.

اليوم م الموافق ‏09/‏ذو القعدة/‏1445هـ

 
 

 

توجيهات للأطباء

5988

فقه

المرضى والطب

بلال بن عبد الصابر قديري

جدة

1/2/1422

جامع الغبيشي

محامد و أدعية طباعة الخطبة بدون محامد وأدعية 

ملخص الخطبة

1- حكمة الله في وجود الأمراض والأمر بالتداوي. 2- حاجة الناس إلى الإسلام في جميع الأحوال والمجالات. 3- معنى الطب لغة وشرعا. 4- جوانب من اهتمام الإسلام بالطب. 5- استغلال النصارى الطب في التنصير. 6- استغلال الطب في الدعوة إلى الله. 7- حاجتنا إلى الطبيب المسلم. 8- وقفة مع التمريض النسائي. 9- التحذير من التهاون بالطب النبوي.

الخطبة الأولى

أما بعد: فإن يكن من شيء أولى بالتذكير ووصيّة أجدر بالتحبير فإنها الوصية بتقوى الله عز وجل, فهي جماع الخيرات ومعدن البركات, فما من خير ظاهرٍ ولا باطنٍ إلا وهي سبيل إليه ودليل عليه, ولا شرٍّ ظاهرٍ ولا باطنٍ إلا والتقوى حصن منه مكين ودرع منه متين, هي دعوة الأنبياء وشعار الأولياء, فكل نبي يقول لقومه: ألا تتقون, وأولياء الله هم: الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ [يونس: 63].

عباد الله، أيها المسلمون، لَكَمْ هي كثيرةٌ أمراض الأبدان وعللها, يصيب الله بها من يشاء, ويصرفها عمن يشاء, في حكمة بالغة. وإن يصَبْ أحدٌ بمرضٍ فلا يدع طبيبًا إلا ويأتيه ويطرق بابه, يقطع لأجل ذلك الأكيال والأميال, ويجمع الريال إلى الريال, وهو في ذلك غير ملوم؛ لأن من مقاصد الشريعة الغراء صيانة الأنفس ورعايتها, ورسول الله أمر بالتداوي أمرا صريحا بيِّنا فقال: ((تداووا عباد الله، ولا تداووا بمحرم)). ولَكَمْ من المصالح والخيرات تتحقق للعباد في الابتلاء بالأسقام, من لجوءٍ إلى الله وتعلق به, وانتظار الفرج بعد الشدة, ويبلغ بالابتلاء منازل لم تكن لتحصل له إلا بالصبر على القضاء, ويشكر الله على نعمة الصحة, فالمرض نعمة وليس بنقمة.

لعل عتبك محمودٌ عواقبه        وربما صحت الأجساد بالعلل

روى أحمد وأصحاب السنن عن أسامة بن شريك رضي الله عنه قال: أتيت النبي وأصحابه كأن على رؤوسهم الطير ـ أي: من الوقار ـ فسلمت ثم قعدت, فجاء الأعراب من ها هنا وها هنا فقالوا: يا رسول الله، أنتداوى؟ قال: ((تداووا؛ فإن الله لم يضع داء إلا وضع له دواء غير داء واحد))، قالوا: ما هو؟ قال: ((الهرم: الموت)).

ومع التطور التقني الذي يعيشه العالم في شتى نواحي الحياة شهد مجال الطب قفزات هائلة في علاج أمراضٍ مستعصيةٍ لم يكن لها علاج عند الأقدمين, أو كان علاجها يكلف وقتًا طويلا ومالاً كثيرًا, ومع هذا كله فإنه لا غنى لأحد عن شرع الله في كل حين وزمان, ومجالات الحياة كلها إن لم تكن منضبطة بقواعد الشرع الحنيف مالت وانحرفت إلى مهاوي الردى.

فهذه إشارات وإرشادات في واجبات الطبيب المسلم, وكذا الطبيبة والممرضة على السواء, وتنبيهات على منكرات ذاعت وشاعت في جنبات المشافي ودور العلاج, وحتى لا يستفحل الداء ويعظم البلاء, كانت هذه الكلمات على عجالة وإطناب شديدين, إبراءً للذمَّة, وأداءً للأمانة, ولست بمدعٍ حصر القضية وحلها, فهي أوسع من أن تدرك كل جوانبها في خطبة, ولكن حسبنا أن ما لا يدرك كله لا يترك كله.

الطب ـ أيها المسلمون ـ يرد على معان منها الإصلاح, يقال: طبه، أي: أصلحه, وهو الحذق، فكل حاذق طبيب عند العرب, أي: ماهر بالأشياء, والطب هي العادة، فليس ذاك بطبي أي: عادتي, وهو السحر فيقال: الرجل مطبوب، أي: مسحور, كما في الحديث الصحيح عن عائشة رضي الله عنها لما سُحِرَ النبي وجاءه الملكان قال الأول: ما بال الرجل؟ فقال الآخر: مطبوبٌ, قال: من طبه؟ قال: لبيد بن الأعصم اليهودي. الحديث. والطبيب هو العالم بالطب وجمعه أطباء.

ولما كان الإسلام شريعة كاملة لم يهمل جانب الطب, فجاءت النصوص الصريحة الصحيحة حول الطب بيانًا واعتناءً واهتمامًا, مما حدا بعلماء الإسلام إلى التأليف فيه, وتنويع الكلام عنه تأصيلاً وشرحًا وتصنيفًا.

فقعَّد الشارع الكريم قواعد لما يعرف بالصحة الوقائية, كما في قول النبي في الصحيحين: ((لا يوردن ممرض على مصح))، وبيَّن أُسُسَ وقواعد الحجر الصحِّي, فقال عليه الصلاة والسلام: ((إذا سمعتم بالطاعون في أرض فلا تدخلوها عليه, وإذا وقع بأرض فلا تخرجوا منها فرارا منه)) رواه البخاري.

وحث على الوقاية من الأمراض إذ هي خير من العلاج، فقال عليه الصلاة والسلام: ((طهروا أفنيتكم ولا تشبهوا باليهود)) رواه الترمذي. وفي هذا حثٌ على المحافظة على البيئة جليّ, ومن قبلُ ومن بعدُ أكَّد على حق البدن وحمايته ووقايته, فقال : ((إن لبدنك عليك حقا)). وحسبكم أن رسالة محمد والقرآن المنَزَّل عليه شفاء ورحمة للمؤمنين، وشفاء لما في الصدور.

وأبطل الشارع الكريم المعتقدات الباطلة حول الأمراض ومسبباتها وما يرفعها ويزيلها, فقال : ((لا عدوى ولا طيرة ولا هامة ولا صفر))، وقال : ((إن الرقى والتمائم والتوَلة شرك))؛ لأنها جُعِلت أسبابًا للشِّفاء, والله تعالى لم يجعلها للشِّفاءِ سببًا.

وليس هذا فحسب, بل إن الشارع اهتم بذوي الصنعة من حملة الطب, فالطبيب عمله مجيد, منطلقه قول الله عز وجل: وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ [المائدة: 2]، وقول الحبيب : ((من استطاع منكم أن ينفع أخاه فليفعل)) رواه مسلم. فالشفاء مطلب, والطبيب وسيلة, والمريض مخدوم, والطبيب خادم, والضعيف أمير الركب.

من هنا كان خلق الرحمة غالبا على ممتهني الطبّ أطباء وممرضين؛ لأن الصحة حاجة أساسية لا ترف أو كمال, فهي المهنة الوحيدة التي لا يُردُّ قاصدها ولو لم يملك الأجر والأجرة.

ولئن كان أهل الديانة النصرانية المحرَّفة يعقدون الألوية ويسيرون البعثات الطبية التنصيريَّة إلى الصحاري والأدغال للدعاية لدينهم الباطل والتبشير به حسب زعمهم, وما هو بتبشير إنما هو تنفير, إذ لا يعطى المريض علاجا حتى يعلوه الصليب أو يُعَمَّد, أو يقال له عند العلاج: هذا من المسيح, أو أن الدواء من لدن يسوع, فأين أطباء المسلمين من اتخاذ مهنتهم سبيلا للدعوة إلى الله وهداية الخلق إلى الحق؟! فنحن أولى بالحق منهم, ولئن كانت الرحمة عندهم من سمات الطبيب لأنها شرف المهنة أو لأنها واجب طبي, فإنها عندنا ـ معشر المسلمين ـ واجب ديني إذ ((من لا يرحم لا يرحم)) متفق عليه.

إن مهنة الطب مهنة لا بد وأن يقتحم أبناء الإسلام أسوارها بعِزَّة, ولكنها ليست هدفا تنتهي عنده مرادات المرء ويكتفي بها مطلبًا, ولكن الطب وسيلة لنيل رضا الله، فماذا عسى الطبيب أن ينفع به الناس إذا كان بعيدا عن الله؟! وماذا ينفعه العلم الدنيوي وإن كان أعلم الناس به وهو بربه ودينه جاهل؟! إن المصيبة أن يرجع الطبيب إلي بلده ممسوخ العقل والفطرة يعادي دينه وإسلامه, هذا أحدهم رجع, فلما نزل من الطائرة وجد الناس يصلون ويعبدون الله, فقال: أما زلتم أنتم على هذه الخرافات؟! فنذر وأقسم أن لا تطأ جبهته الأرض ساجدا لله ما دام حيًّا وفيه عين تطرف, فابتلاه الله بمرض لم يجد الأطباء له علاجا إلا أن ينزل برأسه إلى الأرض يهدهدها, حتى يهدأ مرضه, فمات شرّ ميتة.

فحذار ـ عباد الله ـ أن يكون العلم سببا في هلاك البعض أو سبيلا لشقائهم, أو أن ينطبق عليهم قول الله عز وجل: يَعْلَمُونَ ظَاهِرًا مِنَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ عَنِ الآخِرَةِ هُمْ غَافِلُونَ [الرم: 7].

أيها الطبيب المسلم، يا لها من فرصة سانحة لك للدعوة إلى الله وهداية الخلق إلى الحق, فذكِّر المرضى بالصبر على القضاء وترك السخط على البلاء, وإن كان المريض على شفا جرف الموت حذرته ونصحته ليستعد للقاء الله؛ بردّ المظالم, وإعطاء كل ذي حق حقه, والأهبة للقاء الله, وقد يوصيك المريض عند النزع بوصايا فلتكن أمينا في نقلها, حريصا على أدائها, ثم عند تفقّدك المرضى وسؤالك عن أحوالهم احتسب أجر عيادة المريض فتكون في مخرفة الجنة وجناها.

وهلا اهتممت بطهارة المريض وصلاته وتيسير التيمم له بالصعيد الطيب, ولتكن على علم بمسائلها، فماذا لو أغمي عليه لأيام كيف يقضي الفوائت؟ وكيف يجمع الصلوات عند العمليات الطويلة؟ وما حكم الدم في ملابسه؟ وقل مثل ذلك في الكحوليات.

وإذا حضرت مريضا يحتضر فبادر إلى تلقينه الشهادة, ودعوة غير المسلمين إلى الدين, وإغماض عيني الميت, وتغطيته بملاءة ساترة, وبادر بإعلام أهله وتعزيتهم, وبشِّر بعلامات حسن الخاتمة كما رأيتها, كالنطق بالشهادة وعرق الجبين.

ثم إن دورك في علاج ذوي الأمراض النفسية عظيم, فاربطهم بالذكر وقراءة القرآن, فهي الشفاء من كل داء، وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ وَلا يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إِلاَّ خَسَارًا [الإسراء: 82]. فقدم لهم علاج القلب والروح كما تداوي لهم الأبدان, وحذرهم من مسببات الأمراض كالخمور والفواحش, ولا تكن سلبيا تجاه علاجها, وحذار أن تكون لك يد في إزهاق أرواح محترمة بإسقاط الأجنة وإجهاضها, فتلك عادة الجاهلية وليُسْئَلُنَّ عنها، وَإِذَا الْمَوْءُودَةُ سُئِلَتْ بِأَيِّ ذَنْبٍ قُتِلَتْ [التكوير: 8، 9]، وسواءً أكان قبل الحمل بأدوية تقطعه أو تمنعه, أو بعده بإجهاضه وهلاكه.

وحذار من تشريح الأجساد المؤمنة؛ فإن كسر عظم المؤمن ميتا ككسر عظمه حيا, إلا ما كان للكشف عن الجرائم، فالضرورات تقدّر بقدرها.

وإن يكن شيء أولى بالتنبيه وأجدر بالبيان فإنها قضية العورات وما يحصل فيها من تهاون, لا سيما بالتوسع فيها عند العمليات, فالأصل أن لا ينظر الرجل إلى عورة الرجل, ولا المرأة إلى عورة المرأة، إلا حال الضرورة في أضيق نطاق, وقل مثل ذلك عن اللمس, فكلّ ما حرم النظر إليه حرم لمسه.

وأولى الناس بعلاج المرأة المسلمة مسلمةٌ مثلها, ثم الكتابية, ثم المسلم, ثم الكتابيّ, ولا ينتقل من الأولى إلى من دونه إلا عند انعدامه, أو تعذّر الوصول إليه.

وهذا يقودنا للحديث عن تطبيب النساء وامتهانهن ما يعرف بالتمريض, إذ كثر فيه الخلط والخبط في زماننا, تحت دعاوى الضرورة والحاجة.

فيا لله أيُّ حاجة تلك التي تلجئنا إلى الزجّ بربات الخدور إلى الكشف لكل أحد, فلا يرددن يد لامس ولا عين لاحظ, ويضيع في سبيل ذلك سنوات من ربيع العمر هباء منثورا, يزيد من ذلك طمع الآباء والأولياء في رواتب تجنيها الممرضة لأهلها.

إن مفهوم التمريض كان معلومًا عند العرب قبل الإسلام بما يعرف بالآسيات, وكان النبي يغزو بأم سليم ونسوةٍ من الأنصار يسقين الماء ويداوين الجرحى, فيما رواه أبو داود, ولكن كانت حوادث متفرقات, بضوابط شرعية وضرورات حربية ملجئة, أما أن تصبح عادة دارجة حتى إن المرأة تمرِّض الرجال والنساء على السواء, فهذا لعمر الله هو الداء الخطير والشر المستطير, إنه لا أحفظ للمرأة ولا أتقى ولا أفضل لها وأبقى من بقائها في عرين زوجها واستتارها بخدرها, والله المستعان على ما تصفون.

ثم العجب يزداد مما يحصل من الممرضات من خضوع في القول وتزيُّنٍ في الملبس والمظهر, وكأنهن يستقبلن زوجا قد طال غيابه, فأين الغيرة من القلوب يا عباد الله؟! وإياك إياك أن تسمح لنفسك بالخلوة مع إحداهن, فإنك إن فعلت ذلك ـ أيها الطبيب ـ خالفت صريح قول النبي : ((ما خلا رجل بامرأة إلا كان الشيطان ثالثهما)) رواه الترمذي.

 

الخطبة الثانية

أيها المسلمون، مع تقدّم الطب وتطوّره لا تزال الحاجة ملحة للتعرف على الطب النبوي والتداوي به, كيف لا وهو طب متيقن لا طب بشرِّيٌ مظنون؟! والعجيب أن يهوِّنَ البعض من شأن الطب النبوي من حيث يشعرون أو لا يشعرون, وذلك بالقدح فيما يعرف بالطب الشعبيّ, ويتصوّر أن الطب النبوي شعبة منه, ومثل هذا المنحى الخطير سلكه ابن خلدون رحمه الله في مقدمته حين قال: "والطب المنقول في الشرعيات ليس من الوحي في شيء, وإنما هو أمر كان عاديّا للعرب, ووقع في ذكر أحوال النبي من نوع ذكر أحواله التي هي عادة وجبلة, لا من جهة أن ذلك مشروع على ذلك النحو من العمل, فإنه إنما بعث ليعلمنا الشرائع ولم يبعث لتعريف الطب ولا غيره من العاديات" اهـ من مقدمة ابن خلدون (192).

يا له من كلام خطير إن اعتقده المرء وسلكه, فالحذر الحذر من توهين كلام رسول الله , أو تحقير مأموراته عادة كانت أو عبادة, فإنه دين ووحي منزل, ونسبة طبّ أطباء العصر إلى الطب النبوي كنسبة طب العجائز إلى طبهم، وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى إِنْ هُوَ إِلاَّ وَحْيٌ يُوحَى عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى [النجم: 3-5].

هذا، وصلوا وسلموا على الهادي البشير والسراج المنير, محمد بن عبد الله بن عبد المطلب, صاحب الحوض والشفاعة, فقد أمركم الله بذلك في محكم التنزيل فقال عز قائلا عليما: إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا [الأحزاب: 56].

 

محامد و أدعية طباعة الخطبة بدون محامد وأدعية 

إلى أعلى

إذا كانت لديك أية ملاحظات حول هذه الخطبة، إضغط هنا لإرسالها لنا.

كما نرجو كتابة رقم هذه الخطبة مع رسالتك ليتسنى لنا التدقيق وتصويب الأخطاء

 
 

 2004© مؤسسة المنبر الخيرية للمواقع الدعوية على شبكة الإنترنت، جميع الحقوق محفوظة

عدد الزوار حالياً