.

اليوم م الموافق ‏09/‏شوال/‏1445هـ

 
 

 

منزلة آل البيت عند أهل السنة والجماعة

5570

قضايا في الاعتقاد

آل البيت

صالح بن محمد آل طالب

مكة المكرمة

11/8/1428

المسجد الحرام

محامد و أدعية طباعة الخطبة بدون محامد وأدعية 

ملخص الخطبة

1- فضل شرف المعدن. 2- معرفة الأمة قدرَ آل البيت وشرفَهم. 3- التعريف بآل البيت وبيان فضلهم وحقهم. 4- رعاية الصحابة رضي الله عنهم لحقوق آل البيت. 5- تقرير علماء السنة لعقيدتهم في آل البيت. 6- تعظيم بلاد الحرمين لآل البيت. 7- الاستغلال السيئ لهذا الأصل العظيم. 8- ضرورة مبادرة العلماء وطلبة العلم إلى بيان هذا الأصل وتوضيحه.

الخطبة الأولى

أمّا بعد: فوصيّةُ الله تعالى للأوَّلين والآخرين تقواه، وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنْ اتَّقُوا اللَّهَ [النساء: 131].

أيُّها المسلِمون، الشريفُ في ذاتِه يفيض بالشَّرف على من حَوله، والكريم في معدنِه يَسري كرمُه في المحيطِين به. انظُر إلى زجاجةِ العِطرِ كيف تبقى فوّاحةً بعد نفادِ ما فيها، تطلّعْ إلى جوارِ المصباح وكيف استحال هالَةً من نور وسوارًا من ضياء، وكذلك البشرُ تفيض بركةُ السعداءِ مِنهم وتتعدَّاهم إلى غيرهم، فكثيرٌ من سلالة إبراهيم الخليل غدَوا أنبياء، وأصحابُ عيسَى صاروا حواريِّين، ورِفاق محمّدٍ شرفوا بالصُّحبة، وأزواجُه أمّهات للمؤمِنين، ونسلُه استَحَقّوا وصفَ الشَّرَف والسِّيادة، كيفَ لا وفيهم من دِمائه دم، ومِن روحِه نَبض، ومِن نوره قَبَسٌ، ومِن شذاه عَبَقٌ، ومِن وجوده بَقِيّة، صلّى الله عليه، وصلّى على آلِه وأزواجِه، وصلّى على صحابَتِه، وسلّم تسليمًا كثيرًا.

أيها المسلمون، ولِكَرَم النبيِّ كرُمت ذرِّيّتُه، ولشرفه شَرُف آلُ بيتِه، وكانت مودَّتهم ومحبَّتهم جزءًا من شريعةِ المسلمين، رَعَوها على مرِّ الزمان كما رَعَوا باقي الشريعةِ، وأقاموها كما أقاموا بقيّةَ أحكام الدين، وقد يكون قصّر بعضُ المسلمين في هذا الجانِب في مراحلَ منَ التاريخ وفي وقائعَ دوِّنَت بمدادٍ من أسى، كما يقصّر بعض المسلمين في بعض واجِبَاتهم، فتُكتَب عليهم ذنبًا من الذنوب وخطيئَة من الخطايَا، إلاَّ أن الطابِعَ العامّ للأمَّة هو معرفةُ قدرِهم وبَذلُ المودَّةِ لهم ومحبّتُهم ومُوالاتهم، شهِدَت بذلك عقائدُهم المدَوَّنة وتفاسِيرهم المبسوطَة وشُروحات السنَن وكتُبُ الفقه، كيف لا وهم وصيَّةُ نبيِّنا محمّدٍ ؟! هم وصيَّتُه وهُم بقِيَّته إذ يقول: ((أذكِّركم اللهَ في أهل بيتي، أذكِّركم الله في أهلِ بيتي، أذكِّركم الله في أهل بَيتي)) رَواه مسلم.

وآلُ بيتِه هم أزواجُه وذرِّيَّته وقرابَتُه الذين حرُمت عليهم الصدقة، هم أشراف الناس، وقد قالَ النبيُّ : ((فاطِمَةُ سيِّدة نِساء أهلِ الجنّة)) رواه البخاري، وفي الصحيحَين أنَّ النبيَّ قال: ((فاطِمة بَضعة مِني، فمن أغضبها أغضَبَني))، وفي روايةٍ في الصحيحين أيضًا: ((فاطِمَة بَضعة مني، يريبني ما رابها، ويُؤذِيني ما آذاها))، وروى البخاريّ رحمه الله أنَّ النبيَّ قال لعليِّ بن أبي طالبٍ رضي الله عنه: ((أنتَ مني وأنا منك))، كما قال النبيّ عن الحسنِ بنِ عليّ رضي الله عنه: ((إنَّ ابني هذا سيِّد، ولعلّ الله أن يصلِحَ به بينَ فِئَتين من المسلِمِين)) رواه البخاريّ، وعن أبي هريرةَ رضي الله عنه أنَّ النبيَّ قال للحسن رضي الله عنه: ((اللهم إني أحبّه، فأحبَّه وأحبَّ مَن يحِبُّه)) متَّفق عليه. وقد قال الله عَزّ وجلَّ في كتابه الكريم وقُرآنه العظيم: إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمْ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا [الأحزاب: 33]، ومعلومٌ أنَّ هذه الآيَةَ نزلت في أزواج النبيِّ ؛ لأنَّ ما قبلها وما بعدَها كلُّه خطابٌ لهن رضي الله عنهنّ. وفي الصحيحَين أنَّ النبيَّ قال لأصحابه: ((قولوا: اللّهمّ صلّ على محمد وأزواجه وذريّتِه كما صليتَ على آل إبراهيم، وبارك على محمّد وأزواجه وذرّيّته كما باركت على آل إبراهيم، إنك حميد مجيد))، وهذا يفسِّر اللفظ الآخرَ للحديث: ((اللّهمّ صَلّ على محمّد وعلى آل محمّد، وبارك على محمّد وعلى آل محمد))، فالآل هنا همُ الأزواج والذرّيّة كما في الحدِيثِ الأول.

عبادَ الله، هذه بَعضُ فضائلِ آلِ بيتِ النبوّة كما حفِظتها كتُبُ السنّة، والتَزَمَها المسلِمون منذُ صدرِ الإسلام الأوّل، وأنزلوهم منازِلَهم اللائِقةَ مِن غير إفراطٍ ولا تفريط، ففي صحيح البخاري عن ابن عمر رضي الله عنهما أنَّ أبا بكرٍ رضي الله عنه قال: (ارقُبوا محمّدًا في أهل بَيتِه)، وفي الصحيحين أنَّ أبا بكرٍ رَضِي الله عَنه قال لِعَليّ بن أبي طالب رضي الله عنه: (والذي نفسي بيده، لَقَرابة رسولِ الله أحبُّ إليّ أن أصِلَ مِن قرابتي)، وفي صحيح البخاريّ أنَّ عمر بن الخطاب رضي الله عنه شهد بالرِّضا لعلي بن أبي طالب رضي الله عنه والسَّبق والفضل، ولمّا وضَع الدّيوان بَدَأ بأهلِ بَيت النبيِّ ، وكانَ يَقول للعبّاس رضي الله عنه: (والله، لإسلامُك أحبُّ إليّ مِن إسلام الخطّاب لحُبِّ النبيِّ لإسلامك)، كما استسقى بالعبّاس، وأكرم عبد الله بنَ عبّاس وأدخلَه مع الأشياخ، كلُّ ذلك في صحيح البخاريّ وغيره. وقد روى إمامُ أهلِ السنة الإمامُ أحمد بنُ حنبل رحمه الله في فضائلِ آل البيت وحَفِظ للأمّة أحاديثَ كثيرةً في ذلك، منها ما رواه عن عبد المطلب بن ربيعةَ رضي الله عنه أن النبيَّ قال لعمّه العباس: ((والله، لا يَدخلُ قلبَ مسلمٍ إيمانٌ حتى يحبَّكُم للهِ ولقَرابَتي)).

قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: "ومن أصولِ أهل السنة والجماعة سلامةُ قلوبهم وألسنَتِهم لأصحاب رسول الله ، ويحبّون أهلَ بيت رسول الله ، ويتولَّونهم، ويحفظون وصيَّة رسول الله فيهم حيث قال يوم غدير خم: ((أذكِّرُكُم الله في أهل بيتي)) رواه مسلم"، وقال الطّحاويّ رحمه الله: "ونُبغِض من يبغِضُهم وبغَير الخيرِ يذكُرُهم، ولا نذكُرُهم إلا بخير، وحُبُّهم دين وإيمانٌ وإحسان، وبُغضُهم كفر ونِفاق وطغيان، ومَن أحسَنَ القولَ في أصحابِ رسول الله وأزواجِه الطَّاهِرات من كلِّ دَنَس وذُرّيّاته المقدَّسين من كلِّ رِجس فقد بَرِئ من النفاق".

عبادَ الله، إنَّ مما تُفاخر به هذه البلادُ المملَكةُ العربيّة السعوديّة مُنذ نشأتها بمراحِلِها الثلاث ـ حُكّامًا وعُلماءَ، رُعاةً ورَعِيّة ـ اتباعَ سنّةِ رسول الله وسنّةِ آل بيتِه وتعظيمهم ومحبّتهم واقتِفاء أثَرِهم والدّفاع عنهم وعن منهجِهِم ودينِهم الحقِّ، وقد اتخذَت ذلك دِينًا ومنهَجًا وقُربَةً إلى اللهِ عزّ وجلّ، وتحمَّلت في سبيلِ هذا المنهجِ العَدل طعونَ الطاعِنين ولمزَ الشانئين، ولا يزيدُها ذلك إلاَّ ثَباتًا على الحقّ وتمسُّكًا بمنهجِ الوَسَط واتِّباعًا لسنّة آلِ البيتِ حقًّا، ولَيس أحدٌ أتبَعَ لمنهَجِهم اليومَ مِن هذه البلاد وأهلِها وحكّامها وعُلَمائِها، قال الإمامُ المجدِّد محمّد بنُ عبدِ الوهّاب رحمه الله: "لآلِه حقٌّ لا يَشرَكُهم فيه غيرُهم، ويستحِقّون من زيادةِ المحبَّةِ والموالاة ما لا يستَحِقّه سائرُ قُرَيش، وقريشٌ يستَحِقّون ما لا يستَحِقّه غيرُهُم من القبَائِل"، وقال رحمه الله في موضع آخر: "وقد أوجَبَ الله لأهلِ بيتِ رَسولِ الله على النّاس حُقوقًا، فلا يجوزُ لمسلمٍ أن يسقِطَ حقوقَهم ويظنّ أنّه منَ التّوحيد، بل هو مِنَ الغلُوِّ والجفاء، ونحن ما أنكَرنَا إلاّ ادِّعاء الألوهيّة فيهم وإكرامَ مُدَّعِي ذلك" انتهى كلامه رحمه الله. وقال الإمامُ في السنّة في زمانه الشيخُ عبد العزيز بن باز رحمه الله: "والشيخُ محمّد رحمه الله ـ يعني ابنَ عبد الوهّاب ـ وأتباعُه الذين ناصَروا دعوتَه كلُّهم يحِبّون أهلَ بيت رسول الله الذين ساروا على نهجِه، ويَعرفون فضلَهم ويتقرَّبون إلى الله سبحانه بمحبَّتهم والدعاءِ لهم بالمغفرة والرحمة والرضا؛ كالعباس بنِ عبد المطلِّب رضي الله عنه عمِّ رسول الله ، وكالخليفَةِ الرابعِ الراشد عليّ بنِ أبي طالبٍ رَضي الله عنه وأبنائِه الحسنِ والحسَين ومحمّد رضي الله عنهم، ومَن سارَ على نهجِهم من أهلِ البيتِ" انتهى كلامُه رحمه الله.

أيُّها المسلمون، ولأنَّ آل بيتِ نبيِّنا محمّدٍ ومحبّتَهم أمرٌ تهفو إليه النّفوس وشعورٌ تجثو عنده العواطف وحِسٌّ يتحرَّك له الوجدان فقد نفَذ من هذا البابِ من استغلَّه وتاجر به واستخدَمَه من ادّعى خدمتَه منذ القرن الأوَّل من عُمر هذه الأمّة إلى أيّامنا هذه، وعلى مَرِّ ذلك التاريخ الطويل وتحتَ شِعار محبّة آل البيت والانتصار لهم برَزَت مطامعُ سياسيّة وأخرى ماديّة، وصُفِّيَت ثاراتٌ عِرقيّة عُنصريّة، واندسَّ موتورون بهذا الدين، شانِئون له، مبغضون لأهله، يهدمون أساسَه، ويَبغون اندِراسَه، حتى غُيِّرَت معالِمُ الدين، وشُوِّهَت الشريعة، وبُدِّلَت العَقيدة، ونَبَتَت الفُرقة، وثارَ غبارُ النزاع والشِّقاق، فطالوا أهَمَّ ما فيه وهو التوحيد، ثم كَرُّوا على أهمِّ مَسائل العقيدةِ فحرَّفوها، ثم أخذوا يعيثون فَسادًا في بقيَّة شرائع الدين، وأطاعوا شيوخَهم في التحليل والتحريم بلا هُدى؛ حتى صاروا كمَن قال الله فيهم: اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ [التوبة: 31]. عظَّموا المشاهدَ، وعطَّلوا المساجِد، ناهيك عن أكلِ أموال الناسِ بالباطل واستحلالِ فروج الحرائر وتكفيرِ عموم الأمّة وكَنِّ العداوةِ والبغضاء للعَرَب الذين هم مادّةُ الإسلام وأصلُ الإسلام، كلُّ هذا يحدُث ويكون تحت لافِتات النصرةِ لآل البيت. ومُحَصِّلةُ الأمرِ كلِّه تمكُّن مُندَسّين في تغييرِ عقائدِ الإسلامِ الرّاسِخة وشرائِعِه الثابِتَة وشعائِرِه الظاهِرَة لدى جماعةٍ من المسلِمين باسمِ آل البيت ومحبَّة آل البيت.

وهنا أمران يستَدعِيان الوقوف ويلِحَّان في الطرح:

أوّلهما: أنَّ آلَ البيت الثابتةَ أنسابُهم هنا بِالحجازِ أو ممّن انتَشَر مِنهم في البلاد أو حَكَم جزءًا من بلادِنا الإسلاميّة اليومَ هم أبعدُ الناس عن تلكَ المذاهِب المستَحدَثَة، تشهَد بذلك عقائدُهم ومؤلَّفات العلماءِ وطلبة العلم منهم ومواقِعُهم على شبكة الاتصال العالمية، وكذا مواقِفُ الساسَةِ منهم والحكّامِ فيهم، فهل بعد هذا بصيرةٌ لمستَبصِر وذكرى لمستذكر؟!

الأمر الثاني: أنّه في الوقت الذي يُنكر فيه المعروفون من آل البيت تلكَ العقائدَ الدخيلة تَنشط في الوقت نفسِه عناصرُ ليسوا عربًا ولا من نَسل العرب، ينشطون في الحديثِ باسمِ آل البيت وتَكوينِ دِين يزعمون أنه مستقى من آل البيت، دينٌ لا يعرِفُه صاحبُ البيتِ، ولم يأتِ به جدُّ آلِ البَيت؛ بل ويُخالِف شريعةَ مؤسِّسِه ، بل إنَّ أولائِك العجمَ هم الرُّعاة لهذه العقائِدِ المستحدَثَة، الناشرونَ لها منذُ نَشَأت إلى يَومِنا هذا.

بارك الله لي ولَكم في القرآنِ العظيم، ونفعَنا وإيّاكم بما فيه من الآيات والذّكر الحكيم، أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم.

 

الخطبة الثانية

الحمد لله ربِّ العالمين، الرَّحمن الرَّحيم، مالِكِ يوم الدين، وأشهَد أن لا إلهَ إلا الله وحدَه لا شريكَ له الملِك الحقّ المبين، وأشهَد أنَّ محمَّدًا عبدُه ورسوله، صلَّى الله عليه وعلى آله وصحبِه أجمعين.

أمَّا بعد: أيّها المسلمون، أَلم يأنِ أن يَتَساءَل العقلاءُ أو ممَّن تأثَّر بتلك الدعوات: لماذا لم تلقَ هذه العقائدُ قَبولاً في مَنازِلِ آلِ البيت وفي مهبط الوحي وموطن الرِّسالَة؟! ويقودُنا هذا إلى التَّأكيد على دورِ العلماء وطَلَبة العلم خاصّة من النسل الشريف وآل البيتِ المنيف ممّن جرَت في عروقهم الدماءُ الزكيّة أن يملِكوا زِمام المبادرة في الحفاظِ على عقيدة جدِّهم ، وأن لا يترُكوا الصوتَ العالي يذهب لغيرهم ممَّن يُتاجر باسمِهم ويَنتَفِع بالحديث عنهم مُفسِدًا أديانَ الناس وعقائِدَهم، [إنَّ عليهم وعلى عمومِ الأمّة مسؤوليةً عظمى لهدايَةِ النّاس وتَبصيرِهم بالدِّين الحقِّ الذي جاء به محمّدٌ واكتَمَل بوفاتِه، وتَنقية فِطَر المسلمين من لَوثاتِ الغُلُوّ والجفاء؛ لئلا تحيد بهم الأهواء عن صراط الله الذي قال فيه سبحانه: وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ [الأنعام: 153].

ولقد وفّق الله هذه البلاد ومنذ أن قامت في دورها الأول بلزوم جماعة المسلمين والتمسُّك بالإسلام الذي جاء به نبيُّنا محمد عن ربِّ العالمين، وقَفَوا أثر آل البيت وعموم الصحابة والتابعين؛ مما جعل للإسلام في هذه الديار بقاءً بنَقَاء وهيمنةً بصفاء. إن الإسلام الذي تمسَّكت به هذه البلاد هو الإسلام الذي قبِلَتْه أجيال الأمة على مرِّ القرون، يُسْلِمُه سلَفُهم إلى خَلَفِهم وعُلَماؤهم إلى مُتَعَلميهم، نافين عنه تحريفَ الغالين وانتحالَ المبطلين، ولأجل هذا كانت هذه البلاد بحكّامها وعلمائها في مَرْمَى سهام المتربِّصين وإفك الكاذبين، لقد نال علماءَ هذه البلاد الكثيرُ من الطعن والتكفير كما نال حكّامَه صنوفٌ من اللمز والتشكيك في المواقف السياسيّة والمبادرات والقرارات، في محاولةٍ للحدّ من تأثيرها الإيجابيّ في العالم، ولإقصائها عن الرّيادة في أمور الدين وفضاءِ السياسة، وهو الأمر الذي هو قَدْرُها وقَدَرها، ويمليه عليها مكانها ومكانتها، وتتطلَّع إليه قلوب المستضعَفين قبل عيونهم أملاً في لملمة شملٍ وتطلُّعًا لمداواة جرح ورغبةً في سدّ حاجة، ومواقفُها وسيرَتها شاهدة على الجمعِ لا التفريق، ورأب الصدع لا شقِّ الصفوف، حفِظَها الله قائمةً بالإسلام منافِحَة عنه][1].

ثم اعلَموا ـ رحمكم الله ـ أنَّ الله أمركم بأمر بدأ فيه بنفسه، فقال جلَّ من قائل: إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا [الأحزاب: 56].

اللّهمّ صلّ وسلّم وزِد وبارك على عبدك ورسولك محمد، وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.

اللَّهمّ أعِزَّ الإسلام والمسلمين، وأذلَّ الشرك والمشركين، ودمِّر أعداءَ الدين، واجعل هذا البلد آمِنا مطمئنًّا وسائرَ بلاد المسلمين. ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حَسَنة وقِنا عَذاب النّار. سبحانَ ربِّك ربّ العزّة عما يصفون، وسلامٌ على المرسلين، والحمدُ لله ربِّ العالمين.



[1] ما بين المعقوفين لم يلقه الخطيب من على المنبر لظرف صحيّ طارئ، وقد استفدناه من موقع "الإسلام اليوم" الذي يشرف عليه الدكتور سلمان بن فهد العودة، وقد ذكروا أنهم حصّلوا النص الكامل للخطبة بشكل خاصّ.

محامد و أدعية طباعة الخطبة بدون محامد وأدعية 

إلى أعلى

إذا كانت لديك أية ملاحظات حول هذه الخطبة، إضغط هنا لإرسالها لنا.

كما نرجو كتابة رقم هذه الخطبة مع رسالتك ليتسنى لنا التدقيق وتصويب الأخطاء

 
 

 2004© مؤسسة المنبر الخيرية للمواقع الدعوية على شبكة الإنترنت، جميع الحقوق محفوظة

عدد الزوار حالياً