.

اليوم م الموافق ‏28/‏شوال/‏1445هـ

 
 

 

الإجازة رأس مال فمن يستثمره؟

5557

الرقاق والأخلاق والآداب

اغتنام الأوقات

عبد الله بن محمد البصري

القويعية

14/6/1428

جامع الرويضة الجنوبي

محامد و أدعية طباعة الخطبة بدون محامد وأدعية 

ملخص الخطبة

1- توالي الإجازات الصيفية وأماني الناس. 2- ضرورة استغلال الإجازة الصيفية. 3- نعمة الصحة والفراغ. 4- فرصة الإجازة. 5- رأس مال المسلم. 6- التحذير من منكرات الإجازة الصيفية.

الخطبة الأولى

أَمَّا بَعدُ: فَأُوصِيكُم ـ أَيُّهَا النَّاسُ ـ وَنَفسِي بِتَقوَى اللهِ الذِي لا عِزَّ إِلاَّ بِطَاعَتِهِ وَلا نجاةَ إِلاَّ بِتَقوَاهُ، وَمَن يُطِعِ اللهَ وَرَسُولَهُ وَيَخْشَ اللهَ وَيَتَّقْهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الفَائِزُونَ.

أَيُّهَا المُسلِمُونَ، تَذهَبُ إِجَازَةٌ وَتجيءُ أُخرَى، وَتَنتَهِي عُطلَةٌ وَتَبدَأُ ثَانِيَةٌ، وَعِندَ إِقبَالِ كُلِّ وَاحِدَةٍ يُمَنِّي المَرءُ نَفسَهُ بِأَمَانِيَّ كَثِيرَةٍ، وَيَعِدُهَا بِمَوَاعِيدَ مُختَلِفَةٍ، ذَاكَ يَأمَلُ حِفظَ القُرآنِ أَو مَا تَيَسَّرَ مِنهُ، وَهَذَا يَضَعُ في بَرنَامجِهِ أَن يَقرَأَ كِتَابًا أَو يَستَمِعَ لِدُرُوسٍ في أَشرِطَةٍ، وفي النَّاسِ مَن يُخَطِّطُ لِحُضُورِ دَورَاتٍ شَرعِيَّةٍ أَو عِلمِيَّةٍ أَو مَهَارِيَّةٍ، وَفِيهِم مَن يُسَافِرُ بِخَيَالِهِ قَبلَ بَدَنِهِ، وَيُمَتِّعُ خَاطِرَهُ بِقَضَاءِ سَفَرٍ دَاخِلِيٍّ أَو خَارِجِيٍّ، وَيُعِدُّ العُدَّةَ وَيَجمَعُ المَالَ وَيَعِدُ الرِّفَاقَ، وَتَبدَأُ الإِجَازَةُ وَتَستَمِرُّ، وَيَتَوَالى مُرُورُ أَيَّامِهَا يَومًا بَعدَ يَومٍ، وَيَتَتَابَعُ تَصَرُّمُ لَيالِيهَا لَيلَةً بَعدَ أُخرَى، فَإِذَا بِالأَهدَافِ التي وُضِعَت تَتَبَدَّدُ، وَإِذَا بِالأَمانيِّ التي عُقِدَت تَتَنَاثَرُ، وَتَنقَضِي الإِجَازَةُ وَمَا قَضَى مُرِيدٌ مُرَادَهُ، وَتَضِيعُ وَمَا حَصَّلَ مُتَمَنٍّ مَا تَمَنَّى، أَفَلَم يُفَكِّرْ أَحَدُنَا بِجِدٍّ في هَذَا الوَاقِعِ المُرِّ مَرَّةً وَيُسَائِلُ نَفسَهُ: لماذا لا يَتَغَيَّرُ وَاقِعِي مِن سَيِّئٍ إِلى حَسَنٍ وَمِن حَسَنٍ إِلى أَحسَنَ؟! لماذا لا أَستَفِيدُ مِنَ الإِجَازَةِ وَأَستَثمِرُ فَرَاغِي؟! لماذا تَضِيعُ الأَيَّامُ عَلَيَّ سُدًى وَيَذهَب وَقتي هَدَرًا؟!

إِنْ كَانَ قَد طَرَأَ عَلَيكَ مِثلُ هَذِهِ التَّسَاؤُلاتِ ـ أَخي المُسلِمَ ـ فَاعلَمْ أَنَّ ذَلِكَ أَوَّلُ بِدَايَةٍ لِسَيرِكَ في الطَّرِيقِ الصَّحِيحِ، وَإِن لم تُفَكِّرْ يَومًا مِثلَ هَذَا التَّفكِيرِ فَاعلَمْ أَنَّ قَلبَكَ مَيِّتٌ فَاسأَلِ اللهَ أَن يَبعَثَهُ، أَو مَرِيضٌ فَادعُ اللهَ أَن يَشفِيَهُ. قال : ((خَيرُ النَّاسِ مَن طَالَ عُمُرُهُ وَحَسُنَ عَمَلُهُ، وَشَرُّ النَّاسِ مَن طَالَ عُمُرُهُ وَسَاءَ عَمَلُهُ))، وقال عليه الصلاةُ وَالسَّلامُ: ((اِغتَنِمْ خمسًا قَبلَ خمسٍ: شَبَابَكَ قَبلَ هَرَمِكَ، وَصِحَّتَكَ قَبلَ سَقَمِكَ، وَغِنَاكَ قَبلَ فَقرِكَ، وَفَرَاغَكَ قَبلَ شُغلِكَ، وَحَيَاتَكَ قَبلَ مَوتِكَ)).

أَلَيسَ مِنَ الخُسرَانِ أَنَّ لَيَالِيًا     تَمُرُّ بِلا نَفعٍ وَتُحسَبُ مِن عُمرِي

أَيُّها الإِخوَةُ، إِنَّ لاستِغلالِ الإِجَازَةِ طُرُقًا وَأَسَالِيبَ كَثِيرَةً، وَلِضَيَاعِهَا أَسبَابٌ مُتَعَدِّدَةٌ، فَمَن سَلَكَ الطُّرُقَ الصَّحِيحَةَ وَاتَّبَعَ الأَسَالِيبَ المُثلَى وَاستَقبَلَ وَقتَهُ بِالجِدِّ مِن أَوَّلِهِ وَبَكَّرَ وَبَادَرَ أَوشَكَ أَن يَستَفِيدَ وَيَصِلَ إِلى مُرَادِهِ، وَمَن أَخَذَ بِأَسبَابِ الضَّيَاعِ وَسَوَّفَ وَأَجَّلَ وَتَقَاعَسَ وَتَأَخَّرَ فَلَن يَجنيَ إِلاَّ الضَّيَاعَ.

إِذَا أَنـتَ لم تَستَقبِلِ الأَمرَ لم تَجِدْ       بِكَفَّيـكَ في إِدبَـارِهِ مُتَعَلَّقـا

إِنَّ الوَقتَ لا يَتَوَقَّفُ، وَإِنَّ العُمرَ في ازدِيَادٍ، وَإِنَّ الأَجَلَ يَقرُبُ وَيَدنُو، وَالمَوتُ بِالمِرصَادِ لا يغفلُ، قُلْ إِنَّ المَوتَ الَّذِي تَفِرُّونَ مِنهُ فَإِنَّهُ مُلاقِيكُم ثُمَّ تُرَدُّونَ إِلى عَالِمِ الغَيبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُم تَعمَلُونَ.

أَيُّهَا المُسلِمُونَ، إِنَّ أَبنَاءَنَا في الإِجَازَةِ يَعِيشُونَ فَرَاغًا كَبِيرًا، وَيَتَقَلَّبُونَ سَاعَاتٍ طِوَالاً لا يَجِدُونَ فِيهَا مَا يَشغَلُهُم، وَإِنَّهُ يَجِبُ أَن نَعلَمَ أَنَّ هَذَا الفَرَاغَ جُزءٌ مِن أَعمَارِهِم وَحَجَرٌ في بِنَاءِ ثَقَافَتِهِم، إِنْ لم يُستَثمَرْ فِيمَا يَنفَعُهُم وَيَعُودُ عَلَيهِم بِالفَائِدَةِ في دُنيَاهُم وَآخِرَتِهِم فَإِنهم سَيَقضُونَهُ فِيمَا يَضُرُّهُم في دِينِهِم وَأَخلاقِهِم، وَقَد صَحَّ عنه أَنَّهُ قال: ((نِعمَتَانِ مَغبُونٌ فِيهِمَا كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ: الصِّحَّةُ وَالفَرَاغُ))، وَمَعنى كَونِ كَثِيرٍ مِنَ النَّاسِ مَغبُونِينَ في هَاتَينِ النِّعمَتَينِ أَنهم لا يُحسِنُونَ استِعمَالَهُمَا فِيمَا يَنبَغِي، وَلا يَشكُرُونَ اللهَ جل وعلا عَلَيهِمَا الشُّكرَ الوَاجِبَ، ذَلِكَ أَنَّ الإِنسَانَ قَد يَكُونُ صَحِيحًا وَلَكِنَّهُ مَشغُولٌ، وَقَد يَكُونُ فَارِغًا لَكِنَّهُ مَرِيضٌ، وَأَمَّا إِذَا اجتَمَعَ لَهُ الصِّحَّةُ وَالفَرَاغُ فَقَد جمع نِعمَتَينِ مِن أَجَلِّ النِّعَمِ التي يَستَعِينُ بها العَبدُ على العَمَلِ لآخِرَتِهِ وَالتَّقَرُّبِ لِرَبِّهِ، فَإِذَا غَلَبَ عَلَيهِ الكَسَلُ عَنِ الطَّاعَةِ وَالحَالُ هَذِهِ أَو استَعمَلَ تِلكَ النِّعمَتَينِ في المَعصِيَةِ وَالضَّيَاعِ فَهُوَ المَغبُونُ حَقًّا؛ لأَنَّ الفَرَاغَ يَعقُبُهُ الشُّغلُ، وَالصِّحَّةُ يَعقُبُهَا السَّقَمَ أُوِ الهَرَمُ.

أَيُّهَا المُسلِمُونَ، لا يَحسُنُ بِمَن مَطِيَّتُهُ الأَيَّامُ أَن يَنَامَ، ذَلِكَ أَنها سَائِرَةٌ بِهِ وَإِنْ لم يَسِرْ، مُتَحَرِّكَةٌ وَإِن هُوَ تَوَقَّفَ، وَمِن هُنَا كَانَ لِزَامًا عَلَى المَرءِ أَن يجعَلَ لِكُلِّ يَومٍ عَمَلاً يُنجِزُهُ، وَأَن يُخَصِّصَ لِكُلِّ سَاعَةٍ مُهِمَّةً يَقضِيهَا، وَإِلاَّ ضَاعَت عَلَيهِ الغَنَائِمُ وَالفُرَصُ، وَتَجَرَّعَ الآلامَ وَالغُصَصَ، وَإِنَّهُ مَا آفَةٌ تَأكُلُ الوَقتَ وَتُذهِبُهُ في غَيرِ فَائِدَةٍ مِثلُ آفَةِ التَّسوِيفِ وَالتَّأجِيلِ، حَيثُ يُؤَجِّلُ المَرءُ عَمَلَ اليَومِ إِلى الغَدِ، فَإِذَا جَاءَ الغَدُ اجتَمَعَ عَلَيهِ عَمَلانِ أَو أَكثَرُ، فَإِنْ هُوَ بَدَأَ بِأَحَدِهِمَا فَقَد يَكِلُّ وَيَمَلُّ قَبلَ أَن يَأتيَ دَورُ الآخَرِ، وَإِذَا هُوَ تَحَامَلَ عَلَى نَفسِهِ وَجَمَعَ عَلَيهَا العَمَلَينِ أَرهَقَهَا، فَطَلَبَتِ الرَّاحَةَ في اليَومِ الذِي بَعدَهُ، فَأَضَاعَ عَمَلَ ذَلِكَ اليَومِ، وَمِن هُنَا كَانَ عَلَيهِ تَرتِيبُ وَقتِهِ وَإِشغَالُ نَفسِهِ وَمُصَاحَبَةُ مَن يُعِينُهُ عَلَى ذَلِكَ وَتَجَنُّبُ الفَارِغِينَ البَطَّالِينَ الذِينَ لا يُؤَدُّونَ وَاجِبًا وَلا يَحفَظُونَ وَقتًا.

إِنَّ في الإِجَازَةِ لَفُرَصًا لِمَن أَرَادَ لأَبنَائِهِ الخَيرَ، فَهُنَاكَ النَّوَادِي الصَّيفِيَّةُ في بَعضِ المَدَارِسِ، وَهُنَاكَ الدَّورَاتُ المُكَثَّفَةُ لِحِفظِ القُرآنِ في بَعضِ الجَوَامِعِ وَالمَسَاجِدِ، وَثَمَّةَ دَورَاتٌ عِلمِيَّةٌ شَرعِيَّةٌ وَمُلتَقَيَاتٌ شَبَابِيَّةٌ دَعَوِيَّةٌ، وَمَكَاتِبُ الدَّعوَةِ وَالجَمعِيَّاتُ الخَيرِيَّةُ مُفَتَّحَةُ الأَبوَابِ لِمَن أَرَادَ التَّعَاوَنَ مَعَهَا في مَنَاشِطِهَا، وَفَضَلاً عَن هَذَا فَإِنَّ في الأَعمَالِ الدُّنيَوِيَّةِ المُبَاحَةِ مِن تِجَارَةٍ أَو زِرَاعَةٍ أَو صِنَاعَةٍ أَو مِهَنٍ أَو حِرَفٍ أَو تِقنِيَاتٍ، إِنَّ فِيهَا لَمَندُوحَةً عَنِ البَطَالَةِ وَالكَسَلِ، فَمَا عَلَى الأَبِ إِلاَّ أَن يَلتَفِتَ يَمنَةً أَو يَسرَةً وَيَطلُبَ لابنِهِ مَا يُنَاسِبُهُ وَيُلحِقَهُ بِعَمَلٍ يَنفَعُهُ وَيَشغَلُ وَقتَهُ عَمَّا يَضُرُّهُ وَيُفسِدُهُ.

أَعُوذُ بِاللهِ مِنَ الشَّيطَانِ الرَّجِيمِ، وَالعَصرِ إِنَّ الإِنسَانَ لَفِي خُسرٍ إِلاَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوا بِالحَقِّ وَتَوَاصَوا بِالصَّبرِ.

 

الخطبة الثانية

أَمَّا بَعدُ: فَاتَّقُوا اللهَ الذِي أَنتُم إِلَيهِ صَائِرُونَ، وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللهَ فَأَنسَاهُم أَنفُسَهُم، أُولَئِكَ هُمُ الفَاسِقُونَ.

أَيُّهَا المُسلِمُونَ، لِكُلِّ تَاجِرٍ رَأسُ مَالٍ هُوَ في حِرصٍ دَائِمٍ عَلَى تَنمِيَتِهِ وَرَفعِهِ، فَإِذَا لم يَستَطِعْ أَو حَالَت دُونَ ذَلِكَ ظُرُوفٌ حَاوَلَ أَن يُبقِيَ عَلَى ذَلِكَ المَالِ، وَبَذَلَ جُهدَهُ لِئَلاَّ يَلحَقَهُ نَقصٌ، وَالمُسلِمُ وَهُوَ يَسِيرُ إِلى الآخِرَةِ لَهُ رَأسُ مَالٍ لا يجوزُ لَهُ أَن يُفَرِّطَ فِيهِ بِحَالٍ، مُقِيمًا كَانَ أَو مُسَافِرًا، مَشغُولاً أَو فَارِغًا، في عَمَلٍ كَانَ أَو في عُطلَةٍ. وَإِنَّ مِنَ المُسلِمِينَ أُنَاسًا إِذَا فَرَغَ أَبنَاؤُهُم مِنَ الدِّرَاسَةِ وَكَانُوا في عُطلَةٍ أَفسَدُوا مِن أُمُورِهِم مَا صَلَحَ، وَبَدَّدُوا مِن شَأنِهِم مَا اجتَمَعَ، وَنَقَضُوا مَا أَبرَمُوا وَهَدَّمُوا مَا بَنَوا، حَيثُ يجعلُونَ اللَّيلَ سَهَرًا عَلَى اللَّهوِ وَاللَّعِبِ، وَالنَّهَارَ نَومًا عَنِ الصَّلاةِ وَالعَمَلِ، فَلَيتَ شِعرِي أَيُّ رَأسِ مَالٍ بَقِيَ لِهَؤُلاءِ وَقَد أَضَاعُوا الصَّلاةَ؟! وَأَيُّ فَائِدَةٍ استَفَادُوهَا وَقَد أَسقَطُوا عَمُودَ الإِسلامِ؟! إِنَّهُ لا أَحَدَ يَجهَلُ أَنَّ الصَّلاةَ أَهَمُّ أَركَانِ الإِسلامِ بَعدَ الشَّهَادَتَينِ، وَأَنَّهُ لا حَظَّ في الإِسلامِ لِمَن تَرَكَ الصَّلاةَ، وَأَنَّ رَسُولَ اللهِ كان يَكرَهُ النَّومَ قَبلَ صَلاةِ العِشَاءِ وَالسَّهَرَ بَعدَهَا، كُلُّ ذَلِكَ خَوفًا مِن أَن تَفُوتَهُ صَلاةُ الفَجرِ التي هِيَ مِنَ الصَّلَوَاتِ بِمَنزِلَةٍ عَظِيمَةٍ، ولها في حَيَاةِ المُسلِمِ مَكَانَةٌ كَبِيرَةٌ، لا يُحَافِظُ عَلَيهَا إِلاَّ المُؤمِنُونَ، وَلا يَستَثقِلُهَا إِلاَّ المُنَافِقُونَ.

فَلْيَحذَرِ المُسلِمُونَ وَقَد أَنعَمَ اللهُ عَلَيهِم بِنِعمَةِ الفَرَاغِ مِن أَن يَملَؤُوهُ بما يُغضِبُ اللهُ، أَو يَقضُوهُ فِيمَا يَشغَلُ عَن طَاعَةِ اللهِ، يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُلهِكُم أَموَالُكُم وَلا أَولادُكُم عَن ذِكرِ اللهِ وَمَن يَفعَلْ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الخَاسِرُونَ.

وَفِئَةٌ أُخرَى لها رَأسُ مَالٍ غَالٍ وَثَمِينٌ، وَلَكِنَّهَا تُفَرِّطُ فِيهِ في هَذِهِ الإِجَازَةِ وَتُعَرِّضُهُ لِلُّصُوصِ وَالسُّرَّاقِ، أُولَئِكُم هُم قَومٌ اعتَادُوا السَّفَرَ في كُلِّ عَامٍ مَعَ رفقَةٍ لهم خَارِجَ هَذِهِ البِلادِ، تَارِكِينَ وَرَاءَهُم بُيُوتًا تَمُوجُ بِالمُرَاهِقِينَ مِن أَبنَائِهِم وَبَنَاتِهِم، لا يَدرُونَ في غِيَابِهِم مَاذَا يَفعَلُونَ، وَلا في أَيِّ دَربٍ يَمضُونَ، فَلا إِلَهَ إِلاَّ اللهُ، أَيَّ قُلُوبٍ يَحمِلُ هَؤُلاءِ؟! وَأَيَّ تَربِيَةٍ يُقَدِّمُونَ لأَبنَائِهِم؟! وَوَاللهِ، لَو فَكَّرَ أَحَدُهُم وَتَأَمَّلَ لَعَلِمَ أَنَّ مَا يَتَشَرَّبُهُ أَبنَاؤُهُ وَبَنَاتُهُ مِنَ الشَّرِّ في غِيَابِهِ عَنهُم هَذِهِ المُدَّةَ اليَسِيرَةَ يَعدِلُ مَا قَد يَتَسَلَّلُ إِلَيهِم وَهُوَ حَاضِرٌ في شُهُورٍ كَثِيرَةٍ.

فَيَا أَيُّهَا الآبَاءُ وَالأَولِيَاءُ، يَا مَن تَعَوَّدتمُ السَّفَرَ وَلَكُم أَبنَاءُ مُرَاهِقُونَ، اتَّقُوا اللهَ في أَبنَائِكُم، وَاستَبدِلُوا بِسَفَرِكُم الخَارِجِيِّ سَفَرًا دَاخِلِيًّا تَصطَحِبُونَ فِيهِ أَبنَاءَكُم، لِتُرَبُّوهُم وَتَصنَعُوهُم عَلَى أَعيُنِكُم، فِجَاجُ الأَرضِ وَاسِعَةٌ، وَفي بِلادِكُم مُتَّسَعٌ لِلنُّزهَةِ، وَفَُرَصُ إِمتَاعِ النَّفسِ فِيهَا مُتَعَدِّدَةٌ، وَكَفَى بِالمَرءِ إِثمًا أَن يُضيعَ مَن يَقُوتُ، قال : ((كُلُّكُم رَاعٍ، وَكُلُّكُم مَسؤُولٌ عَن رَعِيَّتِهِ)).

كَم يُقَدِّمُ الأَبُ لأَبنَائِهِ بَل وَلِمُجتَمَعِهِ مِن الإِصلاحِ حِينَ يَحتَسِبُ وَقتَهُ لِتَربِيَتِهِم وَالقِيَامِ بما يُصلِحُهُم! كَم يَكفِي نَفسَهُ وَوَلََدَهُ مِنَ الشَّرِّ حِينَ يَحُوطُهُم بِرِعَايَتِهِ وَتَلحَظُهُم عِنَايَتُهُ! مَا أَجَلَّهَا مِن رِحلَةٍ يَصطَحِبُ الوَالِدُ فِيهَا أَولادَهُ إِلى بَيتِ اللهِ الحَرَامِ لِيُؤَدُّوا العُمرَةَ وَيُصَلُّوا في أَفضَلِ البِقَاعِ! مَا أَجملَهَا مِن زِيَارَةٍ تَكُونُ لِمَسجِدِ رَسُولِ اللهِ لِيرَاهُ الأَبنَاءُ وَيُصَلُّوا فِيهِ! مَا أَبرَكَهَا مِن زِيَارَةٍ تَكُونُ صِلَةً لِلرَّحِمِ وَأَدَاءً لِحَقِّ القَرَابَةِ! مَا أَحَلَّهَا مِن رِحلَةٍ تَكُونُ لِلنُّزهَةِ البَرِيئَةِ وَالتَّمشِيَةِ المُفِيدَةِ!

فَاتَّقُوا اللهَ أَيُّهَا الآبَاءُ مَا استَطَعتُم، وَابذُلُوا جُهدَكُم يُهَيِّئْ لَكُم رَبُّكُم مِن أَمرِكُم رَشَدًا ويُصلِحْ لكم، أَمَّا أَن يَبذُرَ الرَّجُلُ ثم لا يَسقِيَ وَيَغرِسَ وَلا يَعتَنيَ فَمَا أَشَدَّ خَسَارَتَهُ وَلَو بَعدَ حِينٍ!

وَمَن بَذَرَ البُذُورَ وَمَا سَقَاهَا     تَأَوَّهَ نَادِمًا يَومَ الحَصَـادِ

 

 

محامد و أدعية طباعة الخطبة بدون محامد وأدعية 

إلى أعلى

إذا كانت لديك أية ملاحظات حول هذه الخطبة، إضغط هنا لإرسالها لنا.

كما نرجو كتابة رقم هذه الخطبة مع رسالتك ليتسنى لنا التدقيق وتصويب الأخطاء

 
 

 2004© مؤسسة المنبر الخيرية للمواقع الدعوية على شبكة الإنترنت، جميع الحقوق محفوظة

عدد الزوار حالياً