أما بعد: أيها الناس، اتقوا الله، واخشوا يومًا ترجعون فيه إلى الله، فيجازي كلاً بعمله، إن خيرًا فخير، وإن شرًا فشر، فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَه وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَه.
عباد الله، الأعضاء والجوارح تقول وتعمل في هذه الحياة، وهي مسؤولة ومستنطقة يوم القيامة، فإن لم يشغلها الإنسان بالخير شغلته بالشر. وإن من أشدها خطرًا وأكثرها ضررًا وأعظمها أثرًا هذا اللسان الذي تتكلم به.
اللسان ـ يا عباد الله ـ سيد من سادات الجوارح، تذل وتخضع له، وتقول له صباح كل يوم: إنما نحن بك، فإن استقمت استقمنا، وإن اعوججت اعوججنا.
هذا اللسان سبب عظيم لفساد الدنيا والدين، يتكلم الإنسان بالكلمة ما يلقي لها بالاً يهوي بها في النار أبعد ما بين المشرق والمغرب؛ ولهذا لا عجب أن يقول نبيكم محمد : ((من يضمن لي ما بين لحييه وما بين فخذيه أضمن له الجنة)).
عباد الله، كم من إنسان أطلق للسانه العنان، يتكلم به فيما يعنيه وما لا يعنيه، ففسد دينه، وذهب أجره، وتراكمت عليه الذنوب. ولقد تحدث أقوام في عهد رسول الله بألسنتهم بكلام قليل، لكنه كبير عند الله، أحبط به أعمالهم، وَلَئِن سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ لاَ تَعْتَذِرُواْ قَدْ كَفَرْتُم بَعْدَ إِيمَانِكُمْ إِن نَّعْفُ عَن طَآئِفَةٍ مِّنكُمْ نُعَذِّبْ طَآئِفَةً بِأَنَّهُمْ كَانُواْ مُجْرِمِينَ.
أيها المسلمون، إن سقطات اللسان وعثراته كثيرة، تورد الإنسان موارد الهلاك، صغائر وكبائر، وكفر وشرك؛ الغيبة والنميمة، والكذب والبهتان، وقول الزور وشهادة الزور، وأشد من ذلك سب الله ورسوله، وسب الدين، والاستهزاء بعباد الله الصالحين، أنواع من الذنوب والمعاصي تخرج من هذا اللسان، وتورد الإنسان النار.
لقد استهان الناس باللسان، وأطلقوه يتكلم بما ينفع وبما لا ينفع، بل بما هو ضرر عليهم، فما العلاج؟ وما المخرج من هذا؟
إن المخرج والعلاج بمراجعة الإنسان لنفسه، وأسرها على الخير واستصلاحها، ولا بد من المداواة بالدواء، فمن صبر فإن الله يحب الصابرين.
وأول الدواء: تقوى الله سبحانه ويقين الإنسان أنه مجزي بعمله، وأنه مَا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلاَ لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ، وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ كِرَامًا كَاتِبِينَ يَعْلَمُونَ مَا تَفْعَلُونَ، ثم ماذا؟ إِنَّ الأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ.
وثانيه: اختيار الرفقة الصالحة التي تعينه على الخير وتمنعه عن الشر، ((مثل الجليس الصالح والسوء كحامل المسك ونافخ الكير، فحامل المسك إما أن يحذيك، وإما أن تبتاع منه، وإما أن تجد منه ريحا طيبة، ونافخ الكير إما أن يحرق ثيابك، وإما أن تجد ريحا خبيثة)).
وثالثه: شغل الوقت بما ينفع من قراءة القرآن وذكر الله والتفكر في مخلوقاته، كم من الفرق بين كلمة تكتب عليك بها سيئات وكلمة لك بكل حرف منها عشر حسنات.
ورابعه: أن يتذكر الإنسان أنه ما لم ينطق فهو المتحكم في نفسه، فإذا نطق صار حكمه في يد غيره.
بارك الله لي ولكم بالقرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم...
|