.

اليوم م الموافق ‏20/‏شوال/‏1445هـ

 
 

 

زيارة مسجد النبي

5771

الرقاق والأخلاق والآداب, فقه

المساجد, فضائل الأزمنة والأمكنة, فضائل الأعمال

غازي بن مرشد العتيبي

الجموم

الجامع الكبير

محامد و أدعية طباعة الخطبة بدون محامد وأدعية 

ملخص الخطبة

1- فضل المسجد النبوي. 2- استحباب زيارة المسجد النبوي. 3- آداب وسنن زيارة المسجد النبوي. 4- محاذير ومنكرات. 5- المواضع التي يشرع زيارتها في المدينة المنورة.

الخطبة الأولى

أما بعد: فإن من أفضل الأعمال وأشرف القرب والأحوال زيارةَ مسجد النبي الذي اختاره الله له وجعله أفضل المساجد بعد المسجد الحرام، كما جاء في مسند الإمام أحمد عن عبد الله بن الزبير رضي الله عنهما قال: قال رسول الله : ((صلاة في مسجدي هذا أفضل من ألف صلاة فيما سواه إلا المسجد الحرام، وصلاة في المسجد الحرام أفضل من صلاة في مسجدي هذا بمائة صلاة)). فما الأحكام والآداب التي تتعلق بزيارة مسجد النبي ؟

إنه تستحب زيارة مسجده باتفاق المسلمين، ويجوز أن تشدّ إليه الرحال وتقطع في سبيل الوصول إليه المسافات الطوال، كما جاء في الصحيحين أنه قال: ((لا تشدّ الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد: المسجد الحرام، والمسجد الأقصى، ومسجدي هذا))، وتكون نية المسلم أن يحصّل الثوابَ الوارد في الصلاة فيه تصديقًا بموعود النبي حينما قال: ((صلاة في مسجدي هذا أفضل من ألف صلاة فيما سواه إلا المسجد الحرام))، ولا يجوز أن ينوي المسلم بسفره زيارة قبر النبي ؛ لأن القبور لا يجوز السفر إليها، وقد أخبر النبي أن الغلو في القبور من أسباب لعنة الله عز وجل، فقال عليه الصلاة والسلام في مرض موته: ((لعنة الله على اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد))، قالت عائشة رضي الله عنها: ولولا ذلك لأبرز قبره غير أنه خشي أن يُتخذ مسجدًا. رواه البخاري ومسلم. وروى الإمام مالك في الموطأ أن رسول الله قال ((اللهم لا تجعل قبري وثنًا يعبد، اشتد غضب الله على قوم اتخذوا القبور مساجد)). وقد كره بعض أهل العلم كالإمام مالكٍ وغيره أن يقول الرجل: زُرت قبر النبي ، وذلك من باب المحافظة على التوحيد؛ لأن من أصول الشرك بالله اتخاذَ القبور مساجد.

ومن جاء إلى مسجد النبي فإنه يستحبّ له أن يصلّي في الروضة، فقد جاء في الصحيحين أن النبي قال: ((ما بين بيتي ومنبري روضة من رياض الجنة))، بمعنى أنه محلّ لإجابة الدعاء، لكن ينبغي أن تختار ـ أيها المسلم ـ الأوقات التي يقلّ فيها الزحام، ولا يجوز إيذاء المسلمين بمزاحمتهم وإزعاجهم من أجل تحصيل أمر مسنون.

ويستحب لمن جاء إلى المسجد من الرجال أن يسلّم على النبي وصاحبيه أبي بكرٍ وعمر رضي الله عنهما، لما في السنن عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي قال: ((ما من رجل يسلّم عليّ إلا رد الله علي روحي حتى أرد عليه السلام)) وهو حديث جيد. وهذا الحديث ـ يا عباد الله ـ يشمل من سلّم عليه عند قبره، ويشمل من سلم عليه ولو من مكان بعيد.

أما النساء فلا يجوز لهن زيارة القبور، لا قبر النبي ولا قبرَ غيره؛ لأن المرأة قليلة الصبر كثيرة الجزع، بل لقد لعن النبيّ المرأة التي تزور القبور فقال: ((لعن الله زوارات القبور ـ وفي لفظ: زائرات القبور ـ والمتخذين عليها المساجد والسُّرُج)).

وصفة السلام على النبي وصاحبيه عند قبره لم يرد لها كيفية معينة، وقد كان عبد الله بنُ عمر يأتي إلى قبر النبي ويقول: السلام عليك يا رسول الله، السلام عليك يا أبا بكر، السلام عليك يا أبي، ثم ينصرف ولا يدعو. وأكثر أهل العلم ـ أيها المؤمنون ـ على أنه عند السلام على النبي وصاحبيه يستقبل القبر، ثم إذا أراد أن يدعو فإنه يستقبل القبلة ولا يجوز له أن يستقبل القبر عند الدعاء.

كما أنه يكره رفع الصوت في مسجد النبي وعند قبره لقوله تعال: إِنَّ الَّذِينَ يَغُضُّونَ أَصْوَاتَهُمْ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ أُوْلَئِكَ الَّذِينَ امْتَحَنَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ لِلتَّقْوَى [الحجرات: 3].

ويحرم ـ أيها المؤمنون ـ التمسح بالحجرة النبوية وتقبيلها أو دعاء النبي وطلب الحوائج منه؛ لأن النبي بشر كريم لا يملك لنفسه نفعًا ولا ضرًا، كما قال الله سبحانه وتعالى: قُلْ لا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعًا وَلا ضَرًّا إِلاَّ مَا شَاءَ اللَّهُ وَلَوْ كُنتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لاسْتَكْثَرْتُ مِنْ الْخَيْرِ وَمَا مَسَّنِي السُّوءُ إِنْ أَنَا إِلاَّ نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ [الأعراف: 188].

وتكره إطالة الوقوف عند قبر النبي وقبري صاحبيه؛ لأن هذا لم يكن من هدي السلف الصالح، قال الإمام مالك رحمه الله: "هو بدعة لم يفعلها السلف الصالح، ولن يُصلح آخر هذه الأمة إلا ما أصلح أولها).

ويكره تكرار المجيء للسلام على النبيّ ، بمعنى أنه كلّما دخل المسجد ذهب إلى القبر وسلّم على النبي ، بل يسلم عليه من أي موضع كان.

ومن جاء إلى قبر النبي وسلّم عليه فيجوز له أن يقول: سلمت على النبي ، ولا يكره له ذلك باتفاق أهل العلم.

ومن صلى في مسجد النبي ما كتب له من الصلوات جاز له الرجوع إلى أهله، أو الخروج إلى أي مكان شاء، من غير أن يتقيد ذلك بخمس صلوات أو غيرها، فإن هذا التقييد لا دليل عليه.

أسأل الله أن يوفقني وإياكم للفقه في الدين والعمل بكتابه وسنة نبيه ، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

 

الخطبة الثانية

الحمد لله الذي وضّح الدين وأكمله، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله بعثه الله بكل خيرٍ وهدى وأرسله، صلى الله وسلم عليه وعلى آله وصحابته ومن سار على نهجه واتبع سنته إلى يوم الدين.

أما بعد: فاتقوا الله أيها الناس، واخشوا يومًا لا يجزي والد عن ولده، ولا مولود هو جازٍ عن والده شيئًا، يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ [الحشر: 18].

أيها الناس، من جاء إلى مسجد النبي أو إلى المدينة فإنه يستحب له زيارة مسجد قباء لما ثبت في الصحيحين عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: كان النبي يأتي مسجد قباءٍ كل سبت ماشيًا أو راكبًا، وروى النسائي عن النبي قال: ((من خرج حتى يأتي هذا المسجد ـ مسجدَ قباء ـ فيصلي فيه فإن له كعدل عمرة))، أما شدّ الرحل والسفر إليه فلا يجوز لقوله : ((لا تشدّ الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد: المسجد الحرام، والمسجد الأقصى، ومسجدي هذا)) ولم يذكر منها مسجد قباء.

كما يستحب زيارة أهل البقيع والدعاء لهم، ففي صحيح مسلم عن عائشة رضي الله عنها قالت: كان رسول الله كلما كان ليلتُها من رسول الله يخرج من آخر الليل إلى البقيع فيقول: ((السلام عليكم دار قوم مؤمنين، وأتاكم ما توعدون غدًا مؤجلون، وإنا إن شاء الله بكم لاحقون، اللهم اغفر لأهل بقيع الغرقد)). ولا يجوز دعاءُ أهلها وسؤالُهم الحاجات والاستغاثة بهم كما يفعل أهل الجهل والإشراك بالله عز وجل.

كما يستحبّ للرجال زيارةُ شهداء أحد الذين بذلوا أرواحهم في سبيل الله وقال الله عنهم: وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمْ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِمْ مِنْ خَلْفِهِمْ أَلاَّ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ [آل عمران: 169-170].

أما المساجد السبعة التي يقصدها بعض الجاهلين ـ ولا سيما من الوافدين ـ ويحرصون على الصلاة فيها والتمسح بمحاربها والتبرك بها فليس لها فضيلة زائدة على غيرها من المساجد، بل لم يثبت وجود هذه المساجد أصلاً.

أسأل الله أن يوفق المسلمين لاتباع دينه، وأن يهدينا وإياهم سبل السلام، إنه سميع مجيب.

 

محامد و أدعية طباعة الخطبة بدون محامد وأدعية 

إلى أعلى

إذا كانت لديك أية ملاحظات حول هذه الخطبة، إضغط هنا لإرسالها لنا.

كما نرجو كتابة رقم هذه الخطبة مع رسالتك ليتسنى لنا التدقيق وتصويب الأخطاء

 
 

 2004© مؤسسة المنبر الخيرية للمواقع الدعوية على شبكة الإنترنت، جميع الحقوق محفوظة

عدد الزوار حالياً