.

اليوم م الموافق ‏16/‏شوال/‏1445هـ

 
 

 

الأمن والأمان مطلب الجميع

5416

أديان وفرق ومذاهب, الأسرة والمجتمع

فرق منتسبة, قضايا المجتمع

عبد الرحمن بن علي العسكر

الرياض

عبد الله بن عمر

محامد و أدعية طباعة الخطبة بدون محامد وأدعية 

ملخص الخطبة

1- حاجة الناس جميعا إلى الأمن. 2- الأمن أول طلب طلبه إبراهيم الخليل عليه السلام. 3- حلف الفضول. 4- الخوف والجوع من شر عذاب الدنيا. 5- التفجيرات إيذان بزرع الفوضى ونزع الأمن من البلدان. 6- أغراض الخارجين عن الطاعة من إحداث الفوضى في بلاد الحرمين. 7- مقالات العلماء الأجلاء في بلاد الحرمين الشريفين. 8- طرق تحقيق الأمن.

الخطبة الأولى

أمَّا بَعدُ: فاتَّقُوا الله ـ عِبادَ الله ـ حَقَّ التَّقْوى.

أيُّها المسْلِمُونَ، النَّاسُ في هَذِهِ الحَيَاةِ لهمْ مَآرِبُ شَتَّى وأحْوالٌ مُتَعدِّدَةٌ، تختَلِفُ أديَانُهم وتَوجُّهَاتُهمْ، وتخْتَلِفُ رَغَباتُهمْ، إلاَّ أنَّ هُنَاكَ أمُورًا هُمْ جَميعًا مُجمِعُونَ علَى طَلَبِهَا والبَحْثِ عَنْهَا، بَلْ هِيَ غَايَةُ كثِيرٍ مِنْهُمْ، ويَظْهَرُ هَذَا الأمْرُ جَليًّا ووَاضِحًا في المَطْلَبِ الذِي يُكَابِدُ مِنْ أجلِهِ شُعُوبٌ، ويَسْعَى لتَحْقِيقهِ فِئَامٌ كَثيرُونَ، إنَّهُ الأمْنُ عَلَى النَّفْسِ والمالِ والوَلَدِ.

الأمْنُ في الأوْطَانِ مَطلَبُ الكَثيرِ مِنَ النَّاسِ، بَلْ هُوَ مَطْلَبُ العَالَمِ بأسْرِهِ، حَيَاةٌ بِلا أمْنٍ لا تُسَاوِي شَيئًا، كَيفَ يَعيشُ المرْءُ في حَالَةٍ لا يأمَنُ فيهَا عَلَى نَفْسِهِ حتَّى مِنْ أقْرَبِ النَّاسِ إليهِ؟! خَوفٌ وذُعْرٌ وهَلَعٌ وتَرَقُّبٌ وانْتِظَارٌ للغَدِ، لا يُفَكِّرُ الإنْسَانُ في شَيءٍ إلاَّ في حَالِهِ اليَومَ، لَيسَ عِنْدَهُ تَفْكيرٌ في مُسْتَقْبَلٌ، ومَا كانَ ذَلِكَ إلا بِسَببِ فُقْدَانِ الأمْنِ.

عِبادَ الله، أوَّلُ مَطْلَبٍ طَلَبَهُ إبرَاهيمُ مِنْ رَبِّهِ سُبْحَانَهُ هُوَ أنْ يَجْعَلَ هَذَا البَلَدَ آمِنًا، وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَذَا الْبَلَدَ آمِنًا وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الأَصْنَامَ [إبراهيم: 35]، ويَقُولُ في آيَةٍ أُخْرى: وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَذَا بَلَدًا آمِنًا وَارْزُقْ أَهْلَهُ مِنْ الثَّمَرَاتِ مَنْ آمَنَ مِنْهُمْ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ قَالَ وَمَنْ كَفَرَ فَأُمَتِّعُهُ قَلِيلاً ثُمَّ أَضْطَرُّهُ إِلَى عَذَابِ النَّارِ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ [البقرة: 126].

فانْظُرُوا هَاتَينِ الآيَتَينِ، فإبْراهيمُ طَلَبَ في الآيَةِ الأولَى تَحقيقَ الأمْنِ حَتَّى يَتَحقَّقَ لهُ عِبادَةُ الله عَلَى الوَجْهِ الصَّحيحِ، وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الأَصْنَامَ؛ لأنَّ الإنْسَانَ في حَالِ الفِتْنَةِ والقَلاقِلِ يَشْغَلُهُ الخَوفُ عِنْ عِبَادَةِ رَبِّهِ، ورُبَّمَا زَاغَ كَثيرًا عَن الحَقّ، ألمْ يُخبِر الرَّسُولُ عَنْ أنَّ المُتَمَسِّكَ بدِينهِ في آخِرِ الزَّمَانِ حِينَ تَكْثُرُ الفِتَنُ كالقَابِضِ عَلَى الجَمْرِ؟!

أمَّا الآيَةُ الثَّانيَةُ فطَلَبَ إبْراهيمُ تَحقيقَ الأمْنِ، ثُمَّ قالَ: وَارْزُقْ أَهْلَهُ مِنْ الثَّمَرَاتِ؛ لأنَّ بَلدًا لا أمْنَ فِيهِ كَيفَ تَسْتقيمُ للنَّاسِ فِيهِ أرْزَاقُهُمْ؟! وهَذَا الوَاقِعُ أمَامَكُمْ مَا إنْ تُعْلَنُ حَرْبٌ أو فِتْنَةٌ في بَلَدٍ حَتَّى يَنْقُلَ أرْبَابُ الأمْوَالِ أمْوَالَهُمْ إلى بُلْدَانٍ أخْرَى، وما عَلِمُوا أنَّ الحِفَاظَ علَى النَّفْسِ أولَى مِنَ الحِفَاظِ عَلى المَالِ، فالنَّفْسُ تَزُولُ، والمالُ غَادٍ ورَائِحٌ، ولكِنْ وَتُحِبُّونَ الْمَالَ حُبًّا جَمًّا [الفجر: 20].

عباد الله، الأمْنُ مَطْلَبُ الجَميعِ، ولَقَدْ كَانَتْ قُرَيشٌ في الجَاهِليَّةِ جَعَلَتْ نَفْسَهَا مَسؤُولَةً عَنْ أمْنِ مَكَّةَ والحَجيجِ الوَافدينَ إليَها، حَتَّى إذَا جَاءَ حاجٌّ فتَعَامَلَ مَعَ أحَدِ المُقيمينَ في مَكَّةَ ثُمَّ ظَلَمَهُ حَقَّهُ، نَادَى هَذا الرَّجُلُ عَلَى أهْلِ مَكَّةَ بأعْلَى صَوتِهِ طَالِبًا حَقَّهُ، فاجْتَمَعتْ قُرَيشٌ بأفْخَاذِهَا وقَبَائِلهَا في دَارِ عبدِ الله بنِ جُدْعانَ، فتَحَالَفُوا عَلَى أنْ لا يُظْلَمَ في مَكَّةَ غَريبٌ ولا حُرٌّ ولا عَبدٌ إلا كَانُوا مَعَهُ. رَوَى البَيْهقيُّ وغَيرهُ أنَّ رَسُولَ الله قالَ: ((لَقَدْ شَهِدْتُ في دَارِ عبدِ الله بنِ جدْعَانَ حِلْفَ الفُضُولِ، أمَا لَو دُعيتُ إليهِ اليَومَ لأجَبْتُ، ومَا أُحِبُّ أن لي بهِ حُمُرَ النَّعَمِ وأنِّي نَقَضْتُهُ)). ولما دَخَل رَسُولُ الله إلى مَكَّة فاتحًا أمَرَ أنْ يُنَادِي مُنادٍ: ((مَنْ دَخَلَ المسجِدَ الحَرامَ فَهُوَ آمِنٌ، ومَنْ دَخَلَ دَارَهُ فهُو آمِنٌ، ومَنْ دَخَلَ دَارَ أبي سُفْيانَ فَهُو آمِنٌ))؛ لأنَّ النَّاسَ إذَا أمِنُوا عَلَى أنْفُسِهِمْ اطْمأنُّوا وزَالَ عنهُمُ الرُّعْبُ وعَادَتْ إليهِمْ عُقُولهُمْ.

عبادَ الله، يَقولُ الله سُبْحَانَهُ: وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِنْ كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ [النحل: 112]، الخَوفُ والجُوعُ إذَا اجْتَمَعَا فإنَّ ذَلِكَ مِنْ شَرِّ عَذَابِ الدُّنْيا؛ لأنَّ الخَائِفَ إذَا كَانَ عِندَهُ مَا يَقْتاتُ بهِ أَمِنَ أو اسْتَخْفى، ولأنَّ الجَائعَ إذَا كانَ يَعيشُ آمِنًا اسْتَطاعَ أنْ يَسيرَ في الأرْضِ ويَطْلُبَ الرِّزْقَ، ولهذَا امْتَنَّ اللهُ على قُرَيشٍ بِقَولِهِ: فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَذَا الْبَيْتِ الَّذِي أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ وَآمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ [قريش: 3، 4].

ولَقَدْ عَاشَتْ هَذِهِ البلادُ قَبلَ أكْثَرَ مِنْ مائةِ عَامٍ صُورًا مِنَ الخَوْفِ والذُّعْرِ، لم يَكُنْ للمَرْءِ أنْ يَتَصَوَّرَهَا الآنَ، لأنَّها صَارَتْ كالخَيَالِ، لكِنْ بَعْدَ أن اسْتَقَرَّ الوَضْعُ في هَذِهِ البِلادِ مِنْ عَشَراتِ السِّنينَ والبَلَدُ يَعيشُ أمْنًا وارِف الظِّلالِ مُتَّسِعَ الأطْرَافِ، حَتَّى صَارَتْ مَثَلاً للأمْنِ والاسْتِقْرَارِ بَينَ البُلْدَانِ. هَذَا البَلَدُ صَارَ مَقْصِدًا لطُلاَّبِ الرِّزْقِ والعَمَلِ؛ لأنَّ أهَمَّ مُقَومَاتِ الحَيَاةِ مَوجُودَةٌ فيهِ.

انْظُرُوا إلى بِلادٍ شَتَّى في العَالَمِ تَحْمِلُ صُورًا مِنَ الفَوضَى والخَوفِ الذي لَيسَ لَهُ حُدُودٌ، إنَّ مِنَ الأمُورِ المُقَرَّرَةِ عندَ أهلِ تِلْكَ البِلادِ أنَّ البَيتَ هُوَ المَكان الوحيدُ الذِي يُمكِنُ أنْ يأمَنَ المَرْءُ فيهِ عَلَى نفْسِهِ، وإذَا جَاءَ الليلُ فكأنَّ الأمْنَ ثَوبُ عَاريَّةٍ خُلِعَ، لا يُؤمَنُ عَلى المَرءِ إذَا خَرَجَ مِنْ بَيتِهِ لَيلاً، فَكَيفَ بالسَّفَرِ؟!

الأمْنُ ـ أيُّهَا الأخْوَةُ ـ مَطْلَبٌ أكيدٌ لا تستَقيمُ الحَيَاةُ بِدُونِهِ، يَقُولُ الرَّسُولُ : ((مَنْ أصْبَحَ مِنْكُمْ آمِنًا في سِرْبهِ مُعافى فِي بَدَنِهِ عِندَهُ قُوتُ يَومِهِ ولَيلَتِهِ فكَأنَّمَا حِيزَتْ لَهُ الدُّنْيَا)) روَاهُ التِّرمِذيُّ.

أيُّها الإخوَةُ، إنَّ مَا حَصَلَ خِلالَ الأشْهُرِ المَاضِيَةِ مِنْ تَفْجيراتٍ ومَا أعْقَبَهَا مِنْ تَدَاعياتٍ كُلُّهَا مُؤذِنَةٌ بِخَطَرٍ عَظيمٍ، إذَا لم يُتَدَاركُ أوشَكَ أنْ تَعُودَ هذِهِ البِلادُ فِتنًا وقَلاقِلَ.

مَاذا يَنْقِمُونَ مِنَ البِلادِ والأمْنُ فِيهَا مُسْتَتِبٌّ ووارِفٌ؟! ماذَا يَنْقِمونَ مِنَ البِلاد ولَو رأوا غَيرَها مِنَ البُلْدانِ ورَأوا ما فِيهَا مِنْ فِتَنٍ وقَلاقِلَ لعَلِمُوا فَضْلَ هَذِه البِلادِ عَلَى غَيرهَا؟! ماذَا يَنْقِمُونَ مِنَ البِلاد وشَعَائِرُ التَّوحيدِ والسُّنَّةِ فيهَا قَائِمَةٌ وعَلامَاتُ الدِّينِ ظَاهِرَةٌ؟! ماذَا يَنْقِمُونَ مِنَ البِلادِ وهِيَ رَاعِيَةُ الحَرَمينِ، ولم يَشْهَدِ الحَرَمَانِ اهتِمامًا عَلَى مَرِّ التَّاريخِ مَا شهِدَاه في هَذِهِ الدَّولَةِ؟! مَاذَا يَنْقِمُونَ مِنَ البِلادِ ولَم نَرَ فيهَا شِركًا ظَاهِرًا ولا قُبُورًا تُعْبَدُ، ولمَ نَرَ فيهاَ خُرَافاتٍ ولا بِدعًا ظَاهِرَةً؟! ماذَا يَنْقِمُونَ مِنَ البِلاد وهِيَ البِلادُ الوَحيدَةُ في الدُّنْيَا التي تُحَكِّمُ شَرْعَ الله؟! لكنَّه الحِقْد الدَّفينُ عَلى أهْلِ الإسْلامِ، وإرادَةُ الفوضَى والشَّرِّ والفِتْنَةِ. إنَّ أولَئِكَ الأقْوامِ الذينَ خَرَجُوا ـ ونَسْألُ الله أنْ يَفْضَحَ بَاقيهمْ ـ مَا هُمْ إلا صُورَةٌ مُتَكَرِّرَةٌ للخَوَارِجِ الذينَ جَعَلُوا الخُرُوجَ عَلى الحُكَّامِ ومُنَازَعَتَهُمْ أمرَهُمْ هَدَفًا لَهمْ.

يَقولُ ابنُ بَازٍ رحمِهُ الله: "العَدَاءُ لهذِهِ الدَّولَةِ عَدَاءٌ للحَقِّ، عَدَاءٌ للتَّوحيدِ، أيُّ دَولَةٍ تَقُومُ بالتَّوحيدِ الآنَ؟! أيُّ دَولَةٍ مِنْ حَولِنَا مِنْ جِيرانِنَا في مِصْرَ والشَّامِ والعِرَاق، مَنْ هوَ الذي يَقُومُ بالتَّوحيدِ الآنَ ويُحَكِّمُ شَرِيعَةَ الله ويهدِمُ القُبُورَ التي تُعْبَدُ مِنْ دَونِ الله؟! مَنْ؟! وأينَ هُمْ؟! أينَ الدَّولَةُ التي تَقُومُ بِهَذِه الشَّرِيعَةِ؟!" اهـ.

وقَالَ ابنُ عُثَيمينَ رَحمهُ الله: "إنَّ بِلاَدَنَا ولله الحَمدُ أقْوَى بِلادِ العَالَمِ الآنَ في الحُكْمِ بمَا أنْزَلَ الله عَزَّ وجَلَّ، يَشْهَدُ بذلِكَ القَاصِي والدَّاني"، وقالَ أيضًا: "لا يَضُرُّ السَّحَابَ نَبحُ الكِلابِ، لا يُوجَدُ والحَمدُ للهِ مِثلُ بِلادِنَا اليَومَ في التَّوحيدِ وتحكيمِ الشَّريعَةِ، وهِيَ لا تَخْلُو مِنَ الشَّرِّ كسَائرِ بلادِ العَالَمِ، بَلْ حَتَّى المدينَة النَّبويَّة في عَهْدِ النَّبِيِّ وُجِدَ مِنْ بَعْضِ النَّاسِ شَرٌّ، لَقدْ حَصَلَتْ السَّرِقَةُ وحَصَلَ الزِّنَا" اهـ.

إنَّ أولَئِكَ الشَّبابُ الذينَ خَرَجُوا عَلَى الأمَّةِ هُمْ ثَمَرَة مَدَارسَ فِكْريَّةٍ خَطِيرةٍ، كَانُوا وَاجِهَةً لهَا، ليَكُونُوا هُمُ الضَّحِيَّةُ أمَامَ النَّاسِ. إنَّ فِكْرَ التَّكْفِيرِ والخُرُوجِ عَلَى الحُكَّامِ هُوَ دَيدَنُ كَثيرٍ مِنَ الجَمَاعاتِ الحَرَكيَّةِ القَائِمَةِ عَلَى السَّاحَةِ اليَومَ، ومَنْ لهُ دِرَايَةً يَعرفُ مَا أقُولُ.

أيُّها النَّاس، إنَّ هذَا الفِكْرَ الذِي خَرَجَ بهِ أولَئِكَ وأوصَلَهُمْ إلَى مَا رأيتُمْ مَا هُوَ إلاَّ حَصِيلَة شُبَهٍ وأوهَامٍ أكثَرُوا مِنْ تَدَاولِهَا حَتَّى صَارَتْ بَينَهُمْ مِنَ المُسَلَّماتِ، فاسْتَحَلُّوا بِهَا الدِّمَاءَ وتَرْويعَ النُّفُوسِ وإزْهَاقَ الأرْوَاحِ.

اللهُمَّ أدِمْ عَلَيْنَا نِعْمَةَ الأمنِ والاطْمِئنَانِ يَا حَيُّ يَا قَيُّومُ.

أقُولُ قَولِي هَذَا، وأسْتَغْفرُ الله فاسْتَغْفِرُوهُ، إنَّ رَبِّي غَفُورٌ رَحِيمٌ.

 

الخطبة الثانية

الحَمدُ لله عَلى إحْسَانِهِ، والشُّكْرُ لهُ عَلى تَوفِيقهِ وامْتِنَانِهِ، وأشْهَدُ أنْ لا إلهَ إلاَّ اللهَ وَحْدَهُ لا شَريكَ له، وأشْهَدُ أنَّ مُحمَّدًا عبدُهُ ورَسُولُهُ، صَلَّى الله عَلَيهِ وعَلى آلهِ وصَحْبِهِ، وسَلَّمَ تَسْليمًا كثيرًا.

أمَّا بَعدُ: فاتَّقُوا الله ـ عِبادَ الله ـ حَقَّ التَّقْوى.

ثُمَّ اعلَمُوا أنَّ الأمنَ هَوَ مَطْلَبٌ أكَيدٌ لجَميعِ النَّاسِ، وكذَلِكَ لا يَقُومُ الأمنُ ويَستَقِرُّ إلاَّ بِتَعاونِ الجَميعِ، وإنَّ الوَاجِبَ عَلَى كُلِّ مُسلِمٍ أنْ يَسعَى جَاهِدًا لِتَحْقيقِ الأمنِ في بَلَدِهِ، ويَكُونُ ذَلِكَ عَنْ طَريقِ أمْرَينِ:

الأوَّلُ: السَّمْعُ والطَّاعَةُ لِوُلاَةِ الأمُورِ الذِينَ لَهُمْ بَيعَةٌ فِي عُنُقِ المُسْلِمِ، ويَكُونَ ذَلِكَ في المَنْشَطِ والمَكْرَه، فَهَذا الأمْرُ مِنْ آكَدِ مَا يَنْبَغِي السَّعْيُ إليهِ، إذْ هُوَ أصْلٌ مِنْ أُصُولِ الدِّينِ، يَقُولُ البربَهَاريُّ رَحمه الله: "مَنْ وَليَ الخِلافَةَ بإجْمَاعِ النَّاس ورِضَاهُمْ فهُوَ أميرُ المؤْمِنينَ، لا يَحلُّ لأحَدٍ أنْ يَبيتَ لَيلَةً ولا يَرَى أنْ لَيسَ عَليهِ إمامٌ، برًّا كَانَ أو فَاجِرًا، هَكَذا قَالَ الإمَامُ أحمدُ" اهـ.

ويَدُلّ على ذَلِكَ أيضًا مَا رَواهُ مُسْلِمٌ أنَّ عبدَ الله بنَ عُمرَ جَاءَ إلى عبدِ الله بنِ مُطيعٍ حينَ كَانَ مِنْ أمرِ الحَرَّةِ مَا كَانَ زَمَنَ يَزيدِ بنِ مُعاويَةَ، فقَالَ عبدُ اللهِ بنَ مُطيعِ: اطْرَحُوا لأبي عَبدِ الرَّحمنِ وِسَادةً، فقَالَ: إنِّي لم آتِكَ لأجْلِسَ، أتَيتُكُ لأحَدِّثَكَ حَديثًا، سَمِعتُ رَسُولَ الله يَقُولُ: ((من خَلَعَ يَدًا مِنْ طَاعَةٍ لَقِيَ الله يَومَ القيَامَةِ لا حُجَّةَ لهُ، ومَنْ مَاتَ ولَيسَ في عُنُقِهِ بَيعَةٌ مَاتَ مِيتَةً جَاهليَّةً)).

ويَقُولُ ابنُ حَجَرٍ رَحمه الله: "قَدْ أجمَعَ الفُقَهَاءُ عَلَى وُجُوبِ طَاعَةِ السُّلْطَانِ المتَغَلبِ والجِهَادِ مَعَهُ، وأنَّ طَاعَتَهُ خَيرٌ مِنَ الخُرُوجِ عَلَيهِ، لما فِي ذَلِكَ مِنْ حَقْنِ الدِّمَاءِ وتَسْكينِ الدَّهْمَاءِ".

وإنَّمَا يبرُزُ تَطبيقُ المؤمِنِ لهَذَا الأصْلِ وقتَ الفِتَنِ والنَّوازِلِ، فَوقْتُ الرَّخَاءِ كُلٌّ يَدَّعِي السَّمْعَ والطَّاعَةَ.

الثاني: لُزُومُ طَاعَةِ اللهِ سُبْحَانَهُ، فَهِيَ مِنْ أهمِّ مُقَوِّمَاتِ الأمنِ، يَقُولُ اللهُ سُبْحَانَهُ: الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُوْلَئِكَ لَهُمْ الأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ [الأنعام: 82]. وقد حَثَّ النبيُّ عَلَى العِبادَةِ والإكْثَارِ مِنَ الطَّاعاَتِ وَقْتَ الفِتَنِ، عَنْ مَعْقِلِ بنِ يَسَارٍ أنَّ النَّبيَّ قَالَ: ((العِبَادَةُ في الهَرْجِ كَهِجْرَةٍ إليَّ)). يَقُولُ النَّوَويُّ رَحِمَهُ اللهُ: "المُرَادُ بالهَرْجِ هُنَا الفِتْنَةُ واخْتِلاطُ أُمورِ النَّاسِ، وسَبَبُ كَثرَةِ فَضلِ العِبَادَةِ فيهِ أنَّ النَّاسَ يَغْفَلُونَ عَنْهَا ويَشْتَغِلُونَ عَنْهَا ولا يَتَفَرَّغُ لهَا إلاَّ أفْرَادٌ" اهـ.

فاتَّقُوا اللهَ عِبادَ اللهِ، والزَمُوا طَاعَتَهُ والتَّقَرُّبَ إليهِ، وكُونُوا قَائِمينَ بالأمْنِ سَاعِينَ إليهِ، وإيَّاكُمْ والنِّزَاعَ والشِّقاقَ ومُخَالَفَةَ أمْرِ الجَمَاعَةِ.

اللهُمَّ صَلِّ عَلَى عَبدِكَ ورَسُولِكَ مُحمَّدٍ...

 

محامد و أدعية طباعة الخطبة بدون محامد وأدعية 

إلى أعلى

إذا كانت لديك أية ملاحظات حول هذه الخطبة، إضغط هنا لإرسالها لنا.

كما نرجو كتابة رقم هذه الخطبة مع رسالتك ليتسنى لنا التدقيق وتصويب الأخطاء

 
 

 2004© مؤسسة المنبر الخيرية للمواقع الدعوية على شبكة الإنترنت، جميع الحقوق محفوظة

عدد الزوار حالياً