.

اليوم م الموافق ‏17/‏شوال/‏1445هـ

 
 

 

دروس من قصة موسى وفضل عاشوراء

5544

الإيمان, سيرة وتاريخ

الإيمان بالرسل, القصص

فريح بن محمد الفريح

الذيبية

جامع بلدة السمار

محامد و أدعية طباعة الخطبة بدون محامد وأدعية 

ملخص الخطبة

1- وجوب شكر الله تعالى على نعمه. 2- نعمة الإسلام. 3- صبر الأنبياء عليهم الصلاة والسلام. 4- طغيان فرعون في الأرض. 5- نصر الله موسى وقومه على فرعون وقومه. 6- استحباب صيام عاشوراء.

الخطبة الأولى

أما بعد: أيها الناس، اتقوا الله تعالى حق تقواه، واشكروه على ما أنعم عليكم من النعم؛ أمن في الأوطان، وصحة في الأبدان، ورغد في العيش. أنعم عليكم بنعم عظيمة، لم ينلها كثير ممن قبلكم، ليبلوكم أيكم أحسن عملاً. وأعلى هذه النعم وأرفعها قدرًا نعمة الإسلام الذي هدانا الله له، وأضل عنه كثيرًا من الناس، فاللهم لك الحمد على نعمك، خلقتنا ورزقتنا وهديتنا للإسلام، كبتَ عدونا، ورفعت قدرنا وأمرنا، اللهم أتم علينا هذه النعمة، وأمتنا عليها يا رب العالمين.

عباد الله، إن نعمة الإسلام نعمة عظيمة، واجه أنبياء الله ابتلاءات وفتنًا عظيمة في سبيل هداية الناس وإرشادهم إلى دين الله، ولهذا فلا عجب أن يكون لكل نبي من هؤلاء مثل أجور من تبعه من الناس، ولقد كان من أشدهم ابتلاءً في ذلك رسول الله ، فقد لقي من كفار قريش أهوالاً عظيمة، وكان صلوات الله وسلامه عليه صابرًا محتسبًا في ذلك، وقد جعله الله أكثر الأنبياء تبعًا يوم القيامة، فإن أمته ثلثا أهل الجنة، كما صح بذلك الخبر.

وممن بلغ الغاية في الصبر والاحتساب وبلغ قومه الغاية في أذاه نبي الله موسى صلوات الله وسلامه عليه، فقد أرسله الله سبحانه إلى رجل من طغاة الأرض، استعبد عباد الله وأذلهم، إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلاَ فِي الأَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعًا يَسْتَضْعِفُ طَائِفَةً مِّنْهُمْ يُذَبِّحُ أَبْنَاءهُمْ وَيَسْتَحْيِي نِسَاءهُمْ إِنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ.

حكم هذا المفسد على بني إسرائيل أنه من ولد له ولد قتل ولده، فلما ولدت أم موسى موسى حارت ماذا تصنع به شفقة ورحمة بهذا الولد، فألهمها الله سبحانه أن تلقيه في البحر، وأن لا تخاف عليه، ووعدها بأن يعود إليها، فسار به البحر حتى ألقاه عند بيت فرعون، فالتقطه آل فرعون، وسخر الله له امرأة فرعون، فحفظته واتخذته ولدًا لها. وأبى هذا الولد أن يقبل الرضاع من أي امرأة حتى وجد أمه فرضع منها، فأعادوه إلى أمه تحقيقًا لوعد الله سبحانه: إِنَّ وَعْدَ اللّهِ حَقٌّ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ.

ثم لما بلغ أشده آتاه الله العلم والحكم، وخرج هاربًا من بلاد فرعون، وتزوج في خروجه ذلك، ثم أوحى الله إليه وأرسله إلى فرعون، وأرسل معه أخاه هارون، ووعدهما بالنصر والتمكين، فجاءا إلى فرعون وأبلغاه برسالة الله ودينه، وأمراه بعبادة الله وحده، وأظهرا له آيات الله العظيمة التي أرسله الله بها، فكذب وأبى، وأنكر وجود الله سبحانه، وسأل موسى سؤال استهزاء وازدراء فقال له: وَمَا رَبُّ الْعَالَمِينَ، فأجابه موسى: رَبُّ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا إنْ كُنتُمْ مُوقِنِينَ، فزاد احتقار فرعون له وسخريته منه، قَالَ لِمَنْ حَوْلَهُ أَلاَ تَسْتَمِعُونَ، فأجاب موسى بما يعرفه كل عاقل سائر على الفطرة أنهم خلقوا من العدم، وأنهم صائرون إلى ما صار إليه آباؤهم، قال: رَبُّكُمْ وَرَبُّ آبَائِكُمُ الأَوَّلِينَ، ولما أعيت فرعون الحيلة وعجز عن مقارعة الحجة بالحجة لجأ إلى ما يلجأ إليه الضعفاء المتكبرون من التهديد والوعيد وبيان قوته وجبروته فقال: لَئِنِ اتَّخَذْتَ إِلَهًا غَيْرِي لأَجْعَلَنَّكَ مِنَ الْمَسْجُونِينَ.

وما زال يجادل عن باطله ويحاول كتمان الحق وإبطاله حتى قال لموسى: أَجِئْتَنَا لِتُخْرِجَنَا مِنْ أَرْضِنَا بِسِحْرِكَ يَا مُوسَى فَلَنَأْتِيَنَّكَ بِسِحْرٍ مِّثْلِهِ فَاجْعَلْ بَيْنَنَا وَبَيْنَكَ مَوْعِدًا لاَ نُخْلِفُهُ نَحْنُ وَلاَ أَنتَ مَكَانًا سُوًى أي: لا يحجب الرؤية فيه شيء، فواعدهم موسى في يوم عيدهم في الضحى، فاجتمع الناس لهذا اليوم، وجاء السحرة، وجاء موسى واثقًا بنصر الله، متوكلاً عليه، مطمئن القلب، وقال لهم: وَيْلَكُمْ لاَ تَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ كَذِبًا فَيُسْحِتَكُمْ بِعَذَابٍ وَقَدْ خَابَ مَنِ افْتَرَى، فوقع النزاع والخصام بينهم وتفرقت كلمتهم.

وبدأ السحرة وألقوا حبالهم وعصيهم، فمن شدة سحرهم وقوته أوجس في نفسه خيفة موسى، فأوحى الله إليه بما طمأن قلبه، وأمره أن يلقي العصا فألقاها: وَأَلْقِ مَا فِي يَمِينِكَ تَلْقَفْ مَا صَنَعُوا إِنَّمَا صَنَعُوا كَيْدُ سَاحِرٍ وَلاَ يُفْلِحُ السَّاحِرُ حَيْثُ أَتَى. فظهر نصر الله سبحانه، وآمن السحرة وسجدوا لله، وهزم فرعون وقومه، فتهدد فرعون السحرة وتوعدهم، فآثروا ما عند الله.

وما زال فرعون في طغيانه مستخفًا بقومه وهم مطيعون له حتى كان في ليلة من الليالي في مثل هذا الشهر، وفي مثل هذا الأسبوع، أوحى الله إلى موسى أن يخرج بقومه من مصر ليلاً متجهًا إلى البحر الأحمر، فعلم فرعون فأرسل في أهل مصر فأخرجهم جميعًا، ولحق بموسى فأدركهم عند البحر الأحمر، فلما رآهم قوم موسى قالوا لموسى: إنا لمدركون، البحر أمامنا، وفرعون وقومه خلفنا، قال لهم موسى وهو واثق بالله: كَلاَ إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ أي: سيدلني على ما فيه النجاة، فأوحى الله إليه: أَنِ اضْرِب بِّعَصَاكَ الْبَحْرَ، فضربه فجعله الله اثني عشر طريقًا، فدخل موسى وقومه وتبعهم فرعون وقومه، فخرج قوم موسى وأوحى الله إلى البحر فانطبق على فرعون وقومه.

وأورث الله بلادهم وأملاكهم لموسى وقومه، كَمْ تَرَكُوا مِن جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ وَزُرُوعٍ وَمَقَامٍ كَرِيمٍ وَنَعْمَةٍ كَانُوا فِيهَا فَاكِهِينَ كَذَلِكَ وَأَوْرَثْنَاهَا قَوْمًا آخَرِينَ فَمَا بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّمَاء وَالأَرْضُ وَمَا كَانُوا مُنظَرِينَ، وجعل الله عليهم العذاب من ذلك اليوم إلى أن تقوم الساعة، وفي يوم القيامة يشتد عذابهم، النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوًّا وَعَشِيًّا وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ.

عباد الله، صبر نبي الله موسى صبرًا عظيمًا حتى نصره الله، ولما أوذي نبينا محمد قال: ((رحم الله موسى؛ لقد أوذي بأكثر من هذا فصبر))، وهكذا عاقبة المتقين الصابرين، إِنَّا لَنَنصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الأَشْهَادُ، فاتخذوا ـ أيها المسلمون ـ منهم قدوة ومن صبرهم مثلاً.

نفعني الله وإياكم بهدي كتابه...

 

الخطبة الثانية

الحمد لله، وعد بالزيادة لمن شكر، والعذاب الشديد لمن كفر، وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِن شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِن كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، عز سلطانه فقهر، وأشهد أن محمدًا عبد الله ورسوله خير البشر، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه السادة الغرر، والتابعين لهم بإحسان ما تعاقب الليل والنهار والشمس والقمر.

أما بعد: اتقوا الله بفعل أوامره واجتناب نواهيه وكثرة الطاعات، واشكروه على نعمه جميعًا، فبالشكر تدوم النعم.

وإن هذه النعمة التي أنعم الله بها علينا فنجى موسى وقومه وأغرق فرعون وقومه لنعمة عظمى تستوجب الشكر، وإن أحق الناس بموسى المؤمنون من هذه الأمة، ولهذا لما قدم النبي المدينة وجد اليهود يصومون اليوم العاشر من شهر الله المحرم، فقال: ((ما هذا؟)) قالوا: هذا يوم صالح، نجى الله فيه موسى وقومه من عدوهم، فقال الرسول : ((أنا أحق بموسى منكم))، فصامه وأمر بصيامه، وقال: ((أحتسب على الله أن يكفر السنة التي قبله))، ثم أمر بعد ذلك بمخالفة اليهود بأن يصام معه التاسع، وهو أفضل، أو الحادي عشر، وإن صام الإنسان الأيام الثلاثة ونواها مع ذلك أنها ثلاثة من شهر المحرم فلا حرج.

اللهم وفقنا لصالح القول والعمل، وأعذنا من كيد الشيطان ونزغاته.

اللهم أعز الإسلام والمسلمين...

 

محامد و أدعية طباعة الخطبة بدون محامد وأدعية 

إلى أعلى

إذا كانت لديك أية ملاحظات حول هذه الخطبة، إضغط هنا لإرسالها لنا.

كما نرجو كتابة رقم هذه الخطبة مع رسالتك ليتسنى لنا التدقيق وتصويب الأخطاء

 
 

 2004© مؤسسة المنبر الخيرية للمواقع الدعوية على شبكة الإنترنت، جميع الحقوق محفوظة

عدد الزوار حالياً