.

اليوم م الموافق ‏10/‏شوال/‏1445هـ

 
 

 

البيت المسلم

5561

الأسرة والمجتمع

قضايا الأسرة

عبد الباري بن عوض الثبيتي

المدينة المنورة

28/6/1428

المسجد النبوي

محامد و أدعية طباعة الخطبة بدون محامد وأدعية 

ملخص الخطبة

1- من أغلى أماني الشباب والشابات. 2- نعمة البيت السعيد. 3- أساس البيت المسلم الزوجان. 4- البيت النبوي أسوة البيوت كلها. 5- سمة البيت المسلم الذي أقامه الرعيل الأول. 6- أهمية تربية الأولاد على الدين. 7- التربية بالقدوة الحسنة. 8- خطورة غياب البيت المسلم. 9- تسليم البيت المسلم لأمر الله. 10- البيت المسلم بيت الذكر والعبودية لله. 11- البيت المسلم بيت التعاون والتناصح. 12- أهمية العلم والعمل للبيت المسلم. 13- من سمات البيت المسلم الحياء. 14- حفظ الأسرار وإخفاء الخلافات. 15- علاقة البيت المسلم بالمجتمع. 16- التعاون في أداء الأعمال المنزلية. 17- كيف تتحقق السعادة؟

الخطبة الأولى

أمّا بعد: فأوصيكم ونفسِي بِتَقوى الله، قال تَعَالى: يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ ٱتَّقُواْ ٱللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ [آل عمران: 102].

في مثلِ هذِه الأيّام من كلِّ عامٍ تكثُرُ مناسبات الزّواج التي يتحقَّق بها أغلَى أمنياتِ الشباب من البنين والبنات في إقامةِ بَيتٍ مسلم سعيد، يجِدون فيه المأوَى الكريم والراحةَ النفسية والحلم السعيد، فيتَرعرَع في كنَف هذا البيت ويَنشَأ بين جنَباتِه جيلٌ صالح فريد، في ظلِّ أبوَّةٍ حادِبة وأمومةٍ حانية. هذا البيتُ، ما هي سماته؟ وما منهجُه؟ وكيف تتحقَّق سعادته؟ قال تعالى: وَمِنْ ءايَـٰتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوٰجًا لّتَسْكُنُواْ إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِى ذَلِكَ لآيَـٰتٍ لّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ [الروم: 21].

البيتُ نعمةٌ لا يَعرِف قِيمتَه وفضلَه إلاَّ مَن فَقَدَه فعاشَ في ملجَأ مُوحش أو ظلُماتِ سجن أو تائه في شارع أو فلاة، قال تعالى: وَٱللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مّن بُيُوتِكُمْ سَكَنًا [النحل: 80]، قال ابنُ كثير رحمه الله: "يَذكُر تبارك وتعالى تمامَ نِعمَتِه على عبيده بما جعل لهم من البيوت التي هي سكن لهم، يأوون إليها، ويستتِرون فيها، وينتَفِعون بها سائرَ وُجوهِ الانتفاع"[1].

البيتُ المسلم أمانةٌ يحمِلها الزوجان، وهما أساسُ بنيانه ودِعامة أركانه، وبهما يُحدِّد البَيتُ مسَارَه، فإذا استَقاما على منهجِ الله قولاً وعملاً وتزيَّنا بتقوَى الله ظاهرًا وباطنًا وتجمَّلا بحسنِ الخلق والسيرةِ الطيبة غدَا البيتُ مأوى النورِ وإشعاعَ الفضيلة، وسَطع في دنيا الناس ليصبح منطلَق بناءِ جِيلٍ صالح وصناعة مجتمعٍ كريم وأمَّة عظيمةٍ.

أيّها الزوجان، بيتُكما قلعةٌ من قلاع هذا الدّين، وكلٌّ منكما يَقِف على ثغرةٍ حتى لا ينفذَ إليها الأعداء. كلاكما حارسٌ للقلعة، وصاحبُ القوامةِ هو الزَّوج، وطاعتُهُ واجِبَة، قال رسول الله : ((كلكم راعٍ، وكلّكم مسؤول عن رعيَّته))، وقال: ((والمرأةُ راعيةٌ في بيتِ زوجها ومسؤولة عن رعيَّتها))[2].

إنَّ البيتَ النبويَّ ومن فيه من أمهات المؤمِنين هو أسوة البيوت كلِّها على ظهرِ الأرض، فهو بيتٌ نبويٌّ ترفَّع على الرفاهيَّةِ والترَف، وداوم الذِّكرَ والتلاوة، رَسَم لحياته معالمَ واضحة، وضرَب لنفسهِ أروعَ الأمثلَة في حياةِ الزهد والقناعةِ والرضا. خيَّر رسولُ الله نِساءَه دونَ إكراهٍ بعد أن أعَدّهنَّ إعدادًا يؤهِّلهنَّ لحياةِ المثُل العُليا والميادين الخالدة. نَزَلت آية التخيير تُخيِّر زوجاتِ النبي بين الحياةِ الدنيا وزينتِها وبين الله ورسوله والدارِ الآخرة، قال تعالى: يٰأَيُّهَا ٱلنَّبِىُّ قُل لأَزْوٰجِكَ إِن كُنتُنَّ تُرِدْنَ ٱلْحَيَوٰةَ ٱلدُّنْيَا وَزِينَتَهَا فَتَعَالَيْنَ أُمَتّعْكُنَّ وَأُسَرّحْكُنَّ سَرَاحًا جَمِيلاً  وَإِن كُنتُنَّ تُرِدْنَ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُ وَٱلدَّارَ ٱلآخِرَةَ فَإِنَّ ٱللَّهَ أَعَدَّ لِلْمُحْسِنَـٰتِ مِنكُنَّ أَجْرًا عَظِيمًا [الأحزاب: 28، 29]، قالَت عائِشَةُ وكُلُّ زوجاتِه رضي الله عنهنّ كلّهن قالَت: نختَار الله ورسولَه والدارَ الآخرة[3].

إنَّ البيت المسلم الذي أقامَه الرَّعيل الأوّلُ جعل منهجَه الإسلام قولاً وعملا، صبَغ حياتَه بنور الإيمان، ونهَل من أخلاقِ القرآن، فتخرَّج من أكنافه نماذجُ إسلاميّةٌ فريدة، كتبت أروعَ صفحات التاريخ وأشدَّها سطوعًا. خرّج البيت المسلِمُ آنذاك للحياة الأبطالَ الشّجعان والعلماءَ الأفذاذ والعبَّادَ الزهاد والقادَةَ المخلصين والأولاد البررة والنساءَ العابدات، هكذا هي البيوت المسلمة لمّا بُنِيت على أساسِ الإيمان والهدايةِ واستنارَت بنور الإيمان.

إنَّ البيتَ المسلِمَ التقيَّ النقيَّ حَصانةٌ للفطرَةِ مِن الانحرافِ، قالَ : ((ما مِن مولودٍ إلاّ يولَد على الفطرة، فأبواه يهوِّدانه أو ينصِّرانه أو يمجِّسانه)) أخرجه البخاريّ[4]. يقول ابن القيِّم رحمه الله: "وأكثر الأولادِ إنما جاءَ فسادُهم من قِبَل الآباء وإهمالهم لهم وتَركِ تعليمهم فرائضَ الدّين وسننه، فأضاعوهم صغارًا، فلم ينتَفِعوا بأنفسهم ولم ينفعوا آباءهم كبارًا"[5].

ما أجمَلَ أن يجمَع سيّدُ البَيت أولادَه فيَقرَأ عَليهم شيئًا من القرآن، ويسرُد عليهم من قصَصِ الأنبياء، ويغرِسَ في قلبهم وسلوكِهِم الآدابَ العالِية.

من أَولى أولويّات البيتِ المسلم وأسمى رِسالةٍ يقدِّمها للمجتَمَع تربِية الأولاد وتكوينُ جيل صالحٍ قويّ. لا قيمةَ للتربِية ولا أثرَ للنصيحة إلا بتحقيقِ القدوة الحسنة في الوالدين؛ القدوة في العبادة والأخلاق، القدوةِ في الأقوال والأعمالِ، القدوة في المخبر والمظهَر، قال تعالى: وَٱلَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوٰجِنَا وَذُرّيَّـٰتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَٱجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا [الفرقان: 74]، وتَدبَّر دعوةَ إبراهيمَ عليه السلام: رَبّ ٱجْعَلْنِى مُقِيمَ ٱلصَّلوٰةِ وَمِن ذُرّيَتِى رَبَّنَا وَتَقَبَّلْ دُعَاء [إبراهيم: 40]، وقالَ تعالى: وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِٱلصَّلوٰةِ وَٱصْطَبِرْ عَلَيْهَا لاَ نَسْأَلُكَ رِزْقًا نَّحْنُ نَرْزُقُكَ وَٱلْعَـٰقِبَةُ لِلتَّقْوَىٰ [طه: 132].

في غيابِ البيتِ المسلِمِ المستقيم الهادِئ الهانئ يَنمُو الانحرافُ وتَفشُو المخدِّرات وترتَفِع نسبةُ الجريمة. إنَّ البيت الذي لا يغرس الإيمانَ ولا يستقيم على نهج القرآنِ ولا يعيش في ألفةٍ ووئام يُنجب عناصرَ تعيش التمزُّقَ النفسي والضياعَ الفكري والفسادَ الأخلاق، هذا العقوق الذي نجِده من بعض الأولادِ والعلاقاتُ الخاسِرة بَين الشبابِ والتخلّي عن المسؤُوليّة والإعراض عن الله والتّمرُّد على القِيَم والمبادِئ الذي يَعصِف بفريقٍ من أبناءِ أمّتنا اليوم نتيجةٌ حتميّة لبيتٍ غَفَل عن التزكية وأهمل التربية وفقد القدوة وتشتَّت شملُه.

البيتُ المسلِم من سماتِه الأصيلة أنّه يَردُّ أمرَه إلى الله ورَسولِه عند كلِّ أمرٍ وفي كلِّ خِلاف مهما كان صغيرًا، وكلُّ مَن فيه يَرضَى ويسلِّم بحكمِ الله، وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلاَ مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى ٱللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَن يَكُونَ لَهُمُ ٱلْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَن يَعْصِ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَـٰلاً مُّبِينًا [الأحزاب: 36].

حياةُ البيتِ المسلم وسَعادَتُه وأُنسه ولذَّتُه في ذكر الله، فعَن أبي موسى رضي الله عنه قال: قالَ رسول الله : ((مَثَل البيتِ الذي يُذكَر الله فيه والبيتِ الذي لا يُذكر الله فيه مثلُ الحيِّ والميِّت)) أخرجه المسلم[6]، وعَنِ ابنِ عمَر رضي الله عَنهما عن النبيِّ قال: ((اجعَلُوا مِن صَلاتِكم في بيوتِكم ولا تتَّخذوهَا قُبورًا))[7]، وعن أبي هريرةَ قال: قال رسولُ الله : ((لا تجعَلوا بيوتَكم مقابر، إنَّ الشيطان ينفر من البيتِ الذي تقرأ فيه سورَة البقرة))[8]، وقال: ((علَيكم بالصلاة في بيوتكم، فإنَّ خير صلاة المرء في بيتِه إلا الصلاة المكتوبة)) أخرجه البخاري ومسلم[9].

هذه الأحاديثُ وغيرُها تَدلّ على مَشروعيّة إِحياءِ بيوت المسلِمين وتنويرِها بذكر الله منَ التّهليل والتّسبيح والتّكبير وغيرِ ذلك من أنواع الذكر، إحياؤها بالإكثارِ من صلاة النافلة، وإذا خَلَتِ البيوت من الصلاة والذّكر صارَت قبورًا موحشة وأطلالاً خرِبة ولو كانت قصورًا مشيدة. بدون ذكرِ الله والقرآن تغدو البيوتُ خامِلة ومرتعًا للشيطان، سُكَّانها موتى القلوب وإن كانوا أحياءَ الأجسادِ.

مِن سماتِ البيتِ المسلم تعاونُ أفراده على الطاعةِ والعبادة، فضَعْفُ إيمانِ الزوجة يقوِّيه الزوجُ، واعوجاج سلوك الزوجة يقوِّمه الزوج، تكاملٌ وتعاضُد ونصيحة وتناصر، قالت عائشة رضي الله عنها: كانَ رسول الله يصلِّي من اللّيل، فإذا أوتَرَ قال: ((قُومي فأَوتِري يا عائِشة)) أخرجه مسلم[10]، وقال: ((رَحِم الله رجلاً قام من الليل فصلّى وأيقظ امرأتَه، فإن أبَت نضح في وجهِها الماء، ورحم الله امرأةً قامت من اللّيل فصلَّت وأيقظَت زوجها، فإن أبى نَضَحَت في وجهِه الماء)) أخرجه أبو داود من حديث أبي هريرة رضي الله عنه[11]. يدلُّ الحَديثان على أنَّ لِكلٍّ من الرّجل والمرأة دورًا في إصلاحِ صاحبه وحثِّه على طاعة الله عزّ وجلّ.

يُؤسَّس البيتُ المسلم على عِلمٍ وعمَل، علمٍ يدلّه على الصِّراط المستقيم ويُبصِّر بسُبُل الجحيم، علمٍ بآداب الطهارة وأحكام الصّلاة وآداب الاستئذان والحلالِ والحرام، لا يجهَل أهلُ البيت أحكامَ الدين، فهم ينهَلون من علم الشريعة في حَلقةِ علمٍ بين الفينة والأخرى، قال تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا [التحريم: 6]. هذه الآيةُ أصلٌ في تعليم أهل البيت وتربيتهم وأمرهم بالمعروف ونهيهم عن المنكر، وحقٌّ على المسلم أن يعلّم أهلَه كما قال عليٌّ : (علِّموهم وأدِّبوهم). قال القرطبيّ رحمه الله: "فعلينا تعليمُ أولادِنا وأهلينا الدينَ والخيرَ وما لا يُستَغنى عنه من الأدبِ".

من سمات البيتِ المسلم الحياء، وبه يُحصِّن البيتُ كيانَه من سِهام الفتك ووسائل الشرّ التي تدَع الديار بلاقِع. لا يليقُ ببيتٍ أُسِّس علَى التَّقوى أن يُهتَك سِتره ويُلفظَ حَياؤه ويُلوَّث هواؤه بما يخدش الحياءَ.

مِن سماتِ البيت المسلم أنَّ أسرارَه محفوظة وخِلافاته مستورة، لا تُفشى ولا تُستقصَى، قال : ((إنَّ مِن أشرِّ الناس عندَ الله منزلةً يومَ القيامة الرجل يُفضِي إلى امرأته وتفضي إليه ثم ينشر سِرَّها)) أخرَجَه مسلم من حديث أبي سعيد الخدريّ [12].

بارَك الله لي ولَكم في القرآنِ العظيمِ، ونفعني وإيّاكم بما فيهِ من الآياتِ والذّكر الحكيم، أقول ما تسمعون، وأستغفر الله العظيم لي ولكم فاستَغفِروه، إنه هو الغَفور الرّحيم.



[1] تفسير القرآن العظيم (2/581).

[2] أخرجه البخاري في الجمعة (893)، ومسلم في الإمارة (1829) من حديث ابن عمر رضي الله عنهما.

[3] أخرجه البخاري في التفسير (4786)، ومسلم في الطلاق (1475) من حديث عائشة رضي الله عنها.

[4] صحيح البخاري: كتاب الجنائز (1358) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه، وهو أيضا عند مسلم في القدر (2658).

[5] تحفة المودود (ص229).

[6] صحيح مسلم: كتاب صلاة المسافرين (779)، وهو عند البخاري في الدعوات (6407) بنحوه.

[7] أخرجه البخاري في الصلاة (432)، ومسلم في صلاة المسافرين (777).

[8] أخرجه مسلم في صلاة المسافرين (780).

[9] صحيح البخاري: كتاب الأدب (6113)، صحيح مسلم: صلاة المسافرين (781) من حديث زيد بن ثابت رضي الله عنه.

[10] صحيح مسلم: كتاب صلاة المسافرين (744)، وأخرجه البخاري في الصلاة (512).

[11] سنن أبي داود: كتاب الصلاة، باب: قيام الليل (1113)، وأخرجه أيضًا أحمد (2/250)، والنسائي في قيام الليل وتطوع النهار، باب: الترغيب في قيام الليل (1592)، وابن ماجه في إقامة الصلاة والسنة فيها، باب: ما جاء فيمن أيقظ أهله من الليل (1326)، وصححه ابن خزيمة (3/183-1148)، وابن حبان (6/307-3567)، والحاكم (1/309)، وهو في صحيح سنن أبي داود (1287).

[12] صحيح مسلم: كتاب النكاح (1437).

الخطبة الثانية

الحمد لله على كلِّ حال، ونسأله سبحانه العافيةَ والمعافاة الدائمةَ في الحال والمآل، وأشهد أن لاَ إلهَ إلاّ الله وحدَه لا شريكَ له تفرّد بالعظمة والجلال، وأشهد أنَّ سيِّدنا ونبيَّنا محمَّدًا عبده ورسولُه أكرَمَه الله بأفضلِ الخصال، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلّم.

أمّا بعد: فأوصيكم ونفسي بتقوى الله.

البيتُ المسلِم يُقيم عَلاقاتِه معَ المجتمع على أساسِ الإيمان، إنّه يزداد نورًا بزيَارَة أهل الصّلاح، فالمؤمن كحاملِ المسك؛ إما أن يعطيَك، وإما أن تشتريَ منه، وإما أن تجدَ منه ريحًا طيّبة، رَّبّ ٱغْفِرْ لِى وَلِوٰلِدَىَّ وَلِمَن دَخَلَ بَيْتِىَ مُؤْمِنًا وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَٱلْمُؤْمِنَـٰتِ وَلاَ تَزِدِ ٱلظَّـٰلِمِينَ إِلاَّ تَبَارًا [نوح: 28].

لا يدخُلُ البيتَ المسلم من لاَ يُرضَى دينُه، فدخول المفسِدِ فسَاد، وولوجُ المشبُوه خطرٌ على فلَذَات الأكباد، بهؤلاء فسدَت الأخلاق في البيوت، وفشَا السِّحر، وحَدَثت السرقات، وانقلبت الأفراح أتراحًا، بل إنهم معاوِلُ هدم للبيتِ السّعيد.

البيتُ المسلم تتعمّق صلاتُه وتَزداد رسوخًا بإحياءِ مَعاني التعاوُن في مهمات البيتِ وأعماله، ولنا في رَسول الله أسوةٌ حَسَنة، لمّا سئِلت عائشة رضي الله عنها: ما كان رسول الله يعمَل في بيتِه؟ فأجابَت: كان بشَرًا من البشَر؛ يفلي ثوبَه، ويحلِب شاتَه، ويخدم نفسَه. أخرجه أحمد[1]. وفي روايَة: كان يكون في مهنَة أهله ـ تعني خدمةَ أهله ـ، فإذا حضرت الصلاة خَرَج إلى الصلاة. أخرجه البخاري[2].

لو طُلب من أَحدِنا أن يتَمنّى في الدنيا لكان مأمولُه وعظيمُ مطلوبه أن يعيش في كنَف السعادة، وتغمرَ حقيقتُها أرجاءَ البيت. هذه السعادة في البيتِ المسلم لا تتحقَّق بتَوَافر المسكنِ الفاخر والأثاثِ الفاخر والملابس الفاخِرة، السعادة في البيتِ المسلم تتوفَّر بتحقيقِ تقوى الله عند كلٍّ من الزّوجين ومراقبتِه في السرّ والعَلَن وفي الغَيبِ والشهادة، تتحقَّق السعادة بأن يَنظُر كلٌّ من الزوجين إلى الزّواج على أنه عبادةٌ يَتَقرّب كلٌّ منهما إلى الله بحُسنِ أداء واجباتِه الزوجيّة بإخلاصٍ وإتقان.

في ظلِّ هذه المعاني يَقوم البيتُ المسلم السعيد عَامرًا بالصّلاة والقرآن، تظلِّله المحبَّةَ والوئام، وتَنشَأ الذريّة الصالحة فتكون قرَّةَ عَين للوالدين ومَصدرَ خيرٍ لهما في الدّنيا والآخرة، قال تَعَالى: مَنْ عَمِلَ صَـٰلِحًا مّن ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَىٰ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَوٰةً طَيّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ [النحل: 97].

ألاَ وصلّوا ـ عبادَ الله ـ على رسولِ الهدى، فقد أمركم الله بذَلك في كِتَابِه فَقَال: إِنَّ ٱللَّهَ وَمَلَـٰئِكَـتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى ٱلنَّبِىّ يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ صَلُّواْ عَلَيْهِ وَسَلّمُواْ تَسْلِيمًا [الأحزاب: 56].

اللّهمّ صلِّ وسلِّم على عَبدِك ورَسولك محمّد، وارضَ اللّهمّ عن خُلفائه الأربعة الرَّاشِدين...



[1] مسند أحمد (6/256)، وأخرجه أيضًا البخاري في الأدب المفرد (541)، والترمذي في الشمائل (343)، وأبو يعلى (4873)، وأبو نعيم في الحلية (8/331)، وصححه ابن حبان (5675)، وقال الذهبي في السير (7/158): "هذا حديث صالح الإسناد"، وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة (671).

[2] صحيح البخاري: كتاب الأذان (676).

محامد و أدعية طباعة الخطبة بدون محامد وأدعية 

إلى أعلى

إذا كانت لديك أية ملاحظات حول هذه الخطبة، إضغط هنا لإرسالها لنا.

كما نرجو كتابة رقم هذه الخطبة مع رسالتك ليتسنى لنا التدقيق وتصويب الأخطاء

 
 

 2004© مؤسسة المنبر الخيرية للمواقع الدعوية على شبكة الإنترنت، جميع الحقوق محفوظة

عدد الزوار حالياً