.

اليوم م الموافق ‏18/‏شوال/‏1445هـ

 
 

 

العمل باليد

5344

الأسرة والمجتمع, العلم والدعوة والجهاد

قضايا المجتمع, محاسن الشريعة

عبد الرحمن بن علي العسكر

الرياض

عبد الله بن عمر

محامد و أدعية طباعة الخطبة بدون محامد وأدعية 

ملخص الخطبة

1- نعمة المال. 2- الإسلام يحث على جمع المال بالطرق المشروعة. 3- أفضل المال. 4- نعم المال الصالح للرجل الصالح.

الخطبة الأولى

أمَّا بَعدُ: فَإِنَّ أَصدَقَ الحدِيثِ كَلامُ اللهِ تَعَالى، وخيرَ الهديِ هَديُ مُحمدٍ ، وَشَرَّ الأمورِ مُحدثاتُها، وَكُلَّ مُحدثةٍ بدعةٌ، وَكلَّ بدعةٍ ضَلالةٌ.

عِبادَ اللهِ، إِنَّ التَّقوى هِيَ المصَاحِبَةُ للمُؤمِنِ فِي كلِّ حِينٍ وَعَلَى كُلِّ حَالٍ، فَاتقُوا اللهَ جَميعًا ـ أَيُّها النَّاسُ ـ في سِركم وَعلانِيتِكُمْ.

عبادَ اللهِ، الإنسانُ في هذه الحياةِ مَجْبُولٌ على أمورٍ كثيرةٍ، قد لا يَستطِيعُ الفِكَاكَ مِنْ بَعْضِهَا مَهْمَا حاوَلَ، وَمِنْ تلكَ الأمُورِ المالُ، وَتُحِبُّونَ الْمَالَ حُبًّا جَمًّا [الفجر: 20]، وفي الحديثِ الصحيحِ: ((لاَ يَزَال قَلْبُ الكَبير شابًّا في اثْنَتَين: في حُبِّ الدُّنيا وَطولِ الأَمَلِ)) متفق عليه.

المالُ فِي حَقيقَتِه لاَ يُطْلَبُ لذَاته، وَإنَّما يُطْلَبُ لأَنَّهُ وَسيلةٌ لِغيرهِ، مِمَّا يحَققُ ويَأتي بسببه مِنْ منفعةٍ أَو مَصْلَحةٍ، والوَسِيلَةُ يَنالُها المدْحُ وَيَنالُهَا الذَّمُّ بِمِقْدَارِ مَا يُتَوَصَّلُ إِليهَا بِهِ وَمَا تُوصِلُ هِيَ إِليهِ، فَ‍المالُ كَالسِّلاَحِ، إن كَان في يَدِ مجرمٍ قَتَلَ بِهِ الأَبرِيَاءَ وَالضُّعَفَاءَ‌، وَإنْ كَانَ فِي يَدِ مُجاهِدٍ مُنَاضِلٍ دَافَعَ بِه عَن دِينِهِ وَنَفْسِهِ وَأَهْلِهِ وَوَطَنِهِ، وَانْظروا إِلى قولِ اللهِ سُبحَانَهُ عن المَال: فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنَى وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى [الليل: 5-10].

عبادَ اللهِ، المالُ فِي حَدِّ ذَاتِهِ خَيرٌ وَنِعْمَةٌ مِنَ اللهِ وَقِيامٌ بمَصَالحِ العِبَاد، ولَكنْ تَصَرُّفُ الإنسَانِ فِي هَذَا المَالِ قَدْ يُخرِجُهُ مِنْ هَذِهِ الخَيرِيَّةِ إِلى ضِدِّهَا، وَالمَالُ مِنْ أَعْظَمِ الفِتَنِ الَّتي يُبْتَلَى بِهَا النَّاسُ، إِنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلادُكُمْ فِتْنَةٌ وَاللَّهُ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ [التغابن: 15].

وَلقدْ حَثَّ الإسْلامُ ـ أَيُّها النَّاسُ ـ المَرْءَ عَلى جَمْع مَا يَقُوتُ بِهِ أَهْلَهُ وَعِيَالَهُ مِنَ المالِ الحَلاَلِ، قَالَ لِسَعدِ بنِ أبِي وَقَّاصٍ: ((إِنَّكَ أنْ تذَرْ وَرَثَتكَ أَغنياءَ خَيرٌ لَكَ أَنْ تَذَرَهُمْ عَالةً يَتَكَفَّفُونَ النَّاس)) متفق عليه، وَيقُولَ : ((كَفَى بِالمرءِ إِثمًا أن يُضَيِّعَ مَنْ يَقُوتُ)) رَوَاه أحمدُ وَرَوَاهُ مُسْلمٌ بِلَفظٍ آخرَ.

عِبَادَ اللهِ، جَاء الإسْلامُ حَاثًّا عَلَى طَلبِ هَذَا المَالِ بِالطّرِيقِ المَشْرُوعِ، فَحَثَّ عَلى الجِدِّ وَالعَمَلِ، وَحَذَّرَ مِنَ البَطَالَةِ وَالكَسَلِ، وَفَتَحَ السُّبُلَ في وَجْهِ مُبْتَغِي الرِّزقِ الحَلاَلِ وَالمَالِ الطّيِّبِ، قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنْ الرِّزْقِ قُلْ هِيَ لِلَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا خَالِصَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ [الأعراف: 32]، هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمْ الأَرْضَ ذَلُولاً فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ [الملك: 15]، ويقولُ اللهُ سبحانَهُ: فَإِذَا قُضِيَتْ الصَّلاةُ فَانتَشِرُوا فِي الأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ [الجمعة: 10]. فَرَتَّبَ الفَلاحَ سُبْحَانَهُ عَلَى طلَبِ الرِّزْقِ الحَلاَلِ وَأَدَاءِ وَاجِبِ الطَّاعَاتِ وَذِكْرِهِ جَلَّ وَعَلاَ.

إنَّ العَمَلَ وَالجِدَّ وَالمِهنةَ كَانَتْ مِنْ أَخلاقِ أنبياءِ اللهِ وَرسُلِهِ، ثَبَتَ أَنَّ رَسُول اللهِ قال: ((مَا أَكَلَ أحَدٌ طعامًا خيرًا منْ أنْ يأْكُلَ منْ عَملِ يدهِ، وإِنَّ نبي اللهِ داوُدَ كان يأْكُلُ منْ عملِ يدهِ))، وَرَوَى مُسلِمٌ أَنَّ النّبِيَّ قَالَ: ((كانَ زَكَرِيَّا عليه السَّلامُ نجَّارًا))، وَرُوِيَ أنَّ إِدْرِيسَ عَلَيهِ السَّلامُ كَانَ خَيَّاطًا يَتَصَدَّقُ بِفضْلِ كَسبِه، وَلَقَد كَانَ نَبِيُّنَا مُحمدٌ يبيع وَيَشْتَري، وَقَالَ لأصحَابه: ((لأَنْ يَأْخُذَ أَحدُكُمْ أحبُلَهُ ثُمَّ يَأتِي الجَبَلَ ثُمَّ يَأتي بِحُزْمَةٍ مِنْ حَطبٍ فَيبِيعَهَا فيَستَغْنِي بِثمنِها خيرٌ لهُ مِنْ أَنْ يَسألَ النَّاسَ أَعْطَوهُ أوَ مَنَعُوهُ)) رَواهَ البخاريُّ.

وَصَحَابَتُهُ وَرَضِيَ اللهُ عنْهُم امْتَهَنُوا المِهَنَ وَبَاعُوا وَاشْتَرَوا وَطَلَبُوا الرِّزقَ الحَلالَ، يَقَولُ عُمرُ بنُ الخَطَّابِ : (تَعَلَّمُوا المِهْنَة؛ فَإِنَّهُ يُوشِكُ أَنْ يَحْتَاجَ أَحدُكُم إِلى مِهْنتهِ)، وكانَ أبو الدَّرداءِ ليوقِد النَّارَ تَحتَ قدْرِهِ حَتَّى تَدمَعَ عَينَاهُ، وَتَقُولُ عَائشةَ: كَانَ أَبَو بَكرِ أتْجَرَ قُرَيش حَتَّى دَخَل في الإمَارَةِ. وأوصَى قَيس بنُ عَاصم أبناءَهُ عِندَ وَفَاتِهِ فَقَالَ: "عَليكُمْ بِالمالِ وَاصْطِنَاعِهِ فَإنَّهُ مَنْبَهَةُ الكَرِيمِ ويُسْتَغْنَى بِهِ عَن اللَّئيمِ، وَإيَّاكُمْ وَالمسألةَ فَإِنَّها آخر كَ‍سْبِ الرَّجْلِ"، وَيقولُ سَعيدُ بنُ المُسَيّبِ: "لاَ خَيرَ فِي مَنْ لاَ يَطْلُبُ المالَ يَقْضِي بِهِ دَينهُ وَيَصُونُ بِهِ عِرْضَهُ وَيَقضِي بِهِ ذِمَامَه، وَإِنْ مَاتَ تَرَكَهُ مِيراثًا لَمَنْ بَعْدهُ"، وقَالَ الضَّحَّاكُ بنُ مُزَاحِمٍ: "شَرَفُ المؤمِنِ صَلاَةٌ في جَوفِ اللَّيلِ، وَعِزُّهُ اسْتِغُنَاؤهُ عَنِ النَّاس"، ورواه الطَّبرانِي بسندٍ حَسنٍ مَرفوعًا.

عبادَ اللهِ، اتقُوا اللهَ تَعَالَى، وَإيَّاكُم والخْمُولَ وَالتَّكَاسُلَ وَالاتِّكَالَ عَلَى غَيرِكُم فِي خُصُوصِيَّاتِ حَيَاتِكُم، وَاعْلَمُوا أنَّ العَمَلَ وَإِنْ كَانَ يَسِيرًا فَهُو خَيرٌ مِنَ البَطَالَةِ، وَخَيرٌ مِنَ انْتِظَارِ النَّوَالِ مِنْ أصْحَابِ المَالِ، وَأعْظَمُ مِنهُ سُؤَالُ أصَحَابِ الغِنَى، فَإِنْ أَعطَاهُ فَلَقدْ بَقِيَت المِنَّةُ علَى ظَهْرِهِ يَحمِلُهَا، وَإنْ مَنَعَهُ فَقَدْ اجْتَمَعَ عِنْدَهُ سَوءَتَانِ: ذُلُّ الخَيبَةِ وَذلُّ السُّؤَالِ. يَقَولُ عمرُ بنُ الخَطَّابِ : (مَكْسَبَةٌ فِي دَناءةٍ خَيرٌ مِنْ سَؤالِ النَّاسِ)، وَرُويَ عَنْ لُقمانَ أنَّهُ قَالَ لابنِهِ: "يَا بُنَيَّ، اسْتَغنِ بِالكسْبِ الحَلالِ، فَإنَّهُ مَا افْتقرَ أحدٌ إلاَّ أصابَتهُ إحدى ثلاث خِصَال: رقَةٌ في دينِهِ أو ضَعْفٌ في عقلِهِ أَو وَهَاءٌ في مَرُوءته، وَأَعْظَم مِنْ هذا اسْتِخْفَافُ النَّاسِ بِه".

عِبادَ اللهِ، تَعوَّذَ رسولُ اللهِ مِنْ أمُورٍ كثيرةٍ ليبيِّنَ للنَّاسِ مضرَّتَهَا، وَيَسْتَعِينُوا باللهِ عَلَى البُعْدِ عَنْهَا، رَوَى الإمامُ أحمدُ أنَّ رسولَ اللهِ قال: (( تَعَوَّذُوا باللهِ مِنَ الفَقْرِ وَالقِلَّةِ وَالذِّلَّةِ))، وَرَوَى النَّسَائِيُّ وَأَبُو دَاودَ أنَّه قالَ: ((اللهُمَّ إنِّي أَعُوذُ بكَ مِنَ الجُوعِ فَإنَّهُ بِئسَ الضَّجِيعِ))، وَرَوَيَا أيضًا أنَّه قالَ: ((اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنَ العَجْزِ والكَسَلِ والجُبْنِ والبُخْلِ وَغَلَبَةِ الدَّينِ وَقَهْرِ الرِّجَالِ)).

عِبَادَ اللهِ، إنَّه لا يليقُ بالرَّجُلِ العَاقِلِ أنْ يَرضَى لِنفسِهِ أن يكُونَ حِملاً على المجتَمَعِ، ثَقِيلاً لا فَائِدَةَ منهُ، فَارِغًا عَنْ شُغْلٍ، يقولُ عمرُ : (إِنِّي لأرَى الرَّجْلَ فيُعْجِبُنِي شكْلَه، فَإذا سَألتْ عنه فَقيلَ: لا عملَ لَهُ سقطَ مِنْ عَيْنِي). وَكَانَ يأتِي إلى قَومٍ قَابِعِين في المسجِدِ بعدَ صَلاةِ الجُمُعَةِ يقولُونَ: نحنُ المتوكِّلُونَ على الله، فيعلوهم بدَرَّتِه وينَهرُهُم ويقولُ: (لا يقعدُ أحدُكُمْ عنْ طَلَبِ الرِّزْقِ وَيَقُولُ: اللَّهُمَّ ارْزُقنِي، وقَدْ عَلِمَ أنَّ السَّمَاءَ لا تُمطرُ ذَهبًا وَلا فِضَةً). وَيقولُ محمدُ بنُ ثَورٍ: كَانَ سُفيانُ الثَّورِيُّ يَمُرُّ بنا وَنَحنُ جُلُوسٌ بِالمسْجِد الحَرَامِ فَيقولُ: مَا يُجْلِسُكُم؟ قُلنا: مَا نَصنَعُ؟! قال: اطْلُبُوا مِنْ فَضْلِ اللهِ وَلاَ تكُونُوا عِيالاً عَلَى المسْلِمِينَ.

اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْأَلُكَ عِلْمًا نَافِعًا وَعَمَلاً صَالحًا وَرزْقًا واسِعًا.

بَارَكَ اللهُ لِي وَلَكُم في القرآن العظيم...

 

الخطبة الثانية

الحمدُ للهِ يُعطِي ويَمْنَعُ، وَيَخْفِضُ وَيرْفَعُ، وَيُعِزُّ وَيُذِلُّ، بيدِهِ الخَيرُ وَهُوَ عَلَى كلِّ شَيءٍ قَديرٌ، وَأَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلهَ إلاَّ اللهُ بيدِهِ خَزَائِنُ السَّمَاواتِ والأرضِ، وَأَشْهَدُ أنَّ محمَّدًا عبدُهُ وَرسُولُهُ، صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَعَلَى آلهِ وَأصحَابِهِ وسلَّمَ تَسلِيمًا كَثِيرًا.

أمَّا بعدُ: فَاتَّقُوا اللهَ عِبادَ اللهِ، وَاعْلَمُوا أنَّ أفْضَلَ المالِ مَا كَانَ مِنْ طَريقٍ حَلالٍ. سُئِلَ رَسُولُ اللهِ : أي الكسبِ أفضلُ؟ قال: ((عَملُ الرَّجلِ بِيدِهِ وَكُلُّ بَيعٍ مَبْرورٍ)) رواه الطَّبرانِيُّ وأحمدُ بسندٍ صحيحٍ.

أَيُّها النَّاس، إِنَّ المالَ مَتَى مَا اجتَمَعَ مَعَ الدِّينِ كَانَ الدِّينَ قَويًّا وظَاهِرًا، مَا أجملَ الدِّينَ والدُّنيَا إذَا اجتَمعَا. إِذَا كَانَ المالُ في أيدِي عبادِ اللهِ صَرفوهُ في طَاعةِ اللهِ وَفي مَرْضَاتِه، وَأمَّا إنْ كانَ المالُ عِندَ قَومٍ ضَعُفَ عِنْدَهُمُ الدِّين فَهُم عِبءٌ عَلَى المسلِمينَ، يَسِيرُونَ خَلفَ المالِ حيثُما سَارَ، لاَ يُحلُّونَ حَلاَلاً وَلا يُحرِّمَونَ حَرَامًا، يَقُولَ : ((نِعمَ المَالُ الصَّالِحُ للرَّجُلِ الصَّالِحِ)) رَواه الإمام أحمدُ بسندٍ صحيحٍ.

إنَّ المالَ يذهب وَيعَودَ، وَمَا هُوَ إِلا وَسيلَةٌ للإنفَاقِ في سَبيلِ البِرِّ والخَيرِ، وَقبلَ ذَلِكَ فِي نُصَرة الإسلامِ وَالمسْلِمينَ، يَقَول : ((أَفضلُ الصَّدَقَةِ مَا كَانَ عَنْ ظَهرِ غِنَى)) رَوَاهُ الشَيخانِ، وَرَوَى الطّبراني بسندٍ صحيحٍ أنَّ رَجُلاً مَرَّ عَلى النَّبيِّ فَرَأى الصَحابةُ مِن جَلَدِهِ ونَشَاطِه في العملِ، فقالُوا: يا رسولَ الله، لو كَانَ هَذا في سبيلِ اللهِ! فَقَالَ رَسُولُ اللهِ : ((إنْ كَانَ خَرجَ يَسْعَى عَلَى وَلدِه صِغَارًا فَهو فِي سَبيلِ اللهِ، وَإنْ كَانَ خَرَجَ يَسعَى عَلى أبوينِ شَيْخَينِ كَبِيرينِ فَهو في سَبِيلِ اللهِ، وإنْ كَانَ خَرَجَ يسعَى عَلى نَفسِه يُعِفُّهَا فَهُو فِي سَبيلِ اللهِ، وَإنْ كَان خرجَ رياءً وَمفاخَرَةً فهو في سبيلِ الشيطانِ))، وَرَوَى الترمذيُّ وَابنُ مَاجَه بِسندٍ حسنٍ عَنِ النَّبيِّ أنَّهُ قالَ: ((التَّاجِرُ الصَدُوقُ الأمينُ مع النَّبيينَ والصِّدِّيقِينَ والشُّهَدَاءِ)).

عبادَ اللهِ، بالمالِ الحَلالِ وَالكَسْبِ الطَّيِّبِ اسْتَطَاعَ المهَاجِرونَ إِلى المدِينَةِ أنْ يُزَاحِمَوا اقْتصَادَ أَهلِ الكِتابِ، أَتَرونَهمْ لَو كانُوا فُقَرَاءَ فَهلْ يَتِمُّ لهم مَا أَرَادُوا؟! ثُمَّ رَدَدْنَا لَكُمْ الْكَرَّةَ عَلَيْهِمْ وَأَمْدَدْنَاكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَجَعَلْنَاكُمْ أَكْثَرَ نَفِيرًا [الإسراء: 6].

وَلَمَّا تُوفِيَ الزُّبَير بن العَوَّامِ وَكَانَ عَليه ديونٌ للنَّاسِ أُحصِيت تَرِكَتُهُ فَزَادَتْ عَلى سِتِّينَ مليونًا، أَكثرها من الأرَاضي والدُّورِ. وَقَدْ قَالَ ابْنُ حَجرِ مُعقبًا عَلَى هَذا الأثر: "فيه بَرَكَةُ العَقَارِ وَالأَرضِ لما فِيهِ مِنَ النَّفْعِ العَاجِلِ وَالآجِلِ بِغير كَثيرِ تَعَبٍ وَلاَ دُخُولٍ في مَكرُوهٍ، كاللَّغْوِ الوَاقِعِ فِي البيعِ وَالشِّرَاءِ".

أيُّها النَّاسُ، إِنَّ مِن أخْطَرِ مَا يَواجِهُ الدَّولَة حِينَ تَقُوم عَلى شَعبٍ اتَّصَفَ بِالدَّعَةِ والكَسَلِ، وإنَّ البُلْدَانَ لا تقومُ إِلاَّ بِأفْرَادِهَا وَأبْنَائِها، فكَيْفَ تَنْهَضُ بِلادٌ وَقدْ أُصِيبَ أَهْلُهَا بِالعَجْزِ وَالبَطَالةِ أو الاتِّكَالِ عَلَى غيرِهمْ؟!

عِبادَ اللهِ، إِنَّ البَطَالَةَ شَرٌّ خَطيرٌّ وَدَاءٌ فَتَّاكٌ، أَسْرع مَا يُفْسِدُ طُمَأْنِينَة الحَياةِ، وَأَعْجَل مَا يُنَغِّصُ العَيْش، البَطَالةُ بَاب إِلَى التَّسَوُّلِ وَطريقٌ إِلى السَّرِقَةِ وَمدخَلٌ إِلى الغِشِّ وَالخِدَاعِ وَالمَكْرِ.

الإسلاَمُ دِينُ عِزَّةٍ وَكَرامةٍ وَرِفْعَةٍ وَسُمُوٍّ، يحثُّ عَلى العَمَلِ الصَّالِحِ والنَّافِعِ، وَيَأمُرُ بالقُوَّةِ والاسْتعدَادِ للكُربَاتِ والنَّوَازِلِ، فانَظُرُوا حَالَ أنفُسِكم وَتدبَّرُوا أُمُورَكُم.

ثُمَّ صَلُّوا وسلِّموا على الرَّحمةِ المهدَاةِ...

 

محامد و أدعية طباعة الخطبة بدون محامد وأدعية 

إلى أعلى

إذا كانت لديك أية ملاحظات حول هذه الخطبة، إضغط هنا لإرسالها لنا.

كما نرجو كتابة رقم هذه الخطبة مع رسالتك ليتسنى لنا التدقيق وتصويب الأخطاء

 
 

 2004© مؤسسة المنبر الخيرية للمواقع الدعوية على شبكة الإنترنت، جميع الحقوق محفوظة

عدد الزوار حالياً