.

اليوم م الموافق ‏25/‏شوال/‏1445هـ

 
 

 

قبض العلماء

5977

الرقاق والأخلاق والآداب, العلم والدعوة والجهاد

العلم الشرعي, الفتن

خلف بن حمود الشغدلي

المدينة المنورة

جامع جابر الأحمدي

محامد و أدعية طباعة الخطبة بدون محامد وأدعية 

ملخص الخطبة

1- إقبال الفتن. 2- التحذير من الفتن. 3- المخرج من الفتن. 4- فضل العلماء. 5- تتابع موت العلماء.

الخطبة الأولى

أما بعد: فإن خير الكلام كلام الله، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثةٍ بدعة، وكل بدعةٍ ضلالة، وكل ضلالةٍ في النار.

أيها الناس، اتقوا الله تعالى حق التقوى، والتمسوا من الأعمال ما يحب الله ويرضى، وراقبوه سبحانه مراقبة من يعلم أنه يسمع ويرى، وإياكم والطغيان واتباع الهوى وإيثار الحياة الدنيا؛ فإنه بذلك هلكت القرون الأولى.

عباد الله، اتقوا الله حق التقوى، واستمسكوا من دينكم بالعروة الوثقى، واعلموا أن أجسادكم على النار لا تقوى، اتقوا الله حق تقواه؛ فمن اتقى الله وقاه ورعاه.

عباد الله، لقد أقبلت الفتن كقطع الليل المظلم، يتبع آخرها أولاها، والآخرة شر من الأولى. روى الإمام أحمد عن أبي سعيد الخدري قال: صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم صلاة العصر ذات يوم، ثم قام فخطبنا إلى أن غربت الشمس، فلم يدع شيئًا مما يكون إلى يوم القيامة إلا حدثناه، حفظ ذلك من حفظه ونسيَه مَنْ نسيَه، فكان مما قال: ((يا أيها الناس، إن الدنيا خضرة حلوة، وإن الله مستخلفكم فيها فناظر كيف تعملون، فاتقوا الدنيا واتقوا النساء))، قال أبو سعيد رضي الله عنه: وقد دنت الشمس من الغروب، فقال صلى الله عليه وآله وسلم: ((إن ما بقي من الدنيا فيما مضى منها مثل ما بقي من يومكم هذا فيما مضى منه)).

لقد أخبرنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وهو الصادق المصدوق عمّا سيكون في آخر الزمان من الفتن إلى قيام الساعة، وَمَا يَنْطِقُ عَنْ الْهَوَى إِنْ هُوَ إِلاَّ وَحْيٌ يُوحَى.

عباد الله، قال : ((بادروا بالأعمال فتنًا كقطع الليل المظلم، يصبح الرجل مؤمنًا ويمسي كافرًا، ويسمي مؤمنًا ويصبح كافرًا؛ يبيع دينه بعرض من الدنيا)) رواه مسلم.

وروى البخاري عن حذيفة بن اليمان رضي الله عنهما قال: كان الناس يسألون رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عن الخير، وكنت أسأله عن الشر مخافة أن يدركني، فقلت: يا رسول الله، إنا كنا في جاهلية وشر، فجاء الله بهذا الخير، فهل بعد هذا الخير من شر؟ قال: ((نعم))، قلت: وهل بعد ذلك الشر من خير؟ قال: ((نعم، وفيه دخن))، قلت: وما دخنه؟ قال: ((قوم يهدون بغير هديي تعرف منهم وتنكر))، قلت: فهل بعد ذلك الخير من شر؟ قال: ((نعم، دعاة على أبواب جهنم، من أجابهم إليها قذفوه فيها))، قلت: يا رسول الله، صفهم لنا، قال: ((هم من جلدتنا، ويتكلمون بألسنتنا))، قلت: فما تأمرني إن أدركني ذلك؟ قال: ((تلزم جماعة المسلمين وإمامهم))، قلت: فإن لم يكن لهم إمام ولا جماعة؟ قال: ((فاعتزل تلك الفرق كلها، ولو أن تعضّ بأصل شجرة حتى يدركك الموت وأنت على ذلك)). روى مسلم نحوه عن جابر، ورواه أهل السنن عن حذيفة بن اليمان رضي الله عنهما.

وثبت في الصحيح من حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: ((إن الإسلام بدأ غريبًا، وسيعود غريبًا كما بدأ، فطوبى للغرباء))، قيل: ومن الغرباء؟ قال: ((النزاع من القبائل)).

وروى ابن ماجه بسند قوي على شرط الصحيح عن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: ((إن بني إسرائيل افترقت على إحدى وسبعين فرقة، وإن أمتي ستفترق على اثنين وسبعين فرقة، كلها في النار إلا واحدة، وهي الجماعة))، وفي رواية أبي داود: ((على ثلاث وسبعين فرقة)).

وفي مستدرك الحاكم أنهم سألوا النبي صلى الله عليه وآله وسلم عن الفرقة الناجية: من هم؟ فقال : ((من كان على ما أنا عليه اليوم وأصحابي)).

قال الحافظ ابن كثير: "من حديث حذيفة رضي الله عنه يعلم أنه المخلص من الفتن عند وقوعها اتباع الجماعة ولزوم الإمام بالطاعة".

ولقد أخبر صلى الله عليه وآله وسلم عن أشياء وعلامات تتقدم الساعة، منها فتنة الجهل والطمع والفوضى، فقال صلى الله عليه وآله وسلم كما في الصحيح: ((يتقارب الزمان، ويقبض العلم، وتظهر الفتن، ويلقى الشح، ويكثر الهرج))، قالوا: يا رسول الله، وما الهرج؟ قال: ((القتل)).

وقال أنس رضي الله عنه: ألا أحدثكم حديثًا سمعته من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لا يحدثكم به أحد بعدي؟ سمعته يقول: ((إن من أشراط الساعة أن يرفع العلم ويظهر الجهل ويفشو الزنا ويشرب الخمر ويذهب الرجال وتبقى النساء حتى يكون لخمسين امرأة قيم واحد)).

عباد الله، إن العلماء هم ورثة الأنبياء الذين أخذوا من ميراثهم، وميراثهم العلم. إن العلماء هم مصابيح الدجى وأعلام الهدى، يخلفون المصطفى في أمته، فيعلّمون الخير ويأمرون به ويعملون به، وينهون عن الشر وينأون عنه. هم نور البلاد وهداة العباد، يحيون ما درس من السنة ويحاربون البدعة، إذا تكلموا تكلموا بعلم وحكمة، وإذا صمتوا صمتوا لعبرة. حياتهم علم وجهاد، وبيوتهم مزار ومهاد.

عباد الله، يقول صلى الله عليه وآله وسلم في حديث عبد الله بن عمرو بن العاص: ((إن الله لا يقبض العلم انتزاعًا من الناس، ولكن يقبض العلماء)).

عباد الله، لقد قُبض كثير من العلم، وقل العلماء، قلَّ العلماء الربانيون الذين يعلّمون الناس الخير ويخشونَ الله حق الخشية ويعظمون العلم حق تعظيمه.

أيها المسلمون، ألا ترون وتسمعون كم فقدنا من علمائنا في هذا العام الذي لم ينصرم إلا نصفه، فهو عام العظماء من العلماء. بدأ بالشيخ الجليل العلامة المجاهد المجدّد فقيد الأمة رافع لواء الكتاب والسنة ومحارب البدعة شيخ مشايخنا الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله وأجزل له الأجر والمثوبة، الذي أمضى قرابة الستين عامًا من عمره مع العلم، وانتهاء بالشيخ الجليل والمحدث المحقق العلامة وشيخ مشايخنا محمد ناصر الدين الألباني رحمه الله رحمة واسعة، الذي أمضى أكثر من ستين عامًا من عمره في خدمة العلم والسنة بالتحقيق والتمحيص، والذي لا يستغني باحث عن كتبه وتحقيقه رحمه الله، ومرورًا بشيخ الفقهاء في المدينة النبوية الشيخ الفاضل والمعلم المربي العلامة القاضي شيخنا الشيخ عطية بن سالم عليه رحمة الله، فلقد جالسته وسألته عن مسائل في الفقه أكثر من مرة، واستمعت لدروسه في الفقه كثيرًا، والذي لم تر عيني في المدينة أفقه منه، ولا أَعرَف بأصول الفقه منه.

لقد خسرنا الكثير من علمائنا في مطلع هذا العام، فقد خسرنا العالم النحرير، وخسرنا الأديب المفوّه والفقيه المحقق والمحدث المدقق، اللهم أجرنا في مصيبتنا واخلفنا خيرًا.

بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم؛ ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم. أقول ما تسمعون، واستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنبٍ، إنه هو الغفور الرحيم.

 

الخطبة الثانية

الخطبة الثانية:

الحمد لله الذي جعل العلم ضياءً والقرآن نورًا، ورفع الذين أوتوا العلم درجات وجعل العلماء ورثة الأنبياء، وكفى بربك هاديًا ونصيرا. أحمده تعالى حمدًا كثيرًا وأشكره وهو القائل: إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له كما شهد الله أنه لا إله إلا هو والملائكة وأولو العلم قائمًا بالقسط لا إله إلا هو العزيز الحكيم، وأشهد أن نبينا محمدًا عبده ورسوله المرشد الحكيم والمعلم العظيم، بشر به المسيح والكليم وهو دعوة إبراهيم: رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولاً مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِكَ وَيُعَلِّمُهُمْ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ.

عباد الله، سئل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: أي الجلساء خير؟ فقال: ((من ذكركم اللهَ رؤيتُه، وزاد في علمكم منطقه، وذكركم بالآخرة عمله)). فعليكم بمجالسة العلماء، واسمعوا كلام الحكماء؛ فإن الله يحيي القلب الميت بنور الحكمة كما يحيي الأرض الميتة بوابل المطر.

اللهم إنا نسألك فعل الخيرات وترك المنكرات وحب المساكين، وأن تغفر لنا وترحمنا، وإذا أردت بعبادك فتنة فتوفنا إليك غير مفتونين. اللهم أصلح فساد قلوبنا، اللهم ومنّ علينا بالتوبة النصوح...

محامد و أدعية طباعة الخطبة بدون محامد وأدعية 

إلى أعلى

إذا كانت لديك أية ملاحظات حول هذه الخطبة، إضغط هنا لإرسالها لنا.

كما نرجو كتابة رقم هذه الخطبة مع رسالتك ليتسنى لنا التدقيق وتصويب الأخطاء

 
 

 2004© مؤسسة المنبر الخيرية للمواقع الدعوية على شبكة الإنترنت، جميع الحقوق محفوظة

عدد الزوار حالياً