أما بعد: فمن الأمور التي أخبر عنها رسولنا محمد كثرة القتل في آخر الزمن حتى لا يعلم القاتل لماذا قتل غيره ولا المقتول لماذا قُتل، والأمر أهون لو كان بين أهل الشرك والفساد والملل والنِّحَل غير ملة الإسلام، أما إذا كان بين أهل الإسلام فالأمر خطير جدًا، وقد نزل القتل ووقع بكثرة في هذا الزمن، ولن يُرفع إلى يوم القيامة إلا أن يشاء الله، وقد استعملت الدولُ المصنِّعةُ للأسلحة والذخائر أسلوبَ الإفساد والوشاية والتحريش بين أي دولتين متجاورتين مسلمتين وإشعال نار الفتنة وإيقادها بينهما بشتى الوسائل حتى تقوم الحرب بينهما لكي تتحقق أهداف الكفار ومقاصدهم وفي مقدمتها إضعاف المسلمين وقتلهم وتشتيت وحدتهم وإنهاكهم وسلب أموالهم عن طريق شراء الأسلحة لأجل الكسب المادي لتلك الدول الكافرة من وراء الحروب التي تقع بين الدول الإسلامية، مع أنه لا يوجد أي حرب بين دول الكفر، لذلك يجب أن يتنبه المسلمون لما يُحاك ضدَّهم من قبل أعدائهم، وإلا بَقُوا في هذه الحروب المدمرة التي تأكل الأخضر واليابس وتُفْقِر الشعوب وتنهب ثروات البلاد وخيراتها مع قتل رجالها وانتهاك أعراض نسائها وإبعاد المسلمين عن تعاليم الإسلام وإشغالهم بالحروب فيما بينهم، وفي المقابل يقوى جانب الكفار وينشرون باطلهم ويتقدمون في المخترعات والعلوم الحديثة مع تأَخُّر المسلمين في ذلك نظرًا لما يقع بينهم من هذه الأحداث المؤلمة.
ولقد وقع ما أخبر به الرسول محمد ، لا القاتل يدري فيم قَتَل، ولا المقتول لم قُتِلَ، مع أن حرمة دم المسلم حرمة عظيمة، فالدنيا تزول بأسرها أهون عند الله من قتل رجل مسلم كما أخبر بذلك الصادق المصدوق محمد بقوله: ((لزوال الدنيا أهون عند الله من قتل رجل مؤمن بغير حق))، وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله قال: ((لا تقوم الساعة حتى يكثر الْهَرْجُ))، قالوا: وما الهرج يا رسول الله؟ قال: ((القتل القتل))، وعنه رضي الله تعالى عنه قال: قال رسول الله : ((والذي نفسي بيده، لا تذهب الدنيا حتى يأتي على الناس يوم لا يدري القاتلُ فيم قَتَلَ، ولا المقتولُ فيمَ قُتلَ))، فقيل: كيف يكون ذلك؟! قال: ((الْهَرْجُ، القاتل والمقتول في النار)).
إنَّ طَيْشَ العقول والفسادَ والانحلالَ الخلقيَّ والبعدَ عن الدين واتباعَ الهوى يجعل الإنسان يذبح غيره كما تُذبح الشاة، عن أبي موسى رضي الله عنه عن النبي قال: ((إن بين يدي الساعة الهرج))، قالوا: وما الهرج؟ قال: ((القتل))، قالوا: أكثر مما نقتل؟! إنا نقتل في العام الواحد سبعين ألفًا، قال: ((إنه ليس بقتلكم المشركين، ولكن قتل بعضكم بعضًا))، قالوا: ومعنا عقولنا يومئذٍ؟! قال: ((إنه لينزع عن أكثر أهل ذلك الزمان، ويخلف له هباء من الناس يحسب أكثرهم أنهم على شيء وليسوا على شيء)).
ولكن ماذا يجب على المسلم في زمن الفتنة إذا كان القتال بين المسلمين وليس قتالاً لأعداء الله؟ إن الجواب الكافي والحل الشافي الوافي لكل مسلم هو في آخر حديث رسول الله الآتي ذكره حيث قال رسول الله : ((إن بين يدي الساعة فتنًا كقطع الليل المظلم، يصبح الرجل فيها مؤمنًا ويمسي كافرًا، ويمسي فيها الرجل مؤمنًا ويصبح كافرًا، القاعد فيها خير من القائم، والقائم فيها خير من الماشي، والماشي فيها خير من الساعي، فكسِّروا قِسِيَّكُمْ وقطِّعوا أوتارَكم واضربوا سيوفكم بالحجارة، فإن دُخِل على أحد منكم بيته فليكن كخير ابنَي آدم)). يريد بذلك عليه الصلاة والسلام ابن آدم لما أراد قتل أخيه قال له أخوه كما ورد في القرآن الكريم: لَئِنْ بَسَطتَ إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِي مَا أَنَا بِبَاسِطٍ يَدِي إِلَيْكَ لأَقْتُلَكَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ إِنِّي أُرِيدُ أَنْ تَبُوءَ بِإِثْمِي وَإِثْمِكَ فَتَكُونَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ وَذَلِكَ جَزَاءُ الظَّالِمِينَ فَطَوَّعَتْ لَهُ نَفْسُهُ قَتْلَ أَخِيهِ فَقَتَلَهُ فَأَصْبَحَ مِنْ الْخَاسِرِينَ [المائدة: 28-30].
ولا يفهم أحد أن قتال المسلمين للكفار والجهاد في سبيل الله قد انقطع أو لا يجوز الاشتراك فيه، بل المقصود عدم المساعدة على قتل المسلم بغير حق ولو بنصف كلمة لقول الرسول : ((من أعان على قتل مؤمن بِشَطْرِ كلمة لقي الله عز وجل مكتوب بين عينيه آيسٌ من رحمة الله)). أما قتال المشركين والكفار عمومًا والمحاربين منهم خاصة فإن ذلك أمر مشروع، أما قتال اليهود والتسلط عليهم ممن يسومهم سوء العذاب إلى يوم القيامة فقد جاء البيان الواضح في القرآن الكريم، وقد توعد الله عز وجل اليهود بذلك بعد أن ذكر موقف فرعون وموقفهم مع رسولهم موسى عليه الصلاة والسلام في أكثر الآيات تفصيلاً في سورة الأعراف حيث زادت عن سبعين آية، فقال الله جلَّ جلاله وتعالى سلطانه: وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكَ لَيَبْعَثَنَّ عَلَيْهِمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَنْ يَسُومُهُمْ سُوءَ الْعَذَابِ إِنَّ رَبَّكَ لَسَرِيعُ الْعِقَابِ وَإِنَّهُ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ [الأعراف: 167]. فلما عتوا وطغوا وتكبروا وعصوا أمر الله وأمر رسوله موسى عليه السلام قطّعهم الله سبحانه وتعالى في الأرض أممًا، فمنهم الصالح ومنهم دون ذلك، وإذا قربت القيامة فإن الله تعالى سيرجعهم إلى بيت المقدس وما جاورها من فلسطين والشام ليتحقق وعد الله جل جلاله كما ورد في القرآن الكريم وأخبر به رسول الله الذي لا ينطق عن الهوى: إِنْ هُوَ إِلاَّ وَحْيٌ يُوحَى [النجم: 4]، قال الله تعالى: وَقَطَّعْنَاهُمْ فِي الأَرْضِ أُمَمًا [الأعراف: 168].
أما عن مجيئهم وعودتهم بعد أن تقطعوا وسكنوا الأرض فها هم قد بدؤوا العودة من ستين سنة، ولن يزالوا حتى يقاتلهم المسلمون في آخر الزمان ولأنهم من أنصار الدجال، وعندما ينزل عيسى ابن مريم عليه السلام يذوب الدجال كما يذوب الملح في الماء.
ومما يجب على كل مسلم أن يتفكر فيه ويتأمل ويقرأ كثيرًا هو تفسير الآية التالية وأحاديث رسول الله الواردة حول هذا المعنى من أجل أنْ يفهمَ أنَّ مَجِيءَ اليهود حول بيت المقدس بعد تفرقهم في الأرض من بعد موت موسى عليه الصلاة والسلام وغرق فرعون ومن معه واجتماعَهم مع أهل فلسطين وبقاءَهم هناك إلى قيام الساعة أن ذلك مذكور في كتاب الله وسنة رسول الله ، فعلى المسلم أن يفهم ذلك وغيره من أمر دينه؛ لئلا يتيه مع التائهين ويتخبط مع المتخبطين عند النوازل، قال الله عز وجل: وَقُلْنَا مِنْ بَعْدِهِ لِبَنِي إِسْرَائِيلَ اسْكُنُوا الأَرْضَ فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ الآخِرَةِ جِئْنَا بِكُمْ لَفِيفًا وَبِالْحَقِّ أَنزَلْنَاهُ وَبِالْحَقِّ نَزَلَ وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ مُبَشِّرًا وَنَذِيرًا [الإسراء: 104، 105].
وها هم اليهود قد جاؤوا كما أخبر الله عز وجل في الآية السابق ذكرها من آخر سورة الإسراء، وكما ورد في أول السورة أيضًا الخبر الذي يوضح الاجتماع بين الفريقين والقتال ومناصرة اليهود للدجال حتى ينزل عيسى ابن مريم عليه الصلاة والسلام، وها هم اليهود يزرعون ويهتمون بشجر الغرقد ذي الشوك الذي هو شجرهم ولا يخبر عنهم عندما يختبئون خلفه كما أخبر بذلك الرسول محمد ، وها هو التعايش السلمي سيبدأ بينهم وبين أهل فلسطين مؤمنهم وكافرهم إلى أن تأتي المقتلة العظيمة وتقرب القيامة.
ولنتأمل أحاديث الرسول في هذا وفي غيره، روى الشيخان البخاري ومسلم رحمهما الله تعالى من حديث أبي هريرة رضي الله عنه عن رسول الله أنه قال: ((لا تقوم الساعة حتى يقاتل المسلمون اليهود، فيقتلهم المسلمون حتى يختبئ اليهودي وراء الحجر والشجر فيقول الحجر والشجر: يا مسلم يا عبد الله، هذا يهودي خلفي فتعال فاقتله، إلاَّ شجر الْغَرْقَد فإنه من شجر اليهود))، وعن أبي أمامة الباهلي رضي الله عنه قال: خَطَبَنَا رسول الله فكان أكثر خطبته عن الدجال وحَذَّرَنَاهُ، فذكر خروجه ثم نزول عيسى عليه السلام لقتله، وفيه: ((قال عيسى عليه السلام: افتحوا الباب، فَيُفْتَح، ووراءه الدجال معه سبعون ألف يهودي كلهم ذو سيف محلى وساج، فإذا نظر إليه الدجال ذاب كما يذوب الملح في الماء، وينطلق هاربًا، ويقول عيسى عليه السلام: إن لي فيك ضربة لن تسبقني بها، فيدركه عند باب لُدٍّ الشرقي، فيقتله، فيهزم الله اليهود فلا يبقى شيء مما خلق الله يتوارى به يهودي إلا أنطق الله ذلك الشيء لا حجر ولا شجر ولا حائط إلا الغرقد فإنها شجرهم لا تنطق)).
صدق رب العزة والجلال وصدق رسول الله ، فهل بعد هذه الآيات والأحاديث يشكُّ مسلم يؤمن بالله ورسوله بعدم وجود اليهود في أرض الشام إلى قيام الساعة وهزيمة الله لهم بعد نزول عيسى عليه السلام وقتله للدجال في آخر عمر الدنيا بعد أن قطّعهم الله في الأرض وفرّقهم وبثّهم من بعد موسى إلى زمننا هذا ثم جاء بهم سبحانه تحقيقًا لوعده عز وجل بأن يجمعهم لفيفًا هم وعدوهم؟! إن الواجب على كل مسلم أن يعيَ ويتدبرَ كلام الله وكلام رسوله ويفهمه على حقيقته، وأن لا يَمُرَّ به مرور العابر للسبيل، وأن لا يتكلم بما لا يعقله أو لا يفهمه من قول الله عز وجل ومن قول رسوله ، ولا تأخذه العزة بالإثم لِنَشْرِ ما يناقض القرآن والسنة.
ولا غرابة في تكليم الحجر والشجر وغيره للإنسان عند قتال اليهود في آخر الزمان، بل يكون كلام السباع والجمادات للإنس، وها نحن في بدايتها مع الاكتشافات العلمية التي علمها الله البشر، فكل يوم نرى ونسمع عن العديد مما يُستعمل من أجهزة سرية أو علنية تنقل الأخبار والأنباء صادقة كانت أو كاذبة حتى أصبحت في الساعات والأقلام ومثل رأس الإبرة والدبوس توضع في أي مكان لاكتشاف الغامض من الأخبار، هذا فضلاً عن العلني منها عبر الهاتف والفضائيات والشبكة العنكبوتية المعلوماتية العالمية المسمّاة بالإنترنت، وسوف يكلم الإنسانَ فَخذُهُ وشِرَاكُ نَعْله وعذبةُ سَوْطِه كما أخبر بذلك رسول الهدى محمد حيث قال عليه الصلاة والسلام: ((والذي نفسي بيده، لا تقوم الساعة حتى يكلم السباعُ الإنسَ، ويكلم الرجلَ عذبةُ سَوْطِه وشِرَاكُ نَعْلِهِ ويخبره فَخِذُهُ بما أحدث أهلُه بعده)). وهذا تقريب للأذهان وشاهد واضح للعيان بما سيكون في آخر الزمان.
وهذا القتال غير القتال الذي يكون فيه المسلمون واليهود على ضِفَّتَيْ نَهْرِ الأردن في الشرق والغرب منه، فهذا والله أعلم قد أقبل وقرب أوانه كما هي علاماته وكما أخبر الرسول بذلك حيث تكون الهدنة بين الطرفين وبعدها يغدر بنو الأصفر بالعرب والمسلمين، وقد بدأ اجتماع اليهود وتجمعهم مع العرب من أهل فلسطين ولا أقول: المسلمين لأن منهم العديد من الملل والنحل الأخرى بعد عودة اليهود من بعد الانتشار في الأرض ليتحقق وعد الله تعالى كما جاء في القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة، وكما هو موجود لديهم أيضًا في أسفارهم وأناجيلهم، أما متى يكون ذلك؟ فعلمه عند الله تعالى، وإذا وقع فعلى المسلمين مع إيمانهم المسبق زيادة الإيمان والتصديق مع عمل ما يجب وما يأمرهم به إسلامهم، وعليهم أن يأخذوا الحيطة والحذر من اليهود وخياناتهم ومكرهم وغدرهم، ولا يكونوا في غفلة من أمرهم مما يُبَيِّتُه لهم اليهود وأعوانهم وجميع أعدائهم.
|