.

اليوم م الموافق ‏10/‏شوال/‏1445هـ

 
 

 

صديق هذه الأمة

5393

سيرة وتاريخ

تراجم

حمزة بن فايع الفتحي

محايل

26/1/1422

جامع الملك فهد

محامد و أدعية طباعة الخطبة بدون محامد وأدعية 

ملخص الخطبة

1- صفات أبي بكر الصديق رضي الله عنه. 2- فضائله رضي الله عنه. 3- الدروس والعبر المستفادة من حياته رضي الله عنه. 4- الحث على قراءة سير العظماء وتربية الأجيال عليها.

الخطبة الأولى

أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله، وخير الهدى هدى محمد ، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار، يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنظُرْ نَفْسٌ مَّا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ [الحشر: 18].

أيها الناس، هل رأيتم العظمة في ذروتها والإيمان في شموخه؟! وهل سمعتم بالبطولة التي يعز نظيرها وشبيهها؟!

هنالك في مكة وفي بني تيم بن مرة يظهر رجل عاقل فاضل، كان نحيفا خفيف اللحم، غائر العينين ناتئ الجبهة، وكان نبيلاً شريفًا تاجرا نسيبًا، ولو لم يسلم لم تنفعه تلك المفاخر، فأسلم إسلاما مضيئا، كان أول صفحة صادقة في تاريخ الإسلام، فحاز الشرف كله، وتملك السيادة من أطرافها، وزادت الحياة والتجارة والسعادة.

كان رأس ماله أربعين ألف درهم، فأنفقه كلّه في نصرة الإسلام، فقال له رسول الله : ((ماذا أبقيت لعيالك؟)) قال: أبقيت لهم الله ورسوله.

أول العالم إسلاما، وأكملهم إيمانا، وأرجحهم عقلا، وأكثرهم علما وفضلا، قال النبي : ((لو كنت متخذا أحدا خليلا لاتخذت أبا بكر خليلا، ولكنْ أخي وصاحبي)).

نعم، هو صدِّيق هذه الأمة، أبو بكر رضي الله عنه، سأل الشعبي ابن عباس: أي الناس كان أول إسلاما؟ فقال: أبو بكر، أما سمعت قول حسان بن ثابت:

إذا تذكرتَ شجْوًا من أخـي ثقة        فـاذكر أخاكَ أبـا بكر بما فعلا

خير البريـة أتقاهـا وأعـدلهـا        بعـد النبِيّ وأوفـاها بمـا حملا

والثـانِي التالِي المحمود مشهـده        وأولَّ الناس منهم صدَّق الرسلا

وثانيَ اثنين في الغـار الْمنيف وقد        طافَ العدو بهم إذ صعَّد الْجبَلا

قال علي بن أبى طالب لرجل: ويلك! إن الله ذمّ الناس ومدح أبا بكر، فقال: إِلاَّ تَنصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لاَ تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا [التوبة: 40].

أيها الإخوة الكرام، تجدون في سيرة أبي بكر رضي الله عنه همةَ الداعية الحيّ الذي التهب بحب الدعوة، فجعل من إسلامه طريقا لإسلام آخرين سواه، فلقد أثر فيمن يجالسه ويألفه بطيب أخلاقه وحسن دعوته، إذ أسلم على يديه فضلاء من الصحابة رضي الله عنهم، منهم عثمان بن عفان والزبير وسعد وابن عوف وطلحة، فكان لأبي بكر رضي الله عنه المنة والفضل بعد الله في إسلام هؤلاء البررة، قال تعالى: وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زَادَهُمْ هُدًى وَآتَاهُمْ تَقْوَاهُمْ [محمد: 17].

وتجدون ـ يا مسلمون ـ في سيرة أبي بكر جهاد المؤمن الصادق الذي يبذل نفسه لله ويدفع عن رسول الله ، قال علي رضى الله عنه يومًا لأصحابه: ناشدتكم الله، أي الرجلين خير: مؤمن آل فرعون أو أبو بكر؟ فأمسك القوم، فقال علي: والله، ليوم واحد من أبي بكر خير من مؤمن آل فرعون، ذاك رجل كتم إيمانه فأثنى الله عليه، وهذا بذل نفسه ودمه.

وقيل لأسماء بنت أبي بكر رضي الله عنهما: ما أشد ما رأيت المشركين بلغوا من رسول الله ؟ فقالت: كان المشركون قعدوا في المسجد الحرام، فتذاكروا رسول الله وما يقول في آلهتهم، فبينما هم كذلك إذ دخل رسول الله المسجد، فقاموا إليه، وكانوا إذا سألوه عن شيء صدقهم، فقالوا: ألستَ تقول في آلهتنا كذا وكذا؟! قال: ((بلى))، قالت: فتشبثوا به بأجمعهم، فأتى الصريخ أبا بكر أن أدرك صاحبَك، فخرج أبو بكر فوجد رسول الله والناس مجتمعون عليه، فقال: ويلكم! أَتَقْتُلُونَ رَجُلاً أَن يَقُولَ رَبِّيَ اللَّهُ وَقَدْ جَاءَكُم بِالْبَيِّنَاتِ مِن رَّبِّكُمْ [غافر: 28]، فلَهوا عن رسول الله ، وأقبلوا على أبي بكر يضربونه، فرجع إلينا فجعل لا يمسك شيئا من غدائره إلا جاء معه وجع وهو يقول: تباركت يا ذا الجلال والإكرام.

ثم أبو بكر ـ يا مسلمون ـ المؤمن الذي يستحلي قراءة القرآن ويجهر بإيمانه في كل مكان، فقد ثبت في صحيح البخاري عن عائشة رضي الله عنها قالت: ابتلي المسلمون بمكة، فابتنى أبو بكر مسجدا بفناء داره، وكان يصلي فيه ويقرأ القرآن، فيجتمع عليه نساء المشركين وأبناؤهم، وهم يعجبون منه وينظرون إليه، وكان أبو بكر رجلا بكَّاء، لا يملك عينه إذا قرأ القرآن، وأفزع ذلك أشراف قريش من المشركين، فأرسلوا إلى من أجاره، فرد أبو بكر جواره حيث قال: فإني أرد عليك جوارك، وأرضى بجوار الله عز وجل.

أيها الإخوة، وكان لأبي بكر رضي الله عنه نفس تواقة وعزيمة طامحة تسعى في الخيرات، فقد ثبت في الصحيحين من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي قال: ((من أنفق زوجين في سبيل الله ـ أي: صنفين من الخير ـ نودي من أبواب الجنة: يا عباد الله، هذا خير، فمن كان من أهل الصلاة دُعي من باب الصلاة، ومن كان من أهل الجهاد دعي من باب الجهاد، ومن كان من أهل الصيام دعي من باب الريان، ومن كان من أهل الصدقة دُعي منن باب الصدقة))، قال أبو بكر: يا رسول الله، هل يُدعي أحد من تلك الأبواب كلها؟ قال رسول الله : ((نعم، وأرجو أن تكون أنت منهم)). وفي صحيح مسلم قال : ((من أصبح منكم صائمًا؟)) قال أبو بكر: أنا، قال: ((فمن تبع اليوم جنازة؟)) قال أبو بكر: أنا، قال: ((فمن أطعم اليوم مسكينا؟)) قال أبو بكر: أنا، قال: ((فمن عاد منكم اليوم مريضا؟)) قال: أبو بكر: أنا، فقال رسول الله : ((ما اجتمعن في امرئ إلا دخل الجنة)). وقد قال فيه عمر رضي الله عنه: ما سابقت أبا بكر إلى خير إلا سبقني إليه.

وهكذا يا معاشر الإخوان، لا بد أن يسابق المؤمن إلى الخيرات، ويحرص على استغلال الزمان، فقد قال تعالى: فَاسْتَبِقُوا الخَيْرَاتِ [المائدة: 48]، وقال تعالى: وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَوَاتُ وَالأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ [آل عمران: 133].

وقد كان أبو بكر أعظمَ الناس إيمانا وأشدَّهم تصديقا برسول الله ، ففي الصحيحين قال الرسول : ((بينما راعٍ إلى غنمه عدا عليه الذئب، فأخذ منها شاة فطلبه الراعي، فالتفت إليه الذئب فقال: مَنْ لها يوم السبع، يوم ليس لها راعٍ غيري؟! وبينا رجل يسوق بقرةً حمل عليها، فالتفتت إليه فكلمته، فقالت: إني لم أُخلَق لهذا، ولكني خلقت للحرث))، قال الناس: سبحان الله! فقال النبي : ((فإني أؤمن بذلك وأبو بكر وعمر))، وما ثَمَّ أبو بكر وعمر، أي: كانا غائبين.

وفي حديث الإسراء و المعراج ازداد كذب قريش وبان عنادهم، وكانت فتنة لبعض المسلمين، فلما حدث أبو بكر بما كان قال: لئن كان حدَّثكم بذلك فقد صدق، فقال مشركو مكة: تصدقه في رحلة نقطعها في شهر؟! فقال: أنا أصدقه في أعظم من ذلك؛ أصدقه في خبر السماء. فكان أبو بكر رضي الله عنه صديق هذه الأمة ذا المقامات الشريفة والمنازل الرفيعة.

أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم من كل ذنب، إنه هو الغفور الرحيم.

 

الخطبة الثانية

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيد الخلق أجمعين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

أيها الإخوة الكرام، مات كما يموت الناس، فكان أظلم يوم وأشدَّه على المسلمين، أظلمت الدنيا، واسودت الأنفس، وانقشعت السعادة، واستطال الحزن، وطارت العقول، فاحتاج هذا الموقف العصيب إلى رجل عالم بصير، يثبت الناس، وينطق بالحق، ويواصل المسيرة، فكان أبو بكر رضي الله عنه.

قالت عائشة رضي الله عنها كما في الصحيح: مات رسول الله وأبو بكر بالسُنْح ـ موضع قرب المدينة ـ، فقام عمر يقول: والله، ما مات رسول الله ، وليبعثنه الله، فليقطعن أيدي رجال وأرجلهم، فجاء أبو بكر فكشف عن رسول الله فقبّله، فقال: بأبي أنت وأمي، طبتَ حيًا وميتًا، والذي نفسي بيده، لا يذيقك الله الموتتين أبدًا، ثم خرج فقال: أيها الحالف، على رسلك، فلما تكلم أبو بكر جلس عمر، فحمد الله أبو بكر وأثنى عليه وقال: ألا من كان يعبد محمدًا فإن محمدًا قد مات، ومن كان يعبد الله فإن الله حي لا يموت، وقال: إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُم مَّيِّتُونَ [الزمر: 30]، وقال تعالى: وَمَا مُحَمَّدٌ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِن مَّاتَ أَوْ قُتِلَ انقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَن يَنقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ فَلَن يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئًا وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ [آل عمران: 144]، فنشج الناس يبكون.

ثم أبو بكر المجاهد المقدام يتحوّل من الطِّيب والسهولة إلى الصرامة والبطولة عندما يرى الظلم ويرى انتهاك الحرمات، فبعد وفاة رسول الله يرتد كثيرون ويمتنعون من أداء الزكاة، فيهب أبو بكر لقتالهم، ويراجعه الصحابة، ويقول له عمر: كيف تقاتل الناس وقد قالوا: لا إله إلا الله؟! فيقول: والله، لأقاتلنَّ من فرَّق بين الصلاة والزكاة، إنها لقرينتها في كتاب الله تعالى، والله لو منعوني عقالا أو عناقا كانوا يؤدونها لرسول الله لقاتلتهم عليه، وقال لعمر: أجبَّارٌ في الجاهلية وخوّار إلى الإسلام؟! ثم انشرحت صدور الصحابة لقتالهم.

إخوة الإسلام، هذه إشارات يسيرة من سيرة صديق هذه الأمة أبي بكر رضي الله عنه، فهل عرفنا قدر هذه السيرة التي رباها وعلمها رسول الله ؟! هل تأملنا هذه السيرة التي أغفلناها عن أبنائنا وتلاميذنا وتركناهم للسير الساقطة والثقافات الرديئة؟! لماذا نغيِّب أبناءنا عن سير العظماء الذين كانوا عظماء في إيمانهم وجهادهم وصدقهم وتدينهم؟! قال تعالى: فَاقْصُصِ القَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ [الأعراف: 176].

أيها الإخوة، إنها لمسؤولية عظيمة علينا أن نقرب هذه السير والقدوات لأبنائنا وناشئتنا، لكي تعلو هممهم، وتصح عقولهم، وتزكو نفوسهم، فهل من مدكر؟!

اللهم آت نفوسنا تقواها، وزكها أنت خير من زكاها، أنت وليها ومولاها...

 

محامد و أدعية طباعة الخطبة بدون محامد وأدعية 

إلى أعلى

إذا كانت لديك أية ملاحظات حول هذه الخطبة، إضغط هنا لإرسالها لنا.

كما نرجو كتابة رقم هذه الخطبة مع رسالتك ليتسنى لنا التدقيق وتصويب الأخطاء

 
 

 2004© مؤسسة المنبر الخيرية للمواقع الدعوية على شبكة الإنترنت، جميع الحقوق محفوظة

عدد الزوار حالياً