.

اليوم م الموافق ‏09/‏ذو القعدة/‏1445هـ

 
 

 

ظلم العمال

5989

الأسرة والمجتمع

قضايا المجتمع

هادي بن محسن مدخلي

صامطة

30/3/1430

جامع الشيخ حافظ الحكمي

محامد و أدعية طباعة الخطبة بدون محامد وأدعية 

ملخص الخطبة

1- أصل البشر. 2- غاية التعارف بين البشر. 3- ظاهرة ظلم العمال. 4- من صور ظلم العمال. 5- نصائح وتذكير.

الخطبة الأولى

أما بعد: فيا عباد الله، إن الله خلق الخلق من نفس واحدة وهو آدم عليه الصلاة والسلام حيث قال تعالى: يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاءً، وقال تعالى: وَمِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلافُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوَانِكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِلْعَالِمِينَ. فأبونا الأول هو آدم، وأبونا الثاني هو نوح, فما على وجه الأرض نفس منفوسة إلا وهي من ذرية نوح عليه السلام؛ لأن الله أفنى كل من عاداهم ولم يبقِ إلا ذريتَه، وَجَعَلْنَا ذُرِّيَّتَهُ هُمْ الْبَاقِينَ, فكل الناس هم أبناء رجل واحد أولاً وهو آدم، ثم أبناء نوح ثانيًا.

وجعلَنا الله شعوبًا وقبائل لنتعارف، يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا، ولا تستقيم للناس حياة إلا بأن يتعاونوا ويتكاملوا، فكل منهم محتاج إلى غيره في معايشه، ولا يمكن أن يستقل بنفسه في تسيير أمور حياته، فالغني منا محتاج إلى الفقير، والصغير محتاج إلى الكبير، والفقير محتاج إلى الغني، وهكذا، وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا سُخْرِيًّا، ولم يقل سبحانه: ليتخذ الأغنياء منهم الفقراء سخريًا, بل بين أن كل من هو فوق ومن هو دونه في درجة العيش كل منهما مسخر للآخر.

إذا تبين هذا ـ يا عباد الله ـ فاعلموا أن مما شاع في هذه الأزمان وذاع هضم حقوق العمال والأجراء، ولهذا صور شتى: فبعض المستأجرين ـ هداهم الله ـ لا يوضّح تفاصيل ما يريد من عميله وأجيره قبل تشغيله، ويستغل حرص هذا العامل والأجير على أن يجد عملاً يتكسّب به، فيأخذه دون توضيح طبيعة العمل، ثم يقع الخلاف بعد وأثناء سير العمل، وينتهي الخلاف لصالح صاحب العمل لأنه يأوي في الغالب إلى ركن شديد، فهو في بلده والعامل غريب أو أجنبي كما يسميهم البعض هداهم الله، ولا يستطيع أن يشكوَه إلى أحد, وما علم هذا المستأجر الظالم أن هذا الأجير المظلوم يأوي إلى ركن شديد وهو الله جل وعلا إن كان قد ظلمه أو سلب حقه أو شغله دون أجر. صح عنه صلى الله عليه وعلى آله وسلم أنه قال: ((اتق دعوة المظلوم؛ فإنه ليس بينها وبين الله حجاب))، وعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ أَنَّ النَّبِيَّ نَهَى عَنِ اسْتِئْجَارِ الأَجِيرِ حَتَّى يُبَيَّنَ لَهُ أَجْرُهُ. رواه أحمد.

وصور الظلم وسوء المعاملة للعمال والأجراء كثيرة يصعب حصرها, ولكني أذكر نفسي وكل من يستأجر عاملاً أو أجيرًا بأمور لا يجوز إغفالها:

أولاً: أن هذا العامل أو الأجير إنسان يجب تكريمه بتكريم الله له: وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنْ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً. وديننا قد أمر بالرفق بالحيوان فكيف بالإنسان؟! قال : ((دخلت امرأة النار في هرة؛ حبستها لا هي أطعمتها ولا هي تركتها تأكل من خشاش الأرض)). فهذه امرأة تصْلَى النار بسبب هرة. ومر على دابة قد وشم وجهها فقال: ((لعن الله من فعل هذا)). إلى غير ذلك مما هو شائع معروف، وكل هذا في الحيوان فكيف بالإنسان الذي قال الله فيه: وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ.

ثانيًا: أن هذا العامل أو الأجير مسلم، فهو أخوك بحكم الإسلام وإن كنت أغنى منه، إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ، وقال : ((المسلم أخو المسلم)), وقال في العبيد والأرقاء: ((إخوانكم خولكم))، فكيف بالأجير الحر؟! بل قد يكون هو أفضل عند الله منك إن كان أتقى لله منك، إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ.

ثالثًا: أن هذا العامل ما جاء إلى هذه البلاد وترك أهله ووطنه ليعيش غريبًا بعيدًا إلا ليعفّ نفسه وعائلته بالكسب الحلال من عمل يده، ولو شاء لسلك طرق الحرام وهي كثيرة ميسورة, صح عنه : ((خير الكسب كسب يد العامل إذا نصح)) أي: إذا اجتهد وبلغ وسعه في إتقان العمل، فكسبه خير كسب كما قال الصادق المصدوق , وفي صحيح البخاري عنه : ((ما أكل أحد طعامًا قط خير من أن يأكل من عمل يده، وإن نبي الله داود كان يأكل من عمل يده)). وإن مسلمًا ترك سبل الحرام وهو قادر عليها لو أراد ليعف نفسه وأسرته بالكسب الحلال بل بأفضل الكسب لهو حري بأن نعززه وأن ينال منا كل إجلال وإكبار.

رابعًا: أن هذه المهن التي يعمل فيها أكثر العمال اليوم هي مهن شريفة، بل هي مهن الأنبياء والمرسلين, قال ابن عباس رضي الله عنهما: (كان نوح عليه السلام نجارًا، وكان إدريس عليه السلام خياطًا، وكان إبراهيم ولوط عليهما السلام زارعين، وكان صالح عليه السلام تاجرًا، وكان داود عليه السلام زرادًا ـ أي: حدادا ـ يزرد الدروع، وكان موسى وشعيب عليهما الصلاة والسلام ومحمد رعاة غنم)، وفي الحديث: ((وكان زكريا عليه السلام نجارا)). وهؤلاء العمال والأجراء غالبهم يتراوحون بين هذه المهن، فهي مهن الأنبياء والمرسلين. وحتى لو كان العامل غير مسلم أتيتَ به على كفالتك وذمتك فهو في ذمتك يجب عليك أن تفي بالعقد الذي بينك وبينه، وأن تعطيه حقه كالمسلم سواء بسواء، وذلك لأن الله تعالى أمر بهذا فقال تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ، وقال : ((أعطوا الأجير أجره قبل أن يجف عرقه))، وعن أبي هريرةَ رضي الله عنه عن النبيِّ قال: ((قال الله تعالى: ثلاثةٌ أنا خصمهم يومَ القيامة: رجل أعطى بي ثم غدر، ورجلٌ باع حرًّا فأكل ثمنه، ورجل استأجر أجيرًا فاستوفَى منه ولم يعطِه أجره)) أخرجه البخاري. ولم يحدد إن كان الأجير مسلما أو غير مسلم.

خامسا: إن بعض أهل المؤسسات والأفراد ـ هداهم الله ـ يتعاقدون مع أجراء وعمال من خارج البلاد بدوام معلوم وأجر معلوم ومميزات معلومة كالسكن والإعاشة وتكاليف السفر وما شابه ذلك، ولكن إذا قدم العامل وجد غير ذلك، وجد الدوام من الصباح إلى منتصف الليل، وقد كان في العقد محددا بساعات معدودة، ووجد الأجرة أقل بكثير مما تمّ الاتفاق عليه، ولم يهيَّأ له السكن ولا الإعاشة، أو ربما جاء به وليس لديه أعمال أصلا، فيتركه هكذا يتيه في الأرض يبحث عن عمل ليأتي لكفيله في نهاية الشهر بمبلغ من المال مقابل تلك الكفالة، وإذا تظلم أو اشتكى ذلك العامل هدّده بالخروج النهائي.

سادسا: بعض الناس يتفقون مع من يؤدّي لهم عملا أيا كان نوعه بأجرة معلومة وبشروط مفهومة، فيؤدي العامل ما تم الاتفاق عليه حسب الشروط والمواصفات، فإذا انتهى وطلب حقه قلب له صاحب العمل ظهر المجن خاصة لو كان مجهولا، فإنه يستغل ضعفه ويهدّده بأجهزة الأمن فيخاف ذلك العامل، مع أنه في الأصل يجب أن لا يخاف إذ أنّ حكومتنا ـ أيدها الله ـ لا ترضى بالظلم على أحد، وسوف تأخذ حقه من ذلك الظالم رضي أم أبى.

سابعا: بعض الناس ـ هداهم الله ـ يأتي بالعامل ويكلفه بعمل قليلا كان أو كثيرا وبدون شروط، فإذا انتهى العامل من أداء عمله أدخل صاحب العمل يده في جيبه وأخرج له مبلغا زهيدا لا يساوي شيئا بالنسبة للعمل الذي عمله له، فإن تذمر العامل وقال: هذا قليل، قال له: إن ترده خذه وإلا مع السلامة. ففي هذه الحال إما أن يتركه وهو بحاجة إليه، وإما أن يأخذه ويشكو أمره إلى الله. فهل هذا العمل ـ أيها المسلمون ـ من الآداب الإسلامية التي حثنا عليها ديننا الحنيف وأوصانا بها نبي الرحمة والعطف والشفقة؟! إن هذا الأجير الذي ظُلِمَ اليوم سيقف أمام الله في يوم القيامة ليحاجك وما أظنك ناج حينئذ؛ إذ إنه لا تنفع عند الله الحيل ولا الشطارة كما هو الحال في الدنيا.

فيا أخي المسلم، إذا دعتك قدرتك على ظلم الناس فتذكر قدرة الله عليك، وهذا نبي الله شعيب عليه السلام عندما استأجر موسى عليه السلام قبل أن يكون نبيا ليرعى له الغنم قَالَ إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنكِحَكَ إِحْدَى ابْنَتَيَّ هَاتَيْنِ عَلَى أَنْ تَأْجُرَنِي ثَمَانِيَ حِجَجٍ فَإِنْ أَتْمَمْتَ عَشْرًا فَمِنْ عِنْدِكَ وَمَا أُرِيدُ أَنْ أَشُقَّ عَلَيْكَ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنْ الصَّالِحِينَ قَالَ ذَلِكَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ أَيَّمَا الأَجَلَيْنِ قَضَيْتُ فَلا عُدْوَانَ عَلَيَّ وَاللَّهُ عَلَى مَا نَقُولُ وَكِيلٌ. فقد حدد نبي الله شعيب الأجرة وهي تزويجه ببنته، وحدد الزمن وهو ثمان سنين شرطا، وإن زاد سنتين وأتمها عشرا فباختياره، وبين له الحال التي سيكون عليها وهي عدم المشقة والتعب، ثم بشره بأنه سيفي له بما قال، وأنه لا يمكن أن ينقصه شيئا حيث قال له: سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنْ الصَّالِحِينَ، فقبل موسى عليه السلام الشرط ونفذ ما طلب منه، ووفى شعيب بعقده معه.

فاتقوا الله عباد الله، وأحسنوا إلى من تحت أيديكم من العمال والخدم، واعلموا أن الذي أعزكم وأذلهم أمامكم هو الله، وهو القادر أن يعزهم ويذلكم ويغير حالكم وحالهم.

نفعني الله وإياكم بهدي كتابه وبسنة رسوله ، أقول قولي هذا، وأستغفر الله العظيم الجليل لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب، فاستغفروه وارجوه إنه هو الغفور الرحيم.

 

الخطبة الثانية

الحمد لله الذي حرم الظلم على نفسه وجعله بيننا محرمًا, القائل فيما رواه عنه : ((يا عبادي، إني حرمت الظلم على نفسي وجعلته بينكم محرمًا فلا تظالموا))، والصلاة والسلام على عبده ورسوله القائل فيما صح عنه: ((واتق دعوة المظلوم؛ فإنه ليس بينها وبين الله حجاب)).

عباد الله، إن صور الظلم للعمال والأجراء كثيرة جدًا يصعب أن نحصيها في يوم واحد، وإن من أبرزها تأخير أجرة العامل بعد أن يتمّ عمله، فيماطله صاحب العمل لا يسدّده أجرته فورًا, وفي الحديث الثابت عنه : ((أعطوا الأجير أجره قبل أن يجف عرقه)).

وإن من صور الظلم أن يكلف العامل بأمور هي فوق طاقته، أو بأمور غير ما اتفق صاحب العمل عليها، أو بأمور لم تجر العادة تكليفه بها, وقد صح عنه في العبيد الأرقاء أنه قال: ((إخوانكم خولكم ـ أي: خدمكم ـ، جعلهم الله قنية تحت أيديكم، فمن كان أخوه تحت يده))، فسماه أولاً أخاه، وأمرنا بالإحسان إليه بقوله: ((فمن كان أخوه تحت يده فليطعمه من طعامه، وليلبسه من لباسه، ولا يكلفه ما يغلبه, فإن كلفه ما يغلبه فليعنه)).

فلنتق الله ـ يا عباد الله ـ في عمالنا وأجرائنا، ولنعنهم على الكسب الحلال ولا نلجئهم إلى المحرمات وهي كثيرة، بل لنشجعهم على هذه المهن التي اختاروا سلوكها والبعد عن سبل الحرام، فمهنهم أطيب المهن، وكسبهم أطيب كسب، وكان نبي الله داود يأكل من كسب يده. وليتذكر كل واحد منا أن الله على كل شيء قدير، وأنه قادر أن يغير حال الفقير إلى غنى، وحال الغني إلى فقر، وما ذلك على الله بعزيز. وليعلم أن الظلم ظلمات يوم القيامة، وأن الله تعالى يقول: وَلا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلاً عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الأَبْصَارُ.

ثم اعلموا ـ يا عباد الله ـ أنّ ربكم المولى جل وعلا قد أمركم بالصلاة والسلام على نبي الرحمة والهدى...

 

محامد و أدعية طباعة الخطبة بدون محامد وأدعية 

إلى أعلى

إذا كانت لديك أية ملاحظات حول هذه الخطبة، إضغط هنا لإرسالها لنا.

كما نرجو كتابة رقم هذه الخطبة مع رسالتك ليتسنى لنا التدقيق وتصويب الأخطاء

 
 

 2004© مؤسسة المنبر الخيرية للمواقع الدعوية على شبكة الإنترنت، جميع الحقوق محفوظة

عدد الزوار حالياً