.

اليوم م الموافق ‏17/‏شوال/‏1445هـ

 
 

 

لباس المرأة بين الطهر والعهر

5585

الأسرة والمجتمع

المرأة

أحمد بن حسين الفقيهي

الرياض

21/6/1428

جامع الإحسان

محامد و أدعية طباعة الخطبة بدون محامد وأدعية 

ملخص الخطبة

1- نعمة الله تعالى على عباده باللباس. 2- لباس التقوى. 3- كيد الشيطان بأبينا آدم عليه السلام. 4- فتنة النساء. 5- محاربة أعداء الإسلام لحجاب المسلمة وعفافها. 6- وسائل الأعداء في محاربة حجاب المرأة المسلمة: المجلات، المشاغل النسائية، دور الأزياء، القنوات الفضائحية. 7- انتشار الملابس الفاضحة بين النساء في الأفراح. 8- واجبنا تجاه هذا الهجوم السافر.

الخطبة الأولى

أما بعد: فيا عباد الله، يَا بَنِي آدَمَ قَدْ أَنزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاسًا يُوَارِي سَوْآتِكُمْ وَرِيشًا وَلِبَاسُ التَّقْوَى ذَلِكَ خَيْرٌ ذَلِكَ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ [الأعراف: 26].

هذا الخطاب الرباني في الآية السابقة صدره سبحانه لبني آدم ممتنًا عليهم بإنزال اللباس لهم يواري سوءاتهم ويحفظ أعراضهم ويحصن الحياء في نفوسهم. للرجال لباس يخصهم، وللنساء لباس يخصهن، فلا تلبس المرأة لباس الرجل، ولا يلبس الرجل لباس المرأة، نهى الرجال عن الإسبال، وشرع ذلك للنساء مبالغة في سترهن وعفتهن.

ثم ذكرنا سبحانه بلباس التقوى، وأخبرنا أنه خير من لباس البدن، فكما يحب الإنسان السوي أن يستر عورته عن الناس باللباس ويحب أن يتزين بالزينة، فإن لباس الأخلاق والدين ـ وهو اللباس المعنوي ـ خير وأزكى؛ لأنه اللباس الحقيقي الذي يمنع الإنسان من التكشف والعري وإظهار ما يجب ستره عن أعين الناس.

أيها المسلمون، إن هذا اللباس بجميع أصنافه وأشكاله من الزينة التي أخرجها الله وأباحها لعباده، قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنْ الرِّزْقِ قُلْ هِيَ لِلَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا خَالِصَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ [الأعراف: 32]. أضاف سبحانه في هذه الآية الزينة إليه امتنانًا علينا بنعمته، وتنبيهًا لنا أن نعتقد فيها بأحكام شريعته، فلا نتحكم فيها بتحليل أو تحريم أو نستعملها فيما يخالف الشرع الحكيم، تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلا تَعْتَدُوهَا وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الظَّالِمُونَ [البقرة: 229].

أيها المؤمنون، لئن عدنا متأملين مكيدة الشيطان الأولى بإغرائه أبوينا حتى أكلا من الشجرة لوجدنا أنه بدأ أول ما بدأ بنزع اللباس وإبداء العورة، يَا بَنِي آدَمَ لا يَفْتِنَنَّكُمْ الشَّيْطَانُ كَمَا أَخْرَجَ أَبَوَيْكُمْ مِنْ الْجَنَّةِ يَنزِعُ عَنْهُمَا لِبَاسَهُمَا لِيُرِيَهُمَا سَوْآتِهِمَا إِنَّهُ يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لا تَرَوْنَهُمْ إِنَّا جَعَلْنَا الشَّيَاطِينَ أَوْلِيَاءَ لِلَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ [الأعراف: 27].

لقد حمل الشيطان على عاتقه بث تلك الدعوة، ألا وهي نزع اللباس وإظهار العورات في ذرية آدم، جند لذلك جنوده لإدراكه بما تقود إليه تلك الدعوة، وصدق الله ومن أصدق من الله قيلا، فها هو النزع متصل على تعاقب الدهور ومر الأزمان بأساليب ماكرة وإغراءات فاتنة. وبنظرة فاحصة لواقع البشرية اليوم تغنيك عن كثير من الشواهد، فما واقع الملابس الرياضية لكثير من الألعاب بخاف علينا، فكيف لو مِلت بطرفك إلى ما خدعت به المرأة ولبّس عليها به؟! فكم من أزياء وموضات تحسر كل يوم وفي كل صرخة عن شيء من مفاتن المرأة وجمالها بدعوى الزينة ومتابعة الموضة.

عباد الله، إن الحديث عن اللباس لهو من الأهمية بمكان لما له من الأثر العظيم في مسيرة المجتمعات، وخاصة فيما يتعلق بالنساء لما لهن من أثر وفتنة على الرجال، بل على المجتمع بأسره، فبصيانة المرأة وحسن لباسها يصان المجتمع، وإضاعتها إضاعة له، وقد حذر النبي من فتنة النساء فقال: ((اتقوا الدنيا واتقوا النساء، فإن أول فتنة بني إسرائيل كانت في النساء)).

أيها المسلمون، لما كان لباس المرأة المسلمة غاية في التحفظ والستر والعفاف، يصونها عن أعين الناظرين، ويحفظها من كيد الكائدين، ويظهر اعتزازها بدينها وقيمها أمام المعتدين، لما كان الأمر كذلك شرقت بذلك نفوس أعداء الإسلام ومن سار في ركابهم من المخذولين والمخدوعين، فكادوا لفتاة الإسلام، ورموها من قوس واحدة. تقول إحدى الكافرات: "ليس هناك طريق أقصر لهدم الإسلام من إبعاد المرأة المسلمة والفتاة المسلمة عن آداب الإسلام وشرائعه"، يقول آخر: "يجب علينا أن نكسب المرأة، فأي يوم مدت إلينا يدها فزنا بالمراد وتعدد جيش المنتصرين للدين".

لقد كانت جهودهم ولا تزال موجهة إلى لباس الطهر والعفاف، مستميتين في تشويهه وتمزيقه، أجلبوا بخيلهم ورجلهم، وغزوا لباس المرأة من جبهات كثيرة.

إننا نرى اليوم أباطرة الشر والفساد في استحداث ألبسة نسائية إن لم تكن ضيقة فعارية، وإن لم تكن عارية فمشققة الجوانب، لها فتحات جانبية وخلفية تصل أحيانًا إلى ما فوق الركبة، فإن لم تكن كذلك فمتشبَّه فيها بالكافرات، وقد يجمع ذلك كله فتنة وإغراء في كثير من الأزياء.

كثيرة ـ عباد الله ـ هي الوسائل والجبهات التي يحارب من خلالها الأعداء لباس المرأة، من تلك الوسائل هذه المجلات الهابطة التي تروج لأصناف الملابس الفاضحة، ولم يقف شر هذه المجلات الهابطة الماجنة على إظهار ملابس النساء فحسب، بل تعدى ذلك إلى إلهاب غرائز كثير من شباب المسلمين، فأصبحت تلك المجلات سلاحًا ذا حدين، تتلقفها النساء ليتابعن الموضات الفاضحة، ويتلقفها الشباب ليلهبوا الغرائز والشهوات، لما تحتويه تلك المجلات الفاجرة من صور كثيرة، تعمّد واضعوها إشاعة الفاحشة ونشر الرذيلة في مجتمعات المسلمين، وعن هذه المجلات ومثيلاتها يقول العلامة ابن عثيمين رحمه الله: "وجدت هذه المجلات، وجدتها والله، أقسم بالله في هذا المكان ـ يعني منبر المجمعة ـ وأنتم تشهدون، والله فوقنا شهيد على ما نقول وعلى ما تسمعون، وجدت هذه المجلات هدّامة للأخلاق مفسدة للأمة، تنشر الخلاعة والبذاءة والسفول، لا يشك عاقل فاحص ماذا يريد مروجوها بمجتمع إسلامي محافظ، وجدت أقوالاً ساقطة ماجنة نابية، يمجّها كل ذي خلق فاضل ودين مستقيم، رأيت صورًا للنساء على أغلفة تلك المجلات وفي باطنها صورًا فاتنة في أزياء منحطة بعيدة عن الحياء والفضيلة" اهـ.

أيها المسلمون، ومن وسائل غزو لباس المرأة تلك المشاغل النسائية التي تعرض على مرتاداتها مجلات الأزياء الفاضحة؛ لتقوم المسكينة والمخدوعة باختيار صنف معين يلائم آخر صرخات الموضة، فتبادر تلك المشاغل بتفصيل تلك الأزياء دون النظر إلى حلها أو حرمتها إلى سترها أو تكشّفها، كل ذك بقصد جمع الدرهم والدينار، وتناسى أولئك قول النبي : ((كل جسد نبت من سحت فالنار أولى به)) أخرجه أحمد.

لحـدّ الركبتين تشمرينـا      بربـك أي نَهر تعبرينـا؟!

كأن الثوب ظل فِي صباح      يزيد تقلصًا حينًـا فحينـا

تظنين الرجال بلا شعـور       لأنـك ربمـا لا تشعرينـا

عباد الله، ومن وسائل الأعداء في غزو لباس المرأة ما يسمى بدور الأزياء، تعرض ما جدّ من اللباس بزعمهم، تمر المرأة بين الحاضرين تغدو وتروح وقد أبدت كثيرًا من مفاتنها، فهذا لباس للصيف، وذاك لباس للشتاء، هذا للسهر، وآخر للسفر، وثالث للوليمة.

هذه الدور الفاجرة انتشرت في بلاد الكفر، وقد حاكاهم في ذلك بعض ديار الإسلام، والضحية وللأسف من ذلك كله المخدوعات من نساء المسلمين، يشغفن بذلك، ويتبعن ما يجدّ من اللباس بدعوى مواكبة الحضارة والمدينة.

أيها المؤمنون، إن من أنكى وسائل غزو لباس المرأة تلك القنوات التي تبث من عفنها ما يهيج النفوس ويثير كوامنها، وقد حدث من جرائها ما يستحي اللسان من ذكره والآذان من سماعه، وقد تواطأ كلام كثير من الناس على حدوث عواقب وخيمة في الأعراض بسبب ذلك.

لقد درّستنا تلك الوسائل الإعلامية أن الانحلال حلال، وأن الكفر فِكر يجب احترامه، وأنه لا بد من الاستسلام للفساد إذا فشا وساد. علمتنا تلك المسلسلات والقنوات أن الحب قبل الزواج ضرورة، وأن خروج المرأة مع خطيبها في غاية الأهمية، وأنه لا بأس بخروج المرأة كاسية عارية بملابس فاضحة. علمتنا تلك القنوات أن القوامة تخلّف، وأن الغيرة تسلّط، وأن الحرية والإباحية تحضّر وتمدن. لقد سلبت هذه الوسائل وغيرها من المرأة حياءها، ومن الرجال غيرتهم ورجولتهم، ومن الجميع إحساسهم، وما لجرح بميت إيلام.

يا مسلمون، من كان منكم في شكّ في تأثير الأعداء وغزوهم للباس نساء المسلمين فليلق بطرفه إلى ما يلبس في الأعراس والأفراح والمنتديات النسائية، حيث شاع وللأسف لبس الملابس العارية وشبه العارية، الضيقة والمحددة للعورات، المفتوحة والمظهرة للأيدي والصدور والظهور عند البعض، وبعض النساء لا ترتدي إلا الملابس الشفافة التي لا تستر أجزاء الجسد.

لقد ارتفعت أصوات النساء الصالحات مما يواجهنه في حفلات الزواج من لحوم عارية وأجساد مكشوفة بادية، عورات ظاهرة، وموضات فاضحة، بحجة أن لبسها إنما هو بين النساء فقط، وهذه حجة أقبح من ذنب، فإن فتاوى العلماء الأجلاء في بيان ذلك مشهورة ومعلومة، تحرم على المرأة أن تظهر شيئًا من عورتها أمام امرأة أخرى، ولقد توعد النبي أمثال هؤلاء النساء بقوله: ((سيكون في آخر أمتي نساء كاسيات عاريات، على رؤوسهن كأسنمة البخت، العنوهن فإنهن ملعونات))، وفي لفظ آخر: ((لا يدخلن الجنة ولا يجدن ريحها، وإن ريحها لتوجد من مسيرة كذا وكذا)).

أيها الرجال الشرفاء، أيها الغيورون النبلاء، ليعلم كل أبٍ وأخ أنه مسؤول أمام الله تعالى عن محارمه، فعليه أن يأمرهن بالمعروف وينهاهن عن المنكر، فإن رأى منهن تهتكًا في اللباس ولو عند محارمهن منعهن من ذلك، فإن قبلن الوعظ وإلا أخذ على أيديهن وقصرهن على الحق قصرا، ففي ذلك حماية له ولهن في الدنيا من العار والفضيحة، وفي الآخرة من نار جهنم وبئس المصير.

يا مسلمون،

أوَلا ترون الغرب كيـف       غدا الرجـال بـه ذئابـا

أولا تـرون بـه عـرى       الأخلاق تنشعب انشعابـا

كـم نظـرة للـوجـه       تورث فِي الحشا جمرًا مذابا

إن ترغبـوا  لنسـائكم        صونا و عيشـا مستطابـا

فدعوا السفـور لأهلـه       وأرخوا عليهـن الحجابـا


 

الخطبة الثانية

أما بعد: فيا عباد الله، عندما تهاجم الأمراض الجسد يتوجب على ناشدي الصحة والعافية مكافحتها ومقاومتها، ومجرد العلم بوجود المرض ووصوله إلى الجسد أو الحزن على الإصابة به لا يكفي للقضاء على الأمراض واستئصالها ما لم يتبع ذلك عمل يجتثها بالكلية أو يقاوم انتشارها.

ونحن إزاء هذا الهجوم السافر على لباس المرأة نحتاج إلى وقفة صادقة من كل واحد منا؛ حتى لا يستشري فينا هذا الداء ثم نألفه ويتبلّد منا الإحساس، ومن الخطوات العملية في سبيل مكافحة العري في لباس المرأة ما يلي:

أولاً: منع كل واحد منا محارمه ومن تحت يده من شراء أو لبس تلك الملابس العارية قبل تعديلها وإضفاء الحشمة عليها، وذلك باستخدام كافة الوسائل المتاحة ترغيبًا أو ترهيبًا.

ثانيًا: مناصحة التجار وملاك المحلات والمراكز التجارية وتذكيرهم بالله، وتحذيرهم من مغبة فعلهم، وأن عليهم إثمَ ما يبيعونه وينشرونه بين المسلمين، وليحذروا أن يكونوا بفعلهم هذا ممن يحب أن تشيع الفاحشة في الذين آمنوا. ولنطالبهم ـ وهذا أقل ما يمكن أن نطالبهم به ـ بإيجاد البديل المباح والتقليل أو الكف عن بيع ما يخدش الحياء ويكشف العورات.

ثالثا وأخيرًا: الكتابة للمختصين من ولاة أمر ومسؤولين حول هذه الظاهرة واستفحالها؛ ليجدوا لها الحلول المناسبة التي تراعي مكانة البلد وتحترم أخلاقيات أهله الأصيلة.

 

محامد و أدعية طباعة الخطبة بدون محامد وأدعية 

إلى أعلى

إذا كانت لديك أية ملاحظات حول هذه الخطبة، إضغط هنا لإرسالها لنا.

كما نرجو كتابة رقم هذه الخطبة مع رسالتك ليتسنى لنا التدقيق وتصويب الأخطاء

 
 

 2004© مؤسسة المنبر الخيرية للمواقع الدعوية على شبكة الإنترنت، جميع الحقوق محفوظة

عدد الزوار حالياً