.

اليوم م الموافق ‏18/‏شوال/‏1445هـ

 
 

 

عظمة القرآن الكريم

5587

الإيمان, العلم والدعوة والجهاد

الإيمان بالكتب, القرآن والتفسير

محمد بن فارع علي

بيت الفقيه

التقوى

محامد و أدعية طباعة الخطبة بدون محامد وأدعية 

ملخص الخطبة

1- نعمة إنزال القرآن الكريم. 2- فضل القرآن الكريم. 3- فضل تلاوة القرآن وتعلمه وتدبره. 4- واجبنا تجاه القرآن الكريم. 5- هجر الأمة للقرآن الكريم. 6- الهجمة الشرسة على القرآن الكريم. 7- تنبيهات لطلاب المدارس.

الخطبة الأولى

أما بعد: أيها المؤمنون، اتقوا الله واشكروه على نعمه التي لا تحصى، وإن من أعظمها نعمة إنزال القرآن الذي جعله الله ربيع قلوب أهل البصائر والإيمان، فهو كما وصفه الله روح تحيا به قلوب المؤمنين، وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِنْ أَمْرِنَا مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلا الإيمَانُ [الشورى: 52]، وهو نور تشرق به أفئدة المسلمين، قَدْ جَاءَكُمْ مِنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُبِينٌ يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلامِ وَيُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ [المائدة: 15، 16]، وهو موعظة وشفاء وهدى ورحمة للمؤمنين كما قال الله تعالى: يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدىً وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ [يونس: 57]. فالقرآن ـ يا عباد الله ـ أبلغ موعظة لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد، اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُتَشَابِهًا مَثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ ذَلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ [الزمر: 23].

عباد الله، هذا القرآن تنزل الملائكة لسماعه وتتأثر به، يقول الرسول لأسيد بن حضير: ((اقرأ يا ابن حضير، تلك الملائكة دنت لصوتك، ولو قرأت لأصبحتْ ينظر الناس إليها، لا تتوارى منهم)).

القرآن خلع أفئدة الكفار، وألقى الهيبة في قلوبهم، فهذا جبير بن مطعم ـ وكان مشركًا من أكابر قريش وعلماء النسب فيها ـ لما أخِذ في أسرى بدر وربط في المسجد سمع النبي يقرأ أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمْ الْخَالِقُونَ [الطور: 35] قال: كاد قلبي أن يطير، كان ذلك أول ما دخل الإيمان في قلبي. وكان أبو بكر يصلي في بيته ويقرأ القرآن، فيتقصّف عليه نساء المشركين وأبناؤهم يستمعون عند داره، يعجبون وينظرون إليه، فأفزع ذلك أشراف قريش من المشركين.

وكذلك فإن الجن والإنس الذين سمعوه مسلمهم وكافرهم لم يملكوا أنفسهم حين سمعوا قول الله: أَفَمِنْ هَذَا الْحَدِيثِ تَعْجَبُونَ وَتَضْحَكُونَ وَلا تَبْكُونَ وَأَنْتُمْ سَامِدُونَ فَاسْجُدُوا لِلَّهِ وَاعْبُدُوا [النجم: 59-62]، فسجدوا هيبة للقرآن. لقد تأثر الجن به، فَقَالُوا إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآنًا عَجَبًا يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ فَآمَنَّا بِهِ [الجن: 1، 2]، وَإِذْ صَرَفْنَا إِلَيْكَ نَفَرًا مِنْ الْجِنِّ يَسْتَمِعُونَ الْقُرْآنَ فَلَمَّا حَضَرُوهُ قَالُوا أَنْصِتُوا [الأحقاف: 29]، لقد أصبحوا بفضل القرآن دعاة إلى الله، فولَّوا إلى قومهم منذرين، قَالُوا يَا قَوْمَنَا إِنَّا سَمِعْنَا كِتَابًا أُنْزِلَ مِنْ بَعْدِ مُوسَى مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ [الأحقاف: 30].

هذا القرآن الذي يُكرم صاحبه يوم القيامة بتاج الوقار، ويحَلَّى بالحلية العظيمة، حتى والديه ينالهما خير بسبب حفظ ولدهما، ((يقال لصاحب القرآن: اقرأ وارتق، ورتل كما كنت ترتل في الدنيا))، ويشفع لصاحبه يوم القيامة، وتأتي البقرة وآل عمران كغمامتين تظلّلان على صاحبهما يوم الحر الأكبر.

يقول وهو يفاضل بين الناس: ((خيركم من تعلم القرآن وعلمه))، فعلامة الصدق والإيمان كثرة قراءة القرآن، وعلامة القبول تدبر القرآن؛ ولذلك يقول : ((إن الله يرفع بهذا الكتاب أقواما ويضع به آخرين)), قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه لأحد ولاته على مكة وقد ترك مكة ولقيه في الطريق: كيف تركت مكة وأتيتني؟! قال: وليت عليها فلانا يا أمير المؤمنين، قال: ومن هو ذا؟ قال: مولى لنا وعبد من عبيدنا، قال عمر: ثكلتك أمك! تولي على مكة مولى؟! قال: يا أمير المؤمنين، إنه حافظ لكتاب الله عالم بالفرائض، فدمعت عينا عمر وقال: صدق رسول الله: ((إن الله ليرفع بهذا الكتاب أقواما ويضع به آخرين))، يرفع الله به من اتبعوه وتدبروه، ويضع من أعرضوا عنه فلم يقرؤوه ولم يتدبروه ولم يعملوا به.

فالواجب على الأمة تعظيم كتاب الله المجيد وإجلاله وتوقيره، فإنه كلام ربنا العظيم الجليل، الواجب الفرح به، فكتاب الله المجيد خير ما يفرح به، قال الله تعالى: يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدىً وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ [يونس: 57، 58].

والواجب على الأمة أيضا تعظيمه بتلاوته، قال تعالى: إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلانِيَةً يَرْجُونَ تِجَارَةً لَنْ تَبُورَ. ليُوَفِّيَهُمْ أُجُورَهُمْ وَيَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّهُ غَفُورٌ شَكُورٌ [فاطر: 29، 30]، وقد قال : ((اقرؤوا القرآن؛ فإنه يأتي يوم القيامة شفيعًا لأصحابه)) رواه مسلم.

فتلاوته تجلو القلوب وتطهرها وتزكيها، وتحمل المرء على فعل الطاعات وترك المنكرات، وترغبه فيما عند الله رب البريات. فالواجب على الأمة تدبر معانيه والعمل بما فيه، قال الله تعالى: كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الأَلْبَابِ [ص: 29]. يقول أهل العلم: "إن من تعظيم كتاب الله أن لا يوضَع في أرض ليسَت محتَرَمة، وأن لا تمدَّ إليه الرِجل، وأن لا تولّيَه ظهرَك".

ومن تعظيم كتاب الله المحافظة على الكُتبِ العامّة والكتب المدرسيّة والصّحُف التي تشتمِل على آياتٍ من القرآنِ الكريمِ في غِلافها أو داخِلها، فلا تمتهن أوراق فيها ذكر الله، قال القاضي عياض رحمه الله: "من استخفَّ بالقرآن أو بالمصحَف أو بِشيءٍ منه فهو كافِرٌ بإجماعِ المسلِمين"، ويقول الإمام النووي في كتابه التبيان في آداب حملة القرآن: "أجمع المسلمون على وجوب تعظيم القرآن على الإطلاق وتنزيهه وصيانته، وأجمعوا على أن من جحد حرفًا مجمعًا عليه أو زاد حرفًا لم يقرأ به أحد وهو عالم بذلك فهو كافر، وأجمعوا على أن من استخف بالقرآن أو شيء منه أو بالمصحف أو ألقاه في القاذورة أو كذَّب بشيء مما جاء به من حكم أو خبر أو نفى ما أثبته أو أثبت ما نفاه وهو عالم أو شك في شيء من ذلك فهو كافر، وكذلك إن جحد شيئًا من كتب الله تعالى كالتوراة والإنجيل وأنكر أصله فهو كافر".

كل هذا من تعظيم كلام الله تعالى، فالكلام يعظَّم بعظَمِ قائله، فكيف إذا كان المتكلم هو الله جل في علاه؟! فإنه ـ والله ـ خير كلام وأجل كلام، كلام الملك العلام، وهو خير من كل ما يجمعه الناس من أعراض الدنيا وزينتها.

أيها المسلمون، نحن في زمان كثر فيه الإعراض عن هذا الكلام العظيم ألا وهو كتاب الله المجيد، الأمة اليوم تعاني مما اشتكى منه نبيها عندما قال الله تعالى: وَقَالَ الرَّسُولُ يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَذَا الْقُرْآنَ مَهْجُورًا، تعاني من هجر أبنائها للقرآن، هجر قراءته وسماعه والإيمان به والإصغاء إليه, هجر العمل به والوقوف عند حلاله وحرامه، وهجر تحكيمه والتحاكم إليه، فقد استبدلت الأمة قراءة القرآن وتلاوة القرآن بقراءة الكتب والمجلات والصحف، واستبدلت سماع القرآن والإصغاء إليه بسماع الأغاني ومشاهدة الأفلام والتمثيليات ومتابعة المباريات، وإذا قرئ القرآن أصغوا إليه بآذان لاهية وقلوب غافلة والله يقول: وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ [الأعراف: 204], تخلقت الأمة بأخلاق تخالف أخلاق القرآن، فالأخلاق اليوم في وادٍ وما ينادي به القرآن من التحلي بقويم الأخلاق في وادٍ آخر. تخلت عن تحكيمه في حياتها وفي معاملاتها، والله يقول: وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ، ويقول: وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ، ويقول: وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الفَاسِقُونَ.

والقرآن اليوم يواجه هجمة شرسة من الداخل والخارج، من داخل بلاد المسلمين ومن خارجها، فأما من الداخل فقد وجِدَ من يمتهِنُ القرآن ويلقيه في القمامات ويطأ ما فيه ذكر الله برجله، ووجد من لطخ القرآن بالعذرَةِ، ووجد من لطخة بدم الحيض, ووجد من يغني بالقرآن وبألفاظ الأذان وقد قال العلماء: قد أجمعت الأمة على كفر من استخف أو هزل بالقرآن أو بشيء منه، قال تعالى: إِنَّهُ لَقَوْلٌ فَصْلٌ وَمَا هُوَ بِالْهَزْلِ، فكل من اتخذ شيئًا من آيات القرآن للهزل والغناء والرقص والطرب فقد اتخذها هزوًا ولعبًا، وقد توعد الله هؤلاء بالعذاب المهين فقال تعالى: وَإِذَا عَلِمَ مِنْ آيَاتِنَا شَيْئًا اتَّخَذَهَا هُزُوًا أُوْلَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ [الجاثية: 9].

وقال الشيخ العلامة أبو بكر محمد الحُسيني الحُصني الشافعي في كتابه كفاية الأخيار (ص494): "وأما الكفر بالفعل فكالسجود للصنم والشمس والقمر وإلقاء المصحف في القاذورات والسحر الذي فيه عبادة الشمس وكذا الذبح للأصنام والسخرية باسم من أسماء الله تعالى أو بأمره أو وعيده أو قراءَة القرآن على ضرب الدف". فكل هذه الأفعال عدها العلماء من الكفر المخرج من الملة المحمدية.

وأما من الخارج من بلاد الكفار فمسلسل الاحتقار ومسلسل الإهانة للمصحف الشريف يتوالى، فكم ركلوه بأرجلهم، وهدموا المسجد فوق المصاحف فاستُخْرِجَ من بين الركام، ورسموا عليه الصليب في كثير من المناسبات التي هاجموا فيها مساجد المسلمين، وأهين كتاب الله في معسكراتهم وسجونهم، وألقي به في المرحاض، ولطخ بالنجاسات، حقد على الإسلام والمسلمين، وهذا دأبهم من قديم الزمان, واسمعوا إلى هذه القصة: فعَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: كَانَ رَجُلٌ نَصْرَانِيًّا فَأَسْلَمَ وَقَرَأَ الْبَقَرَةَ وَآلَ عِمْرَانَ، فَكَانَ يَكْتُبُ لِلنَّبِيِّ ، ثم عَادَ نَصْرَانِيًّا، فَكَانَ يَقُولُ: مَا يَدْرِي مُحَمَّدٌ إِلا مَا كَتَبْتُ لَهُ، أي: إن هذا الكلام الذي تقرؤون من كتابتي أنا وليس هو وحيا من عند الله، فَأَمَاتَهُ اللَّهُ فَدَفَنُوهُ، فَأَصْبَحَ وَقَدْ لَفَظَتْهُ الأَرْضُ، فَقَالُوا: هَذَا فِعْلُ مُحَمَّدٍ وَأَصْحَابِهِ لَمَّا هَرَبَ مِنْهُمْ نَبَشُوا عَنْ صَاحِبِنَا فَأَلْقَوْهُ، فَحَفَرُوا لَهُ فَأَعْمَقُوا، فَأَصْبَحَ وَقَدْ لَفَظَتْهُ الأَرْضُ، فَقَالُوا: هَذَا فِعْلُ مُحَمَّدٍ وَأَصْحَابِهِ نَبَشُوا عَنْ صَاحِبِنَا لَمَّا هَرَبَ مِنْهُمْ فَأَلْقَوْهُ، فَحَفَرُوا لَهُ وَأَعْمَقُوا لَهُ فِي الأَرْضِ مَا اسْتَطَاعُوا، فَأَصْبَحَ وَقَدْ لَفَظَتْهُ الأَرْضُ، فَعَلِمُوا أَنَّهُ لَيْسَ مِنْ النَّاسِ فَأَلْقَوْهُ. وهذا جزاء من أساء إلى كلام الله تعالى.

أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، وَقِيلَ الْيَوْمَ نَنْسَاكُمْ كَمَا نَسِيتُمْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هَذَا وَمَأْوَاكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُمْ مِنْ نَاصِرِينَ ذَلِكُمْ بِأَنَّكُمُ اتَّخَذْتُمْ ءَايَاتِ اللَّهِ هُزُوًا وَغَرَّتْكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا فَالْيَوْمَ لا يُخْرَجُونَ مِنْهَا وَلا هُمْ يُسْتَعْتَبُونَ [الجاثية: 34، 35].

بارك الله لي ولكم في القرآن الكريم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم, أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم من كل ذنب فاستغفروه، إنه هو الغفور الرحيم.

 

الخطبة الثانية

الحمد لله الذي نزّل الفرقان على عبده ليكون للعالمين نذيرًا، الحمد لله علم القرآن، خلق الإنسان، علمه البيان، الحمد لله الذي علم بالقلم، علم الإنسان ما لم يعلم، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله النبي الأكرم، فصلوات الله وسلامه عليه، وعلى آله وأصحابه أجمعين.

أما بعد: فاتقوا الله ـ أيها الناس ـ في كتاب ربكم، فالخير كل الخير في التمسك به وتعظيمه، والشر كل الشر في التخلي عنه وهجره.

أيها المسلمون، إن من حقّ هذا القرآن المجيد تعظيمَه وإجلالَه وتوقيرَه، فإنه كلام ربنا العظيم الجليل، ومِن حقِّه علَينا المنافحةُ عَنه وعدَم السكوتِ على من يتهَجَّم عليه أو يستهزِئ به أو يمتهنه أو يستخف بآية أو حرف من حروفه.

وإننا نرى في مجتمعنا أناسا يمتهنون القرآن ويستخفون بآياته، فترى كلام الله ملقى في الطرقات, وتراه في الزبالات وأماكن القمامة، وتراه في الصحف والمجلات التي تغلف بها البضائع في الأسواق، تراه في المطاعم يقدم عليه الطعام، ترى آيات الله في المدارس ملقاة على الأرض يطؤها الطلاب بأرجلهم أو قد يجلس الطالب على كتبه وفيها كتاب الله وفيها كتب الحديث وفيها كتب الفقه، ويجلس عليها أو يتكئ عليها مخافة أن تتسخ ملابسه، يهين كلام الله، وقد قال الإمام ابن عبد القوي: "إنه يحرم الاتكاء على ما فيه ذكر الله تعالى".

ونحن في هذه الأيام مقبلون على امتحانات المدارس، فينبغي للطلاب المحافظة على مناهجهم الدراسية من الامتهان، لا سيما المناهج الإسلامية، ففيها ذكر الله، وفيها أسماء الله، وفيها آيات من كلام الله, نرى في هذه الأيام الكتب والأوراق تلقى وتتطاير هنا وهناك في البيت أو في الشارع أو في المحلات التجارية، ومن الطلاب من يمتهن كتاب الله في وقت الاختبار، فتجده يقتطع من المناهج الدراسية الآيات والدروس للغش ويجلس عليها أو يجعلها في داخل سراويله. فعلينا أن ننتبه لهذه المسألة المهمة، وأن نستشعر هذا الأمر، وأن نحافظ على حرمات الله، وأن نحافظ على ما فيه ذكر لله سبحانه وتعالى, فإن ذلك من تعظيم حرمات الله، فإن ذلك من تعظيم شعائر الله، فإن ذلك من تقديس كتاب الله تعالى، ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ [الحج: 32].

فاتقوا الله عباد الله، واقدروا لصاحب الكلام قدره، ولا تكونوا ممن قال الله فيهم: وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّماوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ. كونوا ممن يغار لله إذا انتهكت حرمات الله، عظموا كلام الله واحفظوه يحفظكم ويرفعكم، قيل لبشر الحافي: يا بشر، إن لك اسمًا له هيبة كأسماء الأنبياء، فما سر هذا؟! ما سر هذا الاسم الذي يحمل كل هذه الهيبة؟! فقال: كنت أسير بطريق في مرة من المرات فإذا بورقة ملقاة على جانب الطريق، رفعتها فإذا مكتوب فيها الرحمن، قلت: اسم الرحمن يمتهن! فرفعت الورقة وطويتها وطيّبتها ثم وضعتها في جيبي، فجاءني آت في منامي قال: رفعت اسمنا فرفعناك وطيّبت اسمنا فطيبناك.

ورقة رفعها فرفعه الله، فكيف بنا الحال وشوارعنا ملأى بما فيه ذكر الله، وأسواقنا تشتكي ممن يدنس فيها كلام الله, ونحن نستحي من أخذ ما فيه ذكر الله من الطرقات فضلاً عن القمامات.

فاتقوا الله، اتقوا الله، وعظموا الله واقدروه حق قدره، كرموا كلام الله، أخرجوا ما فيه ذكر الله من القمامات يرفعكم الله بها درجات, انصحوا من يستعملها يكن لكم الأجر ويخلد لكم الذكر, فلن يغير الله حال الأمة إلا إذا عظمت ربها وعظمت كتابه.

نسأل الله العظيم أن يجعلنا ممن يعظمون القرآن، اللهم اجعل القرآن ربيع قلوبنا ونور صدورنا وجلاء أحزاننا، اللهم اجعله شفيعًا لنا وشاهدًا لنا لا شاهدًا علينا، اللهم ألبسنا به الحلل، وأسكنا به الظلل، واجعلنا به يوم القيامة من الفائزين، وعند النعماء من الشاكرين، وعند البلاء من الصابرين، اللهم حبِّب أبناءنا في تلاوته وحفظه والتمسك به، واجعله نورًا لهم في حياتهم، برحمتك يا أرحم الراحمين...

 

محامد و أدعية طباعة الخطبة بدون محامد وأدعية 

إلى أعلى

إذا كانت لديك أية ملاحظات حول هذه الخطبة، إضغط هنا لإرسالها لنا.

كما نرجو كتابة رقم هذه الخطبة مع رسالتك ليتسنى لنا التدقيق وتصويب الأخطاء

 
 

 2004© مؤسسة المنبر الخيرية للمواقع الدعوية على شبكة الإنترنت، جميع الحقوق محفوظة

عدد الزوار حالياً