.

اليوم م الموافق ‏10/‏شوال/‏1445هـ

 
 

 

القبض على أحد عشر إرهابيا في الحادي عشر من ربيع الثاني

5962

موضوعات عامة

جرائم وحوادث

عبد العزيز بن محمد القنام

وادي الدواسر

14/4/1430

جامع النويعمة القديم

محامد و أدعية طباعة الخطبة بدون محامد وأدعية 

ملخص الخطبة

1- الفرح بالإنجاز الأمني العظيم. 2- ظهور ضلال أصحاب الفكر المنحرف. 3- شكر الذين حققوا هذا الإنجاز. 4- فضل بلاد الحرمين وأهمية أمنها واستقرارها. 5- مقاصد هؤلاء الأغرار. 6- حرمة دماء المسلمين والمعاهدين. 7- ضرورة مواجهة أهل الفساد والإفساد.

الخطبة الأولى

أما بعد: فاتقوا الله حقَّ التقوى بابتغاء مرضاته والبُعد عن محرماته، تكونوا من عبادِه المتّقين الذين وفَّقهم وأسعدهم ربُّهم في الدنيا، وآتاهم حسنَ الثواب في الأخرى.

أيها المسلمون، لقد استبشر الجميع في هذه البلاد المباركة وفي غيرها بما بثته وسائل الإعلام في الأسبوع الماضي، بيان من وزارة الداخلية بأن المتابعة الأمنية للتطورات التي تشهدها المنطقة والتوجهات الضالة في استهداف الوطن من الخارج قد أسفرت في اليوم الحادي عشر من ربيع الثاني الكشف عن خلية مكونة من أحد عشر إرهابيًّا، وجميعهم مع الأسف من أبناء الوطن (سعوديون)، ومما ظهر في البيان أن لديهم تواصلا مع عناصر ضالة مقيمة في الخارج، وقد شرعوا في التمهيد لتنفيذ مخططاتهم الإجرامية التي تشمل اعتداءات على رجال الأمن والقيام بعمليات خطف واحتجاز رهائن وتنفيذ عمليات سطو مسلح؛ لتمويل أنشطتهم الإجرامية، حيث اتخذوا مخبأ لهم في إحدى المغارات الجبلية بالقرب من الحدود الجنوبية للمملكة، وقاموا بتخزين المواد التموينية والأسلحة وآلات التصوير ومعدات متنوعة، وبفضل من الله تمكنت الأجهزة الأمنية من القبض على أعضاء هذه الخلية، وعددهم أحد عشر، جميعهم سعوديون، وضبط ما بحوزتهم من أسلحة وذخائر متنوعة تم دفنها في مواقع متعددة.

فبحمد الله تعالى تم القبض على هذه المجموعة الإفسادية، وأبطل الله كيدهم، وخيب الله أعمالهم، وكشف الله أمرهم، وفضح مخططاتهم وعداءهم لهذه البلاد، بفضل الله ثمّ جهود العيون الساهرة تم القبض على هذه العصابة المجرمة التي تحمل في قلوبها العداوة والحقد على أمن هذا البلد، فالله تعالى أبطل كيدهم، وفضح أمرهم، فجاء الحق بازغًا للعيان، حيث تجلّت حقيقة هؤلاء المنتسبين إلى الإسلام، والإسلام منهم براء، فعلم الناس حقيقتهم، وتبين للقاصي والداني ما هم فيه من الغواية والضلال، فأين هؤلاء من نصوص الكتاب والسنة التي تحض المسلمين على التماسك والتعاون على الخير، والبعد عن الفرقة والتعاون على الشر والفساد؟! أين هؤلاء من قول الله تعالى: مِنْ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ [الروم: 32]؟! فالحمد لله الذي ردَّ كيدهم في نحورهم وجعل تدبيرهم تدميرهم، قال تعالى: وَلا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلاَّ بِأَهْلِهِ [فاطر: 43]، وقال تعالى: إِنَّ اللَّهَ لا يُصْلِحُ عَمَلَ الْمُفْسِدِينَ [يونس: 81].

وإنه ـ يا عباد الله ـ منذ بداية ظهور أفراخ أصحاب الأفكار المنحرفة والعقول المتردية والأعمال المشينة في هذه البلاد حرسها الله ولا أحد يشكّ في ضلالٍ كبير لهم في المنهج وطويةِ سوء لهم في المقصد، فكل يوم يمر على أعمال هؤلاء يكشف الغطاء وينزع القناع ويميط اللثام عن أقوام أرادوا الفساد من أجل الفساد، نفوسٌ مريضة وقلوب حاقدة وعقول مؤجرة، بل وأفعالٌ يائسة، وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيُشْهِدُ اللَّهَ عَلَى مَا فِي قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصَامِ وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللَّهُ لا يُحِبُّ الْفَسَادَ [البقرة: 204، 205].

ها هم وقد كُتب لهم الفشل عَقِب الفشل، والخيبة تلو أختها، وهذا مما يوجب شكر الله تعالى على أن وفق هذه الدولة للقضاء على هذه الفئة الفاسدة في المجتمع، فكم أثلج صدورنا وطمأن قلوبنا ما قام به رجال الأمن البواسل من عمليات بطولية ونجاحات أمنية الواحدة تلو الأخرى، وتضاف لبطولاتهم السابقة التي قاموا بها للإطاحة بهذه الفئة المجرمة وإجهاض عملياتها، فهو عمل جبار بكل المقاييس، لا يمكن أن يكون إلا بفضل الله وتوفيقه، ثم بفضل العيون الساهرة من رجال الأمن وفقهم الله، وهذا مما يؤكّد حرص الجهات الأمنية في هذه البلاد المباركة على رصد مخططات الفئة الضالة الإفسادية الفاشلة، فهنيئا لنا ولكم بما حققوه من كسر لشوكة عتاة الفساد وتكسير أضلاع الإفساد واقتلاع جذورٍ مِن نبتِ البغاة والخوارج المروّعين للعباد، وسيبقى الحق عالي الراية شامخ القامة، لا يزيده المرض في جسمه إلا مناعة وحصانة، رد الله العافية إلى جسد بلادنا عاجلا غير آجل.

فكلمة شكر نرسلها بعد شكر الله إلى رجل الأمن الأول سمو النائب الثاني ووزير الداخلية وسمو نائبه، وسمو مساعد وزير الداخلية وأبنائهم البررة من أسود الأمن الأشاوس، رسالة شكر مبطّنة بالدعاء لهم أن يجزيهم الله عنا خير الجزاء على ما قاموا ويقومون به من بذل وتضحيات تجاه دينهم ووطنهم، حتى ضرب الأمن العميم بجدرانه وأحاط بأركانهِ على بلاد الحرمين الشريفين زادها الله توفيقًا، فأضحت بحمد الله مضربَ الأمثال وواحةَ سلامٍ واطمئنان عديمةَ المثال.

وإننا إذ نشدّ على أيدي رجال الأمن وندعو لهم بالتوفيق والسداد نعلن أننا معهم قلبًا وقالبًا لحماية الدين والمقدسات والدفاع عن مكتسبات هذا الوطن الغالي حرسه الله بعينه التي لا تنام، هي دار النصرة ودار القبلة ومحضن أصول الملة، يحبها المسلمون والمؤمنون، ويبغضها الحاقدون والكافرون، فهي دار الإسلام الأولى، على أرضها نشأ، وفي سهولها ترعرع، فجعلها منطلقا للرسالة الإسلامية الخالدة، ومتنزّلا لوحيه، ومهدًا لدعوة نبيه عليه الصلاة والسلام، وقبلة لعباده، ومهوى لأفئدتهم، ومحلا لأداء مناسكهم، فأمنها أمن لجميع البلاد، ونور إيمانها متلألئ بحمد الله في كل الأصقاع والوهاد، قلعة من قلاع الهدى، وصخرة شماء تتهاوى أمامها سهام العدا، وتتلاشى أمام شموخها عوامل الردى، منارة الإسلام، ومأرز الإيمان، ومحضن العقيدة والشريعة، ومركز الإشعاع والحضارة، ومنطلق القيادة والسيادة والريادة للعالم الإسلامي، والخط الأخير في غرّة الوجود الإسلامي، وخاتمة سور الدفاع العقديّ والحصن الإيماني، هي معقل الشريعة وعاصمتها الخالدة، ورأس مال الأمة وأغلى أرباحها، تعد بمثابة مركز القلب في الجسم الإنساني، فهي قاعدة الإسلام ومنطلقه، ويشهد بذلك التاريخ في صورة ناصعة وراية خفاقة رائعة، لا يعلوها صليب ولا طير ولا أيّ رمز، بل يعلوها كلمة التوحيد (لا إله إلا الله محمد رسول الله)، محمية بسيف العدل والحق يقطع رقاب المجرمين والمعتدين والمفسدين في الأرض والمنتهكين للأعراض والمتساهلين بالحرمات، حفظها الله فلم تطأها قدم مستعمر، وسلمها الله فلن تعبث بأمنها يد دعيّ مستهتر، لا مكان فيها بإذن الله للعمليات الإرهابية، ولا مجال فيها للأعمال التخريبية والأفعال الإجرامية، فالله قد بسط أمنه في ربوعها، ونشر أمانه في كل أرجائها، فله الحمد والمنة.

فبلاد الحرمين كيان راسخ في بنيانه، متماسك في وحدته، متراص في صفوفه، تتكسر دونه مسالك الانحراف والتصرفات اللامسؤولة، ولن تبلغ هذه الفئة أو غيرها النيل من ثوابتنا وأمننا وقيمنا ومناهجنا وهيئات المعروف ومحاضن الدعوة لدينا.

وإن هذه البلاد تمثل مركز الثقل وإشعاع الخير في العالم، وستبقى كذلك بإذن الله، لكونها تتميز ولله الحمد على بلاد الدنيا كلها بميزات ظاهرة للعيان، فهي البلد الوحيد الذي يحكم بشرع الله، وهي البلد الوحيد الذي يرعى المقدّسات ويبذل الأموال الطائلة من أجل حفظها ورعايتها وخدمتها؛ لتكون مقامًا مناسبًا لمن جاء متعبدًا فيها، بل بيوت الله تنال الرعاية العظمى، وأيضًا المشاريع الخيرية في بلادنا من جمعيات البر وتحفيظ القرآن وغيرها من الجهات الخيرية تجد العون والتشجيع من ولاة الأمر، وأيضًا يطبق فيها الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وفيها ينشر العلم الشرعي عن طريق وسائل الإعلام المرئية والمقروءة والمسموعة، وفيها يحفظ كتاب الله تعالى وتقام له المسابقات المحلية والدولية، وأيضًا تحفظ فيها سنة الرسول ويصرف على ذلك الأموال الطائلة لتشجيع الشباب والفتيات على التمسك بالكتاب والسنة، وهذا البلد أيضًا يقوم بمدّ يد العون لمن لجأ إليها، وبإعانة المحتاجين والمتضررين في كل مكان، حتى غدا هذا البلد خفاقًا عاليًا يذكر اسمه في كل مكان.

وهذه نعم كبرى وآيات عظمى، تفضّل بها رب السموات والأرض على أهل هذه البلاد وأهلها، وكل يوم بحمد الله ونحن من خير إلى خير، ومن عز إلى عز، ومن فضل إلى فضل، ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ [الحديد: 21]. لا ينكر ذلك إلا حاقد أو مغرض أو صاحب هوى تخبط في ذيل رغباته مائلاً عن الحق طالبا للباطل، فَمَاذَا بَعْدَ الْحَقِّ إِلاَّ الضَّلالُ.

أيها المسلمون، ويبقى السؤال المحير: ماذا يريد هؤلاء؟! ومن يقف وراءهم؟! ولمصلحة من يتحركون؟! ماذا يريد منا بنو جلدتنا والمتكلمون بألسنتنا؟! ماذا يريد من يزعم الإسلام واتباع منهج من سلف من بلاد شعارها لا إله إلا الله ودستورها كتاب الله وأهلها لا يعرفون إلا الإسلام دينا؟! ماذا يريدون؟! وإلى ماذا يسعون؟! فماذا يريد هؤلاء وينقم هؤلاء على هذا الوطن الذي نشؤوا على ترابه وأكلوا من خيراته؟! وإنه بكلّ مرارةٍ وأسى أنهم أبناء هذا البلاد، ويشتد البلاء ويعظم الخطب حين يحدث الخرق من الأقربين. أينقمون عليها تحكيمها للشريعة؟! أينقمون عليها دعوتها للإسلام في أنحاء العالم كله؟! أينقمون عليها أن تربَّوا على أرضها واستفادوا من خيراتها؟!

إن ذلك ـ يا عباد الله ـ ليسوؤنا ويسوء كل مسلم وكل ذي عقل سليم إصرار هؤلاء الإرهابيين على الإفساد في الأرض بغير الحق وجعل تراب الوطن مخازن للأسلحة ومدافن لذخائر الأسلحة؛ لاستخدامها بالاعتداء على رجال الأمن والقيام بعمليات خطف واحتجاز رهائن وتنفيذ عمليات سطو مسلّح كما ظهر في البيان، فأيّ دينٍ وعقلٍ وعرفٍ يقرّ هذه الأعمال الشنيعة؟! بل أين المروءة والرحمة والإنسانية عند هؤلاء؟! أي قلب هذا الذي يستهين بالأرواح والممتلكات؟! بل أي نفس تلك التي تلذ لسفك الدماء وقتل المسلمين بغير حق؟! أما علم هؤلاء أن زوال الدنيا أهون عند الله من سفك دم مسلم بغير حق؟! وفي خطبة الحبيب المصطفى في الحج: ((إن دماءكم وأموالكم وأعراضكم عليكم حرام، كحرمة يومكم هذا، في بلدكم هذا، في شهركم هذا))، وقال : ((وستلقون ربكم، فيسألكم عن أعمالكم، ألا فلا ترجعوا بعدي ضلالا يضرب بعضكم رقاب بعض)). ومعلوم أن حمل السلاح على أهل الإسلام من كبائر الذنوب، يقول النبي : ((من حمل علينا السلاح فليس منا)) أخرجه الشيخان. والخروج على المسلمين وقتالهم وسفك دمائهم داخل في قول النبي : ((ومن خرج على أمتي يضرب برها وفاجرها ولا يتحاشى من مؤمنها ولا يفي لذي عهد عهده فليس مني ولست منه)) أخرجه مسلم، والله تعالى يقول: وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا [النساء: 93]، وهذا من أشد الوعيد والتهديد الشديد وبيانٌ لعظم هذا الذنب الذي قرنه الله بالشرك في غير ما آية من كتابه، كما في قوله: وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلا يَزْنُونَ [الفرقان: 68]، وفي قوله: وَلا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلاَّ بِالْحَقِّ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ [الأنعام: 151]. وفي ذلك آيات كثيرة وأحاديث كثيرة أيضا، فعن ابن عمر رضي الله عنهما قال رسول الله : ((لن يزال المؤمن في فسحة من دينه ما لم يصب دما حراما)) أخرجه البخاري، وقال رسول الله : ((لزوال الدنيا أهون على الله من قتل رجل مسلم)) أخرجه الترمذي، وقال رسول الله : ((لو أن أهل السماء وأهل الأرض اشتركوا في دم مؤمن لأكبهم الله في النار)).

أيها المسلمون، إن الحديث عن حرمة الدم المسلم والدم المستأمن وعموم دماء بني آدم لا جديد فيه سوى التذكير بالنصوص الواردة وبالآثار المحفوظة.

فيا أيها المغترون، أتقتلون أناسًا يلهجون بلا إله إلا الله؟! ومجرد قول: (لا إله إلا الله) يعصم دماءهم وأموالهم وأعراضهم، وحسابهم على الله، أما سمعتم قول النبي : ((لا يحلّ دم امرئ مسلم إلا بإحدى ثلاث: الثيب الزاني، والنفس بالنفس، والتارك لدينه المفارق للجماعة)) أخرجه الشيخان. فحضروا لربك جوابكم، وانتظروا يوم العرض عليه كتابكم، وثقوا أن من حرضكم أو استعملكم أو غرر بكم لن يغني عنكم من الله شيئًا، وكُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ [المدثر: 38]، إِذْ تَبَرَّأَ الَّذِينَ اتُّبِعُوا مِنَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا [البقرة: 166]، ويوم القيامة يقتصّ الله تعالى من الشاة القرناء للشاة الجماء نطحتها، فكيف بما هو أعظم من ذلك؟! ودخلت امرأة النار في هرة حبستها فكيف يأمن النار سفّاك الدماء وأول دم يسفكه دم نفسه ودم حرمه الله عليه؟! نَبِّئُونِي بِعِلْمٍ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ [الأنعام: 143].

اللهم قومنا إذا اعوججنا، وثبتنا إذا استقمنا، وكن لنا حيث كنا، اللهم اجعل ثأرنا على من ظلمنا، وانصرنا على من عادانا، ولا تجعل مصيبتنا في ديننا، ولا تجعل الدنيا أكبر همنا ولا مبلغ علمنا، ولا تسلط علينا من لا يرحمنا، ونعوذ بك اللهم من القسوة والغفلة والعيلة والذلة والمسكنة، ونعوذ بك أن نظلم أو نظلم، ونعوذ بك من زوال نعمتك وتحول عافيتك وفجاءة نقمتك وجميع سخطك، ونسألك اللهم أمنا واستقرارًا ونعمة وفضلاً وصلاحًا وفلاحًا.

أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم ولكافة المسلمين من كل ذنب, فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.

 

الخطبة الثانية

الحمد الله الواحدِ القهّار، وعد المتّقين جنّاتٍ تجري من تحتها الأنهار، وأوعد الزائغين عن شريعته عذابَ السعير وبئس القرار، وشكرًا لك اللهمَّ أن خيّبتَ آمال من أرادوا سوءًا بأهل هذه الديار، وأشهد أن لا إله إلاّ الله وحده لا شريك له شهادةً نرجو بها حطّ الخطايا والأوزار، وأشهد أن نبيّنا محمدًا عبد الله ورسوله المصطفى المختار، بعث رحمة للعالمين، وحجة على العاملين، فمن تبعه وسار على هديه فاز بالجنة، ومن أعرض عن هديه واتبع غير سبيله أكبه الله على وجهه في النار، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه المخصوصين بالتوقير والإكبار، ومن تبعهم بإحسان ما تعاقبَ غروبٌ وإسفار.

أمّا بعد: فاتقوا الله عباد الله، فكلّ عَمل بالتّقوى يزكو ويرقى، وعليكم بالجماعة، فإنّ يدَ الله مع الجماعة، ومن شذّ شذّ في النار.

أيها المؤمنون، إن هذه البلاد مستهدفة في عقيدتها ومبادئها وأخلاقها، وإن العدو الحاقد يتحين الفرصة ويتربص الدوائر بنا، سواء من أبنائنا وبني جلدتنا أو غيرهم لا كثرهم الله وكفانا شرهم. وإن مسؤولية مواجهة هؤلاء الضالين ليست على رجال الأمن وحدهم ولكنها مسؤولية الجميع، كلٌ بحسب موقعه، فحافظوا ـ يا عباد الله ـ على أمنكم ورزقكم، عضوا على ذلك بالنواجذ؛ بطاعة الله تعالى وامتثال أمره واتباع سنة نبيه ، ثم بالأخذ على أيدي هؤلاء السفهاء الذين يريدون الفساد في البلاد والإفساد بين العباد وتفريق كلمتكم، فلا والله ليس بعد الإيمان نعمة أفضل من العافية كما ثبت عنه ، العافية في الدين وفي الدنيا والأمن هو مربط ذلك كله، فتعاونوا على الفتك بهم والقضاء عليهم، واحذروا ممن يقلّل من قيمة الولاء للوطن أو يهوّن من حبه والدفاع عنه والموت في سبيله، قال جل وعلا: أَلَمْ تَرَ إِلَى الْمَلأِ مِنْ بَنِي إِسْرائيلَ مِنْ بَعْدِ مُوسَى إلى قوله: قَالُوا وَمَا لَنَا أَلاَّ نُقَاتِلَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَقَدْ أُخْرِجْنَا مِنْ دِيَارِنَا وَأَبْنَائِنَا [البقرة: 246]، وقال جل جلاله: وَمَا لَكُمْ لا تُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ [النساء: 75 ]، وفي هذا دلالة على أهمية القتال بل وجوبه من الديار والدفع عنه، وأن هذا من الجهاد في سبيل الله، والدفاع عن الوطن بالسلاح وبالكلمة جهاد ولا ريب فيه لمن أخلص نيته، ومن قتل في ذلك فنرجو له الشهادة لقوله : ((من قتل دون ماله فهو شهيد)) أخرجه البخاري ومسلم من حديث ابن عمر رضي الله عنهما، وقوله : ((من أتاكم وأمركم جميع على رجل واحد يريد أن يشق عصاكم أو يفرق جماعتكم فاقتلوه)) رواه مسلم.

إن الحق أبلج يتلألأ، ملئت به صحائف الكتاب والسنة بنصوص توجب توطيد الأمن للمسلمين وللمعاهدين، واستمع قول الحبيب : ((قد أجرنا من أجرت يا أم هاني)). وفي شريعته وعيد شديد لمن حاول أو سعى أو تستّر أو أعان على نشر الخوف بين المسلمين وبثّ الرعب فيهم أو أقلقهم وأضاع حقوقهم أو سلب أموالهم فحاربهم وسلّ سيفه عليهم ونشر الرعب بينهم وقطع الطريق على أرزاقهم؛ أن يعاقب بأشد العقوبات التي تردعه وأمثاله عن غيهم وتعيد الأمور إلى نصابها.

فكن ـ أيها المسلم ـ شاكرًا لله ومحافظا على نعمتك، واحفظ أمنك، وصن عرضك، وحافظ على مستقبل ابنك بمحاربة كل من أراد النيل منه، وحارب الفساد والإفساد، وتجنب إخافة العباد، فعن عبد الرحمن بن أبي ليلى قال: حدثنا أصحاب محمد أنهم كانوا يسيرون مع النبي ، فنام رجل منهم، فانطلق بعضهم إلى حبل معه فأخذه، ففزع، فقال رسول الله : ((لا يحل لمسلم أن يروع مسلمًا)) أخرجه أحمد والترمذي وأبو داود. قال المناوي: ولو هازلاً، فإذا حرمت إخافة المسلم في مزاح فإن حرمتها بغيره أشد. وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا [الأحزاب: 58].

وارفع كفيك داعيًا لوطنك ولأمنك متحريًا ساعات الإجابة من أجل نفسك وأهلك وبيتك ومالك وذريتك، وقل متضرعًا: يا كافيًا مِن كل شيء ولا يكفي منه شيء، يا من يحول بين المرء وقلبه، حل بيننا وبين من يؤذينا، اللهم احفظ مملكتنا بحفظك، واكلأها برعايتك، وجد عليها بواسع فضلك، واحرسها بعينك التي لا تنام، وبركنك الذي لا يضام، واحفظ أمنها من كيد الكفرة اللئام، وإفساد الخارجين على الإمام، اللهم من سعى فيها بشر أو فتنة فرده على عقبيه ذليلاً حقيرًا، وسلّط عليه من جنود الأمن سيفًا شهيرًا، وأوقعه في أيديهم قتيلاً أو أسيرا، اللهم أعز الإسلام والمسلمين، اللهم أذل الشرك والمشركين، اللهم دمر أعداءك وأعداء المسلمين...

 

محامد و أدعية طباعة الخطبة بدون محامد وأدعية 

إلى أعلى

إذا كانت لديك أية ملاحظات حول هذه الخطبة، إضغط هنا لإرسالها لنا.

كما نرجو كتابة رقم هذه الخطبة مع رسالتك ليتسنى لنا التدقيق وتصويب الأخطاء

 
 

 2004© مؤسسة المنبر الخيرية للمواقع الدعوية على شبكة الإنترنت، جميع الحقوق محفوظة

عدد الزوار حالياً