.

اليوم م الموافق ‏16/‏شوال/‏1445هـ

 
 

 

من يغالب الله يُغلَب

5403

الرقاق والأخلاق والآداب, سيرة وتاريخ

آثار الذنوب والمعاصي, القصص, مواعظ عامة

حمزة بن فايع الفتحي

محايل

26/6/1422

جامع الملك فهد

محامد و أدعية طباعة الخطبة بدون محامد وأدعية 

ملخص الخطبة

1- سنة الله في إهلاك الجبابرة والطغاة. 2- من يغالب الله ويتكبر على أحكامه سيُغلب لا محالة. 3- خبث اليهود ومكرهم واستكبارهم على الحق. 4- ذكر إهلاك الله للأمم السالفة كقوم عاد وثمود بسبب تكذيبهم. 5- قصة أبي جهل لما همّ بأذية النبي . 6- نماذج لأناس تكبروا على الله وتجبروا على عباده فأهلكهم الله.

الخطبة الأولى

أيها المسلمون، اتقوا الله حق تقاته، وراقبوه حق المراقبة، واعلموا أن الخير والسلامة في طاعته، وأن الشر والندامة في معصيته، ولا يجني جانٍ إلا على نفسه، فمن أحسن فلنفسه، ومن أساء فعليها، وَلاَ يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا.

أيها الناس، هل سمعتم بآل فرعون وعلوهم في الأرض وكيف تجبّر فرعون وطغى وقال: أَنَا رَبُّكُمُ الأَعْلَى [النازعات: 24] وقال: يَا قَوْمِ أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ وَهَذِهِ الأَنْهَارُ تَجْرِي مِن تَحْتِي أَفَلاَ تُبْصِرُونَ [الزخرف: 51]؟! وقد مارس كل ألوان العظمة والكبرياء، وسام الناس أصناف الظلم والعسف والعذاب، قال تعالى: إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلا فِي الأَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعًا يَسْتَضْعِفُ طَائِفَةً مِّنْهُمْ يُذَبِّحُ أَبْنَاءَهُمْ وَيَسْتَحْيِي نِسَاءَهُمْ إِنَّهُ كَانَ مِنَ المُفْسِدِينَ [القصص: 4]. وطالت به الحياة فما ازداد إلا ظلما وعدوانا وبغيًا وطغيانا، فما كان هذا المجرم الخبيث ليفلت من سنة الله تعالى في الظالمين والمكذبين، سنة التدمير والنهاية، سنة الإبادة والإفناء، قال تعالى: فَلَمَّا آسَفُونَا انتَقَمْنَا مِنْهُمْ فَأَغْرَقْنَاهُمْ أَجْمَعِينَ فَجَعَلْنَاهُمْ سَلَفًا وَمَثَلاً لِّلآخِرِينَ [الزخرف: 55، 56].

إخوة الإسلام، هكذا يطبع الله على قلب كل متكبّر جبار، فما أغنت عنهم آلهتهم المكذوبة، ولا نفعتهم قوتهم المدمرة، فما زادتهم غير تتبيب وتخسير، وَأُتْبِعُوا فِي هَذِهِ لَعْنَةً وَيَوْمَ القِيَامَةِ بِئْسَ الرِّفْدُ المَرْفُودُ [هود: 99].

تبارك الله، من الذي يعاديه؟! ومن الذي يحاربه؟! ومن الذي ينازعه في كبريائه وألوهيته؟! قُل لَّوْ كَانَ مَعَهُ آلِهَةٌ كَمَا يَقُولُونَ إِذًا لاَّبْتَغَوْا إِلَى ذِي العَرْشِ سَبِيلاً سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يَقُولُونَ عُلُوًا كَبِيرًا [الإسراء: 42 - 43].قال المجرم اليهودي الخبيث حييى بن أخطب عندما أُحضر لضرب عنقه مع بني قريظة، وكان هو الذي جمّع الأحزاب، وأمر بني قريظة بنفض العهد، عندها قال حيي بن أخطب: والله، ما لُمت نفسي على معاداتك، ولكن من يغالب الله يُغلَب.

لقد حَرَص اليهود ـ عليهم لعائن الله المتوالية ـ أن تكون النبوة منهم، وقضى الله تعالى أن يكون خاتم النبيين من العرب، فبعث نبينا محمد رسولاً إلى الناس كافة، فشق ذلك على اليهود، وحقدوا على العرب، فدبروا المكائد لتدمير الدعوة وقتل رسول الله ، قال تعالى: أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ [النساء: 54]، ولكنهم كانوا حمقى في ذلك كله، وغرهم حنقهم الشديد، واستبشروا بجموع الأحزاب المتكالبة، ونسوا أنهم حاربوا الله، ولم تستيقظ هذه الجماعة إلا عند الإعدام، فقال الخبيث: ولكن من يغالب الله يغلب. نعم، فمهما بلغ الإنسان من القوة ومهما حصل من المعارف الدنيوية فإنه إذا حارب الله بما علم فإن الله يسلط عليه وينتقم منه، والله عزيز ذو انتقام.

أيها الإخوة، وقد مر على هذه الحياة عمالقة وأشرار، وظنوا أنهم بقوتهم التي هي كالجبال في رسوخها وببطشهم الذي هو كالنار في اشتعالها، اعتقدوا أنهم بأموالهم ونِعَمِهم من المخلدين الباقين، فأولئك أمة عاد، وما أدراك ما عاد؟! كانت مساكنهم بالأحقاف، وهو موضع قريب من حضرمَوت اليمن، ومكنهم الله تعالى في الأرض، ووهبهم بسطةً في الخلق، وقالوا: مَن أشد منا قوة؟! وكفروا بآيات الله، وكذّبوا رسله، وقد قال لهم نبيهم هود عليه السلام: أَتَبْنُونَ بِكُلِّ رِيعٍ آيَةً تَعْبَثُونَ وَتَتَّخِذُونَ مَصَانِعَ لَعَلَّكُمْ تَخْلُدُونَ وَإِذَا بَطَشْتُم بَطَشْتُمْ جَبَّارِينَ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ وَاتَّقُوا الَّذِي أَمَدَّكُم بِمَا تَعْلَمُونَ أَمَدَّكُم بِأَنْعَامٍ وَبَنِينَ وَجَنَّاتٍ وَعُيُونٍ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ [الشعراء: 128-135]، فلم تؤّثر هذه المواعظ الشديدة في تلكم النفوس المستكبرة، بل كفروا وكذّبوا واستكبروا في الأرض بغير الحق، فحلّت بهم سنة الله في الظالمين؛ إذ سلط الله عليهم ريحًا صرصرًا في أيامٍ نحِسَات، وقد كانت هذه الريح شديدة البرد عاتية، شديدة الهبوب جدًا، تحمل عليهم حصباء الأرض فتلقيها عليهم، وتقلعهم من الأرض، فترفع الرجل منهم إلى عَنان السماء، ثم تنكسه على أم رأسه، فتشدخه، فيبقى بدنًا بلا رأس، كأنهم أعجاز نخل منقعر، وقد كانوا تحصنوا في الجبال والكهوف والمغارات، وحفروا لهم في الأرض إلى أنصافهم، فلم يغن عنهم ذلك من أمر الله شيئًا، إِنَّ أَجَلَ اللَّهِ إِذَا جَاءَ لاَ يُؤَخَّرُ لَوْ كُنتُمْ تَعْلَمُونَ [نوح: 4].

فاعتبروا ـ عباد الله ـ بمصير هذه الأمم المكذبة التي بدّلت نعمة الله كفرًا وأحلوا قومهم دار البوار، فلا زالت هذه الحياة الغاصّة بالصراعات تُخرج لنا أممًا مستكبرة، تكذّب بدين الله، وتحارب رسله، وتغالب أمره وقَدَره، ولكن الله يمهل للظالمين، إِنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدَادُوا إِثْمًا [آل عمران: 178]، فَلاَ تَعْجَلْ عَلَيْهِمْ إِنَّمَا نَعُدُّ لَهُمْ عَدًا [مريم: 84]، فإذا حانت ساعتهم وأراد الله بهم سوءًا فلا مرد له، وما لهم من دون الله من ولي ولا نصير، فلتقم أسلحتهم لتدافع عنهم، ولتقم صناعاتهم، ولتقم علومهم ومعارفهم، قال الله تعالى: وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ القُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ [هود: 102]، وقال تعالى: وَكَمْ قَصَمْنَا مِن قَرْيَةٍ كَانَتْ ظَالِمَةً وَأَنشَأْنَا بَعْدَهَا قَوْمًا آخَرِينَ فَلَمَّا أَحَسُّوا بَأْسَنَا إِذَا هُم مِّنْهَا يَرْكُضُونَ لاَ تَرْكُضُوا وَارْجِعُوا إِلَى مَا أُتْرِفْتُمْ فِيهِ وَمَسَاكِنِكُمْ لَعَلَّكُمْ تُسْأَلُونَ قَالُوا يَا وَيْلَنَا إِنَّا كُنَّا ظَالِمِينَ فَمَا زَالَت تِّلْكَ دَعْوَاهُمْ حَتَّى جَعَلْنَاهُمْ حَصِيدًا خَامِدِينَ [الأنبياء: 11-15].

عباد الله، قص الله تعالى علينا في كتابه خبر ثمود، وأنه أخذهم بالصيحة لما عتَوا وكذبوا وقتلوا الناقة وهموا بقتل نبيهم صالح عليه السلام، وقد كانوا يسكنون مدائن الحِجْر بين تبوك والمدينة، وقد أنعم الله عليهم بالنعم، وكانوا ينحتون الجبال بيوتًا ويشقون الصخور دون تعب ومشقة، فكذّبوا رسولهم غاية التكذيب، وقتلوا الناقة، وكفروا بالله، فقال الله تعالى في شأنهم: وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْنَاهُمْ فَاسْتَحَبُّوا العَمَى عَلَى الهُدَى فَأَخَذَتْهُمْ صَاعِقَةُ العَذَابِ الهُونِ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ [فصلت: 17]، وقال تعالى: وَأَخَذَ الَّذِينَ ظَلَمُوا الصَّيْحَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دِيَارِهِمْ جَاثِمِينَ كَأَن لَّمْ يَغْنَوْا فِيهَا أَلاَ إِنَّ ثَمُودَ كَفَرُوا رَبَّهُمْ أَلاَ بُعْدًا لِّثَمُودَ [هود: 67، 68]. سلط الله عليهم صيحةً من السماء ورجفةً شديدة من أسفلَ منهم، ففاضت الأرواح وزَهقت النفوس في ساعة واحدة، فَأَصْبَحُوا فِي دِيَارِهِمْ جَاثِمِينَ [هود: 67] أي: صرعى لا أرواح لهم، ولم ينجُ منهم إلا صالح والذين آمنوا.

اللهم إنا نعوذ بك من جَهد البلاء ودرك الشقاء وسوء القضاء وشماتة الأعداء.

أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين، إنه هو الغفور الرحيم.

 

الخطبة الثانية

الحمد لله رب العالمين، والعاقبة للمتقين، ولا عدوان إلا على الظالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

في يوم من الأيام أقسم أبو جهل ليطأنَّ بقدمه رقبة رسول الله ، فلما حضر الموعد وكان النبي يصلّي عند البيت سارع أبو جهل إليه ليفعل فعلته ويفي بقَسَمه، فلما انتهى إليه رجع وهو فَزِعٌ منتقع اللون، فقال له الملأ من قريش: ما لك يا أبا جهل؟! فقال: إن بيني وبينه خندقًا من نار وهؤلاء أجنحة، وقال النبي : ((لو دنا مني لاختطفته الملائكة عضوا عضوا))، قال تعالى: كَلاَّ لَئِن لَّمْ يَنتَهِ لَنَسْفَعًا بِالنَّاصِيَةِ نَاصِيَةٍ كَاذِبَةٍ خَاطِئَةٍ فَلْيَدْعُ نَادِيَهُ سَنَدْعُ الزَّبَانِيَةَ كَلاَّ لاَ تُطِعْهُ وَاسْجُدْ وَاقْتَرِبْ [العلق: 15-19]. ليدعُ هذا الظالم المعتدي ناديه وقومه، وليجمع قوته، سندعُو الزبانية وهم ملائكة العذاب؛ حتى يأخذوه عيانا أمام الناس.

معاشر المسلمين، إن أمر الله غالب، وإنَّ سنته في المكذبين الظالمين جلية معروفة، فَهَلْ يَنظُرُونَ إِلاَّ سُنَّةَ الأَوَّلِينَ فَلَن تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَبْدِيلاً وَلَن تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَحْوِيلاً أَوَلَمْ يَسِيرُوا فِي الأَرْضِ فَيَنظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَكَانُوا أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعْجِزَهُ مِن شَيْءٍ فِي السَّمَوَاتِ وَلاَ فِي الأَرْضِ إِنَّهُ كَانَ عَلِيمًا قَدِيرًا [فاطر: 43، 44].

هل سمعتم ـ يا مسلمون ـ بمن تسلّط على عباد الله الذين قالوا: ربنا الله ثم استقاموا فأذاقهم صنوف العذاب والتنكيل، فاستغاث المسلمون بربهم: يا ربنا يا ربنا، فقال الزنديق الخبيث: هاتوا ربكم وأنا أضعه في الحديد، أحطه في زنزانة؟! فماذا كان جزاؤه؟! أماته الله شر ميتة، فقد كان يقود سيارته في ساعة من الساعات، فاصطدم بشاحنة كبيرة محملة بأسياخ الحديد، فدخلت الأسياخ في جسمه، فأخذ يولول ويصيح ولا مسعف ولا منقذ، واجتمع الناس من حوله لا يملكون له حيلة ولا يهتدون سبيلاً جزاءًا وفاقًا، حديد بحديد، والجزاء من جنس العمل، ولعذاب الآخرة أشد وأنكى، قال تعالى: وَلاَ تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلاً عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ [إبراهيم: 42].

أيها الإخوة، آمنوا بربكم حق الإيمان، واعتبروا بسننه وآياته، فهو الإله الحق المدبر لكل شيء، ولا رادَّ لأمره، ولا معقّب لحكمه، يُعزّ بأمره من يشاء، ويذل بحكمه من يشاء، وهو الكبير المتعال. من تعاظم عليه قصَمه، ومن غالبه ونازعه في ملكه عذّبه وأفناه سبحانه وتعالى. ولما جاء أبرهة الأشرم بجيشه الكبير لكي يهدم الكعبة وقد اصطحب معه الفيلة الضخام عذّبه الله بمخلوق صغير وبطائر ضعيف، يحمل ثلاثة أحجار، فأصابت منهم من أصابت، وصرفهم الله عن بيته المعظم، وخرجوا يتساقطون بكل طريق، ويهلكون بكل سبيل، وأصيب أبرهة في جسده، وأخذ يتساقط ويذبل كالفرخ، قال الجبار سبحانه: أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحَابِ الفِيلِ أَلَمْ يَجْعَلْ كَيْدَهُمْ فِي تَضْلِيلٍ وَأَرْسَلَ عَلَيْهِمْ طَيْرًا أَبَابِيلَ تَرْمِيهِم بِحِجَارَةٍ مِّن سِجِّيلٍ فَجَعَلَهُمْ كَعَصْفٍ مَّأْكُولٍ [سورة الفيل]. أتدرون ما العصف؟! إنه حطام النبات والحب المتكسر وبقايا ما تتركه البهائم. وهكذا يدافع الله عن الذين آمنوا وعن حُرماتهم، ويقمع الكافرين وغرورهم واستكبارهم، وَمَا رَبُّكُ بِظَلاَّمٍ لِّلْعَبِيدِ [فصلت: 46]، ذَلِكَ جَزَيْنَاهُم بِمَا كَفَرُوا وَهَلْ نُجَازِي إِلاَّ الكَفُورَ [سبأ: 17].

اللهم أعز الإسلام والمسلمين، ودمر أعداء الدين، واجعل هذا البلد آمنا مطمئنًا وسائر بلاد المسلمين...

 

محامد و أدعية طباعة الخطبة بدون محامد وأدعية 

إلى أعلى

إذا كانت لديك أية ملاحظات حول هذه الخطبة، إضغط هنا لإرسالها لنا.

كما نرجو كتابة رقم هذه الخطبة مع رسالتك ليتسنى لنا التدقيق وتصويب الأخطاء

 
 

 2004© مؤسسة المنبر الخيرية للمواقع الدعوية على شبكة الإنترنت، جميع الحقوق محفوظة

عدد الزوار حالياً