.

اليوم م الموافق ‏19/‏شوال/‏1445هـ

 
 

 

في فرض الحج وشروطه والاستنابة فيه

444

فقه

الحج والعمرة

محمد بن صالح العثيمين

عنيزة

الجامع الكبير

محامد و أدعية طباعة الخطبة بدون محامد وأدعية 

ملخص الخطبة

- وجوب الحج والتحذير من ترك أدائه – شروط الحج ( البلوغ – الاستطاعة ) - فضل الحج وثوابه – حكم التوكيل والنيابة في الحج , وحكم التكسّب بذلك

الخطبة الأولى

 

أما بعد:

أيها الناس: اتقوا الله تعالى وأدوا ما فرضه الله عليكم من الحج إلى بيته حيث استطعتم إليه سبيلا، فقد قال الله تعالى: ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلاً ومن كفر فإن الله غني عن العالمين [آل عمران:97].

وقال النبي : ((الإسلام أن تشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله وتقيم الصلاة وتؤتي الزكاة وتصوم رمضان وتحج البيت إن استطعت إليه سبيلا)).

 وأخبر أن الإسلام بني على هذه الخمس، فلا يتم إسلام عبد حتى يحج، ولا يستقم بنيان إسلامه حتى يحج.

وعن عمر بن الخطاب قال لقد هممت أن أبعث رجالا إلى هذه الأمصار فينظروا كل من له جَِدة (أي غنى) ولم يحج فيضربوا عليهم الجزية ما هم بمسلمين ما هم بمسلمين.

ففريضة الحج ثابتة بكتاب الله تعالى وسنة رسوله وبالإجماع عليه إجماعا قطعيا.

فمن أنكر فريضة الحج فقد كفر، ومن أقر بها وتركها تهاونا فهو على الخطر، فإن الله يقول بعد ذكر إيجابه على الناس: ومن كفر فإن الله غني عن العالمين ، كيف تطيب نفس المؤمن أن يترك الحج مع قدرته عليه بماله وبدنه وهو يعلم أنه من فرائض الإسلام وأركانه؟ كيف يبخل بالمال على نفسه في أداء هذه الفريضة وهو ينفق الكثير من ماله فيما تهواه نفسه؟ وكيف يوفر نفسه عن التعب في الحج وهو يرهق نفسه في التعب في أمور دنياه؟ وكيف يتثاقل فريضة الحج وهو لا يجب في العمر سوى مرة واحدة؟ وكيف يتراخى ويؤخر أداءه وهو لا يدري لعله لا يستطيع الوصول إليه بعد عامه؟

فاتقوا الله عباد الله وأدوا ما فرضه الله عليكم من الحج تعبدا لله تعالى ورضا بحكمه وسمعا وطاعة لأمره إن كنتم مؤمنين: وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمراً أن يكون لهم الخيَِرة من أمرهم ومن يعص الله ورسوله فقد ضل ضلالاً مبيناً [الأحزاب:36].

إن المؤمن إذا أدى الحج والعمرة بعد بلوغه مرة واحدة فقد أسقط الفريضة عن نفسه وأكمل بذلك أركان إسلامه، ولم يجب عليه بعد ذلك حج ولا عمرة إلا أن ينذر الحج أو العمرة فيلزمه الوفاء بما نذر لقول النبي : ((من نذر أن يطيع الله فليطعه)).

أيها المسلمون: إن من تمام رحمة الله ومن بَِالغ حكمته أن جعل لفرائضه حدودا وشروطا لتنضبط الفرائض وتتحدد المسؤولية، وجعل هذه الحدود والشرائط في غاية المناسبة للفاعل والزمان والمكان.

ومن هذه الفرائض الحج فله حدود وشروط لا يجب على المسلم إلا بها، فمنها البلوغ ويحصل في الذكور بواحد من أمور ثلاثة: إنزال المني أو تمام خمس عشرة سنة أو نبات العانة، وفي الإناث بهذه الثلاثة وزيادة أمر رابع وهو الحيض.

فمن لم يبلغ فلا حج عليه ولو كان غنيا، لكن لو حج صح حجه تطوعا وله أجره، فإذا بلغ أدى الفريضة لأن حجه قبل البلوغ لا يسقط به الفرض لأنه لم يفرض عليه بعد، فهو كما لو تصدق بمال ينوي به الزكاة قبل أن يملك نصابه، وعلى هذا فمن حج ومعه أبناؤه أو بناته الصغار فإن حجوا معه كان له أجر، ولهم ثواب الحج، وإن لم يحجوا فلا شيء عليه ولا عليهم.

ومن شروط وجوب الحج أن يكون مستطيعا بماله وبدنه، لأن الله تعالى شرط ذلك للوجوب في قوله: من استطاع إليه سبيلاً فمن لم يكن مستطيعا فلا حج عليه، فالاستطاعة بالمال أن يملك الإنسان ما يكفي لحجه زائدا عن حوائج بيته وما يحتاجه من نفقة وكسوة له ولعياله وأجرة سكن لمدة سنة وقضاء ديون حالةَّ، فمن كان عنده مال يحتاجه لما ذكر لم يجب عليه الحج، ومن كان عليه ديٌن حاُّلٌ لم يجب عليه الحج حتى يوفيه.

والدينْ كل ما ثبت في ذمة الإنسان من قرض وثمن مبيع وأجرة وغيرها فمن كان في ذمته درهم واحد حال فهو مدين، ولا يجب عليه الحج حتى يبرأ منه بوفاء أو إسقاط، لأن قضاء الدين مهم جدا حتى إن الرجل ليقتل في سبيل الله شهيدا فتكفر عنه الشهادة كل شيء إلا الدين فإنها لا تكفره وحتى إن الرجل ليموت وعليه الدين فتعلق نفسه بدينه حتى يقضى عنه.

أما الدين المؤجل فإن كان موثقا برهن يكفيه لم يسقط به وجوب الحج، فإذا كان على الإنسان دين قد أرهن به طالبه ما يكفي الدين وبيده مال يمكنه أن يحج به فإنه يجب عليه الحج لأنه قد استطاع إليه سبيلا، أما إذا كان الدين المؤجل غير موثق برهن يكفيه فإن الحج لا يجب عليه حتى يبرأ من دينه.

والاستطاعة بالبدن أن يكون الإنسان قادرا على الوصول بنفسه إلى البيت أي مكة بدون مشقة، فإن كان لا يستطيع الوصول إلى البيت أو يستطيع الوصول لكن بمشقة شديدة كالمريض، فإن كان يرجو الاستطاعة في المستقبل انتظر حتى يستطيع ثم يحج، فإن مات حُجَّ عنه من تركته، وإن كان لا يرجو الاستطاعة في المستقبل كالكبير والمريض والميؤوس من برئه فإنه يوكل من يحج عنه من أقاربه أو غيرهم، فإن مات قبل التوكيل حُجَّ عنه من تركته، وإذا لم يكن للمرأة محرم فليس عليها حج لأنها لا تستطيع السبيل إلى الحج، فإنها ممنوعة شرعا من السفر بدون محرم، قال ابن عباس رضي الله عنهما سمعت النبي يقول: ((لا يخلون رجل بامرأة إلا ومعها ذو محرم، ولا تسافر المرأة إلا مع ذي محرم فقام رجل فقال: يا رسول الله إن امرأتي خرجت حاجة وإني اكتُتبت في غزوة كذا وكذا فقال النبي : انطلق فحج مع امرأتك)) فأمره النبي أن يحج مع امرأته مع أنه كُتَِب مع الغزوة ولم يستفصل منه النبي هل كانت امرأته شابة أو كان معها نساء أو لا؟

وهو دليل على أن المرأة يحرم عليها السفر على أي حال وعلى أي مركوب طائرة أو سيارة إلا بمحرم وهو زوجها، وكل من يحرم عليه نكاحها تحريما مؤبدا كالأب وإن علا، والابن وإن نزل، والأخ وابن الأخ وإن نزل، وابن الأخت وإن نزل، والعم والخال سواء كان ذلك من نسب أو رضاع، وكأب الزوج وإن عل،ا وابنه وإن نزل، وزوج البنت وإن نزلت، وكزوج الأم وإن علت إذا كان قد دخل بها.

ولا بد أن يكون المحرم بالغا عاقلا فمن كان دون البلوغ لا يكفي أن يكون مَحْرما لأن المقصود من المحرم حفظ المرأة وصيانتها وهيبتها، وذلك لا يحصل بالصغير.

أيها المسلمون: من رأى من نفسه أنه قد استكمل شروط وجوب الحج فليؤده ولا يتأخر، فإن أوامر الله ورسوله على الفور بدون تأخير، والإنسان لا يدري ما يحصل في المستقبل وقد يسر الله وله الحمد لنا في هذه البلاد ما لم ييسره لغيرنا من سهولة الوصول إلى البيت وأداء المناسك، فقابلوا هذه النعمة بشكرها وأداء فريضة الله عليكم قبل أن يأتي أحدكم الموت فيندم حين لا ينفع الندم، واسمعوا قول الله عز وجل: وأنيبوا إلى ربكم وأسلموا له من قبل أن يأتيكم العذاب ثم لا تنصرون واتبعوا أحسن ما أنزل إليكم من ربكم من قبل أن يأتيكم العذاب بغتة وأنتم لا تشعرون أن تقول نفس يا حسرتى على ما فرطت في جنب الله وإن كنت لمن الساخرين أو تقول لو أن الله هداني لكنت من المتقين أو تقول حين ترى العذاب لو أن لي كرة فأكون من المحسنين [الزمر].

ومن حج على الوجه الشرعي مخلصا لله متبعا لرسول الله فقد تم حجه سواء كان قد تمم له أم لا، أما ما توهمه بعض العوام أن من لم يتمم له فلا حج له فهو غير صحيح فلا علاقة بين التميمة والحج.

وفقني الله وإياكم لقيام بفرائضه والتزام حدودها وزوَّدَنا من فضله وكرمه وحسن عبادته ما تكمل به فرائضنا وتزداد به حسناتنا ويكمل به إيماننا ويرسخ به ثباتنا إنه جواد كريم.

أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم ولكافة المسلمين من كل ذنب فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.

الخطبة الثانية

 

محامد و أدعية طباعة الخطبة بدون محامد وأدعية 

إلى أعلى

إذا كانت لديك أية ملاحظات حول هذه الخطبة، إضغط هنا لإرسالها لنا.

كما نرجو كتابة رقم هذه الخطبة مع رسالتك ليتسنى لنا التدقيق وتصويب الأخطاء

 
 

 2004© مؤسسة المنبر الخيرية للمواقع الدعوية على شبكة الإنترنت، جميع الحقوق محفوظة

عدد الزوار حالياً