.

اليوم م الموافق ‏11/‏شوال/‏1445هـ

 
 

 

حماة السفينة: رجال الحسبة

5494

العلم والدعوة والجهاد

الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر

أحمد بن حسين الفقيهي

الرياض

19/2/1427

جامع الإحسان

محامد و أدعية طباعة الخطبة بدون محامد وأدعية 

ملخص الخطبة

1- مثل القائم على حدود الله. 2- ولاية الحسبة. 3- أضرار ترك الأمر بالمعروف والنهي المنكر. 4- بعض إنجازات الهيئة. 5- تنادي بعض الدول بإقامة جهاز حسبة. 6- الرد على الطاعنين في الهيئة. 7- مفهوم خاطئ للحرية. 8- كلمات لرجال الهيئات.

الخطبة الأولى

أما بعد: عباد الله، أخرج الإمام البخاري رحمه الله في صحيحه عن النعمان بن بشير رضي الله عنه عن النبي قال: ((مثل القائم في حدود الله، والواقع فيها كمثل قومٍ استهموا على سفينة، فصار بعضُهم في أعلاها، وبعضُهم في أسفلها، وكان الذين في أسفلها إذا استقوا من الماء مرّوا على من فوقهم، فقالوا: لو أنا خرقنا في نصيبنا خرقًا ولم نؤذ من فوقنا، فإن تركوهم وما أرادوا هلكوا جميعًا، وإن أخَذوا على أيديهم نجوا ونجوا جميعًا)).

عباد الله، إن المحافظة على حُرمة الإسلام وصونَ المجتمع المسلم من أن تخلخله وتقوضه البدع والخرافات والمعاصي والمنكرات، إن حمايته من أمواج الشر الهائجة وآثار الفتن المائجة أصل عظيم من أصول الشريعة وركن مشيد من أركانها المنيعة، وهذا الأصل والركن يتمثل في ولاية الحسبة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، تلك المهمة العظمى والأمانة الكبرى التي هي حفاظ المجتمعات وسياج الآداب والكمالات، بها صلاح أمرها واستتباب أمنها وقوة تماسكها، ما فُقدت في أمة إلا زاغت عقائدهم وفسدت أوضاعهم وتغيرت طِباعهم، وما ضعُفت في قومٍ إلا بدت فيه مظاهر الانحلال وفشت فيه ظواهر الاختلال.

عباد الله، إن المعاصي والمنكرات هي الداء العضال والوباء القتال الذي به خراب المجتمعات وهلاكها، وإن التفريط في تغيير المنكرات ومكافحتها والقضاء عليها سبب من أسباب حلول العقاب ونزول العذاب، فعن أم المؤمنين زينبَ بنتِ جحشٍ رضي الله عنها أن النبي دخل عليها فزعًا وهو يقول: ((لا اله إلا الله، ويل للعرب من شر قد اقترب! فتحَ اليوم من ردم يأجوج ومأجوج مثلُ هذه)) وحلّق بإصبعه الإبهام والتي تليها، فقلت: يا رسول الله، أنهلك وفينا الصالحون؟! قال : ((نعم إذا كثرُ الخبث)) متفق عليه. والخبث هو: الفسق والفجور. وقال : ((ما من قوم يُعمل فيهم بالمعاصي ثم يقدرون على أن يغيروا ثم لا يغيروا إلا يوشك أن يعمهم الله بعقاب)) رواه أبو داود وغيرهُ. وكتب عمر بن عبد العزيز رحمه الله إلى بعض عمالهِ: "أما بعد: فإنهُ لم يظهر المنكر في قومٍ قط ثم لم ينههم أهل الصلاح بينهم إلا أصابهم الله بعذابٍ من عنده أو بأيدي من يشاء من عبادهِ، ولا يزال الناس معصومين من العقوبات والنقمات ما قمع أهل الباطل واسُتخفي فيهم بالمحارم".

عباد الله، ألا وإن من نعم الله علينا في بلادنا أن هيأ لنا حماة لسفينة البلاد، يدرؤون عنها العقاب بجهدهم وتفانيهم، إنهم ـ يا عباد الله ـ رجال الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، أولئك القوم الذين يسهرون ونحن نائمون في فرشنا، ويعملون ونحن منشغلون بدنيانا، يجاهدون للحفاظ على محارمنا وأعراضنا، ويصدون الباطل ويقاومون الفساد ويمنعون وقوع المنكرات، كم من جريمةٍ ضبطوها! وكم من مصانع للخمور أزالوها! كم من شقق للخنا والدعارة أغلقوها! كم من منحرف دلوه! وكم من عاص ستروه،! كم من فتاة أنقذوها! وكم من طفل استرجعوه إلى والديه!

عباد الله، إنها جهود لا تنكر، وبذل وعطاء من كل أسف لا يشكر.

يـا هيئة الإرشـاد وجهُك مشرقُ      والمكرمـاتُ روائـح وغـواديِ

أمـرٌ بمعـروف ونهـي صـادقُ        عـن منكـر وتَحلـل وفسـادِ

عباد الله، وحتى تتضح مكانة هذه الطائفة ويُعلم فضلها وجهودها الجبارة في المحافظة على أمن المجتمع وسلامة أعراض الناس وأديانهم إليكم بعض الأرقام وهي لعام واحد فقط: أكثرُ من مائتين وثمانية وثلاثين ألف قضية تتعلق بالتخلف عن صلاة الجماعة والمتأخرين في إغلاق المحلات بعد الآذان وقضايا القمار والإفطار في نهار رمضان، أما القضايا الأخلاقية من معاكسات وخلوة واختطاف ونحوها فقد بلغ ما تم ضبطه من قبل رجال الهيئة أكثر من أحدى وأربعين ألف حالة خلال عام واحد فقط.

عباد الله، هذا جزء يسير من جهود أولئك الأبطال، ويحق لنا أن نتساءل: يا ترى، كم عدد الذين عملوا كل هذه الأعمال الجليلة وحققوا هذه الإنجازات الباهرة وكفوا المجتمع من شرور كانت ستحصل ومفاسد أوشكت أن تقع؟ إن خلف كل تلك الإنجازات أعدادًا لا تتجاوز بضعة آلاف في كل أنحاء البلاد المترامية، وبإمكانات متواضعة ومحدودة.

هيئـاتنا تـاج علـى هامـاتنـا       أخشـى بدونهم بـأن لا نُمطرَا

يا مـن إذا نِمنـا بثـوب أمننـا       فتحوا العيون الناعسات لتسهرَا

عباد الله، لقد عانت بعض الدول المجاورة من أوضاعها الأخلاقية، وتنادت بالاحتذاء بمثل هذه المؤسسات المباركة نظرًا لإنجازاتها العظيمة. لقد ظلموا أنفسهم بتركهم واجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر؛ ولذا انظروا كيف يعانون، ومن تحت الأنقاض يصرخون، يبحثون عن الأمن الأخلاقي ولا أمن، يطالبون بصون الأعراض ولا مجيب، والنجاة لهم هو في امتثال أمر لله سبحانه. فاحمدوا الله ـ عباد الله ـ على أن قيض لكم فئةً تبذل الغالي والنفيس من أجل راحتكم ومدافعة الباطل في أرضكم وبلادكم.

عباد الله، إنا لنعجب والله بعد كل ما سبق ممن يتناول رجال الهيئات سبًا وتأثيمًا، ويتعرض لهم قذفًا وتلفيقًا، سيل من السهام وزحام من الأقلام تترقب كل حدث فتلصقه بحماة السفينة حتى ولو كانوا منها براء، إنهم يهذون بما لا يدرون ويهرفون بما لا يعرفون.

عباد الله، إن أرباب أولئك الأقلام والأفهام الجائرة والصحافة الحائرة يدَّعون المصداقية وقول الحقيقة مهما كلف الثمن، لقد نصبوا أقلامهم وصحافتهم محامية عن حقوق المجتمع ومدافعة عن قضايا الأمة ومعالجةً لمشكلاتهم، لقد تصوروا مفاهيم معكوسة ثم تدافعوا إلى بثها وتسابقوا إلى نشرها عند أدنى حدث ولو كان كذبًا مختلقًا في إسقاطات كاذبةً وممارسات خطيرة، فهم يصدق عليهم قول القائل:

إن يسمعوا سبةً طاروا بِهـا فرحًا        هذا وما سمعوه من صـالح دفنوا

لكن بحمد الله انكشف عند الكثيرين أمرهم وظهر غباؤهم وكذبهم.

إذا سـاء فعل المرء سـاءت ظنونه      وصـدّق مـا يعتاده مـن توهّمِ

عباد الله، ومع كل ذلك فإنا لا ندعي العصمة لرجال الهيئة، ولا ننفي الخطأ والتجاوز عن أهل الحسبة، فالخطأ طبيعة بني آدم، ولو حصل أن أحدهم أخطأ في تصرف أو سلوك فهم بشر يعتريهم ما يعتري سائر الناس، يصيبون ويخطئون، يزيدون وينقصون، ينشطون ويكسلون، لكن لماذا هفوة أحدهم تصبح حديث المجالس وكأن الأخطاء لا تقع إلا منهم؟! أين من يعدّد وينقب عن أخطاء رجال المرور أو الشرطة ممن يقدمون خدمات عامة للمجتمع؟! أين الإعلام عن أخطاء بعض الأطباء وتجاوزاتهم؟! وأين الصحافة عن تكاسل بعض رجالات الإطفاء وتقصيرهم؟! أو أن أولئك جميعًا لا يخطئون ولا يقصرون ودائمًا معصومون!

عباد الله، إن ضعف أي دائرة حكومية يعالج بالدعم والتطوير وزيادة الكفاءات وتوفير المعدات ووسائل التقنية، إلى جانب تلافي السلبيات الموجودة، أما أن يكون العلاج بتعطيل شعيرة من شعائر الدين وإيقاف أعمالها فهذا هو الظلم في المعالجة والاصطياد في الماء العكر والحل الذي لا يمكن تطبيقه في دائرة حكومية أخرى.

يـا ربّ زلزل من يريـد بِجمعهم      سـوءا وشـل يَمينـه والمنخرا

هـم للورى ركب النجـاة تقدمًا       وبدونهم تمضي الركاب إلى الوَرا

بارك الله لي ولكم في القرآن والسنة، ونفعني بما فيهما من الآيات والحكمة. أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم فاستغفروه.

 

الخطبة الثانية

الحمد لله رب على إحسانه، والشكر له على توفيقه وامتنانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له تعظيمًا لشأنه، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله الداعي إلى رضوانه، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وإخوانه، وسلم تسليمًا كثيرا.

أما بعد: فيا عباد الله، إن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ـ المهمة التي يقوم بها رجل الهيئة ـ ليست فضولاً أو تدخلاً في خصوصيات الآخرين وحرياتهم الشخصية، وإنما هو قيام بواجب أوجبه الله تعالى على عباده وبشعيرة من أعظم شعائر الدين. أي حرية ينادون بها في التعدي على حدود الله ومحارمه؟! أي حرية في التعرض لأعراض المسلمين وإشاعة الفاحشة بين المؤمنين؟! أي حرية في إضاعة حقوق الله تعالى والتعدي على محارمه؟!

عباد الله، إن الحرية الشخصية ليست سلَّمًا يرقى بها البعض إلى شهواته ونزواته، بل لها حدود مقيدة في كتاب الله تعالى وسنة نبيه وأعراف الناس وأوطانهم، قال : ((كل المسلم على المسلم حرام: دمه وماله وعرضه)).

عباد الله، إن إيذاء المصلحين الآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر أو الاعتداء عليهم أو الطعن فيهم أو تضخيم أخطائهم بغير حق وبث الإشاعات الكاذبة عنهم لهو جرم عظيم وذنب كبير، تصيب المرءَ مغبّتُه ومعرّته ولو بعد حين. ولقد قرن الله سبحانه في كتابه محاربة هذه الفئة بالكفر به وقتل رسله حيث قال سبحانه: إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَيَقْتُلُونَ الَّذِينَ يَأْمُرُونَ بِالْقِسْطِ مِنْ النَّاسِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ أُوْلَئِكَ الَّذِينَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَمَا لَهُمْ مِنْ نَاصِرِينَ [آل عمران: 21، 22].

وأخيرًا يا رجال الهيئة، اعلموا أن القيام بشعيرة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر مهمة جسيمة ذات أعباء ومتاعب لا يقدر عليها ويصبر على لأوائها إلا الكمَّل من الرجال، وأنتم كذلك إن شاء الله تعالى. إنما ـ يا حماة السفينة ـ مهمَّة الأنبياء والرسل صلوات الله وسلامه عليهم مهمة تصطدم بشهوات الناس ونزواتهم وكبريائهم، ولا بد أن ينالكم شيء من الاعتداء والأذى، وصبرًا صبرا يا رجال الحسبة، تحلوا بالصبر، وأبشروا بالأجر، فقد حفّت الجنة بالمكاره، وَاصْبِرْ وَمَا صَبْرُكَ إِلاَّ بِاللَّهِ وَلا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَلا تَكُ فِي ضَيْقٍ مِمَّا يَمْكُرُونَ [النحل: 127].

حسبكم ـ يا رجال الهيئات ـ دعوة أمٍّ لكم بالسداد بعد أن أنقذتم ابنتها من براثن الفساد، ودعوة أب استخرجتم ابنه من غائلة الانحلال، حسبكم دعوات أسرة سرتم بأيديهم إلى بر النجاة. والله، لا يضيع أجر من أحسن عملا، قال الله سبحانه: وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ [الحج: 40]، وقال سبحانه: وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ [العنكبوت: 69].

يـا خيرنا يـا ذخرنـا يـا فخرنا      حـقّ علي بمثلكـم أن أفخـرا

كـم من فتـاة قد حفظتم عرضها      تصونونهـا بالليـن أن تتستـرا

كـم غـافل أرشدتموه إلَى الهدى       إذ عـاد من بعد الضلالة مبصرا

 

 

محامد و أدعية طباعة الخطبة بدون محامد وأدعية 

إلى أعلى

إذا كانت لديك أية ملاحظات حول هذه الخطبة، إضغط هنا لإرسالها لنا.

كما نرجو كتابة رقم هذه الخطبة مع رسالتك ليتسنى لنا التدقيق وتصويب الأخطاء

 
 

 2004© مؤسسة المنبر الخيرية للمواقع الدعوية على شبكة الإنترنت، جميع الحقوق محفوظة

عدد الزوار حالياً