.

اليوم م الموافق ‏10/‏ذو القعدة/‏1445هـ

 
 

 

استغاثة

5548

الرقاق والأخلاق والآداب

آثار الذنوب والمعاصي

فريح بن محمد الفريح

الذيبية

جامع بلدة السمار

محامد و أدعية طباعة الخطبة بدون محامد وأدعية 

ملخص الخطبة

1- قلة الأمطار. 2- الحث على التوبة والاستغفار. 3- مشروعية صلاة الاستسقاء. 4- أهمية الصدق والإخلاص في الدعاء. 5- حال المسلمين في هذا الزمان.

الخطبة الأولى

أما بعد: أيها الناس، اتقوا الله تعالى، واحذروا عقابه، وحاسبوا أنفسكم، وتوبوا من ذنوبكم، فإن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم.

عباد الله، إننا في هذا العام نشكو من امتناع المطر الذي به حياتنا وحياة مواشينا وزروعنا وأشجارنا، فتذكروا أنه ما حبس عنا إلا بذنوبنا، وأن الله غني كريم، قال تعالى: وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُواْ وَاتَّقَواْ لَفَتَحْنَا عَلَيْهِم بَرَكَاتٍ مِّنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ وَلَكِن كَذَّبُواْ فَأَخَذْنَاهُم بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ.

وقد أمر الله عند انحباس المطر بالاستغفار من الذنوب التي هي السبب في منعه، فقال تعالى على لسان نوح عليه السلام: فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا يُرْسِلِ السَّمَاء عَلَيْكُم مِّدْرَارًا، وقال تعالى على لسان هود: وَيَا قَوْمِ اسْتَغْفِرُواْ رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُواْ إِلَيْهِ يُرْسِلِ السَّمَاء عَلَيْكُم مِّدْرَارًا وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلَى قُوَّتِكُمْ وَلاَ تَتَوَلَّوْاْ مُجْرِمِينَ.

وقد شرع لنا نبينا محمد صلاة الاستسقاء عند انحباس المطر؛ ليرجع الناس إلى ربهم ويتوبوا إليه.

وليس الاستغفار مجرد لفظ يردد على اللسان، وليست صلاة الاستسقاء مجرد عادة تفعل في الأوطان، وإنما هي توبة وندم وعبادة وخضوع لرب العالمين وتحول من حالة فساد إلى حالة صلاح، فلا بد أن تكون حال المسلمين بعد صلاة الاستسقاء أحسن من حالهم قبلها إذا كانوا صادقين في توبتهم ومعترفين بذنبوهم.

لقد كان النبي يرفع يديه في دعاء الاستسقاء فلا يحطهما إلا وقد نشأ السحاب وسالت الأودية والشعاب؛ لأنه صادق مع ربه، وكذلك خلفاؤه الراشدون وصحابته الأكرمون، كانوا يستسقون فيسقون، ويسألون فيعطون؛ لصدقهم مع الله في توبتهم ورغبتهم إلى الله في دعائهم.

استسقى النبي في بعض غزواته لما سبقه المشركون إلى الماء، فأصاب المسلمين العطش، فشكوا إلى رسول الله ، وقال بعض المنافقين: لو كان نبيًا لاستسقى لقومه كما استسقى موسى لقومه، فبلغ ذلك النبي فقال: ((أوَقد قالوها؟ عسى ربكم أن يسقيكم))، ثم بسط يديه ودعا، فما رد يديه من دعائه حتى أظلهم السحاب، وأمطروا فأنعم السيل الوادي، فشرب الناس وارتووا.

ولما شكا المسلمون في المدينة إلى رسول الله قحوط المطر خرج فصلى بهم، ثم دعا الله تعالى، فأنشأ الله سحابة، فرعدت وبرقت، ثم أمطرت بإذن الله تعالى، فلم يأتِ مسجده حتى سالت السيول، فلما رأى سرعتهم إلى الكن ضحك حتى بدت نواجذه، فقال: ((أشهد أن الله على كل شيء قدير، وأني عبد الله ورسوله)).

وعن أنس بن مالك أن رجلاً دخل المسجد يوم الجمعة من باب كان نحو دار القضاء ورسول الله قائم يخطب، فاستقبل رسول الله قائمًا ثم قال: يا رسول الله، هلكت الأموال، وانقطعت السبل، فادعُ الله يغيثنا، قال: فرفع النبي يديه ثم قال: ((اللهم أغثنا)) ثلاث مرات، قال أنس: فلا والله، ما نرى في السماء من سحاب ولا قزعة، وما بيننا وبين سَلع من بيت ولا دار، قال: فطلعت من ورائه سحابة مثل الترس، فلما توسطت السماء انتشرت ثم أمطرت، قال: فلا والله، ما رأينا الشمس سبتًا ـ أي: أسبوعًا ـ، قال: ثم دخل رجل من ذلك الباب في الجمعة المقبلة ورسول الله يخطب فقال: يا رسول الله، هلكت الأموال، وانقطعت السبل، فادع الله يمسكها عنا، فرفع رسول الله يديه ثم قال: ((اللهم حوالينا ولا علينا، اللهم على الآكام والظراب وبطون الأودية ومنابت الشجر))، فأقلعت وخرجنا نمشي في الشمس.

فقد استجاب الله دعاء رسول الله في الحال بالاستسقاء والاستصحاء، كذلك هو سبحانه قريب مجيب يستجيب لعباده إذا دعوه صادقين مخلصين له الدين، قال تعالى: وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُواْ لِي وَلْيُؤْمِنُواْ بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ.

أما إذا دعوه بألسنة كاذبة وقلوب غافلة وأفعال فاسدة وهم مصرون على الذنوب والمعاصي لا يغيرون من أحوالهم شيئًا فهؤلاء لا يستجاب لهم دعاء، قال بعض السلف: "أنتم تستبطئون نزول الغيث، وأنا أستبطئ نزول الحجارة من السماء"؛ ولذلك ترون الناس اليوم يستغيثون ويستغيثون ولا يستجاب لهم، لا لقلة في خزائن الله، ولكن لذنوبهم ومعاصيهم، أما ترون الصلاة قد أضِيعت؟! أما ترون المحرمات قد انتهكت؟! أما ترون جانب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر قد خف؟! أما ترون الأمانات قد ضيعت؟! أما ترون المعاملات قد فسدت؟! أما ترون الربا قد فشا وانتشر؟! أما ترون المعازف قد علت أصواتها في البيوت والأسواق؟! أما ترون الغيرة قد ذهبت؟! أما ترون المساجد قد هجرت فلا يرتادها إلا القليل؟! أما ترون أن الآباء قد أهملوا أولادهم والأولاد قد عقوا آباءهم؟! هل غيرنا من هذه الأمور شيئًا قبل أن نستسقي حتى يغير الله ما بنا؟!

لا نقول: إن هذه الأوصاف السيئة عمت جميع المسلمين، فهناك من عباد الله الصالحين من هم سالمون منها في أنفسهم، لكنهم لا يحاولون إصلاح غيرهم، ولا يقومون بواجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر حسب استطاعتهم، والعقوبة إذا نزلت عمت الجميع، عمت العاصين لمعصيتهم، والصالحين لسكوتهم، قال تعالى: وَاتَّقُواْ فِتْنَةً لاَّ تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُواْ مِنكُمْ خَاصَّةً وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ.

عن ثوبان رضي الله عنه أن النبي قال: ((إن الرجل ليحرم الرزق بالذنب يصيبه)) رواه النسائي بإسناد صحيح، وعن أبي الأحوص قال قرأ ابن مسعود: وَلَوْ يُؤَاخِذُ اللَّهُ النَّاسَ بِمَا كَسَبُوا مَا تَرَكَ عَلَى ظَهْرِهَا مِن دَابَّةٍ وَلَكِن يُؤَخِّرُهُمْ إِلَى أَجَلٍ مُّسَمًّى فَإِذَا جَاء أَجَلُهُمْ فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِعِبَادِهِ بَصِيرًا فقال: (كاد الجُعَل يعذَّب في حجره بذنب ابن آدم) رواه الحاكم. وجاء في تفسير قوله تعالى: وَيَلْعَنُهُمُ اللاَعِنُونَ أن الحشرات تلعن عصاة بني آدم وتقول: إننا منعنا القطر بمسيئهم. وقال تعالى: وَلَقَدْ أَخَذْنَا آلَ فِرْعَونَ بِالسِّنِينَ وَنَقْصٍ مِّن الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ، أي: أصابهم الله بالجدب والقحط، وأصاب ثمارهم وغلاتهم بالآفات والعاهات؛ ليتعظوا بذلك ويتوبوا.

وها هي سنة الله لا تتبدل في عالمنا المعاصر، فكم أصابهم من احتباس الأمطار واجتياح الثمار والأمراض والمجاعات، فهل غيروا من حالهم وأصلحوا ما فسد من أعمالهم؟! هل تذكروا ذنوبهم فأصلحوا عيوبهم؟! إن الكثير والكثير في غفلة معرضون، ونخشى أن يصيبنا ما أصاب الأولين.

عباد الله، إن في تصريف الأمطار بإنزالها في بعض الأقطار وحبسها عن بعض الديار لعبرة لأولي الأبصار وعظة للعصاة والفجار، قال تعالى: وَهُوَ الَّذِي أَرْسَلَ الرِّيَاحَ بُشْرًا بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ وَأَنزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً طَهُورًا لِنُحْيِيَ بِهِ بَلْدَةً مَّيْتًا وَنُسْقِيَهُ مِمَّا خَلَقْنَا أَنْعَامًا وَأَنَاسِيَّ كَثِيرًا وَلَقَدْ صَرَّفْنَاهُ بَيْنَهُمْ لِيَذَّكَّرُوا فَأَبَى أَكْثَرُ النَّاسِ إِلاَ كُفُورًا.

وإن القادر على منع نزول الأمطار قادر على تغوير المياه من الآبار، قال تعالى مخوفًا عباده من ذلك: قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَصْبَحَ مَاؤُكُمْ غَوْرًا، وقال: أَوْ يُصْبِحَ مَاؤُهَا غَوْرًا، وقال: وَمَا أَنتُمْ لَهُ بِخَازِنِينَ أي: لا تقدرون على حفظه في الآبار والغدائر والعيون، بل نحن الحافظون له فيها؛ ليكون ذخيرة لكم عند الحاجة إليه، وقال تعالى: وَأَنزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً بِقَدَرٍ فَأَسْكَنَّاهُ فِي الأَرْضِ وَإِنَّا عَلَى ذَهَابٍ بِهِ لَقَادِرُونَ، أي: كما قدرنا على إنزاله فنحن القادرون على سحبه من مخازنه في الأرض وتغويره في أعماقها، فلا تستطيعون الحصول عليه مهما بذلتم في طلبه والبحث عنه حتى يهلك الناس بالعطش وتهلك مواشيهم وحروثهم.

فاتقوا الله عباد الله، واحذروا من هذه التهديدات، وتوبوا إلى ربكم، وادعوه أن يغيثكم ويسقيكم، فإنه قريب مجيب، يجيب من دعاه، ولا يخيّب من رجاه، وإياكم وقسوة القلوب عند نزول المصائب، فإنها سبب الهلاك والدمار، وَلَقَدْ أَرْسَلنَا إِلَى أُمَمٍ مِّن قَبْلِكَ فَأَخَذْنَاهُمْ بِالْبَأْسَاء وَالضَّرَّاء لَعَلَّهُمْ يَتَضَرَّعُونَ فَلَوْلا إِذْ جَاءهُمْ بَأْسُنَا تَضَرَّعُواْ وَلَكِن قَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ فَلَمَّا نَسُواْ مَا ذُكِّرُواْ بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُواْ بِمَا أُوتُواْ أَخَذْنَاهُم بَغْتَةً فَإِذَا هُم مُّبْلِسُونَ فَقُطِعَ دَابِرُ الْقَوْمِ الَّذِينَ ظَلَمُواْ وَالْحَمْدُ لِلّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ.

بارك الله لي ولكم...

 

الخطبة الثانية

لم ترد.

محامد و أدعية طباعة الخطبة بدون محامد وأدعية 

إلى أعلى

إذا كانت لديك أية ملاحظات حول هذه الخطبة، إضغط هنا لإرسالها لنا.

كما نرجو كتابة رقم هذه الخطبة مع رسالتك ليتسنى لنا التدقيق وتصويب الأخطاء

 
 

 2004© مؤسسة المنبر الخيرية للمواقع الدعوية على شبكة الإنترنت، جميع الحقوق محفوظة

عدد الزوار حالياً