جماعة المسلمين، إن الإنسان بطبعه ميال إلى المال، يحب جمعه والتكاثر به، قال تعالى: زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاء وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ ذَلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاللّهُ عِندَهُ حُسْنُ الْمَآبِ [آل عمران: 14]. ويختلف الناس في حبهم لهذه الشهوات على قسمين:
قسم جعلوا هذه الشهوات من الأموال وغيرها هي المقصود، فصارت أفكارهم وخواطرهم وأعمالهم الظاهرة والباطنة لها، فشغلتهم عما خلقوا لأجله، ثم لا يبالون على أي وجه حصولها ولا فيما أنفقوها، فهؤلاء كانت لهم زادا إلى دار الشقاء والعناء والعذاب.
والقسم الثاني: عرفوا المقصود منها، وأن الله جعلها ابتلاء وامتحانا لعباده، ليعلم من يقدم طاعة الله ومرضاته على لذاته وشهواته، فجعلوها وسيلة وطريقة يتزودون منها لآخرتهم، وقد صحبوها بأبدانهم وفارقوها بقلوبهم، وعلموا أنها كما قال تعالى: ذَلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا، فأهملوها واهتموا بالدار الآخرة، فقال الله عز وجل في الآية الثانية: قُلْ أَؤُنَبِّئُكُم بِخَيْرٍ مِّن ذَلِكُمْ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا عِندَ رَبِّهِمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَأَزْوَاجٌ مُّطَهَّرَةٌ وَرِضْوَانٌ مِّنَ اللّهِ وَاللّهُ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ [آل عمران: 15]. فأخبر الله أن دار القرار ومصير المتقين الأبرار خير مما ذكر في الآية الأولى من شهوات الدنيا الزائلة.
ولتعلموا ـ رحمكم الله ـ هذه الحقيقة؛ وهي أن الدار الآخرة وما أعد الله للمتقين خير من ملك الدنيا مجتمعة لأحدنا، روى مسلم في صحيحه من حديث المغيرة بن شعبة عن النبي قال: ((سَأَلَ مُوسَى رَبَّهُ: مَا أَدْنَى أَهْلِ الْجَنَّةِ مَنْزِلَةً؟ قَالَ: هُوَ رَجُلٌ يَجِيءُ بَعْدَمَا أُدْخِلَ أَهْلُ الْجَنَّةِ الْجَنَّةَ، فَيُقَالُ لَهُ: ادْخُلِ الْجَنَّةَ، فَيَقُولُ: أَيْ رَبِّ، كَيْفَ وَقَدْ نَزَلَ النَّاسُ مَنَازِلَهُمْ وَأَخَذُوا أَخَذَاتِهِمْ؟! فَيُقَالُ لَهُ: أَتَرْضَى أَنْ يَكُونَ لَكَ مِثْلُ مُلْكِ مَلِكٍ مِنْ مُلُوكِ الدُّنْيَا؟ فَيَقُولُ: رَضِيتُ رَبِّ، فَيَقُولُ: لَكَ ذَلِكَ وَمِثْلُهُ وَمِثْلُهُ وَمِثْلُهُ وَمِثْلُهُ، فَقَالَ فِي الْخَامِسَةِ: رَضِيتُ رَبِّ، فَيَقُولُ: هَذَا لَكَ وَعَشَرَةُ أَمْثَالِهِ، وَلَكَ مَا اشْتَهَتْ نَفْسُكَ وَلَذَّتْ عَيْنُكَ، فَيَقُولُ: رَضِيتُ رَبِّ))، وفي رواية: ((فيقول الله جل ذكره: ألم ترض أن أعطيك مثل الدنيا منذ خلقتها إلى يوم أفنيتها وعشرة أضعافه؟ فيقول: أتهزأ بي وأنت رب العزة، فيضحك الرب تعالى من قوله)).
جماعة المسلمين، أدوا حق المال الذي رزقكم الله إياه، فما أنتم إلا مستخلفين فيه إلى يوم القيامة، ولذلك فكل صاحب مال مسؤول عن ماله سؤالان، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ : ((لا تَزُولُ قَدَمَا عَبْدٍ يَوْمَ الْقِيَامَةِ حَتَّى يُسْأَلَ عَنْ عُمُرِهِ: فِيمَ أَفْنَاهُ؟ وَعَنْ عِلْمِهِ: مَا فَعَلَ بِهِ؟ وَعَنْ مَالِهِ: مِنْ أَيْنَ اكْتَسَبَهُ؟ وَفِيمَ أَنْفَقَهُ؟ وَعَنْ جِسْمِهِ: فِيمَ أَبْلاهُ؟)).
وحق المال ـ عباد الله ـ هو أن تكتسبه من حلال وتنفقه في الحلال، قال تعالى: يَا أَيُّهَا النَّاسُ كُلُواْ مِمَّا فِي الأَرْضِ حَلاَلاً طَيِّبًا وَلاَ تَتَّبِعُواْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ [البقرة: 168]، وقال جل ذكره: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَنفِقُواْ مِن طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُم مِّنَ الأَرْضِ وَلاَ تَيَمَّمُواْ الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنفِقُونَ [البقرة: 267]. ولعن النبي آكل الربا وموكله، ولعن الراشي والمرتشي، وحرم الإسلام أكل أموال الناس بالباطل بجميع صوره، قال تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَأْكُلُواْ أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلاَّ أَن تَكُونَ تِجَارَةً عَن تَرَاضٍ مِّنكُمْ [النساء: 29].
عباد الله، من حق المال على صاحبه أن ينفق منه في سبيل الله، زكاة واجبة مفروضة وصدقة تطوع، قال تعالى: قُل لِّعِبَادِيَ الَّذِينَ آمَنُواْ يُقِيمُواْ الصَّلاَةَ وَيُنفِقُواْ مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلانِيَةً مِّن قَبْلِ أَن يَأْتِيَ يَوْمٌ لاَّ بَيْعٌ فِيهِ وَلاَ خِلاَلٌ [إبراهيم: 31]، وقال تعالى: وَأَنفِقُوا مِن مَّا رَزَقْنَاكُم مِّن قَبْلِ أَن يَأْتِيَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ فَيَقُولَ رَبِّ لَوْلَا أَخَّرْتَنِي إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ وَأَكُن مِّنَ الصَّالِحِينَ [المنافقون: 10].
والزكاة فرض واجب على كل مسلم ومسلمة إذا توفر له من الأموال ما بلغ النصاب الشرعي، وحال عليها حول هجري كامل، أخرج منها ما مقداره 2.5 بالمائة من قيمة الأموال الموجودة لديه.
وتجب الزكاة في الذهب والفضة، ونصاب الذهب إذا بلغ خمسة وثمانين غرامًا، فيُخرج منه ربع العشر وهو 2.5 في المائة، والفضة نصابها ما بلغ خمسمائة وخمسة وتسعين غراما.
كما تجب الزكاة في البهائم، ففي الغنم لمن ملك أربعين إلى مائة وعشرين من الغنم عليه أن يخرج شاة واحدة، فإذا ملك مائة وواحدا وعشرين رأسا إلى مائتي رأس من الغنم ففيها شاتان.
وتجب الزكاة في البقر، فمن ملك ثلاثين رأسا منها أخرج تبيعا وهو ولد البقر، فإن بلغت أربعين إلى تسع وخمسين ففيها مسنة، وهي التي لها من العمر سنتان.
وفي الإبل كذلك، فمن ملك خمسا من الإبل ففيها شاة، ثم في كل زيادة خمس زيادة شاة في الزكاة، فإذا بلغت خمسا وعشرين رأسا من الإبل ففيها ابنة مخاض، وهي التي أتمت سنة ودخلت في الثانية.
كما تجب الزكاة في الثمار والزروع، مثل الشعير والحنطة والزبيب والتمر، والنصاب فيها هو خمسة أوسق، بما يعادل ستمائة وثلاثة وخمسين كيلوغرام.
قال تعالى: وَأَقِيمُواْ الصَّلاَةَ وَآتُواْ الزَّكَاةَ وَمَا تُقَدِّمُواْ لأَنفُسِكُم مِّنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِندَ اللّهِ إِنَّ اللّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ [البقرة: 110].
|