.

اليوم م الموافق ‏19/‏رمضان/‏1445هـ

 
 

 

أسبوعان من محرقة غزة

5867

العلم والدعوة والجهاد, موضوعات عامة

القتال والجهاد, جرائم وحوادث

سعود بن عبد الرحمن الشمراني

نجران

13/1/1430

الشيخ محمد بن عبد الوهاب

محامد و أدعية طباعة الخطبة بدون محامد وأدعية 

ملخص الخطبة

1- كلنا فلسطينيون. 2- مآسي غزة. 3- دروس غزة خلال أسبوعين. 4- القضية قضية المسلمين جميعا. 5- الأزمة الإعلامية عند المسلمين. 6- عاطفة المسلمين للإسلام. 7- كلمة عتاب.

الخطبة الأولى

وبعد: أيها المؤمنون، فاتقوا الله تعالى وانصروه في أنفسكم بطاعته ينصركم على عدوكم، يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ وَالَّذِينَ كَفَرُوا فَتَعْسًا لَهُمْ وَأَضَلَّ أَعْمَالَهُمْ [محمد: 7، 8].

عباد الله، "كلنا اليوم فلسطينيون نتوق إلى الاستشهاد في سبيل الله وفي سبيل فلسطين غير مبالين لأي تبعات، وفي خطى من استشهد من أطفال ونساء وشيوخ في غزة". هكذا أصدرها مدوية الأمير تركي الفيصل وفقه الله، ليبوح بما يكنه من مشاعر تجاه المجازر الصهيونية المجرمة في حقّ إخواننا المؤمنين في غزة.

أيها الأخيار، دعوني أعبر عما يتجلجل في صدري ويختلج في ضميري، إنها نفثة مصدور وهموم مقهور، هل رأيتم البيوت تهدّم على رؤوس الأطفال والنساء؟! هل رأيتم مشاهد الموت الذي ينتشر في كل مكان؟! هل سمعتم بالأطفال الذين وجدوا بجانب ذويهم المقتولين منذ أربعة أيام وهم ينظرون إليهم؟! ألم يمر على مخيلاتكم صور أطراف مقطعة وأشلاء ممزقة؟! وهل سمعتم بالمدرسة التي قصفت وفيها الهاربون من الموت فمات منهم خمسةٌ وأربعون غير الجرحى؟! وهل مر على أسماعكم خبر خمسين شهيدًا لم يستطع أحد الوصول إليهم إلا بعد أيام من قتلهم؟!

استمع يا رعاك الله إلى بعض أبيات أبكت الشيخ ابن باز رحمه الله حين سمعها:

دم المصليـن في المحـراب ينهمـر      والمستغيثـون لا رجـع ولا أثر

والقدس في قيدها حسناء قد سُلبت      عيـونها فِي عذاب الصمت تنتظر

أيـن المنادون بالتحرير ويحهموا؟!       أين الصمود وأين السهل والوعر؟

أيـن المرابـون في أسـواق أمتنا       في كـل صقع لهم للخزي مؤتمر؟

سيـوفهم في سبيـل الحق مغمدة        وفي سبيـل الخنـا يا ويْحهم حمر

سلـوا الْملايين مـن أبنـاء أمتنا       كم ذُبِحوا وبأيدي خائنٍ نُحـروا

هذا بعض ما يحصل على أرض غزة الصامدة الأبية، أما ما يحصل خارج غزة فصمت مذلّ من أهل القرار، فلا أحد منهم يملك الرجولة التي تجعل منه بطلا ولو في الكلام. فلكِ الله يا غزة الصمود، ولكم الله يا أهلنا هناك على ثغر الإسلام أمام عدونا الأبدي. تقول إحدى الأخوات في غزة: "الفزع يملأ المكان، بيتنا يسكنه الذباب والموت، فتحتُ الباب كي أفرّ من رائحة الموت فإذا بي أصطدم بمزيد من الجثث وصرخات الأطفال الذين فقدوا أمهاتهم، نحن نواجه حصارا وهلعًا ودمارا وموتا بشعًا، لكن رغم همجية الجيش الإسرائيلي وصمت العرب وعجز المسلمين سنبقى نلوح حتى نموت بشرف، وننتصر على الضمائر الميتة والسياسة الأميركية وإسرائيل".

إخوة الدين، إخواننا الفلسطينيون هم المهاجرون فأين الأنصار؟!

قد استردّ السبايا كلّ منهزم    لَم تبق فِي رقّها إلاّ سبايـانـا

دم هنـاك ولم يثـأر له ودم    بالقدس هان على الأيّام لا هانا

وما لمَحت سياط الظلم دامية   إلاّ عرفت عليهـا لَحم أسرانا

ولا نموت على حدّ الظبي أنفا   حتّى لقد خجلت منّـا منايانا

أيها الفضلاء النبلاء، لقد تعلمنا خلال أسبوعين من محرقة غزة ما لم نتعلمه خلال سنين، فتعلمنا أن أقوى حامٍ في الملمات والبلايا بعد الله تعالى هو الإيمان بالله والتوكل عليه وعبادته كما أمر والتربية الجادة على الخير والصلاح والاستقامة والفداء، فها هم إخواننا المجاهدون يضربون لنا أعظم صور الشجاعة والبسالة والجهاد، إِنَّا لَنَنصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الأَشْهَادُ [غافر: 51]. ولقد تعلمنا كذلك خلال هذين الأسبوعين أن الذلة والمهانة والخزي والضعف والصغار إنما يستحقها من ارتضاها واستجلبها من تلقاء نفسه وصنعها بيديه، وأن العزة والقوة والصمود والعلو والسمو يُنتَج محليًا ولا يستورد من الأعداء، بل يستمد من داخل النفس، ولا يهين الله إلا من أهان نفسه، ولا يعز إلا من أعز نفسه، وَمَنْ يُهِنْ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ مُكْرِمٍ [الحج: 18]. وشاهدنا لهذا العزة التي يعيشها إخواننا الأباة في تلك الديار المباركة في وقت ذلت فيه رقاب الكبار.

إخوة الإسلام، إن القضية الفلسطينية هي قضية المسلمين في كل مكان، ومع ذلك فقد حماها الله لنا بقوم اختارهم لهذه المهمة العظيمة، وهم شعب فلسطين المجاهد البطل الذي لا يزال يدفع ثمن الذود عن حياض الأمة وحماها. شعب مكافح مجاهد يحبّ الموت كما يحبّ غيره الحياة، شعب رضع لبان العزة والكرامة عندما رضع غيرهم لبان الرخاء والترف، شعب تربى على القرآن في المساجد وعلى موائد السنة فتخرجت من تلك المحاضن أجيال مؤمنة بالله تعالى متبعة لرسول الله منتهجة بنهج السلف الصالح، شعب صابر مرابط على ثغر الأمة المفتوح أمام عدونا الأكبر، شعب ثابت على مبادئه الإسلامية في حين تنازل الكثير عن مبادئه واتجه نحو تحقيق شهواته على حساب المبادئ الكبرى التي خلق من أجلها، شعب يحب بلاده حبًا جعله يستلذ العذاب في سبيل الدفاع عن بلاده ومقدساته.

سأحمـل روحـي علـى راحـتي       وألقـي بِهـا في مهاوي الردى

فإمّـا حيـاة تسـرّ الصـديـق       وإمّـا ممـاتٌ يغيـظ العـدى

ونفـسُ الشريـف لهـا غايتـان       ورود الْمنـايـا ونيـلُ المـنى

وما العيشُ؟ لا عشـتُ إن لم أكن       مخوف الجنـاب حرام الْحمـى

وهنا ينبغي أن نفرق بين ثلاث فرق في فلسطين، الفريق الأول من أهل السنة والجماعة يتّخذ من الكتاب والسنة ومنهج السلف الصالح دستورًا ومستندًا له في حياته، وهؤلاء هم المجاهدون من أبناء حركة المقاومة الإسلامية حماس، وكذلك حركة الجهاد الإسلامي، وغيرهم من الجماعات والأفراد المجاهدين هناك، وفريق لا يعتبرون من الإسلاميين بل يستندون إلى مناهج يسارية وعلمانية وغيرها، ولكن يشكر لهم وطنيتهم ودفاعهم عن وطنهم وحبهم لشعبهم ولو لم نكن نوافقهم على مناهجهم، وفريق ثالث منهزم مخدوع ضالّ تسلط عليه العدو بالترغيب والترهيب، فصار خادمًا لإسرائيل بل يتقاضى مرتبات من الاستخبارات الإسرائيلية، وهؤلاء هم الذين يريدون أن يتنازلوا عن وطنهم ودينهم وشعبهم في الداخل والشتات في سبيل شهواتهم وإرضاء أسيادهم اليهود.

إخوة الإسلام، لقد تبين لنا خلال الأسبوعين الماضيين الأزمة الإعلامية التي تعيشها الأمة الإسلامية والعربية، ففي الوقت الذي تكون الأمة بأمسّ الحاجة إلى صوت حقّ شجاع جادّ لنصرة الإسلام وأهله وبيان حقد العدو الغاشم والدفاع عن أوطان الإسلام ومقدساته، في هذا الوقت العصيب نجد الفضاء الإعلامي العربي يعجّ بصور من التخلّف والتترّس خلف الشهوات والرذيلة والمجون، بل إن بعض القنوات الفضائية كانت مصطفّة في صف العدو، فكانت تنشر روح الانهزامية بين أبناء الأمة، وتنشر جو الخوف والخنوع والخضوع. واستمع إلى بعض التقارير التي تؤكد ما قلنا، فقد شكّك مراقبون في كون مراسلي تلك القناة قد يكونون يقومون بمساعدة الاحتلال في عدوانه الغاشم على القطاع المحاصر، وتصر تلك القناة على استخدام عبارة (الهجوم الإسرائيلي) بدلاً من (الاعتداء الإسرائيلي)؛ وذلك بحجة المهنية مع أنها استعملت لفظ الاعتداء لغير إخواننا الفلسطينيين، فقالت: (اعتداءات سبتمبر) و(اعتداءات مدريد) و(اعتداءات لندن)، وحين تراق دماء الفلسطينيين على أيدي الصهاينة المجرمين فإن هذه القناة تتعمّد عدم وصف الفلسطينيين بالشهداء، وإنما هم فقط قتلى وصرعى، والسبب هذه المرة لدى مديرها هو الورع والخوف من الله، فيقول: "أنا كمدير محطة لا أمنح الناس الشهادة؛ لأن ذلك حقٌّ رباني"، مع أنه استعمل هذا اللفظ في حق غيرهم فأين الورع؟! ولا تزال بعض القنوات الفضائية مشغولة بالترهات التي دمرت الأخلاق وأفسدت الدين ونشرت الفساد. ونشيد بقنوات جادة دأبت في إظهار القضية بتفصيلاتها وانحازت لأمتها، فلها منا الشكر والدعاء.

اللهم انصر إخواننا في فلسطين، واجعلنا ممن ينصرهم، ونعوذ بك من خذلانهم يا رب العالمين.

بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعنا بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم من كل ذنب، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.

 

الخطبة الثانية

الحمد لله رب العالمين، ولا عدوان إلا على الظالمين، وصلى الله على نبينا محمد النبي الأمي الأمين، وعلى آله وصحبه والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين.

وبعد: أيها المؤمنون، لقد تعلمنا خلال الأسبوعين الماضيين أن الإسلام هو المقدَّم عند شعوب المسلمين، وأن الإسلام هو المسيطر على عواطف الناس في دول العالم الإسلامي، وما صور المظاهرات التي جابت شوارع دول العالم كله وخاصة العالم الإسلامي إلا دليل على نهوض المسلمين من كبوتهم وانتباههم من غفلتهم، ففي العصور الماضية لم يكن كثير من المسلمين يعبأ بما يحصل لإخوانهم ولا بلادهم ولا مقدساتهم، أما اليوم فقد اجتمع المسلمون على الإسلام والدفاع عنه والذب عن حياضه، وما ذلك إلا دليل على رجوع المسلمين إلى الإسلام.

إخوتي في الله، اسمحوا لي أن أبعث كلمة عتاب لطيف من محبّ باسم إخواننا القتلى والجرحى والأرامل والأيتام والخائفين والمشردين في فلسطين، هذا العتاب هو لإخواننا الرياضيين الخليجيين الذين بدؤوا دورتهم التاسعة عشرة في هذا الوقت العصيب الذي تنتهك فيه حرمات المسلمين ومقدساتهم، فقد وصل عدد الشهداء إلى 776 شهيدا، وبلغ عدد الجرحى إلى 3150 جريحًا، والعدد في ازدياد، فليتهم أخروا هذه الدورة احترامًا لمشاعر المسلمين، وليتهم فعلوا كما فعل الجمهور التركي بفريق كرة السلة الإسرائيلي حينما أخرجوهم من الملعب وطردوهم قبل بدء المباراة، فللّه درهم، وجدير بنا خاصة الخليجيين أن نكون عند حسن ظن المسلمين بنا، ففينا الرجاء لهم بعد الله تعالى، فهل عجزنا أن نقدم شيئًا لهم غير هذه الكرة التي لم تقدم لنا عزة ولا مجدًا؟!

أخي الحبيب، كن إيجابيًا مع إخوانك المسلمين في فلسطين، وليكن شعارك: (بذل قليل لأمد طويل)، فاذهب إلى إحدى الجمعيات الخيرية أو الندوة العالمية للشباب الإسلامي أو هيئة الإغاثة الإسلامية العالمية، واستقطع من راتبك الشهري خمسين ريالاً أو مائة ريال لتكون سهلة عليك ومردودها عظيم لإخوانك وأجرها مستمر لا ينقطع.

واطمئنوا ـ أيها المؤمنون ـ بنصر الله، واستيقنوا بوعد الله، فإن الله مظهر دينه وناصر جنده ومعز أولياءه، وإن الموفق من وفقه الله تعالى ليكون في زمرة الصالحين وفي عداد المؤمنين حتى ينال فضل النية وإن فاته فضل العمل.

عباد الله، صلوا على منقذكم من الكفر بإذن ربه نبيكم محمد صلى الله عليه وعلى آله وصحبه أجمعين.

اللهم أعز الإسلام والمسلمين، وانصر عبادك المؤمنين, اللهم انصر إخواننا المجاهدين في فلسطين، اللهم انصرهم على اليهود الغاصبين، اللهم إنا نستنصرك على الكفرة الحاقدين، اللهم أقرّ أعيننا بنصر الإسلام والمسلمين، اللهم إنا نسألك لإخواننا المسلمين المجاهدين في كل مكان...

 

محامد و أدعية طباعة الخطبة بدون محامد وأدعية 

إلى أعلى

إذا كانت لديك أية ملاحظات حول هذه الخطبة، إضغط هنا لإرسالها لنا.

كما نرجو كتابة رقم هذه الخطبة مع رسالتك ليتسنى لنا التدقيق وتصويب الأخطاء

 
 

 2004© مؤسسة المنبر الخيرية للمواقع الدعوية على شبكة الإنترنت، جميع الحقوق محفوظة

عدد الزوار حالياً