.

اليوم م الموافق ‏17/‏شوال/‏1445هـ

 
 

 

اليهود ونقض العهود

5871

أديان وفرق ومذاهب, العلم والدعوة والجهاد

أديان, المسلمون في العالم

أحمد بن حسين الفقيهي

الرياض

20/11/1428

جامع الإحسان

محامد و أدعية طباعة الخطبة بدون محامد وأدعية 

ملخص الخطبة

1- فضح القرآن لليهود. 2- فقدان الأمة لذاكرتها. 3- خيانات اليهود. 4- من سياسة اليهود في نقض العهود. 5- الأمر بإعداد القوة.

الخطبة الأولى

عباد الله، على الرغم من ذكر القرآن للأمم والشعوب البائدةِ وحديثهِ عن الشرائع والرسالات السابقةِ، إلا أنه كان له تركيزٌ أكثر واهتمام أكبر بأمةٍ واحدةٍ من الأممِ، إنه ما من أمةٍ من الأمم تناول القرآنُ تفصيل نشأتها وتاريخ تكوينها وبيان أحوالها وخصائص شخصيتها ودقائق مواقفها ودخائل نفوس أفرادِها مثل أمةِ اليهود.

أيها المسلمون، لقد تكرر ذكر اليهود وبيانُ حالِهم في أكثر من ثلث سور القرآن الكريم بسطًا وإجمالاً وتصريحًا وتلميحًا، فها هي أول سورةٍ في القرآن فاتحةُ الكتابِ التي يكررها المسلمون يوميًا في كلِ فريضةٍ من فرائضهم ونوافلهم يردُ البيان الإلهيُ عن انحراف اليهود والنصارى، ويلتجئ المؤمنون إلى ربهم أن لا يسلكَ بهم سبيلهم، اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّينَ.

عباد الله، إن ذلك الاهتمام والتكرار القرآني يدل فيما يدل عليه أن الصراع بين اليهود والمسلمين سيبقى إلى يومِ القيامةِ، وكلما خمدت جذوة الصراعِ في منطقةٍ أو عصرٍ من العصور فستتجددُ في مكان آخر وفي أزمنةٍ متلاحقةٍ وفي صورٍ شتى، فلا غرابةَ إذن أن يَكثر الحديثُ عنهم وأن يكشف القرآنُ أحوالهم.

أيها المسلمون، للمرة الألف تفقد فئام من هذه الأمة ذاكرتها، وتجلس مع عدوها تبحث عن سلامٍ وعهود ومواثيق، يذبحُها عدوها بالأمس وتدير له اليومَ خدها الآخر تظنهُ سيقبلُها، يكذب عدوها ألف مرةٍ ولا تزال ترجو أن يصدُق! يخون لها ألفَ ميثاقٍ ولا تزال تثقُ بمواعيده! يخدعها ألفَ مرةٍ ولا تزال قابلةً لأن تُخدع! فما لنا اليوم؟! ما لنا لا نتعظ بأحداث التاريخ وتقلباتِ الأيام؟!

عباد الله، إني أسائل كل من مدَّ يدَه للسلام: أيّ سلامٍ تذهبونَ إليه وتدعون له؟! أهو السلام الذي يحبُه الجميع ويؤمن به الجميعُ ويدعو إليه الجميع، أم يا ترى هو سلام شعبٍ واحدٍ ومن طرفٍ واحدٍ؟! وهل هو حقٌ لجهةٍ دون أخرى؟! أي سلامٍ لا يكون الحديث فيه إلا عن التفوق العسكري لطرفٍ على حساب الآخر؟! أيُ سلامٍ يلتزم فيه القائم على رعاية السلامِ بتفوق طرفِ على آخر؟! هل هو سلامٌ بمواصفاتٍ خاصةٍ وشروط خاصة؟! أهو سلام الغلبة والتسلط والحصارِ والتهديدِ ضدّ كلّ من لا يرضى بهذا النوع من السلام؟! أي سلام يدعون إليه؟! أهو السلامُ الذي يهدمُ البيوت ويشردُ من الديارِ ويحاصر الشعوبَ ويعتقلُ المئاتَ ويجعلُ ردَ الظلم من طرفٍ إرهابًا ومن طرفٍ آخر حقًا مشروعًا وصوابًا؟!

عباد الله، إذا كان السلامُ الذي ينشدونهُ كذلك فكيف يمكنُ الاقتناع بجدوى مشروعاتِ السلام وضمان استمرارها إذا كانت الموازين بهذا التقلبِ والمصطلحات بهذا التلاعب؟!

قد حصحص الحقُ لا سلمٌ ولا كلمٌ       مع اليهود وقد أبدت عواديهـا

قد حصحصَ الحقُ لا قولٌ ولا عملٌ      ولا مواثيقُ صدقٍ عند داعيهـا

أين السلامُ الذي نادت مَحافلكم؟!      أين الشعاراتُ يا من بات يطربها

تـآمرٌ ليـسَ تخفـانـا غوائلـهُ       وفتنةٌ نتـوارى من أفـاعِيهـا

أيها المسلمون، كم مرة عضَ اليهود يدًا امتدت إليهم بالسلام! وكم مرة نقضَ اليهودُ عهودًا أبرموها ومواثيق عقدوها! لقد قال الله تعالى مجليًا حقيقة عهودهم ومواثيقهم: الَّذِينَ عَاهَدْتَ مِنْهُمْ ثُمَّ يَنقُضُونَ عَهْدَهُمْ فِي كُلِّ مَرَّةٍ وَهُمْ لا يَتَّقُونَ [الأنفال: 56]، وقال سبحانه: أَوَكُلَّمَا عَاهَدُوا عَهْدًا نَبَذَهُ فَرِيقٌ مِنْهُمْ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يُؤْمِنُونَ [البقرة: 100].

هذه شهادةُ القرآن، فما شهادةُ الواقع على هؤلاء الأقوام؟ لقد عاهدهم الرسول ، وكتبَ بينه وبينهم كتابًا حين وصل المدينة، فهل التزمَ اليهودُ العهدَ واحترموا الميثاق؟ كلا، فقد غدرَ يهودُ بني قينقاع بعد غزوة بدرٍ وانتصار المسلمين على المشركين، والمعاهدة لم يمض عليها إلا سنةٌ واحدةٌ. وغدرت يهود بني النضير بعد غزوةِ أحدٍ وتجرؤوا على المسلمينَ بعدما أصابهم في غزوةٍ أحدٍ. وغدرت بنو قريظة عهدَهم في أشدِ الظروف وأحلكها على المسلمين يوم الأحزابِ. فإذا كانت هذه أخلاقُهم مع من يعلمون صدقه ويعتقدون نبوتَه فهل يُرجى منهم حفظُ العهودِ مع الآخرين؟! وهل يُتوقع صدقُ اليهود في معاهداتِهم مع من يرونهم أضعف قدرًا وأقلّ شأنًا؟!

عباد الله، إن اليهود قومٌ بهتٌ خونةٌ كما قال ذلك عبد الله بن سلامٍ رضي الله عنه الذي كان يهوديًا فأسلمَ، وهم ينظرون إلى العهود والمواثيق التي يوقعونها مع غيرهم أنها للضرورةِ ولغرضٍ مرحلي ولمقتضياتِ مصلحةٍ آنيةٍ، فإذا استنفد الغرضُ المرحلي نقض اليهود الميثاق من غير استشعارٍ بقيمٍ أدبيةٍ ولا اعتباراتٍ أخلاقيةٍ ولا بمواثيقٍ دوليةٍ.

أيها المسلمون، إن مما نبه عليه القرآنُ وبتنا نراهُ في واقعِنا اليوم أن اليهودَ حين ينقضون العهودَ لا ينقضها جميعُهم في وقتٍ واحدٍ، وإنما ينقضها فريقٌ دونَ آخر، فإن أصابه سوءٌ تظاهر الفريق الآخرُ بالمحافظةِ على العهدِ، وإن استقامَ لهم الأمرُ تتابعوا في النقضِ، ومشى بعضهم وراءَ بعض، قال سبحانه: أَوَكُلَّمَا عَاهَدُوا عَهْدًا نَبَذَهُ فَرِيقٌ مِنْهُمْ.

واليوم الواقعُ اليهوديُّ يصدقُ ما أخبرَ اللهُ تعالى عنهم، فها هم حزبٌ يدعو إلى السلامِ، وحزبٌ آخرُ يجاهر بالعداوة، هذا يجلسُ على مائدةِ المفاوضاتِ، والآخرُ يُعملُ سلاحَه، فإذا أمنوا تهالكوا جميعًا في الحقدِ والبطشِ والمكرِ، هكذا هم اليهودُ، فتبًّا لمن لم تعظهُ حروف الزمان.

ومن لم تعظه حروفُ الزمانِ     وكيدُ الليالي يعيش مستضاما

 

 

الخطبة الثانية

عباد الله، إن من اللطائفِ القرآنية الدقيقةِ في قوله سبحانه: وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ [الأنفال: 60] أن يأتي الأمرُ بإعدادِ القوة لإدخالِ الرعبِ والرهبةِ إلى قلوب الأعداءِ في سياقِ الحديث عن المعاهداتِ ونقضِ اليهودِ لها في كلِ مرةٍ، فإن المعاهدةَ ليست سوى حبر على ورق، لا أثر لها في الواقعِ إن لم تكن مدعمةً بالقوةٍ التي ترتعدُ لها فرائص العدو، كلما فكرَ في نقضِها أو إبطالِ مفعولِها، وبعدَ الأمرِ بإعدادِ القوةِ الرهيبةِ يأتي الحديثُ عن السلمِ لأنَ السلمَ إن لم يكن من موطنِ القوةِ والعزةِ فهو تنازلٌ للعدوِ وخضوعٌ لشروطِه، فيكونُ استسلامًا لا سلامًا.

اقرؤوا ذلك كلّه في قولهِ تعالى: وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِنْ دُونِهِمْ لا تَعْلَمُونَهُمْ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ وَمَا تُنفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لا تُظْلَمُونَ وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ [الأنفال: 60، 61].

أيها المسلمون، متى حقّقنا الشروط الربانية التي جعلها اللهُ أساسًا لنيل النصر على عدونا فتحَ اللهُ لنا مغاليق الأبوابِ، وهيأ لنا أفضلَ الوسائلِ وأكرمَ الأسبابِ، وحقق لنا وعد رسولنا في قوله: ((لا تقومُ الساعةُ حتى يقاتلَ المسلمونَ اليهودَ، وحتى يختبئ اليهودي من وراءِ الحجرِ والشجرِ إلا الغرقد؛ فإنه من شجرِ اليهود)).

عباد الله، لن يكتبَ النصرُ الموعودة به هذه الأمة ما دامت تسيرُ في متعرجاتٍ مظلمةٍ، بعيدة عن صراطِ الإسلامِ، والعدو يعرفُ هذا ولا يزالُ همُه أن يبعدَ الشعوبَ الإسلامية عن عقائد الإسلامِ وتطبيقاتهِ، ليطيل أمد بقائِه.

فيا ترى، من تكون هذه الفئةُ التي تتبنى الإسلامَ بصدقٍ وتخوض المعركة بإخلاصٍ حتى تنالَ مجدَ النصرِ على العدو الرابضِ في ديارنا؟ طوبى لمن كانَ رائدَ هذه الفئة، وطوبى لمن كان قائدًا فيها، وطوبى لمن كان جنديًا من جنودِها. طوبى لمن شرّفه اللهُ بالجهادِ الحقِ تحتَ رايةِ الإسلامِ الناصعةِ، بعيدًا عن راياتِ الجاهليةِ، بعيدًا عن المزايدات السياسية، بعيدًا عن الخيانات، ودون جعجعةٍ إعلاميةٍ مضللةٍ. طوبى للمجاهدين والمرابطين في غزة ولسانُ حالهم هناك: الصبرُ من أبوابِ الظفر، والمنيةُ ولا الدنية، واستقبال الموتِ خيرٌ من استدبارهِ، وهالكٌ معذور خيرٌ من ناجِ فرور. طوبى ـ عباد الله ـ لأولئك كلِّهم، ولا عزاء للقاعدينَ والمخلَّفين.

 

محامد و أدعية طباعة الخطبة بدون محامد وأدعية 

إلى أعلى

إذا كانت لديك أية ملاحظات حول هذه الخطبة، إضغط هنا لإرسالها لنا.

كما نرجو كتابة رقم هذه الخطبة مع رسالتك ليتسنى لنا التدقيق وتصويب الأخطاء

 
 

 2004© مؤسسة المنبر الخيرية للمواقع الدعوية على شبكة الإنترنت، جميع الحقوق محفوظة

عدد الزوار حالياً