.

اليوم م الموافق ‏17/‏شوال/‏1445هـ

 
 

 

تأملات في سورة العصر

5501

العلم والدعوة والجهاد

القرآن والتفسير

فريح بن محمد الفريح

الذيبية

جامع بلدة السمار

محامد و أدعية طباعة الخطبة بدون محامد وأدعية 

ملخص الخطبة

1- القرآن هدى ونور. 2- الحث على تدبر القرآن. 3- عظم سورة العصر. 4- تفسير سورة العصر. 5- تعظيم السلف لسورة العصر.

الخطبة الأولى

أيها الناس، أنزل الله هذا القرآن لهداية البشرية وإخراجها من الظلمات إلى النور؛ ليرحمهم سبحانه وتعالى بذلك، جعله موعظة يتعظ بها أولو العقول الرشيدة والأنفس المطمئنة، هذا القرآن أعظم كتاب أنزله الله، وأشرف كتاب، من حكم به عدل، ومن تمسك به هدي إلى صراط مستقيم، المتمسكون به هم الناجون يوم القيامة، السعداء في الدنيا والآخرة، المنصورون على من عاداهم، ((لا تزال طائفة من هذه الأمة على الحق ظاهرين، لا يضرهم من خذلهم، ولا من عاداهم، حتى يأتي أمر الله))، قيل: من هم يا رسول الله؟ قال: ((من كان على مثل ما أنا عليه اليوم وأصحابي)). ولقد أخبرت عائشة رضي الله عنها أن خلق النبي القرآن، والله يقول: وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ [القلم: 4].

أيها المسلمون، لئن كان القرآن بهذه المثابة فإن في تدبر آياته نفعًا عظيمًا وعزًا دائمًا وعلمًا نافعًا، ولقد نعى الله على أقوام أنهم لا يتدبرون القرآن، فقال: أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا [محمد: 24]، كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِّيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُوْلُوا الأَلْبَابِ.

عباد الله، هذه وقفات مع سورة من كتاب الله عز وجل، سورة عظيمة، جمعت خيرًا كثيرًا، كان من عظمتها أن قال فيها الإمام الشافعي رحمه الله ورضي عنه: "لو ما أنزل الله حجة على العباد إلا هذه السورة لكفتهم"، فهي كافية في إلزامهم بالحق، وقيامهم بما أوجب الله عليهم، وترك ما حرمه عليهم، سورة أخبر الله فيها بخسار الناس جميعًا، لم ينج منهم أحد إلا من جمع أوصافًا أربعة، جامعها هو الرابح الناجي، أتدرون ما هذه السورة وما هذه الأوصاف الأربعة؟ إنها سورة العصر.

يقول الله تعالى: بسم الله الرحمن الرحيم، وَالْعَصْرِ إِنَّ الإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ، أقسم الله فيها بالعصر، وهو الدهر والزمان الذي تقع فيه حركات بني آدم من خير وشر، وهو ميدان العاملين ومضمار المتسابقين، ويختلف الناس فيه اختلافًا عظيمًا، منهم من يعمل فيه بطاعة ربه ومولاه وإصلاح نفسه وأمته، وهذا هو الفائز المفلح، ومنهم من يقطعه في معصية الله إفسادًا لنفسه وأمته، أو يذهب هدرًا لا أفاد ولا استفاد، وهؤلاء هم الخاسرون.

ما أقسم الله بهذا الزمان إلا لأهميته وعظيم منزلته، فيه تستغلّ الأوقات في طاعة الله، وبه يعين المسلمون بعضهم بعضًا، ويزداد المرء شرفًا وجاهًا عند الله وعند خلقه، ((من أرضى الناس بسخط الله سخط الله عليه وأسخط عليه الناس، ومن أرضى الله بسخطهم رضي الله عنه وأرضى عليه الناس)).

أقسم الله بهذا الزمان العظيم تنبيهًا لنا وحفزًا على استغلاله والعمل فيه بمرضاة الله والتقرب إليه بكل ما تستطيع. أقسم به على أن كل إنسان خاسر مهما كثر ماله وولده، إلا من جمع هذه الأوصاف الأربع التي بها حياة القلوب والأبدان والبلدان.

أحدها: الإيمان بالله، وبكل ما يقرب إليه سبحانه من عقيدة وعمل، إيمان يجعل تعلق الإنسان بربه وحده، لا رجاء ولا خوف ولا دعاء إلا له دون من سواه، عقيدة تسمو بنفس الإنسان وقلبه، حتى يصل به الحال أنه يعبد الله سبحانه كأنه يراه أمامه، فيجعل الغيب شهادة والخفي ظاهرا.

ثاني هذه الأوصاف: العمل الصالح المقرب إلى الله، يجمع بين الإخلاص لله فلا رياء ولا شرك، وَمَا أُمِرُوا إِلاَ لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاء وَيُقِيمُوا الصَّلاَةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ، وبين اتباع رسول الله ، فقد قال: ((من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد))، والله يقول: قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ. ما أحوج الأمة في هذا الزمان إلى الإخلاص لله واتباع سنة رسوله ، في عصر تسلط فيه أعداء الله على عباده، ساموهم فيه سوء العذاب، وما ذاك إلا لبعد أهل الإسلام عن دينهم، ولن يرفع عنهم ذلك إلا بالرجوع إلى الله والتوبة إليه، فما نزل بلاء إلا بذنب، وما رفع إلا بتوبة، ولا عز لنا إلا بالإسلام، فمهما ابتغينا العز في غيره أذلنا الله.

وثالث هذه الأوصاف: التواصي بالحق، وهو فعل ما يقرب إلى الله والحث عليه والترغيب فيه. وليبدأ الإنسان بمن حوله من أقاربه وجيرانه.

ورابعها: التواصي بالصبر على فعل أوامر الله، والصبر على نواهيه، والصبر على قضاء الله وقدره، وهذا التواصي بالصبر وبالحق يدخل فيه الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر الذي به قوام الأمة وعزها، فهذه الأمة خير أمة أخرجت للناس بسبب هذا الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللّهِ.

أيها المسلمون، تفكروا في هذه السورة وتأملوها، واعملوا بما فيها، آمنوا بالله ورسوله واعملوا صالحًا، تآمروا بالمعروف وتناهوا عن المنكر، وخذوا على يد الجاهل والسفيه، وليعن بعضكم بعضًا على طاعة الله، واعلموا أن من عمل عملاً صالحًا آجره الله وكلّل عمله بالنجاح والتوفيق، ولن تؤتوا إلا من قبل أنفسكم، فلن يتخلف النجاح إلا بنقص في أحد الأمرين: إما الإخلاص أو الاتباع، فالله قد وعدكم بالنصر والعزة، والله لا يخلف الميعاد، ومن أراد الله والآخرة بعمله أعطاه الله الدنيا والآخرة، ومن أراد الدنيا فقد يعطاها أو يحرمها وهو في الآخرة من الخاسرين.

أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، مَّن كَانَ يُرِيدُ الْعَاجِلَةَ عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا مَا نَشَاء لِمَن نُّرِيدُ ثُمَّ جَعَلْنَا لَهُ جَهَنَّمَ يَصْلاهَا مَذْمُومًا مَّدْحُورًا وَمَنْ أَرَادَ الآخِرَةَ وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ كَانَ سَعْيُهُم مَّشْكُورًا كُلاً نُّمِدُّ هَؤُلاء وَهَؤُلاء مِنْ عَطَاء رَبِّكَ وَمَا كَانَ عَطَاء رَبِّكَ مَحْظُورًا انظُرْ كَيْفَ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَلَلآخِرَةُ أَكْبَرُ دَرَجَاتٍ وَأَكْبَرُ تَفْضِيلاً.

 

الخطبة الثانية

الحمد لله الذي بيده ملكوت كل شيء وإليه ترجعون، وإذا قضى أمرًا فإنما يقول له: كن فيكون، وله الحمد في السماوات والأرض وعشيًا وحين تظهرون، يخرج الحي من الميت ويخرج الميت من الحي ويحيي الأرض بعد موتها وكذلك تخرجون. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، بديع السماوات والأرض كل له قانتون، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله الأمين المأمون، اللهم صلِّ عليه وعلى آله وأصحابه الذين هم فيما عند الله راغبون.

عباد الله، اتقوا الله وأطيعوه، فإن طاعته أقوم وأقوى، وتزودوا فإن خير الزاد التقوى، واعلموا أن أصدق الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد ، وشر الأمور محدثاتها، وكل بدعة ضلالة، واعلموا أنكم غدا بين يدي الله موقوفون، وبأعمالكم مجزيون، وعن أفعالكم محاسبون، وعلى تفريطكم نادمون، وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون.

أيها المسلمون، تناصحوا وتواصوا بالحق، وليعن بعضكم بعضًا على طاعة الله سبحانه، فلن يبقى للإنسان إلا ما قدم من مال أو قول أو عمل، ولقد كان بعض الصحابة يلقى بعضًا فيقولون: (اذهب بنا نؤمن ساعة)، فيذكرون الله سبحانه، وقال السلف: كان الرجلان من أصحاب رسول الله إذا التقيا لم يفترقا إلا على أن يقرأ أحدهما على الآخر سورة العصر إلى آخرها، ثم يسلم أحدهما على الآخر؛ لما فيه من أوصاف المفلحين.

أيها المسلمون، صلوا وسلموا على البشير النذير...

 

محامد و أدعية طباعة الخطبة بدون محامد وأدعية 

إلى أعلى

إذا كانت لديك أية ملاحظات حول هذه الخطبة، إضغط هنا لإرسالها لنا.

كما نرجو كتابة رقم هذه الخطبة مع رسالتك ليتسنى لنا التدقيق وتصويب الأخطاء

 
 

 2004© مؤسسة المنبر الخيرية للمواقع الدعوية على شبكة الإنترنت، جميع الحقوق محفوظة

عدد الزوار حالياً