.

اليوم م الموافق ‏17/‏شوال/‏1445هـ

 
 

 

الدعوة إلى الله

5400

الرقاق والأخلاق والآداب, العلم والدعوة والجهاد

فضائل الأعمال, قضايا دعوية

حمزة بن فايع الفتحي

محايل

27/5/1422

جامع الملك فهد

محامد و أدعية طباعة الخطبة بدون محامد وأدعية 

ملخص الخطبة

1- صور من تبليغ الرسول دعوة ربه. 2- مجالات الدعوة. 3- هم الرسول لهداية الناس.

الخطبة الأولى

أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد ، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار، يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيدًا يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا [الأحزاب: 70 ، 71].

أيها الناس، هنالك في البلد الحرام وعلى جبل الصفا تنطلق الكلمات الصادقة، وتشع الهداية الحانية، مجلجلة في الأحياء والدور، شاقة طريقها إلى الله، تحتسب وقوفها وتجود بنفسها، داحرةً كل بغي، قاهرةً كل عدو، لا تبالي الأخطار، ولا تخشى القوارع.

انطلقت هذه الكلمات من أشرف مخلوق وأزكى داعية ورسول، صدع بها نبينا محمد ، متحديًا الدنيا ومواجهًا الأخطار، غير ملتفت لراحة لذيذة أو دنيا سعيدة. أمره ربه تعالى بالبلاغ فجدَّ واجتهد، وذكره بالإنذار فسارع وانتفض، مذكّرًا بالله ومحذرًا من عذاب الله تعالى.

روى الشيخان عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: لما نزلت: وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الأَقْرَبِينَ [الشعراء: 214] خرج رسول الله حتى صعد الصفا، فهتف: ((يا صباحاه))، فقالوا: مَنْ هذا؟ فاجتمعوا إليه، فقال: ((أرأيتم إن أخبرتكم أن خَيلاً تخرج من سَفح هذا الجبل، أكنتم مصدقيَّ؟)) قالوا: ما جرّبنا عليك الكذب، قال: ((فإني نذير لكم بين يدي عذاب عظيم))، قال أبو لهب: تبًّا لك، ألهذا جمعتنا؟ ثم قام فنزلت: تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ [المسد: 1].

وعند الشيخين عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: لما نزلت هذه الآية: وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الأَقْرَبِينَ [الشعراء: 214] دعا رسول الله قريشًا فاجتمعوا فعمَّ وخَصَّ، فقال: ((يا بني كعب بن لؤي، أنقذوا أنفسكم من النار. يا بني عبد مناف، أنقذوا أنفسكم من النار. يا بني هاشم، أنقذوا أنفسكم من النار. يا بني عبد المطلب، أنقذوا أنفسكم من النار. يا فاطمة بنت محمد، أنقذي نفسك من النار؛ فإني لا أملك لكِ من الله شيئا، غيرَ أن لكم رحمًا سأبلها ببلالها))، أي: سأصلها بحقها.

أيها الإخوة الكرام، هكذا يبلغ رسولنا رسالة ربه، مؤثرًا السلامة على الهلاك، وطالبًا النجاة من العذاب، وراغبًا في الجنة عن النار، فلقد أيقن أن الدعوة إلى الله سلوته وروحه ونبضه وإحساسه وحزنه وسعادته، لقد علَّمه ربه تعالى فعلم حق العلم، وهداه فأدرك واجبَ الهداية، وانطلق في سبيل الله داعيةً موجها وهاديًا محذرا، غير هيّاب ولا خوار، موقنًا بنصر الله واثقا بوعده مهما طال الطريق أو عظمت المفازة.

رأى اليتيـمُ أبو الأيتـام غايتَـه        قصـوى فشقّ إليها كل مضمارِ

في كفّه شعلةٌ تَهـدي وفِي فمـه        بشـرى و فِي عينه إصرارُ أقدارِ

وفي ملامِحـه وعـدٌ وفِي دمـه        بطولـة تتحـدَّى كـلَّ جبـارِ

وهبّ في دربه المرسـوم مندفعًـا        كالدهـر يقذف أخطارا بأخطارِ

وامتدّت الملة السمحـا يرفّ على       جبينهـا تاجُ إعظـامٍ وإكبـارِ

فأين حملة الشهادات وطلبة العلم ليقوموا بواجب الدعوة إلى الله؟! أين الذين انزوَوا بشهاداتهم إلى الزوايا؟! وأين الذين اختفوا بمعارفهم خلف اللذائذ والمطايا، فجعلوا الميدان للجهلة، وارتضوا حياة الذل والخور، غير مبالين بما تعلموه، ولا واعين ما درسوه وقرأوه؟! لقد نسوا واجب العلم، وغفلوا عن حقّ الدعوة، وارتضَوا ما ضربه الله لمن علم وتعلّم وما عمِل وما تقدّم: مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْرَاةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا كَمَثَلِ الحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَارًا [الجمعة: 3].

أيها الإخوة، كم يطول العجب ولا ينقضي من أستاذ شريعة انصرف لدنياه، وآخر يقتات بالشهادة، وآخر حرقها بوقود السفه والطيش، وآخر دفنها في أرضيّة الكسل والركود، فبات هؤلاء لا علمَ يرعون ولا دعوة فيها يسعَون، وقد غفلوا عن قول الرسول : ((من كتم علمًا ألجمه الله يوم القيامة بلجام من نار))، وغابوا عن فضل حديث: ((فوالله، لأن يهدي الله بك رجلا واحدا خير لك من حمر النعم)). وما أكثر المتقاعسين عن الفضائل في هذه الأزمان، وما أكثر الكاتمين للعلم الجامدين عن الدعوة والبلاغ.

فمنهم من يتعذر بأشغاله، ومنهم من غاص في زينة الدنيا، ومنهم من حنَّ لزوجه وولده، ومنهم من يقول: لا أُحسِنُ الدعوة وإنني غافل مقصر.. إلى أعذار كثيرة يتوصلون بها للقعود والانضمام في قائمة الخوالف. ولو قرؤوا القرآن حق قراءته وتأملوا منهج النبوة لما ركنوا لما قالوا، ولا استحيا أكثرهم من بعض المعاذير والكلمات.

ألم يكن لهؤلاء واعظ من ربهم وهم يتلون قصص الأنبياء ومجادلتهم لأقوامهم؟! وعلى سبيل المثال ماذا يقول نوح عليه السلام؟ قَالَ رَبِّ إِنِّي دَعَوْتُ قَوْمِي لَيْلاً وَنَهَارًا [نوح: 5]، ولم نطالِب بالدعوة ليلاً ونهارًا، وإنما طالبناك بكلمة تلقيها، بخطبة تعدّها، بقرية تزورها، وبكتاب توزّعه، المهمّ لا تركن للقعود والفشل.

إن مثل هذا الواقع لخليقٌ أن يبثّ في روح المعلمين والخريجين ـ لا سيما أهل الشريعة ـ روح الحماس والعمل وأسباب البذل والمجاهدة وإعطاء دين الله شيئًا من الهم والاهتمام.

يا أخي، شارك في الدعوة لله ولو بسبيل يسير، المهم أن تكون في قائمة المشاركين المهتمين، وليس في قائمة الخاملين النائمين. والمشاركة قد تكون بسنة تنشرها أو بفضيلة تدعو إليها أو كلمة تلقيها أو مطوية تبثها، المهم أن تكون إيجابيًا في مجتمع الأمة المسلمة.

فليست الإيجابية أن تكون نقّادةً للعمل الدعوي، لا تُعرَف إلا ناقدًا متكلّمًا مجرِّحًا، في حين لم تُر لك مشاركة، وما قدّمت بذلاً ولا صنعتَ معروفًا، فالسكوت خير لك حينئذ، ووالله لصمتُك أحبّ إلينا من جَرح الأعمال وتحطيم الجهود بحجة النصيحة والتصحيح. إذا نقدتَ فلتكن ذاك العاقلَ البصير الذي لم يتخلّف عن الميدان بمائة حجة ذكية مقنعة، وليكن نقدك بأدب رفيع وفهم بصير.

إخوة الإسلام، لا تزال الدعوة إلى الله في حاجة إلى أنصار وأعوان يعيشون لها، ويرعونها حق رعايتها، ويسيرون فيها على هدي رسول الله ، متَّعظين بقوله: ((بلغوا عني ولو آية))، ومسترشدين بقوله تعالى: قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي [يوسف: 107].

اللهم إنا نسألك فعل الخيرات وترك المنكرات وحب المساكين.

بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم إنه هو الغفور الرحيم.

 

الخطبة الثانية

الحمد لله حمدًا كثيرًا طيبًا مباركًا فيه كما يحب ربنا ويرضى، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

أيها الإخوة الكرام، إن الإنسان ليعجب من مجرم خبيث أو نصراني رقيع يجوب القفار، ويفارق الأهل والأوطان، داعيًا إلى نصرانيته، محتملا في سبيلها الأوزار والمتاعب، ولا تصده العوائق والجسور. أليس هذا المسلك لائقًا بأهل الإسلام وقد استيقنوا دينهم وآمنوا بربهم واستشعروا عظمة الثواب المدَّخر لهم؟! وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِّمَّن دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ المُسْلِمِينَ [فصلت: 33].

نريد ـ يا مسلمون ـ العمل الدؤوب للدعوة والحزن الشديد عليها، كما هو حال رسول الله ، فقد وصفه ربه بقوله تعالى: فَلَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَّفْسَكَ عَلَى آثَارِهِمْ إِن لَّمْ يُؤْمِنُوا بِهَذَا الحَدِيثِ أَسَفًا [الكهف: 6]، والمعنى: لعلك قاتل نفسك حزنًا وأسفًا إن لم يؤمنوا بما جئت به.

وقد عاش بهذا المعنى في حياته كلّها، ففي حادث الطائف بعد دعوته لهم وإلحاحه عليهم طردوه وضربوه وسخروا منه، قال: ((فانطلقت وأنا مهموم على وجهي، ولم أستفق إلا وأنا بقرن الثعالب)). فهل اغتم بعضنا لمآسي الأمة وللدعوة إلى الله؟! نسأل الله أن يصلح أحوالنا ويوقظ عقولنا ويتجاوز عن تقصيرنا.

اللهم آت نفوسنا تقواها، وزكها أنت خير من زكاها، أنت وليها ومولاها.

اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم إنك حميد مجيد...

 

محامد و أدعية طباعة الخطبة بدون محامد وأدعية 

إلى أعلى

إذا كانت لديك أية ملاحظات حول هذه الخطبة، إضغط هنا لإرسالها لنا.

كما نرجو كتابة رقم هذه الخطبة مع رسالتك ليتسنى لنا التدقيق وتصويب الأخطاء

 
 

 2004© مؤسسة المنبر الخيرية للمواقع الدعوية على شبكة الإنترنت، جميع الحقوق محفوظة

عدد الزوار حالياً