.

اليوم م الموافق ‏17/‏شوال/‏1445هـ

 
 

 

كيف أصبح اليهود أغلبية في فلسطين؟ (1)

5758

العلم والدعوة والجهاد

المسلمون في العالم

عبد الرحمن بن الصادق القايدي

جدة

23/10/1423

جامع الأنصار

محامد و أدعية طباعة الخطبة بدون محامد وأدعية 

ملخص الخطبة

1- الإجراءات التعسفية المتخذة ضد الشعب الفلسطيني بعد وعد بلفور. 2- مخادعة الإنجليز للحكام العرب. 3- جهاد عز الدين القسام. 4- ألعوبة تشكيل لجان تقصي الحقائق. 5- الإعلان عن قيام دولة إسرائيل.

الخطبة الأولى

أيها الإخوة المؤمنون، كنا قد وصلنا معكم في الجمعة الماضية إلى الحديث عن اليهود في فلسطين وكيف أصبحوا أغلبية في معظم المناطق، وصلنا عندما قام الإنجليز بتطبيق وعد بلفور على الطبيعة، واتخذوا إجراءات حاسمه مصيرية ضد الشعب الفلسطيني كتخفيض الجيش العربي وتشتيته وإلغاء التجنيد الإجباري، وتستمر الخيانات البريطانية بتمكين اليهود من السيطرة على الأوضاع في فلسطين في جميع المجالات، وتأتي موافقة ومباركة عصبة الأمم على الانتداب البريطاني لفلسطين ووعد بلفور، وعصبة الأمم هذه هي ما يسمى اليوم بهيئة الأمم تأتي الموافقة منها ليأخذ وعد بلفور صيغة رسمية دولية يصعب إلغاؤها أو تغييرها فيما بعد، وهذا ما حدث ويحدث حتى الآن؛ إذا أرادوا شيئًا استصدروا له قرارًا وعمموا ذلك القرار على الأمم، وسمعت لهم الأمم وأطاعت مع الأسف الشديد، كما يحدث اليوم في الإجماع العالمي على محاربة الإرهاب ومحاولتهم الحصول على إجماع لمحاربة العراق، ونزولاً عند رغبة اليهود فتحت بريطانيا باب الهجرة لليهود على مصراعيه، وكونت إدارات محلية لهم، وجعلت منهم المسؤولين عن إدارتها كالشرطة وإدارة الخزينة وإخضاع المدارس العربية لإشراف مفتشين يهود لتغيير المناهج والنظم الإسلامية؛ لكي يتقبل الفلسطينيون اليهود مع الزمن ويعيشوا معهم بأمان، وهذا ما يعرف اليوم بسياسة التطبيع، ولقد تمكن اليهود بدعم من الإنجليز بإحكام قبضتهم على الاقتصاد الفلسطيني وإفقار الفلسطينيين وإبعادهم عن أرضهم، وحولوا الوضع من دفاع عن المقدسات الإسلامية إلى البحث عن لقمة العيش، فقاموا بإغلاق البنك الزراعي العثماني الذي كان يقرض الفلسطينيين قروضًا ميسرة بدون فوائد ربوية لتضييق الخناق عليهم ليقترضوا من البنوك الربوية التي أنشأها اليهود والإنجليز، فإذا تراكمت الديون والفوائد وعجزوا عن سدادها أخذت منهم أراضيهم وصودرت أملاكهم منهم عنوة، وهكذا وجد الشعب الفلسطيني الذي يعيش على أرضه أنه يتعرض لعملية إبادة مقصودة ومرسومة ومنظمة بدقة متناهية، وتنفذ خطوة خطوة وعلى مراحل مختلفة، ونحن نعيش اليوم مراحلها النهائية، وكان رد الفعل على هذا المكر اليهودي الإنجليزي المظاهرات في كل مكان والمطالبة بالجهاد في جميع أنحاء فلسطين والعالم الإسلامي، لا سيما العالم العربي، لكن الحكومة البريطانية أصدرت قوانين صارمة شديدة تمنع أهالي البلاد من التصدي لمخطط الإنجليز بتهويد أرض فلسطين، ومن هذه القوانين الأحكام العرفية أو العسكرية ومنع الاجتماعات والمظاهرات، كل ذلك لكبح حركة الجهاد المسلح والتي انفجرت تلقائيًا.

ولقد أدرك المتآمرون خطورة هذه الحركة الجهادية رغم كل إجراءات القهر والتعسف التي استخدموها مع الشعب الفلسطيني، والتي لم تؤد إلى نتيجة مرجوة، وتفتق ذهن الإنجليز عن أسلوب جديد قديم ثبت نجاحه في السابق مع الشريف حسين بن علي وابنه فيصل وبعض زعماء العرب، هذا الأسلوب هو المماطلة والخداع وإعطاء وعود وعهود ومواثيق وتسويف وتخدير الأمة وتنويمها حتى يتم لهم ما خططوا له، وبعد ذلك لا يوفون بتلكم العهود والاتفاقيات، ولدينا أدلة من القرآن الكريم وأدلة أخرى في أيامنا هذه بعدم الوفاء بالوعود والعهود والمواثيق كما حدث لاتفاقية "أوسلو" وما قبلها وما بعدها، فاليهود يكسبون كل يوم شيئًا جديدًا ويتوسعون، والفلسطينيون يطالبون بتطبيق اتفاقيات خيالية على ورق، وهم في أماكنهم إن لم يكن أجبروا على تركها، فازدادت المظاهرات وأدرك الشعب الفلسطيني أن بريطانيا هي المسؤولة مسؤولية مباشرة عن تهويد فلسطين، وهي العدو الرئيسي الأول، وتنادى الخطباء في كل مكان يدعون للجهاد المسلّح ضد الإنجليز، وهاجم الجنود الإنجليز الفلسطينيين وسقط مئات الجرحى وتلفت الفلسطينيون إلى إخوانهم في العقيدة وطالبوا بعقد مؤتمر إسلامي في القدس وكان ذلك في عام 1931م، وحضر المؤتمر اثنان وعشرون دولة، وأسهم فيه عدد من كبار العلماء والمفكرين، ولكن قراراته كانت دون المستوى المطلوب، وكانت هزيلة بسبب الضغوط، ومع ذلك لم يتحقق منها شيء، واستمر الوضع السيئ يزداد سوءا يومًا بعد يوم، والشعب يعاني والسجون ملأى واليهود مطمئنون ويستولون على مزيد من الأراضي والممتلكات، ومن هنا انطلقت انتفاضة الشيخ عز الدين القسام الجهادية المنظمة من مسجده في حيفا وكان ذلك في عام 1935م، ووجه سلاحها ضد الإنجليز بشكل خاصّ، وشهدت المنطقة سيلاً من الاغتيالات للضباط الإنجليز ونسف القطارات والأماكن الاقتصادية، وكان الشيخ عز الدين القسام ينازل الأعداء بنفسه، وحاصرته قوات الاحتلال البريطاني عدة مرات ولكن الله ينجيه منهم، ومرة دارت معركة شرسة استخدم فيها الإنجليز الدبابات والطائرات واستشهد فيها الشيخ وبعض رفاقه المجاهدين.

ويزداد الجهاد ضراوة بعد استشهاد البطل عز الدين القسام، وينتشر في جميع أنحاء فلسطين، وفشلت بريطانيا بقواتها ومعداتها في سحق حركة الجهاد المسلح وإنهاء الإضراب وتكبدت خسائر فادحة في الأرواح والمعدات، فاتجهت إلى الاستعانة بالحكام العرب، وكما ذكرنا إعطاء عهود ووعود كاذبة حتى يوقفوا الانتفاضة ويجهضوا على الحماس الجهادي، فأذيعت نداءات ثلاثة من الحكام العرب المجاورين لفلسطين، يناشدون ويطالبون الجماهير المقاتلة بضرورة توقف الحركة الجهادية حقنًا للدماء التي تهدر من الطرفين معتمدين على حسن نوايا صديقتهم بريطانيا ورغبتها المعلنة لتحقيق العدل والمساواة بين المتقاتلين، نسوا كل ما فعله الإنجليز سابقًا، وربنا سبحانه وتعالى يقول: وَلا تُؤْمِنُوا إِلاَّ لِمَنْ تَبِعَ دِينَكُمْ [آل عمران: 73]، وتتوقف الحركة الجهادية استجابة لنداء هؤلاء الحكام العرب كما توقفت قبل استجابة لنداء الشريف فيصل بن الحسين، فلا حول ولا قوة إلا بالله، الأخطاء تتكرر، والثقة بالنصارى مستمرة، لا تتغير، ولا من معتبر، ويستغل الإنجليز واليهود فرصة توقف الجهاد المسلح على أرض فلسطين لإجهاض قوة المجاهدين ودعم قوات العدو اليهودي، وقاموا بتنفيذ حكم الإعدام في بعض الشباب الفلسطيني وتطبيق قانون الطوارئ على الشعب الفلسطيني مثل تجديد سجن أو اعتقال جماعة الشهيد عز الدين القسام أعوامًا أخرى بعد انتهاء مدة الحكم القضائي وتسلط الضباط وحكام الأقاليم على الشعب العربي الفلسطيني يسومونهم سوء العذاب من سجن ونفي وتعذيب، ومن هؤلاء حاكم لواء الجليل "أندوروز" الذي كان يشجع ويحمي اليهود على تملك الأراضي وسلبها من العرب، ولقد رد الشعب الفلسطيني على هذه الوحشية الإنجليزية باغتيال حاكم لواء الجليل "أندوروز" وحاكم جنين "موفات". ولما عجزت بريطانيا عن إخماد شعلة الجهاد لجأت إلى الأسلوب الأمثل مع العرب، ولا يزال هذا الأسلوب مستخدمًا، فبالإضافة إلى الخداع والمماطلة تشكيل اللجان المتعددة.

نفعني الله وإياكم بالقرآن والسنة، أقول قولي هذا، وأستغفر الله العلي العظيم لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب فاستغفروه، إنه هو الغفور الرحيم.

 

الخطبة الثانية

الحمد لله يربي العباد بالتشريع كما يربيهم بالنعم، أحمده سبحانه يقبل التوبة من عباده ويزيل عنهم النقم، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا محمدًا عبده ورسوله سيد الثقلين وأفضل الخلق من عرب ومن عجم، اللهم صل وسلم على عبدك ورسولك محمد وعلى آله وصحبه.

أما بعد: فيا أيها الإخوة الكرام، ذكرنا بأن الإنجليز توصّلوا إلى أساليب الخداع والكذب وعدم الوفاء بالعهود، وأضافوا عليه أسلوبا آخر وهو تشكيل اللجان لتقصّي الحقائق، وهو في الحقيقة لإطالة أمد هذه اللجان وإعطاء اليهود فرصة للتوسع والسماح لوصول مزيد من المهاجرين من أوروبا لكي ينتشروا في قرى ومدن فلسطين، ووصلت اللجنة الأولى وتسمّى "لجنة بل الملكية" للتحقيق والبحث عن حقيقة الصراع، وأعدت تقريرًا ينادي بتقسيم فلسطين بين العرب واليهود وفرض وصاية أو انتداب على منطقة القدس، فرفضتها الجماهير وطالبت باستقلال فلسطين، وذهبت هذه اللجنة وجاءت لجنة أخرى تسمى "لجنة جون وودهيد"، فقاطعها العرب مقاطعة تامة، فعادت من حيث أتت، فإمعانًا في الغدر والخداع تظاهرت بريطانيا بأنها تراجعت عن قرار تقسيم فلسطين بين العرب واليهود واقترحت عقد اجتماع في لندن وأعلنت فيه أنها عازمة على إعلان استقلال فلسطين بعد عشرة سنوات أي: في عام 1948م، وهو العام التي أعلن فيه قيام دولة إسرائيل، واشترطوا على أن تستمر الهجرة اليهودية إلى فلسطين للسنوات الخمس القادمة، وهذه أيضًا لعبة إنجليزية أخرى لتمرير المخطّط الكبير وهو أن يكون اليهود أغلبية حين يعلن عن مولد الدولة اليهودية، والذي كان معلومًا لديهم تاريخه إلا أن الصهيونية العالمية شعرت بضعف بريطانيا في الإسراع بتهويد فلسطين أمام الجهاد الإسلامي العنيف، فرأت أنه من الضروري جدًا إشراك أمريكا مع بريطانيا ليتم الإسراع في تحقيق الهدف وهو الاستيلاء على فلسطين، وهكذا تقوَّى دور أمريكا في المنطقة وتقلَّص دور بريطانيا، والقضية ما هي إلا أدوار توزّع حسب ما يتم من المراحل المرسومة سلفًا. وعقد مؤتمر في يالتا عام 1945م بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية بين بريطانيا وأمريكا وروسيا، واتفقوا على اقتسام مناطق النفوذ في العالم كله، وتمخض اجتماعهم عن تشكيل هيئة الأمم المتحدة وتضم جميع أنظمة الحكم في العالم، إلا أن السلطة الفعلية فيه أعطيت لخمس دول تسمى الدول العظمى وهي: أمريكا وبريطانيا وفرنسا والصين وروسيا، هذه الدول فقط هي التي لها حق الفيتو أو النقض لأي قرار لا يناسبهم ويتمشى مع أهدافهم. وأوصى اليهود لعملائهم أن تعرض قضية فلسطين على هيئة الأمم المتحدة، وكان ذلك لأول مرة في عام 1947م، واقترحت هيئة الأمم أن تقسم فلسطين بين العرب واليهود، واستصدروا قرارًا بذلك، فرفض الفلسطينيون هذا العرض وأعلنت بريطانيا بأنها سوف تنسحب من فلسطين في عام 1947م، وبمجرد البدء بالخروج من فلسطين أعلن اليهود قيام دولتهم على جزء من أرض فلسطين.

وللحديث بقية.

واعلموا أن الله صلى وسلم على نبيه قديما، فقال تعالى ولم يزل قائمًا عليمًا وآمرًا حكيمًا تنبيهًا لكم وتعليمًا وتشريفًا لقدر نبيه وتعظيمًا: إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا [الأحزاب: 56].

لبيك اللهم صل وسلم على عبدك ورسولك سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.

اللهم أعز الإسلام والمسلمين، وانصر من نصر الدين، ودمر أعداء الدين، اللهم انصر إخواننا المجاهدين في سبيلك في كل مكان...

 

محامد و أدعية طباعة الخطبة بدون محامد وأدعية 

إلى أعلى

إذا كانت لديك أية ملاحظات حول هذه الخطبة، إضغط هنا لإرسالها لنا.

كما نرجو كتابة رقم هذه الخطبة مع رسالتك ليتسنى لنا التدقيق وتصويب الأخطاء

 
 

 2004© مؤسسة المنبر الخيرية للمواقع الدعوية على شبكة الإنترنت، جميع الحقوق محفوظة

عدد الزوار حالياً