الحمد لله وكفى، وسمع الله لمن دعا، وسلام على عباده الذين اصطفى.
أما بعد: فاتقوا الله رحمكم الله، واشكروه على نعمه وآلائه، فبالشكر تدوم النعم وتُحفظ.
البيت المسلم يُعنى بحسن تربية الأولاد امتثالاً لقوله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلائِكَةٌ غِلاظٌ شِدَادٌ لا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ [التحريم: 6]. والتربية مسؤولية ملقاة على عاتق الوالدين، قال : ((كلكم راعٍ وكلكم مسؤول عن رعيته، فالرجل راعٍ ومسؤول عن رعيته، والمرأة راعية في بيت زوجها ومسؤولة عن رعيتها)).
وإحسان تربية الأولاد يجعلهم ذخرًا لوالديهم يوم القيامة، قال : ((إن الله عز وجل لَيرفعُ الدرجةَ للعبد الصالح في الجنة، فيقول: يا رب، أنَّى لي هذا؟! فيقول: باستغفار ولدك لك)) رواه أحمد. كما أن حسن التربية سبب لثناء الناس على الوالدين، وسوء التربية يجلب الشتمَ والإهانة لهما بسبب أفعال الأولاد.
البيت المسلم مؤسس على تقوى من الله ورضوان، ولا يدخله إلا أهلُ التقوى والإيمان من العلماء والدعاة والأخيار وصالحي الإخوان، قال الله تعالى عن نوح: رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِمَنْ دَخَلَ بَيْتِيَ مُؤْمِنًا وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَلا تَزِدِ الظَّالِمِينَ إِلا تَبَارًا [نوح: 28]. والمؤمن الفطن ـ عباد الله ـ يختار الصالحين لصحبة أولاده، قال تعالى: الأَخِلاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلا الْمُتَّقِينَ [الزخرف: 67]، وقال : ((مثل الجليس الصالح والجليس السوء كحامل المِسْك ونافخ الكير؛ فحاملُ المسك إما أن يُحذِيَك، وإما أن تبتاع منه، وإما أن تجد منه ريحًا طيِّبة، ونافخ الكير إما أن يحرق ثيابك، وإما أن تجد منه ريحًا خبيثة)) متفق عليه.
عَنِ المَرْءِ لاَ تَسْأَلْ وَسَـلْ عَنْ قَرِينِهِ فَكُـلُّ قَرِيـنٍ بِـالْمُقَـارَنِ يَقْتَـدِي
إِذَا كُنْتَ فِي قَوْمٍ فَصَاحِبْ خِيَارَهُمْ وَلاَ تَصْحَبِ الأَرْدَى فَتَرْدَى مَعَ الرَّدِي
قال : ((المرء على دين خليله؛ فلينظر أحدُكم مَن يخالل)) رواه الترمذي وأبو داود. قال سفيان بن عيينة في تفسيره لهذا الحديث: "انظروا إلى فرعون معه هامان، وانظروا إلى الحجاج معه يزيد بن أبي مسلم، أشر منه، وانظروا إلى سليمان بن عبد الملك صحِبه رجاءُ بن حيوة أحد الأعلام الأفاضل فقوَّمه وسدَّده".
والصحبة السيئة مصدر خطر كبير، فكم من شخص تحطم وانتكس وتبلَّد حسه ووهنت مشاعره بسبب الرفقة السيئة، وكم من إنسان فسَدتْ أخلاقه وانهدم بيته وطلقت زوجته وتحطمت حياته وانسلخ من دينه وحيائه بسبب الرفقة السيئة.
ربُّ البيت المسلم لا ينشغل عن تدبير شؤون بيته وأسرته بحجة العمل والارتباطات، قال : ((إن لنفسك عليك حقًّا، وإن لزوجك عليك حقًّا)). إن بعض الآباء ـ هداهم الله ـ يضِنُّ على أسرته وزوجته بساعة في اليوم، ويوم في الأسبوع، يقضي حاجاتهم، ويصلح شؤونهم، ويلعب معهم، يحاورهم، يناقشهم. وللأب ـ عباد الله ـ دور مهم في توجيه وتربية الأسرة لا يمكن أن تقوم الزوجة به، فتعاونْ ـ أخي في الله ـ مع زوجك لحفظ أولادك وتربيتهم ومتابعتهم بالمشورة والحوار وسماع الرأي الآخر برفق ولين.
والمرأة التي تخرج للعمل وتترك الأولاد لتربيهم الخادمات ويرعاهم السائقون ويقومون عليهم، فالخادمات مصدر خطر على الأطفال، فبعضهم تَعلَّم صلاةَ النصارى من الخادمة، ومهما بلغ حرص الخادمة على تربية الأولاد فلا يمكن أن يبلغ حرص الأم، خادمةٌ في أحد البيوت تتعاطى السحر والشعوذة وتضر بأهله، أخرى تعذب الأطفال, وثالثة تسمم الطعام، ناهيكم عن جرائم القتل وهتك الأعراض.
وَهَلْ يُرْجَى لأَطْفَالٍ كَمَالٌ إِذَا ارْتَضَعُوا ثُدَيَّ النَّاقِصَاتِ
الخادمة في البيت أجنبية لا تحل الخلوة بها ولا النظر إليها، قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ [النور: 30]، كما يجب أن تحجب الخادمة، وتتحجب عن الرجال البالغين والشباب المراهقين، وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ [الأحزاب: 53]، كما أن الذهاب مع السائق بدون مَحرَم خلوة محرَّمة، قال : ((لا يخلوَنَّ رجل بامرأة إلا كان الشيطان ثالثَهما)).
البيت المسلم ـ عباد الله ـ يجب أن يصان من المجلات الهابطة والقنوات الماجنة ومواقع الإنترنت غير اللائقة، قال أحد الفضلاء:
اسْمَعْ كَلاَمِي يَـا حَبِيبِي وَاضِحًـا مِنْ غَيْرِ غِشّ
فِيمَـا يُسَمِّيـهِ الأَنَـامُ بِعَصْرِنَـا طَبَقًـا وَدِشّْ
هُـوَ بُـوقُ تَنْـصِيـرٍ لِقِسِّيـسٍ لَئِيمٍ مُنْتَفِشْ
هُوَ ضَحْكَة سَكْرَى تَرِنُّ وَصَـوْتُ عُهْرٍ يَرْتَعِشْ
ومن مات وقد أدخل القنوات الماجنة إلى بيته فيُخشى عليه من قول النبي : ((مَن استرعاه الله رعيةً فمات وهو غاشٌّ لهم لم يَرح رائحةَ الجنة)).
على الوالدين ـ عباد الله ـ أن يحذَرا ويحذِّرا أولادهما من الاستخدام السيئ للإنترنت، فـ90 في المائة من المستخدمين للشبكة من شباب المسلمين يدخلون المواقع المحرمة، وهناك أكثر من 400 ألف موقعٍ إباحي على هذه الشبكة، ومن البلايا دخول المرأة المسلمة على هذه الشبكة، وما جر ذلك من ويلات ومآسٍ: محادثة الشباب بألفاظ بذيئة، مبادلتهم الصور الماجنة والخليعة، إهمال خدمة البيت والأولاد والدراسة.
البيت المسلم متميز في إسلامه، يوالي ويحب في الله، ويعادي ويبغض في الله، ولا يتشبه بأعداء الله، ولا يقلِّدهم, ولا يشاركهم أعيادَهم الشركية والبدعية؛ قال عليه الصلاة والسلام: ((مَن تشبَّه بقوم فهو منهم)).
البيت المسلم يُحافَظ فيه على الفطرة، فالرجل يحافظ على رجولته، والمرأة تحافظ على أنوثتها؛ فيُصان الأولادُ عن التشبه بالنساء، والبناتُ عن التشبه بالرجال،. إنَّ تشبُّه أحد الجنسين بالآخر ومظاهر التميع والتفرنج بابُ شر، ووسيلة لإشاعة الانحلال في المجتمع، وفتح لأبواب الفساد؛ عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: لَعَنَ رسول الله المتشبهين من الرجال بالنساء والمتشبهات من النساء بالرجال. رواه البخاري. وعنه رضي الله عنه قال: لعن رسول الله المخنثين من الرجال والمُتَرَجِّلات من النساء. رواه البخاري.
والتشبه قد يكون بالحركات والسكنات والمشية والكلام، وقد يكون في اللباس؛ كلبس الرجل للقلائد والأساور والأقراط، وكأن تلبس المرأة ما اختص به الرجل؛ كالقميص والثوب؛ قال : ((لعن الله الرجلَ يَلبس لبسةَ المرأة، والمرأةَ تلبس لبسة الرجل)) رواه أبو داود.
فيا أيها الأب المسلم، ويا أيها الزوج المؤمن، اتقوا الله تعالى، واعلموا أن بيوتكم أمانة في أعناقكم استرعاكم الله على مَن فيها مِن الزوجات والأولاد، والله سائلٌ كلَّ راعٍ عما استرعى: أحَفِظَ أم ضيَّع؟ فيا خيبةَ مَن ضيع الأمانة وأساء التربية!
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلائِكَةٌ غِلاظٌ شِدَادٌ لا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ كَفَرُوا لا تَعْتَذِرُوا الْيَوْمَ إِنَّمَا تُجْزَوْنَ مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ [التحريم: 6، 7].
اللهم أعِزَّ الإسلام والمسلمين، وأذِلَّ الشرك والمشركين...
|