.

اليوم م الموافق ‏21/‏شوال/‏1445هـ

 
 

 

شهر الطاعات

5597

الرقاق والأخلاق والآداب

فضائل الأعمال

عبد المحسن بن محمد القاسم

المدينة المنورة

9/9/1428

المسجد النبوي

محامد و أدعية طباعة الخطبة بدون محامد وأدعية 

ملخص الخطبة

1- من فضائل رمضان. 2- رمضان شهر القرآن. 3- رمضان شهر المداومة على الطاعة. 4- رمضان شهر التوبة. 5- رمضان شهر الدعاء. 6- رمضان شهر الجود. 7- فضل قيام الليل. 8- الحثّ على صيانة الصيام.

الخطبة الأولى

أمّا بعد: فاتَّقوا الله ـ عِبادَ الله ـ حقَّ التقوى، وراقبوه في السرّ والنجوى.

أيّها المسلِمون، خَلَق الله الخَلقَ لطاعَتِه، وهيّأ لهم زَمنًا تتَضاعَف فيه أجورُ عباداتهم، أيّامُه معدودات، ولياليه مَقصوراتٌ، تُفتَح فيه أَبوابُ الجِنان، وتُغلَق فيه أبوابُ النيران، وتصفَّد فيه الشياطين، ويُستَجاب فيه الدّعاءُ، وترتقي فيه النفوس، وتهذَّب فيه الأرواح، ويُغفَر لمن وفّقه الله في نهاره ولياليه؛ في نهاره: ((من صَامَ رَمَضان إيمانًا واحتسابًا غفِر له ما تقدَّم من ذنبه)) متفق عليه، وفي لياليه: ((من قام رمَضانَ إيمانًا واحتسابًا غُفر له ما تقدّم من ذنبِه)) متفق عليه.

أَوجَبَ الله صِيامَه على الأُممِ السّالِفة لتنالَ تَقوى ربها: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمْ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ [البقرة: 183].

رمضان هو شهرُ القرآن، والقرآن يهدي إلى الجنّة، قالَ عزّ وجلّ: هَذَا هُدًى [الجاثية: 11]. عِبرُه أعظم العِبر، ومواعظه أبلغ المواعظ، وقَصَصه أحسَنُ القَصَص، لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لأُوْلِي الأَلْبَابِ مَا كَانَ حَدِيثًا يُفْتَرَى وَلَكِنْ تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ كُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ [يوسف: 111]. سهلُ الألفاظ واضِح المعاني، وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ [القمر: 17]. غزيرُ المنافع، كثيرُ الفوائد، شافٍ للقلوب والأبدان. وقد شَكا عليه الصّلاة والسّلام إلى ربّه من يَهجُر القرآن، وَقَالَ الرَّسُولُ يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَذَا الْقُرْآنَ مَهْجُورًا [الفرقان: 30]، قال ابن كثير رحمه الله: "إنهم عَدَلوا عنه إلى غَيره من شعرٍ أو قَول أو غِناء أو لهوٍ أو كلام أو طَريقة مأخوذةٍ مِن غيره".

رَمضانُ شهرُ المداومةِ على العبادةِ والإقبال على الله، كان النبيّ يَعتكفُ ثلُثَ الشّهر؛ يتعبّد ويدعو، ويدارسه جبريلُ القرآنَ في كامل الشهر.

رَمضانُ شهرُ التوبة والاستغفارِ والإنابة إلى الله، ومن أقبلَ على الله أحبّه الله، إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ [البقرة: 222]. وهو سبحانه يقبل توبةَ العبد في أيّ وقتٍ من ليلٍ أو نهار، وفي رمضانِ قَبول التوبة أرجى، تهدم ما قبلَها من الأوزار، وتبدِّل السيّئاتِ حسناتٍ، ولا فلاحَ إلا بها؛ لذا أُمِر جميع الخلقِ بها: وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ [النور: 31].

رَمضانُ شهرُ الدعاءِ وإنزال الحوائج بالله، وَقَالَ رَبُّكُمْ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ [غافر: 60]. أمَر بالدعاءِ ووعَد بالإجابة بين آياتِ الصِّيام: وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِي إِذَا دَعَانِي [البقرة: 186]. وهو سبحانه ربٌّ كريم يقضي حاجاتِ العباد، خَزائنُه مَلأى لاَ تَغيضها نَفَقةٌ، قال عَزّ وجلَّ: وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلاَّ عِنْدَنَا خَزَائِنُهُ [الحجر: 21]. جودُه لا يَنقطِعُ من كَثرةِ العَطاء، مَا عِنْدَكُمْ يَنفَدُ وَمَا عِنْدَ اللَّهِ بَاقٍ [النحل: 96]. يحبُّ السائلين، و((يَنزِل كلَّ ليلةٍ حين يَبقَى ثُلثُ الليل الآخر ويقول: مَن يدعوني فأستجيب له، مَن يَسألني فأعطِيه، من يَستَغفِرني فأَغفر له)) رواه مسلم. وهو لا يخيِّب من رجاه، أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضطَرَّ إِذَا دَعَاهُ [النمل: 62]. ويستحي جلّ وعلا أن يردّ دعوةَ عبده، قال عليه الصّلاة والسّلام: ((إنَّ ربَّكم حَيِيّ كريم، يستحي من عبده إذا رفع يدَيه إليه أن يردَّهما صفرًا)) رواه أبو داود. ومهما سأل العبدُ فالله يُعطي ولو كثُرتِ المسألةُ وتنوّعَت، قال النبيّ : ((ما مِن مسلمٍ يَدعو اللهَ بدعوةٍ ليس فيها إثمٌ ولا قطيعةُ رَحِم إلاّ أعطاه الله بها إِحدَى ثَلاث: إمّا أن تُعجَّل له دَعوتُه، وإمّا أن يدَّخرَها له في الآخرة، وإمّا أن يصرِفَ عنه من السّوءِ مِثلهَا))، قالوا: إذا نُكثِر يا رسولَ الله ـ أي: من الدعاء ـ، قال: ((الله أكثر)) رواه أحمد، أي: ما عند الله أكثرُ وأجزَل.

رَمضانُ شهرُ الجودِ والعَطاء، جادَ الله على عِبادِه بِنزولِ القرآن فيه وإرسال خاتم الرسل فيه، وهو سبحانه يجود فيه على عباده بالرحمة والمغفرة والعتقِ من النيران، وأمَر سبحانه أن يجودوا لينالوا جودَ ربّهم، قال سبحانه: مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفَهُ لَهُ وَلَهُ أَجْرٌ كَرِيمٌ [الحديد: 11]. وكان النبيُّ أجودَ النّاس، وأَجودُ ما يكون في رمضانَ، قال ابنُ رجبٍ رحمه الله: "كان جودُه كلُّه لله وفي ابتغاء مرضاتِه، فإنّه كان يبذُلُ المالَ إمّا لفقيرٍ أو محتاج أو يُنفِقه في سبيلِ الله أو يتألَّف به على الإسلامِ من يقوَى الإسلامُ بإسلامه، فَيُعطي عطاءً يَعجز عنه الملوكُ مثل كسرى وقيصر".

ومن صفاتِ أهل الجنّة قيامُ الليل، قال جلّ وعلا: كَانُوا قَلِيلاً مِنْ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ [الذاريات: 17]. وصلاةُ الليلِ شكرٌ لله على ما أنعَم وأجزَل، قالَت عائشة رضي الله عنها: كان النبيّ يقوم من الليل حتى تتفطَّر ـ أي: تتشقّق ـ قدماه، فقالت له عائشة: لِمَ تَصنَع هذا ـ يا رسولَ الله ـ وقد غُفِر لك ما تقدَّم من ذنبِك وما تأخَّر؟! فقال: ((أفلا أكونُ عبدًا شكورًا؟!)) متفق عليه. ومن صلّى مع الإمام حتى ينصرفَ كُتب له قيامُ ليلةٍ، وأفضلُ صلاةِ المرءِ بَعدَ المكتوبة صلاةُ الليل. فحافِظ على صلاةِ الليل مع الإمام حتى ينصرفَ لتتعرّض لِنفحاتِ ربّك ذي المغفرة والرضوان.

أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا وَاعْبُدُوا رَبَّكُمْ وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ [الحج: 77].

بَارَك الله لي وَلَكم في القرآنِ العَظيم، ونَفَعني الله وإيّاكم بما فيه من الآياتِ والذّكر الحَكيم، أقول ما تسمَعون، وأستغفِر الله لي ولكم ولجميعِ المسلمين من كلّ ذنب فاستَغفِروه، إنّه هو الغفور الرَّحيم.

 

الخطبة الثانية

الحمد لله عَلى إحسانِه، والشّكرُ لَه عَلَى تَوفِيقِهِ وامتِنانِه، وأشهَد أن لاَ إلهَ إلاّ الله وَحدَه لا شَريكَ لَه تعظيمًا لشأنه، وأشهَد أن نبيَّنا محمّدًا عبده ورَسولُه، صلّى الله عليه وعلى آله وأصحابِه وسلّم تسليمًا مزيدًا.

أمّا بعد: أيّها المسلِمون، مِنَ السّعادةِ أن ينسَى العبدُ حسناتِه ويجعلَ سيّئاتِه نصبَ عَينَيه، فيبادر إلى الندم والتوبة منها.

والصيام ركنٌ من أركان الدين، أمِر المسلمُ بالحفاظِ عليه لئلاّ يعتريَه نقص أو خللٌ من عصيانٍ أو تفريط في واجبٍ، قال عليه الصلاة والسلام: ((مَن لَم يَدَع قولَ الزّور والعملَ به والجهل فليس لله حاجة في أن يدع طعامَه وشرابَه)) رواه البخاري.

والأعمارُ تُطوَى والآجالُ تدنو، والدنيا مدبرةٌ والآخرة مقبلةٌ، ونحن إلى ما صار إليه الأوّلون صائرون، وكلّ عملٍ أو قولٍ فهو محفوظ، مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلاَّ لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ [ق: 18]. فاحفظوا الأزمانَ الفاضلة، واحذروا الغفلةَ والتفريط، وأخلِصوا صيامَكم وقيامكم لله، وأكثروا من تلاوة القرآن وتدبّر معانيه، واعتبروا بما ضُرِب لكم فيه من الأمثالِ والقصَص؛ تَفوزُوا وتَسعَدوا في الدّنيا والآخرة.

ثمّ اعلموا أن الله أمرَكم بالصّلاة والسلام على نبيّه، فقال في محكَم التّنزيلِ: إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا [الأحزاب: 56].

اللّهمّ صلِّ وسلِّم على نبيّنا محمّد...

 

محامد و أدعية طباعة الخطبة بدون محامد وأدعية 

إلى أعلى

إذا كانت لديك أية ملاحظات حول هذه الخطبة، إضغط هنا لإرسالها لنا.

كما نرجو كتابة رقم هذه الخطبة مع رسالتك ليتسنى لنا التدقيق وتصويب الأخطاء

 
 

 2004© مؤسسة المنبر الخيرية للمواقع الدعوية على شبكة الإنترنت، جميع الحقوق محفوظة

عدد الزوار حالياً