.

اليوم م الموافق ‏09/‏ذو القعدة/‏1445هـ

 
 

 

نصائح للملتزمين

5993

العلم والدعوة والجهاد

قضايا دعوية

عبد الله بن عبيد الله بن عطاء

المدينة المنورة

28/4/1430

جامع ربيعة بن مالك

محامد و أدعية طباعة الخطبة بدون محامد وأدعية 

ملخص الخطبة

1- فضل الملتزم بدينه. 2- نصائح لكل ملتزم.

الخطبة الأولى

أما بعد: فيا عباد الله، طريق السعادة في الآخرة والأولى وسبب الخروج من الشدائد والبلوى والوصية من الباري جل وعلا لزوم التقوى، وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ [الطلاق: 2، 3]، وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْرًا [الطلاق: 4].

أيها الأحباب الكرام، أخاطب اليوم فئة قل أن تخاطب ويندر أن تعاتب، فئة عزيزة على نفوسنا جميعا، لهم عند الخلق أرفع المنازل؛ لاعتقادهم أنهم على طريق الهدى سائرون، ومن معين المصطفى ينهلون، وبه يقتدون، إلى الطاعات يسارعون، وعن المنكرات يبتعدون، إنهم إخواننا الملتزمون، الذين آثروا الاقتداء بخير الورى في المظهر والملبس والمأكل والمشرب. لهم أوجّه حديثي، وأعني به كلّ مسلم على العموم، بيد أنهم محطّ الأنظار، فلذا وجهت لهم هذا الخطاب الأخوي، ولست بخيرهم، كلا والله، ولكنها أمانة حملناها فأديناها، وهمسة صادقة لنفسي قبل أن توجّه لهم، لعل الله أن ينفعنا جميعا بما نقول ونسمع، إنه سميع مجيب.

1- بعض الملتزمين ـ ثبتنا الله وإياهم على الحق والهدى ـ يقعون من حيث لا يشعرون في الشرك الخفي؛ بأن يزين عمله أمام الناس، ولا يرى في ذلك أيما بأس، وقد حذر رسول الله من ذلك بقوله: ((ألا أخبركم بما هو أخوف عليكم عندي من المسيح الدجال؟)) قلنا: بلى، فقال: ((الشرك الخفي، أن يقوم الرجل يصلي فيزين صلاته لما يرى من نظر رجل)) رواه ابن ماجة وحسنه الألباني. فاحذر ـ يا حبيب ـ من هذا الداء، ولا تلقِ للناس بالا، وخف من ربك إجلالا.

2- بعض الملتزمين ـ ثبتنا الله وإياهم على الحق والهدى ـ يُغَلِّبُ جانب الرجاء في الله حتى يأمن مكر الله، ومنهم من يُغَلِّبُ جانب الخوف من الله حتى يَقْنَطَ من رحمة الله، والفريقان على طرفي نقيض، والعاقل من سار بينهما في طريق متواز لا يغلب أحدهما على الآخر حتى يبشر بالجنة، جعلنا الله جميعا في أعلى درجاتها.

3- بعض الملتزمين ـ ثبتنا الله وإياهم على الحق والهدى ـ يُعجب بعمله الصالح، وربما أحبط هذا العجب عمله والعياذ بالله، وربما نظر للآخرين نظرة ازدراء، ورأى أنه أفضل منهم، وهذا داء خطير، فاحمد الله أن هداك وأضل آخرين، فالقلوب بين إصبعين من أصابع الرحمن يقلبها حيث شاء، وقد كان من دعاء الحبيب وهو إمام المهتدين وخير رسل رب العالمين: ((اللهم يا مصرف القلوب، صرف قلوبنا على طاعتك)) رواه مسلم. وكان السلف الصالح يعملون الصالحات ويتقربون بالقربات، ومع هذا يحتقرون هذه الأعمال، ويستغفرون الله لما حصل من تفريط. فلا تغرنك نفسك، وأخلص العمل لفاطر الأرض والسموات، واسأله سبحانه الثبات حتى الممات.

4- بعضهم قبل التزامه تجده في البيت دائما يساعد والده على قضاء لوازم الأسرة والمنزل، يتولى خدمة والدته وأخواته وإخوانه بلا ملل، فإذا التزم تفرغ لخدمة مشائخه وقضاء حوائجهم، وربما قدم لهم النعال ليلبسوها احتراما وتقديرا لهم، وعكف على المحاضرات والندوات والدروس، وأمضى وقته كله في مجالسة زملائه والخروج معهم، فإذا طالب أهله شيئا أجابهم: عندي درس، وإذا كان والده حالقا لحيته أو مدخنا أو من ابتلي بالشيشة ناصبه العداء، يقابل والدته وإخوانه وأخواته بوجه مكفهر وبإنكار مستمر، عندها يضرب المنزل كفا على كف على من كان درة المنزل فأصبح غصته.

أيها الحبيب المبارك، والديك والديك، والله لو خدمت مشائخ المسلمين أجمعين وغسلت أرجلهم من الطين ما أغناك ذلك عن طاعة والديك، فالله قرن برهما بعبادته في أول الوحيين، وأمر بالإحسان إليهما ولو كانا مشركين. فلا يليق بك بعد أن اهتديت من ضلالة وعلمت من جهالة أن تنشغل عنهما، فالجنة تحت قدميهما، والسعادة والفلاح دعوة صادقة من شفتيهما.

5- بعض الملتزمين ـ ثبتنا الله وإياهم على الحق والهدى ـ يحمّلون أنفسهم ما لا يطيقون من نوافل العبادات، فإذا مضى زمن بدأ بالتراجع للوراء، مع أن الله لم يجعل لنا في الدين حرجا، قال تعالى: طهَ مَا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقَى [طه: 1]، وقال تعالى: يُرِيد اللهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ [البقرة: 185]، وعن عائشة رضي الله عنها أن النبي دخل عليها وعندها امرأةٌ قال: ((من هذه؟)) قالت: هذه فلانة تذكر من صلاتها، قال: ((مه، عليكم بما تطيقون، فوالله لا يمل الله حتى تملوا))، وكان أحب الدين إليه ما داوم صاحبه عليه. متفقٌ عليه. فالقصد القصد أيها الفضلاء، وقليل دائم خير من كثير متقطع.

6- بعض الملتزمين ـ ثبتنا الله وإياهم على الحق والهدى ـ مكفهر الوجه مع الناس، لا تعرف الابتسامة إلى شفتيه طريقا، متجهّم دائما، خلافَ ما كان عليه خير الورى ، فقد كان هينا لينا سمحا بسيطا مبتسما لكل الناس، لا يزيده الجهل عليه إلا حلما، ولا يزيده المديح إلا تواضعا، فما بالنا نعرف ذلك في سيرته ولا نطبقه في حياتنا؟! والله تعالى يقول: لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا [الأحزاب: 21].

بارك الله لي ولكم في القرآن...

 

الخطبة الثانية

أما بعد: فيا عباد الله.

7- بعض الملتزمين ـ ثبتنا الله وإياهم على الحق والهدى ـ لا يحسن استخدام أساليب إنكار المنكر، فيستخدم اليد واللسان دوما؛ ما يؤدي إلى منكر أكبر منه، والأولى إنكار المنكر بما يناسب حالته ليعم الخير وتصل النصيحة.

8- بعضهم ـ ثبتنا الله وإياهم على الحق والهدى ـ يلبس المرقع من الثياب، ويهمل النظافة الشخصية، وربما اعتزل الناس وحكم عليهم بالضلال، وهذا لا يمتّ للشريعة بصلة أبدا. فالحبيب كان أعطر الناس وأنظف الناس، وكان يتطيب ويتعطر ويلبس أبهى الحلل ليقابل الناس.

9- بعضهم ـ ثبتنا الله وإياهم على الحق والهدى ـ يمتطي صهوة سوء الظن دوما، ليطلق من فوقها سهام التكفير والتفسيق والتبديع على الناس دون تثبت ولا روية، وهذا أمر يجب التفطّن له والإحجام عنه لشدة خطره.

10- بعضهم ـ ثبتنا الله وإياهم على الحق والهدى ـ يؤثر الكسل على العمل؛ اعتقادا منه أن هذا هو الزهد والتوكل، وهذا تواكل منهي عنه شرعا وطبعا.

11- بعضهم ـ ثبتنا الله وإياهم على الحق والهدى ـ لا يهتم بعمله، ولا يحرص على أدائه بأمانة، ويتعامل مع المراجعين باستعلاء تارة وتطنيش تارة أخرى، وهذا لعمري ليس من الالتزام في شيء، فمن أخذ أجرة حاسبه الله على العمل.

12- بعضهم ـ ثبتنا الله وإياهم على الحق والهدى ـ يستحي أن يقول: لا أعلم لما لا يعلم، فيتجرأ على الفتيا بغير علم، فيقع في المهالك، ويوقع معه كلّ من سأله، وهذه جرأة خطيرة ينبغي التنزه عنها.

13- بعضهم ـ ثبتنا الله وإياهم على الحق والهدى ـ يخص بالسلام من يعرفه، ومن لا يعرفه يصد عنه ويصرفه، وليس هذا من خلق المسلم، ولا ترضاه النفوس السوية.

أيها الأخ الحبيب، احمد الله الذي هداك، واسأله دائما الثبات، ولا تحتقر العاصي وتتكبّر عليه، فقد يحبط الله عملك ويغفر له، وابذل البِشر لكل الناس، وكن قدوة لكل من رآك، لا وبالا على دينك، البسمة رسول المحبة للقلوب، والكلمة المهذبة ترياق الوجدان، فكن حسنَ الطلعة طيب المعشر، هينا لينا، سمحا عطوفا. وبالجملة فإن رمت الخير العميم والذكر الكريم فاستظل بظل سيرة الحبيب الذي وصفه الله فقال جل وعلا: وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ [القلم: 4].

وصلوا وسلموا ـ رحمكم الله ـ على نبينا ...

 

محامد و أدعية طباعة الخطبة بدون محامد وأدعية 

إلى أعلى

إذا كانت لديك أية ملاحظات حول هذه الخطبة، إضغط هنا لإرسالها لنا.

كما نرجو كتابة رقم هذه الخطبة مع رسالتك ليتسنى لنا التدقيق وتصويب الأخطاء

 
 

 2004© مؤسسة المنبر الخيرية للمواقع الدعوية على شبكة الإنترنت، جميع الحقوق محفوظة

عدد الزوار حالياً