.

اليوم م الموافق ‏19/‏رمضان/‏1445هـ

 
 

 

القضية الفلسطينية

5757

العلم والدعوة والجهاد

المسلمون في العالم

عبد الرحمن بن الصادق القايدي

جدة

16/10/1423

جامع الأنصار

محامد و أدعية طباعة الخطبة بدون محامد وأدعية 

ملخص الخطبة

1- كيف أصبح اليهود أغلبية في فلسطين؟ 2- تخطيط أعطاء الإسلام وكيدهم. 3- سقوط الخلافة العثمانية. 4- وعد بلفور. 5- اتفاقية سايس بيكو.

الخطبة الأولى

أيها الإخوة المؤمنون، تحدثنا فيما مضى وأثبتنا من الكتاب والسنة بأنه لا حق لليهود في فلسطين ولا في بيت المقدس، وهذا يقودنا للتساؤل: إذًا ما الذي أتى باليهود إلى فلسطين؟! وكيف أصبحوا أغلبية وكونوا حكومة وطردوا أهلها ولا يزالون يطردونهم حتى الآن؟! فالجواب المختصر لهذه القضية: أن هذا حدث خطوة خطوة وبمساعدة ومعاونة الدول النصرانية، وعلى رأسها بريطانيا وأمريكا وتخاذل الدول العربية والإسلامية. أما بشيء من التفاصيل فقد ذكرنا بأن اليهود يريدون أن يحققوا ما في تلموذهم المزيّف من خرافات بضرورة العودة إلى فلسطين وإقامة حكومة يهودية فيها، وكانت جميع محاولاتهم تفشل، ولقد حاولوا أثناء الخلافة العثمانية التسلل إلى بلاد الشام وخاصة فلسطين والطور "سيناء" عن طريق الهجرة وشراء الأرض، ولكن سلاطين آل عثمان كانوا يدركون خطورة مثل هذه الهجرة وآثارها المستقبلية، فأصدروا أوامر مشددة تمنع بل تُحرِّم على اليهود سكنى أرض فلسطين أو سيناء، ولكن اليهود لم يتوقفوا ولم ييأسوا من بذل المحاولات المتكررة لتحقيق هدفهم، واستمرت هذه المحاولات حتى دَبَّ الضعف والوهن في الخلافة العثمانية أثناء الحرب العالمية الأولى، وحصلوا على قرار يسمح لهم بزيارة فلسطين لمدة ثلاثين يومًا فقط، ولا يسمح لهم بالاستيطان أو الاستقرار فيها، فلم يناسبهم هذا الأمر، فاستعانوا بالدول الأوربية كما هي عادتهم إذا صَعُبَ عليهم أمر، فاحتجت الدول الأوربية على تحديد المدة بثلاثين يوما بأنها قصيرة، وتقدموا بالتماس إلى السلطان العثماني بأن يزيد المدة. تصوروا الدول الأوربية تتقدّم بالتماس متذلّلة، وهذا كان حالهم بعد أن ضعفت السلطنة التركية وأوشكت على الانهيار، أما قبل ذلك فلا يستطيعون أن يرفضوا أمرًا. فاستجاب السلطان للالتماس وجعل مدة الزيارة ثلاثة شهور يغادر بعدها اليهودي فلسطين، ومن هنا بدأ اليهود يخططون تخطيطًا جديدًا بعدما يئسوا من التأثير على الإدارة العثمانية، وقاموا بتشكيل جمعيات تركية وانخرطوا فيها وتمكّنوا من السيطرة عليها باستخدام الأموال وشراء الذمم كما هو ديدنهم حتى يومنا هذا، وأصبحت هذه الجمعيات تبدو للناظر أنها تركية المنشأ وتناضل من أجل تركيا، وهي في الحقيقة ماسونية يهودية تعمل لمصلحة اليهود وتحقّق أهدافهم، وهكذا غيّر اليهود أسلوبهم وقام صحفيّ نمساوي يهودي يسمّى "تيودور هرتزل" بمقابلة السلطان عبد الحميد الثاني، وتجرأ وطلب منه أن يتنازل لهم عن فلسطين لكي يؤسّسوا فيها دولتهم، وأغراه بدفع ما يزيد عن مائه وخمسين مليون ليرة ذهب وأن تسدّد جميع الديون المتراكمة على الدولة، فأبى السلطان عبد الحميد ورفض طلبه وطرده من مكتبه مع أنه كان في أمسّ الحاجة إلى تلكم الملايين بسبب الحرب وتدهور أوضاع الحكومة التركية في ذلك الوقت.

ولم ييأس اليهود وعقدوا مؤتمرًا في مدينة بال السويسرية بعد أن تقوّى وضعهم في تركية وضعفت الحكومة العثمانية، وقرروا وضع حجر الأساس للمأوى الذي سيقيم فيه اليهود دولتهم، واختاروا فلسطين لهذا المأوى، ولكن هناك عقبات كثيرة أمامهم تحول دون تحقيق هذه الأمنية، وأهم هذه العقبات وجود الخلافة العثمانية الإسلامية التي تجمع المسلمين تحت قيادتهما ووحدة العالم الإسلامي؛ ولهذا رأى المتآمرون أنه لا سبيل لتحقيق أطماعهم إلا بإسقاط الخلافة العثمانية كخطوة أولى، ومن ثم تتبعها خطوات أخرى مُكمِّلة وهي تمزيق الوحدة الإسلامية التي تجمع العالم الإسلامي وتقسيمهم إلى دويلات وإمارات متفرقة ومتنافرة، وبالطبع هذا الأمر لا يتحقق بين يوم وليلة ولا يتم إلا بتأني وصبر وبأيدي أناسٍ متمسلمين أو ممن يتنسبون إلى الإسلام ظاهرًا وهم أعداء للإسلام، وقد استفادوا من جمعية ماسونية سيطرت على مقاليد الحكم في تركيا تسمى: "جمعية الاتحاد والترقي"، نجحت بالقيام بانقلاب عسكري أدى إلى خلع السلطان عبد الحميد الثاني آخر سلاطين آل عثمان، وبخلعه انتهت السياسة الإسلامية المناوئة لليهود ولرغباتهم في العالم، وانفتح الباب على مصراعيه للأعداء من يهود ونصارى لتهويد فلسطين وإدخال آلاف المهاجرين اليهود إليها، وتزامن هذا مع الإعداد والتخطيط لتدمير الخلافة العثمانية أثناء الحرب العالمية الأولى وما حدث فيها من مؤامرات وعهود كاذبة لاستدراج العرب للدخول مع الحلفاء لمحاربة الأتراك المسلمين، ونجحوا في استقطاب الشريف حسين بن علي لكي يعلن الثورة العربية الكبرى ضد الأتراك، وخرج العرب من الجزيرة العربية باتجاه بلاد الشام لقتال إخوانهم المسلمين الأتراك، وأخرجوهم من الشام والتي كانوا قد حموها قرونًا عديدة من الاستعمار، ليس هذا وحسب بل وأثناء هذا القتال المستمر بين العرب والأتراك كانت هناك مؤامرات أخرى تحاك واتفاقيات سرية توقَّع ويخطط لها بين بريطانيا وفرنسا لتقسيم العالم العربي وتوزيع التركة التي خلفتها تركية بعد انهيار الخلافة، وقد عرفت هذه الاتفاقيات فيما بعد باتفاقية "سايكس بيكو".

وبعد أن دُمرت البنية الاقتصادية والعسكرية للعالم الإسلامي بعد انهزام الأتراك وتحوّلت الجزيرة العربية إلى خراب ودمار وانتشرت الفوضى فيها أصبح الطريق فيها مُعَبَّدًا وسهلاً للعناصر اليهودية والنصرانية المحالفة للوصول إلى فلسطين وبلاد الشام واستعمارها، فقامت بريطانيا بمكافأة أصدقائها العرب والذين استماتوا معها في طرد إخوانهم الأتراك من الشام، كافأتهم بإعلان وعد بلفور المشؤوم في عام 1336هـ الموافق 1917م، والذي ينصّ على ضرورة إنشاء وطن قوميّ لليهود في فلسطين. هذا الوعد الذي حاول اليهود الحصول عليه أثناء الخلافة العثمانية وفشلوا فيه فشلاً ذريعًا تحقق لهم الآن بدعم ومباركة دول التحالف النصراني، هذا الوعد الذي جعل من اليهود شعبًا ومن أهل فلسطين لاجئين يصارعون الجوع والموت حتى يومنا هذا، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.

نفعني الله وإياكم بالقرآن العظيم، أقول قولي هذا، وأستغفر الله العلي العظيم لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب فاستغفروه، إنه هو الغفور الرحيم.

 

الخطبة الثانية

الحمد لله يدعو إلى دار السلام ويهدي من يشاء إلى صراطٍ مستقيم، ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا محمدًا عبده ورسوله، خير من دعا إلى النهج القديم، اللهم صل وسلم على حبيبك ورسولك سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

وهكذا ـ أيها الإخوة ـ انتهت الحرب العالمية الأولى وانتصرت دول التحالف النصراني وانهزمت تركيا، وقسم العالم العربي بينهم كما ذكر في اتفاقية "سايكس بيكو" السرية، وغضب الشريف حسين وزمجر وهدد وتوعد وكتب إلى الإنجليز يستفسر عن صحة ما قيل عن هذه الاتفاقية، فجاء الرد المعتاد تقديمه للعرب: "هذا غير صحيح، وإن شيئًا من هذا لم يحدث، وإن مثل هذه الاتفاقية لا وجود لها في الواقع، ونحن معكم ونؤيد موقفكم، ونحن أول من نعترف بالخلافة الإسلامية إذا أعلنت تحت قيادتكم"، وصدّق الشريف حسين الأكذوبة وانطلت علية المؤامرة، وربنا سبحانه بين لنا في كتابه الكريم أن هؤلاء الكفرة لا إيمان لهم ولا عهد حيث قال: وَلا تُؤْمِنُوا إِلاَّ لِمَنْ تَبِعَ دِينَكُمْ [آل عمران: 73]، وواصل العدو النصراني تنفيذ مخططاته، وبدلا من تمكين الشريف حسين من السيطرة على بلاد الشام وفلسطين وتنصيبه خليفة للمسلمين صدرت الأوامر من الحكومة البريطانية إلى الإدارة العسكرية الإنجليزية في فلسطين أن تسمع وتطيع لأوامر اللجنة اليهودية التي وصلت فلسطين من المنفى برئاسة "وايزمان" وتمكن لهم من السيطرة على مقاليد الأمور بشكل سري. وهنا بدأ إشغال الفلسطينيين بالمؤتمرات وتشكيل اللجان لتقصّى الحقائق، وهم بلجانهم ومؤتمراتهم يخدّرون المسلمين ويثنون من عزمهم ويوجّهونهم إلى الوجهة التي تكون في صالح اليهود.

والجماهير العربية غاضبة ومتحفزة وتعدّ العدة للانقضاض على الإنجليز واليهود وقتالهم وطردهم من فلسطين، وكانت الأمة لا تزال قوية وتحت قيادة واحدة، ولم تقسم بعد إلى دويلات وعدة جيوش، وهنا يتجه الإنجليز إلى ابن الشريف حسين فيصل بعد أن يئسوا من أبيه، وطلبوا منه أن يتحدث إلى الجماهير، وقام الشريف فيصل أمام الجماهير الغاضبة المحتشدة وهدّأها وأكد لها بأن الأمور تسير لصالحها ولا داعي للجمهرة والاقتتال، ونحن نستطيع أخذ حقوقنا كاملة بدون قتال أو دماء، وهكذا هدأ الناس وانطفأ الحماس الشديد. وعرف الأعداء مصدر الخطر فعملوا على القضاء عليه، وعقد المجلس الأعلى للحلفاء وقرر وضع القوانين ضد الفلسطينيين، وتصوروا جميع الحلفاء موافقين على تركيع المسلمين الفلسطينيين، والتزمت بريطانيا بتطبيق وعد بلفور على الطبيعة فورًا دون تأخير، واتخذت عدة إجراءات سريعة منها إلغاء التجنيد في المحافظات والمدن وتخفيض الجيش العربي وتشتيته في عدة مناطق ومعاقبة الذين يقومون بمقاومة ومعارضة الاستعمار الجديد.

وللحديث بقيه في الجمعة القادمة إن شاء الله.

ثم اعلموا أن الله صلى وسلم على نبيه قديمًا، فقال تعالى ولم يزل قائلا عليمًا وآمرًا حكيما تنبيها لكم وتعليمًا وتشريفًا لقدر نبيه وتعظيمًا: إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا [الأحزاب: 56].

لبيك اللهم صل وسلم على عبدك ورسولك سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.

اللهم أعز الإسلام والمسلمين، وانصر من نصر الدين، اللهم انصر إخواننا المجاهدين في سبيلك في كل مكان...

 

محامد و أدعية طباعة الخطبة بدون محامد وأدعية 

إلى أعلى

إذا كانت لديك أية ملاحظات حول هذه الخطبة، إضغط هنا لإرسالها لنا.

كما نرجو كتابة رقم هذه الخطبة مع رسالتك ليتسنى لنا التدقيق وتصويب الأخطاء

 
 

 2004© مؤسسة المنبر الخيرية للمواقع الدعوية على شبكة الإنترنت، جميع الحقوق محفوظة

عدد الزوار حالياً