.

اليوم م الموافق ‏18/‏شوال/‏1445هـ

 
 

 

إسقاط أكبر شبكة إرهابية حقيرة وإحباط ما تحوزه من متفجرات وذخيرة

5439

أديان وفرق ومذاهب, موضوعات عامة

جرائم وحوادث, فرق منتسبة

عبد العزيز بن محمد القنام

وادي الدواسر

17/4/1428

جامع النويعمة القديم

محامد و أدعية طباعة الخطبة بدون محامد وأدعية 

ملخص الخطبة

1- موقف الناس عند الأحداث. 2- تمكن قوات الأمن من إحباط مخطط إرهابي. 3- إفلاس أصحاب الفكر المنحرف. 4- ضلال الفئة الضالة وجرائمها. 5- حرمة مبايعة غير الإمام الشرعي. 6- ضرورة الإمامة الشرعية. 7- وجوب السمع والطاعة لولاة الأمر. 8- تحريم الخروج على الحاكم المسلم. 9- مفاسد الخروج على الحكام. 10- تحريم حمل السلاح على المسلمين. 11- تاريخ خروج الخوارج. 12- صفات الخوارج. 13- ذم السلف والأئمة للخوارج. 14- واجبنا تجاه هذه الأحداث. 15- كلمة لرجال الأمن البواسل.

الخطبة الأولى

أمّا بعد: فاتقوا الله عباد الله، واعلموا أنَّ التقوى خير لباس وأزكى ذُخر عند الشدائد والباس، وأفضل عُدّة وزاد يبلّغ إلى جنان ورضوان ربّ العِباد، تِلْكَ ٱلْجَنَّةُ ٱلتي نُورِثُ مِنْ عِبَادِنَا مَن كَانَ تَقِيًّا [مريم: 63].

أيها المسلمون، عند حلول حدث أي حدث يتساءل الناس بعامتهم في سكرة: ماذا حدث؟! ولماذا حدث؟! وكيف حدث؟! وبعد مضي الحدث يتساءل العقلاء والحكماء ويتنادى الغيورون والنبلاء: وماذا بعد الحدث؟ في تفكر ومحاسبات ومعالجة ومراجعات وتحليل ومتابعات وأبحاث ودراسات، تربط النتائج بالمقدمات، وتصل الأسباب بالمسببات، لا سيما فيما يمس دين الأمة وأمن المجتمعات، وما يعكر استقرار الشعوب والبيئات، وما يعوق بناء الأمجاد وإشادة الحضارات، ويعبث بالمكتسبات والمقدرات، تشخيصا محكما للداء، ووصفا ناجعا للدواء.

إخوة الدين والعقيدة، لا يخفى عليكم ما أصدرته وزارة الداخلية عبر وسائل الإعلام يوم الجمعة الماضية الموافق 1/4/1428هـ حول تمكن قوات الأمن ـ وفقهم الله ـ من إحباط شبكة إرهابية حقيرة والقبض على خلايا إفسادية ارتكبت أمورا عظيمة، فكلما توقعنا واستبشرنا أن الفتنة خمدت وإذا بها تنبعث من جديد، ويبدأ معها مسلسل جديد، فتتوالى حلقات سلسلة من الأحداث في بلاد الحرمين الشريفين يذهل المسلم لها ويتملكه العجب، بل ويحتار القلم وتعجز الكلمات من هول ما يرى ويسمع. وحين تبلغ الأحداث من أبناء هذه البلاد العاقين لبلادهم الخارجين على ولاة الأمر فالأمر أشد وأنكى.

ولقد طالعتنا وسائل الإعلام بما نشر من القبض على هؤلاء الخوارج التكفيريين المارقين، وعثر معهم على أسلحة وأدوات للتفجير وغير ذلك، فالحمد لله أولا وآخرا وظاهرا وباطنا. وإن هذا مما يفرح كل مؤمن مواطن بل كل مقيم يعيش في هذه البلاد المقدسة، ومما يوجب شكر الله تعالى على أن وفق هذه الدولة للقضاء على هذه الفئة الفاسدة في المجتمع.

ولقد أعدوا العدة وجهزوا الأسلحة وهيئوا أنفسهم زيادة في الضلال والإضلال ونكاية في المسلمين، وهذا والله هو البلاء الذي ابتلي به أهل السنة في هذه البلاد المباركة.

وإن الذي يجب أن يعتقده كل مسلم يؤمن بالله واليوم الآخر أن فعل هؤلاء المجرمين من أعظم المحرمات في دين الله، وإن ما قاموا به ليس من الإسلام في شيء، بل إن الإسلام بريء من فعلهم؛ لأن الإسلام يحرم قتل المسلم ويحرم قتل الكافر المستأمن والكافر المعاهد والكافر الذمي، وليس فعلهم هذا من الجهاد في سبيل الله، ولا يحسب عملهم هذا من الإسلام، بل ما قاموا به إرهاب وإجرام، وبغي وترويع لعباد الله المؤمنين، وخروج على الحاكم المسلم الذي له ولاية شرعية، بل هو دين خارجي دخيل وفكر خبيث وبيل، حث النبي على قتل أمثال هؤلاء فقال: ((أينما لقيتموهم فاقتلوهم)) رواه البخاري ومسلم، ووعد بالأجر الجزيل لمن قتلهم، وإنما يقتلهم ولي أمر المسلمين أو بأمره.

عباد الله، إن ما اكتشفه رجال الأمن البواسل أصحاب الأعمال البطولية الذين كشفوا أوكارهم وأحبطوا مسعاهم الإجراميّ لهذه الفئةِ التي اتَّخذت من المساكن في مواقع عدة داخل المدن وكرا لإخفاء أسلحةِ القتل وأدواتِ التخريب والدّمار من أسلحة وذخائر ومتفجرات خطيرة قاموا بدفنها تحت الأرض، وكذلك خارج المدن في البر وعلى شواطئ البحر لدفن تلك الأسلحة، كانت معدة للقيام بأعمال تخريبية ودمار شامل لبنية هذا الوطن الذي هو حصن الإسلام وفيه الحرم الأمين وقبلة المسلمين ومسجد رسول الله ، فلقد فضح الله مخططاتهم وعداءهم لهذه البلاد بفضل الله ثم بجهود العيون الساهرة، والقبض على هذه العصابة المجرمة التي تحمل في قلوبها العداوة والحقد على أمن هذا البلد الأمين، وبفضل الله تعالى أبطل الله كيدهم وخيب الله أعمالهم وكشف الله أمرهم، ولا شك أن هذه الشبكة الإرهابية التي حصلت من أكبر الحوادث التي شهدتها بلادنا في أيام خلت، وكانت ضربة قاضية وموجعة لهؤلاء الفئة الباغية.

أيها المسلمون، جاءت عملية الكشف عن الشبكة الإرهابية الكبيرة وما كانت تحوزه من أسلحة فتاكة وأموال طائلة لتؤكد أن الأمور آلت بأهل الانحراف والتكفير إلى مرحلة الإفلاس واليأس من إمكانية تحقق مشروعهم، فتصرفاتهم الطائشة وحماقاتهم التي يرتكبونها بين الفينة والأخرى تؤشر على مدى الإحباط الذي وصلوا إليه وعلى فشل مشروع الفتنة والتدمير الذي يحملونه، والذي يستهدف أمن هذه البلاد واستقرارها وشعبها وقيادتها ومقدراتها ومصالحها، فهذه الفئة القليلة والشرذمة المنبوذة لم تجد فرصة لتنفيذ مخططها لتحرير فلسطين كما تدعي ولوقف الفتنة في العراق ولا طريقًا لوقف سفك الدماء والأشلاء كما تزعم سوى بالغدر ونقض العهد وخفر ذمة المسلمين وولي أمرهم بقتل مجموعة من الفرنسيين دخلوا البلاد بعهد وأمان. وهذه الفئة القليلة والشرذمة المنبوذة لم تر فرصة لحل مشاكل الأمة كلها ومعالجة أزماتها الكبرى كما تدعي إلا بزعزعة الأمن في المملكة وقتل رجاله وتفجير الممتلكات والمباني والمنشآت الإستراتيجية.

ضلال وإفلاس، وانتكاس وارتكاس، ووهم وخطأ، جمعوا بين العميين، وباؤوا بخسارة الدارين. فإذا كانوا يعتقدون أنهم بمثل هذه الأفعال يمكنهم أن ينالوا من قوة الدولة وهيبة الحكم فقد وهموا وأخطؤوا في الحسابات، فالتفاف الشعب حول قيادته كبير، والدولة تسجل النجاحات الأمنية الواحدة تلو الأخرى في وقت تعثرت فيه أقوى الأجهزة الأمنية في العالم عن حماية بلادها من التخريب والإرهاب، وأحداث الأسبوع الماضي والنجاح الكبير الذي حققته قوى الأمن خير شاهد.

وإن أفعالهم القذرة إنما هي تجنٍ وظلم على الإسلام والمسلمين؛ لأن الإسلام هو الذي سيُحمَّل جريرة أفعالهم، فضلاً عن تشويه مفهوم الجهاد ومراميه والحكمة منه، وأن الهدف منه هو القتل والعنف واستباحة الدماء والأعراض، دون أن يجني هؤلاء الجناة أي ثمرة سوى وزر الدماء التي أزهقوها بغير ذنب، فضلاً عن توفير المبررات الجاهزة لدعاة الفتنة من أهل العلمنة والتغريب في الداخل والخارج، وإذا كان التعرّض لرعايا بعض الدول الغربية نكايةً في هذا الدول لأنها تقف موقفًا مناهضًا لقضايا العرب والمسلمين فإن هذا حمق وطيش، لأن تلك الأفعال ستترك أثرًا سلبيًا لا إيجابيًا على تصرفات هذه الدول ومواقفها من قضايا الأمة، ويساهم في تأليب قوى الغرب علينا، في الوقت الذي تعاني أمتنا أزمات مستعصية ومحنا كبيرة تجعلها غير قادرة على أي مواجهة. فهؤلاء يقتلون ويغدرون ويفسدون في الأرض باسم الإسلام والجهاد والإصلاح، وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لا تُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ قَالُوا إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ أَلا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ وَلَكِنْ لا يَشْعُرُونَ [البقرة: 11، 12].

ماذا يريد هؤلاء بكل تلك الأسلحة وكل تلك الأموال وكل تلك التدريبات وهذا التخطيط لعمليات القتل والتفجير؟! إنهم يريدون الفتنة والفوضى، يريدون أن تصير بلادنا ميادين للقتال حتى تسوغ للكفار أن يتسلطوا عليها بحجة حماية المصالح أو غير ذلك من الحجج.

أيها المسلمون، إن أول مخططات هؤلاء الجهلة الفجار قيامهم بأمر محرم نفذوه في بيت الله الحرام بخفية، وهو مبايعة زعيمهم عند الكعبة المشرفة، وهذه البيعة باطلة لا يحل عقدها، ولا يجوز لأي شخص يؤمن بالله واليوم الآخر أن يعقد بيعة لشخص آخر في بلد له ولي أمر مبايع من أهله ومدان له بالطاعة في المعروف، وهذا من الجرأة القبيحة والعدوان الأثيم والافتئات على ولي الأمر والخروج عليه، وهذا يوجب لصاحبه العقوبة في الدنيا والعذاب في الآخرة. والدليل على ذلك ما رواه عرفجة رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله يقول: ((من أتاكم وأمركم جميع على رجل واحد يريد أن يشق عصاكم أو يفرق جماعتكم فاقتلوه)) رواه مسلم.

أي بيعة هذه التي يزعمون؟! إن هذه البيعة تشبه بيعة كفار قريش لما تعاهدوا على حصار النبي وبني هاشم في الشعب، إنها بيعة ما أريد بها إلا التكفير والتفجير والإرهاب والتدمير، وإنها لبيعة ما أريد بها إلا العدوان والبغي والظلم ونقض العهود والمواثيق، وإنها بيعة ما أريد بها إلا سفك الدم الحرام، بيعة ما أريد بها إلا الخروج على ولي الأمر المسلم الذي رضيه أهل السنة لأنفسهم ولم يرضه الخوارج لهم، بيعة ما أريد بها إلا عصيان الله تبارك وتعالى وعصيان رسوله ما أقبحها من بيعة! وما أجرأه من عقد! جرأة على الله، وإلحاد في حرم الله، قال تعالى: وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ [الحج: 25]. وإن مبايعتهم لزعيمهم هو مطابق لفعل الخوارج الأوائل الذين نبغوا في عهد الصحابة رضي الله عنهم فقاتلهم الصحابة رضي الله عنهم، وأمروا بقتالهم، امتثالاً لأمر رسول الله ، حيث قال عنهم: ((يخرج قوم في آخر الزمان أحداث الأسنان، سفهاء الأحلام، يقولون من خير قول البرية، لا يجاوز إيمانهم حناجرهم، يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية، فأينما لقيتموهم فاقتلوهم، فإن في قتلهم أجرًا لمن قتلهم يوم القيامة)) أخرجه الشيخان، وفي بعض الروايات يقول : ((هم شر الخلق والخليقة)).

أيها المسلمون، إن من المعلوم في دين الإسلام أن اتخاذ الإمام واجب على أهل الإسلام، يقول الله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الأَمْرِ مِنْكُمْ [النساء: 59]، والأحاديث الدالة على ذلك كثيرة، منها ما أخرجه الشيخان عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي أنه قال: ((إنما الإمام جُنة؛ يقاتل من ورائه، ويتقى به، فإن أمر بتقوى الله عز وجل وعدل كان له بذلك أجر، وإن يأمر بغيره كان عليه منه)). وعلى هذا جرى إجماع الصحابة رضي الله عنهم ومن بعدهم من سائر المسلمين.

وإن إمامة المسلمين تنعقد بأمور، منها أن يبايع أهل الحل والعقد الإمام، فإذا بايعوه صحت إمامته، ووجبت على سائر المسلمين طاعته، ولزمتهم بيعته، يقول عبادة بن الصامت رضي الله عنه: دعانا النبي فبايعناه، فقال فيما أخذ علينا أن بايعنا على السمع والطاعة في منشطنا ومكرهنا وعسرنا ويسرنا وأثرة علينا، وأن لا ننازع الأمر أهله إلا أن تروا كفرًا بواحًا عندكم من الله فيه برهان. أخرجه الشيخان. وفي حديث العرباض بن سارية رضي الله عنه أن النبي وعظهم موعظة وجلت منها القلوب وذرفت منها العيون، فقالوا: يا رسول الله، كأنها موعظة مودع، فأوصنا، قال: ((أوصيكم بتقوى الله، والسمع والطاعة وإن تأمر عليكم عبد، وإنه من يعش منكم فسيرى اختلافًا كثيرًا، فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين، عضوا عليها بالنواجذ، وإياكم ومحدثات الأمور، فإن كل بدعة ضلالة)) أخرجه الترمذي وقال: "حديث حسن صحيح". وفي حديث أنس رضي الله عنه عن النبي أنه قال: ((اسمعوا وأطيعوا وإن استعمل حبشي كأن رأسه زبيبة)) أخرجه البخاري ومسلم. يقول ابن رجب رحمه الله: "وأما السمع والطاعة لولاة أمر المسلمين ففيها سعادة الدنيا، وبها تنتظم مصالح العباد في معايشهم، وبها يستعينون على إظهار دينهم وطاعة ربهم، كما قال علي رضي الله عنه: إن الناس لا يصلحهم إلا إمام بر أو فاجر، إن كان فاجرًا عبد المؤمن فيه ربه، وحمل الفاجر فيها إلى أجله، وقال الحسن في الأمراء: هم يلون من أمورنا خمسًا: الجمعة والجماعة والعيد والثغور والحدود، والله ما يستقيم الدين إلا بهم وإن جاروا وظلموا، والله لما يصلح الله بهم أكثر مما يفسدون، مع أن والله إن طاعتهم لغيظ، وإن فرقتهم لكفر" انتهى كلام ابن رجب رحمه الله.

هذا وإنا بحمد الله تعالى نعيش في هذه البلاد السعودية المباركة في ظل ولاية عادلة، قد انعقدت لها البيعة، وصحت إمامة خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز على هذه البلاد وأهلها، ولزم الجميع السمع والطاعة بالمعروف، والبيعة ثابتة في عنق أهل البلاد السعودية كافة، لإجماع أهل الحل والعقد على إمامته. فالحمد لله ثم الحمد لله ثم الحمد لله على نعمه التي لا تحصى, جمع كلمتنا على الحق، وأسبغ علينا نعمه ظاهرة وباطنة، جمعنا على إمام واحد ودين واحد وبلد واحد، فنسأله سبحانه أن يزيدنا أمنا واستقرارا ونعمة وفضلا وصلاحا وفلاحا، وأن يرد كيد الحاقدين ومكر الماكرين على بلادنا وأئمتنا وولاة أمورنا وعلمائنا وأهلينا، وقى الله بلادنا وجميع بلاد المسلمين من كل سوء ومكروه، وجمع كلمة المسلمين على الحق والهدى، وكبت أعداء هذه الدولة، إنه ولي ذلك والقادر عليه.

أيها المسلمون، إن من الكبائر العظيمة والآثار الجسيمة نقض البيعة ومبايعة آخر مع وجود الإمام وانعقاد البيعة له، وهذا خروج عن جماعة المسلمين، وهو محرم ومن كبائر الذنوب، يقول أبو هريرة رضي الله عنه: قال رسول الله : ((من خرج من الطاعة وفارق الجماعة فمات مات ميتة جاهلية)) أخرجه مسلم، وفي حديث ابن عباس رضي الله عنه عن النبي أنه قال: ((من كره من أميره شيئًا فليصبر، فإنه من خرج من السلطان شبرًا مات ميتة جاهلية)) أخرجه البخاري ومسلم، وفي حديث عامر بن ربيعة رضي الله عنه قال: قال رسول الله : ((من مات وليست عليه طاعة مات ميتة جاهلية، فإن خلعها من بعد عقدها في عنقه لقي الله تبارك وتعالى وليست له حجة)) أخرجه الإمام أحمد، ولمسلم من حديث ابن عمر رضي الله عنهما قال: سمعت رسول الله يقول: ((من خلع يدًا من طاعة لقي الله يوم القيامة لا حجة له، ومن مات وليس في عنقه بيعة مات ميتة جاهلية))، ويقول النبي : ((من أتاكم وأمركم جميع على رجل واحد يريد أن يشق عصاكم أو يفرق جماعتكم فاقتلوه كائنًا من كان)) أخرجه مسلم. وأحاديث النبي في هذا المعنى كثيرة. قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه لسويد بن غفلة: (لعلك أن تخلف بعدي فأطع الإمام وإن كان عبدًا حبشيًا، وإن ضربك فاصبر، وإن حرمك فاصبر، وإن دعاك إلى أمر منقصة في دنياك فقل: سمع وطاعة، دمي دون ديني) أخرجه مسلم.

عباد الله، لقد كفلت شريعة الإسلام لأهلها السعادة في الدنيا والآخرة إذا تمسكوا بهذا الدين واعتزوا به، ولقد علم بالضرورة من دين الإسلام أنه لا دين إلا بجماعة ولا جماعة إلا بإمامة ولا إمامة إلا بالسمع والطاعة، ومن الأصول المقررة عن أهل السنة والجماعة السمع والطاعة لولاة الأمر في طاعة الله سبحانه وتعالى حيث هم رحمة للناس، فالدين لا يستقيم والحدود لا تقام والأمور لا تنضبط إلا بسلطان يتولاها ويحرسها، فلا يصلح الناس فوضى لا سراة لهم. بالسلطان تتآلف الأهواء المختلفة، وبهيبته تنكفّ الأيدي المتسلطة، ومن خوفه تنقمع النفوس المعاندة، وبإقامة الحدود والتعزيرات تهدأ الشهوات الثائرة والغرائز الشريرة. قال الخليفة الراشد علي بن أبي طالب رضي الله عنه: (الناس لا يصلحهم إلا أمام برًا كان أو فاجرًا). وقال شيخ الإسلام في السياسة الشرعية: "يجب أن يعرف أن ولاية أمر الناس من أعظم واجبات الدين، بل لا قيام للدين إلا بها، فإن بني آدم لا تتم مصلحتهم إلا بالاجتماع لحاجة بعضهم إلى بعض، ولا بد لهم عند الاجتماع من رأس" انتهى كلامه. وليست منافع الإمام محصورة في عجالة من عرض الدنيا، ولكنه حقن الدماء وصيانة الأعراض وحراسة الأموال، ورحم الله ابن المبارك إذ يقول:

إن الْجماعة حبـل الله فاعتصمـوا      منـه بعروتـه الوثقى لمن دانـا

كم يرفع الله بالسلطـان معضلـة       عـن ديننـا رحْمة منه ورضوانا

لولا الأئمـة لَم تأمن لنـا سبـل       وكـان أضعفنـا نَهبًا لأقوانـا

أيها المسلمون، إن طاعة ولي الأمر واجبة بنص الكتاب والسنة، قال الله في كتابه الكريم: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً [النساء: 59]، قال الشيخ ابن سعدي يرحمه الله: "وأمر بطاعة ولي الأمر، وهم الولاة على الناس من الأمراء والحكام والمفتين، فإنه لا يستقيم للناس أمر دينهم ودنياهم إلا بطاعتهم والانقياد لهم طاعة له ورغبة فيما عنده" انتهى كلامه. وعلى هذا سار السلف رضي الله عنهم، كلهم يوجب السمع والطاعة لإمام المسلمين، ويحرم الخروج عن جماعة المسلمين.

عباد الله، إن مما أوضحه البيان الصادر من وزارة الداخلية استعداد هؤلاء بالسلاح وتخطيطهم للخروج على المسلمين بذلك السلاح، ومعلوم أن حمل السلاح على أهل الإسلام من كبائر الذنوب، يقول النبي : ((من حمل علينا السلاح فليس منا)) أخرجه الشيخان. والخروج على المسلمين وقتالهم وسفك دمائهم داخل في قول النبي : ((ومن خرج على أمتي يضرب برها وفاجرها ولا يتحاشى من مؤمنها ولا يفي لذي عهد عهده فليس مني ولست منه)) أخرجه مسلم، والله تعالى يقول: وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا [النساء: 93].

كما أن هذه الفئة الضالة تريد إحداث فوضى في البلاد وتدمير الممتلكات، وهذا من الإفساد في الأرض الذي قال الله تعالى فيه: إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الأَرْضِ فَسَادًا أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ [المائدة: 33].

فليعلم هؤلاء وأمثالهم من أهل الإفساد بأن أمرهم مكشوف، وأن الله جل وتعالى عليم بهم كما قال سبحانه: فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِالْمُفْسِدِينَ [آل عمران: 63]، بل إن الله جل وتعالى قرر في كتابه بأن عمل المفسدين وتخطيطاتهم وتدبيراتهم سيبطله جل وتعالى، وأنه لا يمكن أن يوفقهم إلى عمل، فقال جل شأنه في معرض أخبار موسى مع فرعون: فَلَمَّا أَلْقَوْا قَالَ مُوسَى مَا جِئْتُمْ بِهِ السِّحْرُ إِنَّ اللَّهَ سَيُبْطِلُهُ إِنَّ اللَّهَ لا يُصْلِحُ عَمَلَ الْمُفْسِدِينَ [يونس: 81].

ألا ومن تسوِّل له نفسه ومن يزيِّن له الشيطان العبث بأمن هذه البلاد واستقرارها ومن يقترف جريمة التخريب والتفجير والإرهاب والإفساد في الأرض فقد وقع في هاوية المكر والخيانة، وَلاَ يَحِيقُ ٱلْمَكْرُ ٱلسَّيّئُ إِلاَّ بِأَهْلِهِ [فاطر: 43]، واكتسب جرمًا يخزيه أبدًا، وسيلقى جزاءه الأليم الذي قدّره الله له، سواء كان هذا المخرّب مسلمًا أو غير مسلم، لأن هذا التخريب والتفجير والإفساد يقتل ويصيب نفوسًا معصومة محرّمة الدم والمال من المسلمين أو غير المسلمين الذين أمّنهم الإمام أو نُوَّابه على نفوسهم وأموالهم. والإسلام يأخذ على يد الظالم والمفسد والمعتدي على النفوس والأموال المعصومة بما يمنعه من ارتكاب الجرائم، ويزجره وأمثاله عن البغي والعدوان، لأن الإسلام دين العدل ودين الرحمة والخير، فلا يأمر أتباعه إلاّ بما فيه الخير، ولا ينهاهم إلاّ عمّا فيه شرٌّ وضرر، وإن على العباد أن يشكروا الله عليها.

ألا فاتقوا الله عباد الله، فإن التقوى متى ما خالطها الصبر كانت درعًا واقيًا من كيد الأعداء، قرر ذلك رب العالمين بقوله: إِنْ تَمْسَسْكُمْ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ وَإِنْ تُصِبْكُمْ سَيِّئَةٌ يَفْرَحُوا بِهَا وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئًا إِنَّ اللَّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ [آل عمران: 12].

بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإيّاكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، ونفعنا بهدي سيد المرسلين وقوله القويم. أقول قولي هذا، وأستغفر الله العظيم لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب فاستغفروه، إنّه هو الغفور الرحيم.

 

الخطبة الثانية

الحمد الله الواحدِ القهّار، وعد المتّقين جنّاتٍ تجري من تحتها الأنهار، وأوعد الزائغين عن شريعته عذابَ السعير وبئس القرار، وشكرًا لك اللهمَّ أن خيّبتَ آمال من أرادوا سوءًا بأهل هذه الديار، وأشهد أن لا إله إلاّ الله وحده لا شريك له شهادةً نرجو بها حطّ الخطايا والأوزار، وأشهد أن نبيّنا محمدًا عبد الله ورسوله المصطفى المختار، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه المخصوصين بالتوقير والإكبار، ومن تبعهم بإحسان ما تعاقبَ غروبٌ وإسفار.

أما بعد: أيها المسلمون، إن مما ابتليت به الأمة الإسلامية مما زعزع أمنها وروع سكانها وجعل للكفار عليها السبيل خروج فرقة مارقة عن الدين لا يألون في مسلم إلا ولا ذمة، اقرؤوا التاريخ عباد الله، بل واسمعوا الوقائع الآن وماذا ترون من الذين خرجوا على ولاة أمورهم وشقوا عصا الطاعة وأزالوا ولاتهم، ماذا حصل عليهم من النكبات؟! ماذا حصل عليهم من سفك الدماء؟! ماذا حصل عليهم من اختلال الأمن؟! ماذا حصل في بلادهم من النهب وسلب؟! بل ماذا حصل عليهم من تدخل الكفار في بلادهم وتسلطهم عليهم؟! ولو أن استقاموا مع ولاة أمورهم ونصحوا لهم وكانوا يدًا واحدة لهابهم العدو ولا انتظمت أمورهم، ولا يخفى عليكم ما حصل من الفتنة العظمى لما قام أناس من الأوباش بقيادة يهودي يقال له ابن سبأ، وذلك لما قاموا على الخليفة الراشد عثمان بن عفان رضي الله عنه وأرضاه فقتلوه، فماذا حصل بالمسلمين من النكبات التي يعانون منها إلى الآن؟! وماذا حصل لمن أزالوا ولاة أمورهم؟! فماذا حل بهم؟! إنهم لا يزالون إلى الآن يعانون من الويلات ومن الحروب الأهلية بينهم، ومن الحروب من أعدائهم وغير ذلك من العقوبات.

أيها المسلمون، إن بداية ظهور الخوارج كان في عهد عثمان رضي الله عنه، حيث خرجوا عليه حتى أدى ذلك إلى قتله مظلوما شهيدًا، ثم خرجوا على علي فقاتلهم وقتلهم شر قتلة، وكان هذا الفعل له منقبة عظيمة. وأوّل قرن طلع منهم على عهد رسول الله رجل طعن على النبي وهو يقسم الغنائم بالجعرانة، فقال: اعدل يا محمد، فما أراك تعدل، فقال : ((ويلك، فمن يعدل إذا لم أكن أعدل؟!)) فأراد عمر رضي الله عنه قتله، فمنعه النبي من قتله، وأخبر عليه الصلاة والسلام: ((إنّ هذا وأصحابًا له يحقر أحدكم صلاته مع صلاتهم، وصيامه مع صيامهم، يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرميّة))، وأمر عليه الصلاة والسلام في غير حديث بقتالهم، وبين فضل من قتلهم أو قتلوه.

وإنهم لا زالوا يخرجون إلى أن تقوم الساعة، وورد في حديث آخر: ((كلما خرج منهم قرن قطع حتى يكون آخرهم مع الدجال))؛ لذلك فما هؤلاء الذين يفجرون في بلاد الإسلام ويقتلون المسلمين والآمنين والمستأمنين بغير حق إلا وراث لأولئك وعلى منهجهم.

ومن الأحاديث التي وردت في بيان صفاتهم وعلاماتهم ما جاء في حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنه أن النبي قال: ((إن هذا وأصحابه يقرؤون القرآن لا يجاوز حناجرهم، يمرقون منه كما يمرق السهم من الرمية))، وجاء في حديث أبي سعيد الخدري أن رسول الله قال: ((إن من ضئضئ هذا قوما يقرؤون القرآن لا يجاوز حناجرهم، يقتلون أهل الإسلام ويدعون أهل الأوثان، يمرقون من الإسلام كما يمرق السهم من الرمية، لئن أدركتهم لأقتلنهم قتل عاد)). ووردت أيضا أحاديث عن رسول الله في وصفهم بأنهم شر الخلق والخليقة، وأنهم كلاب النار وإن كانوا يظهرون الصلاح والاستقامة والجهاد زعموا، فعن أبي ذر قال: قال رسول الله : ((إن بعدي من أمتي ـ أو: سيكون بعدي ـ من أمتي قوم يقرؤون القرآن لا يجاوز حلاقيمهم، يخرجون من الدين كما يخرج السهم من الرمية، ثم لا يعودون فيه، هم شر الخلق والخليقة))، وعن ابن أبي أوفى رضي الله عنه أن النبي قال: ((الخوارج كلاب النار)).

فلا يغرك ما ينزينون به من الصلاح ودعوى الجهاد والاستقامة، فكل ذلك لا ينفعهم شيئا، ولا يتجاوز إلى قلوبهم، ذُكر لابن عباس رضي الله عنهما الخوارج واجتهادهم وصلاحهم فقال: (ليسوا بأشدّ اجتهادًا من اليهود والنصارى، وهم على ضلالة). قال الإمام محمد بن الحسين الآجري رحمه الله: "لم يختلف العلماء قديمًا وحديثًا أن الخوارج قوم سوء، عصاة لله عز وجل ولرسوله وإن صلّوا وصاموا واجتهدوا في العبادة، فليس ذلك بنافع لهم وإن أظهروا الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وليس ذلك بنافع لهم؛ لأنهم قوم يتأولون القرآن على ما يهوون، ويموّهون على المسلمين، وقد حذرنا الله عز وجل منهم، وحذّرنا النبي وحذرنا الخلفاء الراشدون بعده، وحذرناهم الصحابة رضي الله عنهم ومن تبعهم بإحسان رحمة الله تعالى عليهم. والخوارج هم الشراة الأنجاس الأرجاس، ومن كان على مذهبهم من سائر الخوارج، يتوارثون هذا المذهب قديمًا وحديثًا، ويخرجون على الأئمة والأمراء، ويستحلون قتل المسلمين" انتهى كلامه رحمه الله.

ومنه يتضح خطورة هذا المذهب وتحريم الانتساب إليه، بل وجوب قتال أهله لما يترتب عليه من مفاسد دينية ودنيوية واختلال للأمن وضياع لبلاد الإسلام وإدخال الوهن على المسلمين وتسليط الأعداء عليهم. ومنه يعلم أن من خرج على إمام المسلمين واستحل قتل المسلمين فإنه خارجي وإن صلى وصام وادعى ما ادعى. والأمثلة من التاريخ الإسلامي على ذلك كثيرة، وما هذا إلا غيض من فيض. فيجب على المسلم أن يحذر من هؤلاء الخوارج ومن مذهب الخروج وموارده ومصادره. ثبتنا الله وإياكم على السنة، وجنبنا الفتن ما ظهر منها وما بطن.

أيها المسلمون، يجب أن لا نمر على الأحداث مرور الكرام، يجب أن نعي ما يدور حولنا من تخطيط لإزالة هذه الدولة المباركة ولنقض هذا الصرح البناء الشامخ الذي بناه الآباء والأجداد المخلصون، فأقاموا دولة تحكم بشريعة الله وتنعم بالخيرات والبركات. إنهم لا يزالون يخططون، فاليهود والنصارى من وراء هؤلاء الخوارج، ووالله الذي لا إله غيره إن أعداء الإسلام وجدوا في هؤلاء المجرمين القتلة بغيتهم، ولا يفرح بصنيعهم إلا هم. وإن على كل مؤمن صادق يحذر الآخرة ويرجو رحمة ربه أن يرفع صوته بإنكار هذه الأعمال الإجرامية؛ لأنها محرمة بنصوص الكتاب والسنة، ولأنها تعد لحدود الله وانتهاك لحرماته وعدوان على عباده، ولأنها فساد نهى الله عنه وأخبر أنه لا يحبه وقال: إِنَّ اللَّهَ لا يُصْلِحُ عَمَلَ الْمُفْسِدِينَ [يونس: 81]. وإننا وكل مسلم ليحذر من فكر هؤلاء الخوارج، فهو فكر موجود، وإغفاله أو إهماله أو السكوت عنه خطير جدا علينا وعلى أبنائنا، فينبغي على كل فرد منا أن يتبصر في دينه، وأن يستبين سبيل المجرمين، وأن يعرف صفات هؤلاء الخوارج الضالين؛ حتى لا يقع هو أو يقع فرد من أفراد أسرته في منهجهم وهو لا يشعر. وإن علينا جميعا أن نحذر دعاة الضلال والفتنة والفرقة وتحذير من سار في ركابهم، وعلينا السير على الصراط المستقيم المبني على كتاب الله وسنة نبيه ، وإن مسؤولية مواجهة هؤلاء الضالين ليست على رجال الأمن وحدهم، ولكنها مسؤولية الجميع، كلٌّ حسب موقعه.

إن الإحساس بالخطر على الدين والأهل والديار والفرقة والفوضى هو الأمر الذي يجب أن يستشعره الجميع؛ ليكونوا أكثر يقظة وحذرا ونباهة، ولتكون التصرفات أكثر وعيا وحكمة لما يحاك ضد هذه الأمة ودينها وأهلها وأمنها وولاة الأمر فيها. فلا بدَّ من تماسكِ الصّفّ، مع وضعِ أيدينا في أيدي ولاةِ أمرنا وعلمائنا، مع بذل النّصح لهم جميعًا بالحكمَة والموعظة الحسنة.

إنَّ هذه البلادَ قامت على أسُسٍ راسخة ومبادئَ ثابتة ومنهج إسلاميّ، ومَن يرومُ تقويضَه أو زعزعتَه بمسالك العنف والتّفجير أو الاصطياد في الماء العكِر أو التذويب أو التمييع أو النيل من دعاةِ البلاد أو حلقات التّحفيظ وهيئاتِ المعروف ومحاضنِ الدّعوة لدينا فلن يبلغَ أحدٌ منه مرادَه، فبلاد الحرمَين كيان راسخٌ في بنيانِه، متماسِك في وَحدته، متراصّ في صفوفه، تتكسّر دونه مسالك الانحراف والتصرّفاتُ اللاّمسؤولة، ولن تبلغَ هذه الفئة أو غيرُها النيلَ من ثوابتنا وأمنِنا وقيَمنا ومناهجنا. إنَّ هذه البلادَ تمثّل مركزَ الثقل وإشعاع الخير في العالم، وستبقى كذلك بإذن الله، والمروّجون للفساد والإفساد يدمّرون الأمّة ويضربونها في عُقر دارها، وستعود أعمالهم وبالا عليهم، يجرّون أذيالَ الخيبة والهزيمة، قال الله تعالى: وَقَالُوا إِنْ نَتَّبِعِ الْهُدَى مَعَكَ نُتَخَطَّفْ مِنْ أَرْضِنَا أَوَلَمْ نُمَكِّنْ لَهُمْ حَرَمًا آمِنًا يُجْبَى إِلَيْهِ ثَمَرَاتُ كُلِّ شَيْءٍ رِزْقًا مِنْ لَدُنَّا وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ [القصص: 57].

فاتقوا الله أيها المسلمون، وقوموًا بما أوجبه الله عليكم لتدوم هذه النعم من أمن ورخاء وهدوء واستقرار، نعم متتابعة، وخيرات متوالية، ولن يجد عدو مدخلاً، ولن يجد حاسد في صفوفنا سبيلاً إن شاء الله تعالى، وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ [آل عمران: 103].

رجال الأمن البواسل، أقول: إنكم تحرسون في سبيل الله، إنكم إن شاء الله تعالى تجاهدون في سبيل حفظ أمننا وأمن أطفالنا وأموالنا، فجزاكم الله عنا خيرا، وبارك في أعمالكم, وشد من أزركم. وإن هذه الأعمال لن تزيدنا إلا إصرارا مع رجال الأمن، ولن تزيدنا إلا إصرارا على السمع والطاعة لولاة أمورنا والصدق معهم والدعاء لهم، هذه عقيدة أهل السنة والجماعة، وهذا دين الإسلام واضح لا مواربة فيه، لا نرجو من ذلك جزاء ولا شكورا، ولكن نعمل بما أملاه علينا ديننا وبما يحفظ علينا وعلى إخواننا أمنهم واستقرارهم، نسمع ونطيع لولاة أمور المسلمين، ونعظم حرمات المسلمين، ونحافظ على دماء المسلمين وأعراضهم، ونتعاون مع رجال الأمن وموظفي الدولة، فإنهم نواب السلطان، والنبي يقول: ((من يطع الأمير فقد أطاعني، ومن أطاعني فقد أطاع الله، ومن يعص الأمير فقد عصاني)). فنحن نطيع الله ورسوله، ونطيع ولاة أمور المسلمين، ونتعاون معهم على البر والتقوى.

اللهم إنا نسألك في مقامنا هذا في انتظار فريضة من فرائضك أن تقضي على الفساد والمفسدين، اللهم اقض على الفساد والمفسدين، اللهم اجعل كيدهم في نحورهم وتدبيرهم تدميرا عليهم يا رب العالمين، اللهم إنا نسألك أن تقي بلادنا شر الفتن ما ظهر منها وما بطن، اللهم قنا شرور أنفسنا وشرور عبادك، وأدم على بلادنا أمنها وزدها صلاحا وإصلاحا، إنك على كل شيء قدير. كما نسأله سبحانه أن يمد الساهرين على أمننا وراحتنا بعونه وتوفيقه، وأن يسدد آراءهم وخططهم ويبارك في أعمالهم وجهودهم ويربط على قلوبهم ويكشف لهم كل غامض، وأن ينصرهم على كل مفسد ومخرب ومحارب، نسأل الله تعالى أن يحمي بلاد الحرمين من شرور المعتدين وكيد المجرمين، وأن يكف البأس عن هذه البلاد وسائر بلاد المسلمين، وأن يوفق قادة هذه البلاد المخلصين لما فيه صالح البلاد والعباد وقمع الفساد والمفسدين.

ألا وصلّوا وسلِّموا ـ رحمكم الله ـ على الهادي البشير والسراج المنير، سيِّد الأوّلين والآخرين ورحمة الله للعالمين، الرحمةِ المهداة والنعمة المسداة، نبيّكم محمد بن عبد الله...

 

محامد و أدعية طباعة الخطبة بدون محامد وأدعية 

إلى أعلى

إذا كانت لديك أية ملاحظات حول هذه الخطبة، إضغط هنا لإرسالها لنا.

كما نرجو كتابة رقم هذه الخطبة مع رسالتك ليتسنى لنا التدقيق وتصويب الأخطاء

 
 

 2004© مؤسسة المنبر الخيرية للمواقع الدعوية على شبكة الإنترنت، جميع الحقوق محفوظة

عدد الزوار حالياً