يعذب من لا يشرك به شيئا)) رواه البخاري ومسلم.

إذا تحقق هذا التوحيد بين المسلمين مكّنهم الله في الأرض وحقّق لهم النصر والقوة في الأرض: وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي الأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا.

إذا حققنا توحيد الله قولا وعملا صرنا في أمن وأمان وراحة وسلام، قال سبحانه: الَّذِينَ آمَنُواْ وَلَمْ يَلْبِسُواْ إِيمَانَهُم بِظُلْمٍ أُوْلَئِكَ لَهُمُ الأَمْنُ وَهُم مُّهْتَدُونَ. والظلم هو الشرك بالله، وأي ظلم أعظم من أن يشرك العبد بخالقه ورازقه؟!

إذا تحقق هذا التوحيد تحرّر الناس من الخوف والجبن والأوهام والخرافات والأباطيل والشعوذة، فيصبح المسلم قويا في إيمانه، لا يخشى ولا يخاف إلا من الله، يلتجئ إليه وحده في كل الأمور والأحوال.

 

الخطبة الثانية

النوع الثالث: توحيد الأسماء والصفات:

وهو الاعتقاد الجازم بأن لله تعالى الأسماء الحسنى والصفات العلى، والإيمان بأن لله تعالى ذاتًا لا تشبهها الذوات وصفات لا تشبهها الصفات، وأن أسماءه دالة دلالة قطعية على ما له سبحانه من صفات الكمال المطلق كما قال تعالى: لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ، قوله تعالى: وَلِلَّهِ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا وَذَرُواْ الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ سَيُجْزَوْنَ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ.

ومن الأدلة على ثبوت أسماء الله من سنة الرسول ما رواه أبو هريرة رضي الله عنه أن رسول الله قال: ((إن لله تسعةً وتسعين اسمًا، مائة إلا واحدًا، من أحصاها دخل الجنة)) متفق عليه. وليست أسماءُ الله منحصرة في هذا العدد، بل هي أكثر من ذلك كما ورد في بعض الأحاديث.

وهذا الإيمان يقوم على ثلاثة أصول:

الأصل الأول: إثبات ما أثبته الله لنفسه في كتابه أو أثبته له رسوله إثباتًا يليق بجلاله وعظيم سلطانه من غير تشبيه ولا تمثيل ولا تعطيل ولا تحريف ولا تأويل ولا تكييف.

 الأصل الثاني: لا نحاول لا بقلوبنا وتصوراتنا ولا بألسنتنا أن نكيّف شيئًا من صفاته، ولا أن نمثلها بصفات المخلوقين، نثبت أسماء الله وصفاته كما وردت في الكتاب والسنة على ظاهرها، وما تدلّ عليه ألفاظها من المعاني.

 الأصل الثالث: أن ننزه الله في أسمائه عن مشابهة المخلوقين كما قال تعالى: لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ، فما أثبته الله ورسوله من ذلك نثبته، وما نفاهُ الله ورسولُه ننفيه، وما سَكتَ عنه الله ورسوله نسكت عنه، كما قال الإمام الشافعي رحمه الله: "آمنت بالله وبما جاء عن الله على مراد الله، وآمنت برسول الله وما جاء عن رسول الله على مراد رسول الله".

والإيمان بالأسماء والصفات يورث النفس الحبّ والخضوع والتعظيم والخشية والإنابة والإجلال لله تعالى.

 

محامد و أدعية طباعة الخطبة بدون محامد وأدعية 

إلى أعلى

إذا كانت لديك أية ملاحظات حول هذه الخطبة، إضغط هنا لإرسالها لنا.

كما نرجو كتابة رقم هذه الخطبة مع رسالتك ليتسنى لنا التدقيق وتصويب الأخطاء

 
 

 2004© مؤسسة المنبر الخيرية للمواقع الدعوية على شبكة الإنترنت، جميع الحقوق محفوظة

عدد الزوار حالياً