.

اليوم م الموافق ‏09/‏رمضان/‏1445هـ

 
 

 

غدا الاختبارات

5879

الأسرة والمجتمع

الأبناء

عبد الله بن عبد الرحمن الشهري

الرياض

17/1/1429

جامع عمار بن ياسر

محامد و أدعية طباعة الخطبة بدون محامد وأدعية 

ملخص الخطبة

1- الدنيا دار امتحان. 2- تغير أحوال الناس في مواسم الاختبارات. 3- علو الهمم في الاختبارات. 4- صعوبة العلم. 5- آفة نسيان العلم. 6- التذكير بالاستعداد للآخرة. 7- من الأخطاء الشائعة في مواسم الاختبارات. 8- نصائح للطلاب والطالبات.

الخطبة الأولى

أوصيكم ونفسي بوصية الله للأولين والآخرين في كتابه المبين: وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنْ اتَّقُوا اللَّهَ، وبوصية رسولنا الأمين حيث قال: ((اتق الله حيثما كنت)).

هذه الدار دار الدنيا هي دار امتحان واختبار وابتلاء، الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ. وهذا الاختبار نهايته تكون بالموت، ونتيجته يوم القيامة، قال تعالى: وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَمَنْ زُحْزِحَ عَنْ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلاَّ مَتَاعُ الْغُرُورِ.

ونحن في هذا الاختبار مراقَبون، وكل حركاتنا مرصودة، قال تعالى: وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ كِرَامًا كَاتِبِينَ يَعْلَمُونَ مَا تَفْعَلُونَ. وكل قول نتلفظ به فإنه مسجل علينا، قال تعالى: مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلاَّ لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ.

أيها المسلمون، هذه الدنيا دار ابتلاء، فلنحذر أن تلهينا عما خلِقنا له، فمَثَل طالب الدنيا كمثل شارب ماء البحر، كلّما ازداد شربًا ازداد عطشًا حتى يقتله. وقيل: إن عيسى عليه السلام رأى الدنيا في صورة عجوز هتماء عليها من كلّ زينة، فقال لها: كم تزوجت؟ قالت: لا أحفظهم، قال: فكم مات عنك أم كلّهم طلقك؟ قالت: بل كلهم قتلتُ، فقال عيسى عليه السلام: بؤسًا لأزواجك الباقين، كيف لا يعتبرون بأزواجك الماضين! كيف تهلكينهم واحدًا بعد واحد ولا يكونون منك على حذر؟! وقال عليه الصلاة والسلام كما جاء في البخاري: ((ما الدنيا في الآخرة إلا كمثل ما يجعل أحدكم إصبعه في اليم، فلينظر بم ترجع)).

أيها المسلمون، إننا في هذه الأيام نرى أحوال الناس قد تبدلت، وأمورهم تغيرت. ترى كثيرا من الأبناء قد شمروا عن سواعد الجد وتركوا الكسل والخمول، بل وتركوا اللعب جانبا. لقد جعلوا الجد مطاياهم والعزم لهم مركبا. تغيرت مواعيد النوم، وقلّ الأكل والشرب، قل الخروج والسمر. نرى بيوت الله قد عمروها والصلوات قد حافظوا عليها، بل وتغيرت كذلك أحوال الآباء والأمهات، فنرى الحرص والاهتمام، نرى استشعارا للمسؤولية، نرى المراقبة والمتابعة والحفاظ على أوقات الأبناء.

تُرى ما الذي حدث؟ وما الذي جرى؟ إنها مواسم الامتحانات الدنيوية، الكل يجد ويجتهد من أجل النجاح، كل نصف فصل يتكرر هذا الموقف وهذا المشهد، مشهد الطلاب والطالبات وقاعات الامتحانات وأيام الاختبارات وأسئلة المعلمين والمعلمات.

نعم، وإنهم ليستبطئون أيامها، ويستطيلون ساعاتها، حتى لكأن ساعتها يوم، ولكأن يومها شهر! ولهم في ذلك شيء من العذر، فإن ما يقاسيه الطالب ويجده من شدة المذاكرة والاعتكاف على الكتب والانهماك وسط الأوراق ليس بالشيء القليل، فكيف إذا أضفت إلى ذلك النفسية القلقة والخوف الدائم من أن لا يوفق الإنسان في إجابته؟! فنسأل الله أن يعينهم ويسددهم ويرشد خطاهم ويحقق مأمولهم.

بيد أني أحب أن لا يمرّ بالإنسان شيء دون أن ينفذ فيه ببصره وبصيرته ليرى ما وراءه، وليستنبط درسه وعبرته، وإنك بمثل هذا النفاذ بالبصر قد تجني من الشوك العنب، وقد تستنبط الماء العذب من الصحراء الموحشة، وقد تفوز بالنبتة الخضراء في صم الجبال.

والاختبارات برغم عنائها وجهدها مدرسة حقيقة لو تأملنا فيها، وفهمنا ما ترشدنا إليه بلسان صامت يفوق فصاحة المتكلمين.

رويدك قد يكون الصمت شعرا          يعبر عن أحاسيسـي وفكري

كثيرا ما تطلب من إنسان أن ينجز بعض الأعمال ويقوم ببعض المهمات فيعتذر إليك بأن هذا فوق طاقته، وبأن هذا من المستحيل الذي لا يمكن تحقيقه، ولاَ يُكَلّفُ ٱللَّهُ نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا، فحين ترجو منه أن يقرأ كتابا يزعم أنه لا يستطيع أن يقرأ أكثر من عشر صفحات، وحين تريده أن يسهر قليلا لعمل خير يقول: لا يمكن أن أجاوز العاشرة، وحين ترغب منه أن يبذل جهدا في صلاة أو عبادة أو عمل صالح يحتج بأن قوته وإمكاناته تقعد به عن ذلك، وحين ترغبه في حفظ القرآن يشكو إليك أنه لا يكاد يحفظ.

نعم، وتجيء الامتحانات وإذا بهذا الشخص عينه يقرأ في اليوم الواحد مئات الصفحات، ويسهر إلى الفجر، ويحفظ عشرات المعلومات، وينجز أشق المهمات.

فهل يتغير الإنسان وتزداد طاقاته وتعظم مواهبه في أيام الاختبارات؟! لا والله، كل ما في الأمر أنه في أيام الاختبارات يستثير همته الكامنة، ويبرز مواهبه المدفونة، ويخرج طاقاته التي غطاها ركام الكسل والفتور والتواني.

نعم يا أخي، إن عندك من المواهب والطاقات والملكات والقدرات ما لا يمكن الاستهانة به، وما تستطيع به لو استثمرته أن تحقق أقصى درجات النجاح، ولكن المشكلة أننا نكسل ونتوانى ونفتر.

لقد كشفت بعض الدراسات الحديثة أن الإنسان لا يستغل أكثر من 30 من طاقته، وأن نحوا من ثلث عمره يذهب في النوم.

وتصور ـ يا أخي ـ لو أنك بذلت في حياتك كلها مثل الجهد الذي تبذله في الاختبارات أو حتى نصفه، إلى أين كنت ستصل؟! أما كنت سترتقي ذرى المجد وتحقق من الطموحات ما لعلك تعده الآن من قبيل الخيال؟!

إن هناك أناسا تفوقوا في أعمالهم، وتميزوا في عباداتهم، ونجحوا في حياتهم، وبرعوا في العلم، وبرزوا في العمل، وحازوا أطراف الخير، وجمعوا خلال البر، فمن أين لهم هذا؟ هل هم مخلوقون من طينة غير طينتنا، أم أن الله خلقهم خلقا خاصا؟! لا والله، ما هو إلا استثمار الطاقات وإحياء المواهب.

وقديما قالوا: "العلم لا يعطيك بعضه إلا إذا أعطيته كلك"، وقال يحيى بن أبي كثير: "لا يستطاع العلم براحة الجسد". إن كثيرين يتمنون أن يكونوا علماء، وأن يطلبوا العلم، ولكنهم للأسف ينسون أحيانا أو يتناسون أن العلم صعب، بحاجة إلى بذل واجتهاد وتعب، وأظن أن ما يعانيه الطالب من المشقة والنصب لتحصيل قدر محدود من العلم ولمدة محدودة لا تتجاوز الاختبار، أظن أن هذا يشعرنا ويذكرنا أن طلب العلم ليس أماني وأحلامًا، وإنما هو بذل واجتهاد، والراغب فيه لا بد له أن يتنازل عن كثير من مرغوباته ومحبوباته.

لا تحسب المجد تمرا أنت آكله            لن تبلغ المجد حتى تلعق الصبرا

يقول عمر بن الخطاب رضي الله عنه لمن رآه يلعب بالحصى ويقول: اللهم زوجني من الحور العين: (يا هذا، لقد أعظمت الخطبة وأسأت المهر).

فيا أيها الراغبون في الجنة، ويا أيها الراغبون في العلم، ويا أيها الراغبون في النجاح، لن تبلغوا آمالكم إلا بالجد والنصب، فهل أنتم باذلون؟

ومن الملاحظ دائما أن الطلبة ما يكادون يخرجون من قاعة الامتحان حتى ينسوا كل ما درسوه، ولا يكاد يبقى في أذهانهم منه شيء البتة، فما سر هذا؟ لعل مرد هذا إلى أن هذه المعلومات جاءت جملة وبسرعة، فهي كلها من محفوظات ليلة الامتحان. وهكذا كل ما لم ينل حظه من الإتقان والوقت يذهب هباء، وحين لا يعطي الإنسان العلم حظه من المراجعة والإعادة فإنه سرعان ما يتفلت منه.

ومن الملاحظ أنه ما تكاد تقترب الامتحانات حتى يتأهب الناس، ويسود القلق والتوتر، وتغدو هذه الامتحانات همَّ الناس وشاغلهم، فعنها يتحدثون، وعن أخبارها يسألون، وتجد الأب والأم يلزمان أبناءهما بالمذاكرة، ويشددان عليهم في ذلك، وتضبط الساعات حتى لا تأخذ الطالب نومة فيفوته الامتحان، فتكون الطامة. وهذا كله حسن لا بأس به، ولكن أين مثل هذا الاهتمام بامتحان الآخرة؟! ألا تستحق صلاة الفجر مثلا أن نضبط لها الساعة ونتواصى بالاستيقاظ لها؟! ألا تستحق العبادات والطاعات أن يهتم بها الأبوان ويربيا أبناءهما عليها؟! ألا تستحق الآخرة أن تشغل نصيبا من اهتمامنا وحيزا من تفكيرنا؟! ألا يستحق امتحان الآخرة أن يهتم له بأكثر من امتحان الدنيا؟! لماذا نقدم هم الدنيا على هم الآخرة؟!

في مثل هذه الأيام تُرتَكب بعض الأخطاء وترسخ في الأذهان حتى تغدو كأنها من الأمور المسلّم بها، ومن ذلك ما يرتكبه البعض من جعل نجاح الطالب أو الطالبة أو إخفاقه في الامتحان علامة على نجاح المرء في حياته أو فشله، فإذا نجح الولد كال له أبواه أنواع المديح والثناء، وتغاضيا عن أمور شرعية قد تمثل بها ذلك الولد فأحسن في أدائها، ومع ذلك لا يجد من والديه شطر ما يجده من الثناء عليه عند تفوّقه في امتحانه. وعلى النقيض من ذلك إذا أخفَق الولد في امتحانه وباء بالفشل عاتبه أبوه وأنّبه تأنيبًا شديدًا، حتى يكون ذلك التأنيب حاجبًا لأمور شرعية واجبة قصّر الولد في أدائها. ومن هنا تظهر فداحة ذلك الخطأ حيث يبالغ في العتاب والتأنيب في موضع لا يستحق هذا كله، وألغي التأنيب في موضع يستحقه وزيادة، والوسط ـ عباد الله ـ في كلّ الأمور نعمة ربانية موفَّق من منَّ الله بها عليه.

عباد الله، هناك أمر يمارس مع الأبناء في مثل هذه المواسم، والدافع له هو الحرص عليهم بلا شك، ولكنه يعود في الغالب بالضرر عليهم، ألا وهو تهويل وتضخيم الاختبارات وزرع الرهبة في صدور الأبناء بسبب قدوم موسمها، حيث أصبحت عند كثير من الطلاب والطالبات شبحًا وكابوسًا يراد له أن ينتهي بأية صورة وكيفما كانت النتيجة، فنجد البعض من الآباء ديدنه صباح مساء التشديد على الأبناء بأمر المذاكرة والمبادرة إلى ذلك، وربما صاحب ذلك شدة في القول وأحيانًا شدة في العمل، مما يولد ردة فعل سلبية لدى الولد، بل تجعل البعض يكره الدراسة لأجل ذلك، وقد يصحب ذلك عقدة مستديمة نتيجة ذلك الأسلوب التربوي الخاطئ، وكان الأولى بالوالدين الحكمة في التعامل، فلا إفراط في الشدة ولا تفريط في الإهمال، بل تقدر الأمور بقدرها، وليحرص الوالدان على أن يرسّخا في أذهان الأبناء أن هذه الامتحانات أمرها هين. على الوالدين أيضًا أن يبينا لأولادهما أن هذه الامتحانات ليست المحطة النهائية ولا الرئيسية في حياة المسلم، إنما الخسارة الحقيقية هي في ترك مرضاة الله والتعرض لسخطه وخسران الآخرة والجنة، كما قال سبحانه: قُلْ إِنَّ الْخَاسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَلا ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ. على الوالدين أن يجعلا جانب التوفيق الإلهي والدّعاء نصب عيني أولادهما.

عباد الله، إن من الشقاء الواضح والخسارة الفادحة أن يظلّ اهتمام الإنسان منصبًّا على هذه الدنيا وزخارفها، وأن لا يظهر حرصه إلا عليها ومن أجلها، ثم لا يهمّه بعد ذلك أمر الآخرة، ولا أين موقعه منها إن في سعادة أو في شقاء.

عباد الله، ونحن مقبلون على امتحانات الطلاب لا بدّ أن نتذكّر بها السؤال والحساب يوم السؤال والحساب، وما أعد الله فيه من الثواب والعقاب، ذَلِكَ يَوْمٌ مَجْمُوعٌ لَهُ النَّاسُ وَذَلِكَ يَوْمٌ مَشْهُودٌ.

عباد الله، الطلاب يُسأَلون في الامتحانات ولن ينجح منهم إلا من كان مجتهدًا، ولن يفلح منهم إلا من اغتنم عامه من أوله، فيجب أن نعلم أن كل عبد سيسأل يوم القيامة عما سلَف منه وكان، ولن ينجح إلا أهل التقوى والإيمان، فَوَرَبِّكَ لَنَسْأَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ.

عباد الله، يحرِص أهل الدّنيا على إخفاء أسئلتهم في الاختبار عن الطلاب، ولكنّ الله من رحمته ولطفه بعباده جعل أسئلة اختبار الآخرة مكشوفة ومعلومة لكل أحد، فقد كشفها معلم البشرية بقوله: ((لن تزولا قدما عبد يوم القيامة حتى يسأل عن أربع: عن عمره فيم أفناه؟ وعن شبابه فيم أبلاه؟ وعن ماله من أين اكتسبه؟ وفيم أنفقه؟ وعن علمه ماذا عمل به؟)).

ألا فأعدوا للسؤال جوابًا، وأعدوا للجواب صوابًا، احفظوا الرأس وما وعى، والبطن وما حوى، وتذكروا الموت والبلى، واتركوا زينة الحياة الدنيا؛ لتفوزوا بالآخرة والأولى.

ولو أنا إذا متنـا تركنـا      لكان الْموت راحة كل حيّ

ولكنـا إذا متنـا بُعثنـا      ونسأل بعدَه عن كلّ شـيِّ

 

 

الخطبة الثانية

إخواني الطلاب، إن تكونوا صغارَ قومِ اليوم فغدًا أنتم كباره، وبقدر تحصيلكم وتفوقكم الدراسي توكّل إليكم المسؤوليات وتناط بكم الأمور والإدارات، وعندئذ تنصرون دينكم وتخدمون بلدكم وتحققون طموحاتكم.

إن الأمة الخاملة صِفر من الأصفار، لكن إن بعث الله لها واحدًا مؤمنًا صادق الإيمان داعيًا إلى الله صار صفر الأصفار مع الواحد مائة مليون، والتاريخ مليء بالشواهد، فحري بكم الاجتهاد في التحصيل والمذاكرة وإخلاص النية لله سبحانه حتى تنالوا أعلى الدرجات وتحوزوا على أسمى الجوائز والتكريمات، وليعلم العالم أنكم ـ يا أحفاد الصحابة ـ أهلٌ للتفوق والابتكارات والاختراعات، وليعلموا أيضًا أن ديننا الذي اتُّهِمنا من أجله هو مصدر تفوّقنا وتميّزنا، فلا تعارض بين الاستقامة والتفوّق، ولا تناقض بين الحجاب والاختراعات العلمية، وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ.

يا شبابَ اليومِ يا رَكبَ العُلا    حقِّقوا للدّين آمـالَ الطّلابِ

بِكُـمُ أمّتكم قـد علَّقـت    كلَّ آمال لهـا بعد ارتِقـاب

أنتم آمـالهـا لا تصبِحـوا    أنتم آلامَهـا مِن كلّ بـابِ

جدَّ إبليس الْهوَى فِي غيّـِه    يملأ الأفـقَ بشـرٍّ وتَبـابِ

مـلأَ الشرُّ الدُّنا من حولِكم   فاملؤوا الكونَ بخيرٍ مُستطابِ

إن سَعَـى قـوم إلى لذّاتِهم    فانفِروا للَّهِ كالأُسدِ الغِضابِ

كم شَبـابٍ فِي فَراغ فُتنوا     ضيَّعوه بيْن لَهـوٍ وتَصَـاب

وسعى فِي مَركَباتٍ بعضُهم     يَقطَع الآفاقَ فِي لمحِ الشِّهابِ

في فضائِيّـات لَهو مـاجنٍ     أدمَنَ البَعضُ كآفاتِ الشَّراب

بَيْن أسفارٍ وَحِلٍّ مَن مَضَى       يقنُص اللَّذاتِ نهشًا كالذّئابِ

أَوَيـدري غـافلٌ في لهوِه       أيَّ وقتٍ ينتَهي عُمرُ الشبابِ

بَيْن فتحِ العين أو إغماضها      يَنفَد العمر كإدبـارِ السراب

يا شبابَ الخير يا كلَّ المنَى      لِغدٍ يُرجِـع أمجـادَ الطِّلاب

أَقبِلوا لله في صِدق تَـرَوا       كلَّ سَعدٍ فِي حَياة وحِسابِ

احرص على بر والديك وطلب الدعاء منهم قبل الامتحان وأثناء الذهاب إليه وبعده.

إياك والقلقَ وعدم الثقة بالنفس، ولا تجعل لوساوس الشيطان عليك سبيلا، وليكن التفاؤل حاديك في كل أعمالك.

احذر من مصاحبة البطالين والكسالى، واربأ بنفسك عن مجالسهم، وخاصة أهل المعاصي والموبقات، واعلم أن من أقلّ أضرار المعاصي عدم التوفيق في شؤون الحياة.

أخي الطالب، احذر من الغشّ، واعلم أنه حيلة العاجزين وطريق الفاشلين وصفة ذميمة لا تليق بالمؤمنين، كيف والنبي قال: ((من غش فليس منا))؟! فكيف ترجو السداد والنجاح ونبيك يتبرأ من عمل ترتكبه؟! والغش له نتائج سيئة على المجتمع؛ فتخيل طبيبًا نجح بالغش فكيف سيكون ناصحًا للمرضى؟! ولماذا في هذه الأيام نسمع كثيرًا عن الأخطاء الطبية حتى ذهبت أنفس بريئة؟! لعله من الأسباب ظهور بعض الأطباء وبعض المهندسين وبعض الإداريين وبعض الفنيين وبعض المختصين الذين درسوا وتخرجوا ولكنهم بالغش، فغضّ المجتمع بأكمله حتى وجدنا النتيجة فيما نقرؤه في الصحف وفيما نسمعه في الإذاعات، وصدق رسول الله : ((من غشنا فليس منا)).

إذا دخلت صالة الامتحان فأكثر من ذكر التبرؤ من حولك وقوتك، ولا تغتر بحافظتك أو جهدك، وتوكل على الله، والجأ إليه، فإن الله يحب من عبده كثرة الدعاء والإلحاح عليه في ذلك. تعرّف إلى الله في الرخاء يعرفك في الشدة، وليكن إقبالك إلى الله وحرصك على طاعته في هذه الأيام دافعًا لك للاستمرار والثبات عليها إلى يوم تلقاه. يروى عن ابن مسعود رضي الله عنه أنه قال: (إن العبد إذا كان يدعو الله في الرخاء ثم نزلت به شدة فدعا الله قالت الملائكة: يا رب، هذا صوت معروف، فيشفعون فيه، فإذا كان لا يدعو من قبل ودعا زمن الشدة قالت الملائكة: يا رب، هذا صوت غير مألوف، لا يشفعون فيه). فاحذر ـ أخي ـ أن تكون ممن يدعو الله في شدته وينساه عند رخائه، وكن كما قال تعالى: وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا الآية.

أيضًا في هذه الأيام نلاحظ أن بعضًا من أبنائنا قد انشغل بتناول المنبهات والمسكرات، والتي ينشط مروِّجوها في هذه الأيام في صفوف البنين والبنات، فهذه معصية حذّر الشرع منها وعاقب عليها، كما أنها تطفئ نور العلم وتفسد الجسم وتمرضه.

أيها الطلاب، في أيام الاختبارات تكثر التجمعات الطلابية خارج المدارس، وتزداد جلسات الأنس على الأرصفة والمطاعم الشعبيّة والبوفيات وغير ذلك، وهذه فرصة ثمينة يستغلها ضعفاء النفوس للتغرير بأبنائنا ودعوتهم إلى سيئ الأخلاق، ودعوتهم إلى التعرف على بعض أصدقاء السوء، ودعوتهم على تعاطي الدخان وغيره، بل هذه فرصة أيضًا لاستعراض المهارات والعضلات من خلال التفحيط والعبث بالسيارات أو التجوال حول مدارس البنات.

وحذار ـ أيها الطلاب والطالبات ـ من الاعتماد على الذكاء والحفظ أو النبوغ والفهم وترك الاعتماد على الله، فها هو النبي كان يقول: ((يا حي يا قيوم، برحمتك أستغيث، أصلح لي شأني كله، ولا تكلني إلى نفسي طرفة عين)).

تذكر قوله : ((إن لنفسك عليك حقًا))، فذاكر وجد واجتهد، ولكن لا تعذب بدنك وتتعب جسمك بالسهر المتواصل وتكلّفه فوق طاقته.

حذار من تلك الأفعال الدنيئة التي نراها في نهاية كل عام من إهانة لكتب العلم ورميها في الطرقات وتمزيقها والعبث بها، مع أنها تحتوي آيات كريمة وأحاديث نبوية شريفة، فاحذر أن تكون سببًا في إهانة كلام الله أو كلام رسوله .

ما أجمل أن تكون الاختبارات فرصة لتمتين علاقات الأخوّة وزيادة صفائها ونقائها من خلال مساعدة زملائك بما يحتاجون إليه من توضيح إشكال أو حل مسألة، وما أجمل أن تدعو لأخيك بالنجاح، وتفرح دون أن يكون في قلبك حسد له إذا حقق السبق والتفوق، فقد قال : ((لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه)).

الرضا بقضاء الله والتسليم لأمر الله نعمة من الله على عباده، فإن انتهيت من الاختبارات وكانت النتيجة طيبة فاحمد الله جل وعلا، واعلم أن ذلك بتوفيقه سبحانه، ولتقل بلسان الحال والمقال:

أعطيتني الجليـلا      منحتنِي الْجزيلا

سوّغتنِي الجميلا        تفضّلاً وطـولاً

بأيّ لفظ أشكرك      بأيّ حمد أذكرك

الْحمد للرحمـن       والشكر للديان

والمدح للمنـان       على العطا الهتّان

وإن كانت الأخرى فلم توفق للنجاح فاحمد الله جل وعلا وأحسن الظن بربك؛ فلعل درجة من الدنيا تفوت فيعوضك الله بها درجات في الآخرة، وكن على الحال التي أخبر عنها النبي : ((عجبًا لأمر المؤمن، إن أمره كله خير؛ إن أصابته سراء شكر فكان خيرًا له، وإن أصابته ضراء صبر فكان خيرًا له)).

أيها الإخوة في الله، وصية للمعلمين والمعلمات بأن يلتزموا الأمانة في وضع الأسئلة وفي تصحيحها، ويعطوا كل ذي حق حقه وكل ذي قدر قدره، كما أمر بذلك الله جل وعلا في كتابه فقال: وَزِنُوا بِالْقِسْطَاسِ الْمُسْتَقِيمِ.

فحذار ـ أيها المعلمون والمعلمات ـ أن تقصدوا بالاختبار التعجيز والأذية والإضرار، فهذه ذرية ضعيفة بين أيديكم، وإياكم أن تشقّوا عليهم فتكلفوهم ما لا يستطيعون، أو تحمّلوهم ما لا يطيقون.

أيها الإخوة في الله، وصيّة للآباء والأمهات ألا وهي مراقبة الأولاد في هذه الأيام، فأكثر انحرافات الشباب وأكثر العادات السيئة التي يكتسبها الطلاب تكون في مثل هذه الأيام، حيث يكون الطالب حرًا طليقًا بمجرّد انتهائه من أداء الاختبار، فيتعرف على رفقاء السوء الذين يزيّنون له المنكر، ويدفعونه إلى السوء والفحشاء. فالله الله في أبنائكم وفلذات أكبادهم، كونوا معهم في الغدو والرّواح. يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلائِكَةٌ غِلاظٌ شِدَادٌ لا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ.

فليت شعري، ماذا سيكون حاله في ذلك اليوم الرهيب العصيب حين يأتي وحيدا فريدا عريانا فيحاسب عن كل صغيرة وكبيرة، كما قال تعالى: وَوُضِعَ الْكِتَابُ فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ وَيَقُولُونَ يَا وَيْلَتَنَا مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلا كَبِيرَةً إِلاَّ أَحْصَاهَا وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِرًا وَلا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا. فهنيئًا لمن اعتبر فبادر بالعمل.

ومن أشدِّ المواقف تأثيرًا على نفوس الطلاب لحظة استلام النتيجة، فإمّا نجاح وتفوّق، يعقبه فرحة غامرة وسرور كبير، وإما إخفاق ورسوب، يعقبه حزن وألم وضيق وكربة وندم على التفريط في المذاكرة والاجتهاد.

وسيكون الموقف غدًا قريبًا من هذا حين تتطاير صحف الأعمال، فتؤخذ باليمين أو تؤخذ بالشمال، والفارق أن السعادة هناك لا شقاء معها، والشقاوة والعياذ بالله لا مجال للتخلص من عنائها، فاختر لنفسك ـ يا عبد الله ـ أحسن الحالين، وجدّ لبلوغ أفضل المنازل.

اللهم إنا نسألك التيسير، اللهم يسر أمورنا، واشرح صدورنا، ووفق أبناءنا وبناتنا، اللهم اجعلهم مشاعل نور وهداية، وخذ بهم إلى سبيل الرضا والولاية يا أرحم الراحمين.

هذا، وصلّوا وسلّموا على خير البرية وأزكى البشرية محمد بن عبد الله...

 

محامد و أدعية طباعة الخطبة بدون محامد وأدعية 

إلى أعلى

إذا كانت لديك أية ملاحظات حول هذه الخطبة، إضغط هنا لإرسالها لنا.

كما نرجو كتابة رقم هذه الخطبة مع رسالتك ليتسنى لنا التدقيق وتصويب الأخطاء

 
 

 2004© مؤسسة المنبر الخيرية للمواقع الدعوية على شبكة الإنترنت، جميع الحقوق محفوظة

عدد الزوار حالياً