.

اليوم م الموافق ‏11/‏شوال/‏1445هـ

 
 

 

الربا والتحايل عليه

413

الرقاق والأخلاق والآداب, فقه

البيوع, الكبائر والمعاصي

محمد بن صالح العثيمين

عنيزة

الجامع الكبير

محامد و أدعية طباعة الخطبة بدون محامد وأدعية 

ملخص الخطبة

وجوب تقوى الله والحذر من أسباب سخطه ومنها الربا- الترهيب من الربا وبيان أنه سبب لعنة الله ومن الكبائر والأدلة على ذلك- بيان النبي صلى الله عليه وسلم الربا وكيفيته- أحكام بيع الذهب والفضة والأوراق النقدية وسائر الأصناف التي يجري فيها الربا- التحايل على الربا وخطورة ذلك والترهيب منه ، وصور ذلك- بيع المداينة وما فيه من محاذير- البديل الشرعي لهذه المعاملة : 1-طريقة الإحسان وهي القرض بدون ربح. 2- طريقة السلم ، وبيانها.

الخطبة الأولى

 

أما بعد:

أيها الناس: اتقوا الله تعالى واحذروا أسباب سخطه وعقابه واحذروا الربا فإنه من أسباب لعنة الله ومن الكبائر التي حذر الله عنها ورسوله قال الله تعالى: يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وذروا ما بقي من الربا إن كنتم مؤمنينفإن لم تفعلوا فأذنوا بحرب من الله ورسوله [البقرة:278-279]. وقال النبي : ((الربا ثلاث وسبعون بابا أيسرها مثل أن ينكح الرجل أمه)) [رواه الحاكم وله شواهد].

وفي صحيح مسلم عن جابر قال: ((لعن رسول الله آكل الربا وموكله وكاتبه وشاهديه وقال هم سواء يعني في الإثم)).

أيها المسلمون: إن الربا فساد في الدين والدنيا والآخرة، إنه فساد في المجتمع واستغلال مبني على الشح والطمع، ولكن المرابي قد زين له سوء عمله فرآه حسنا، فهو من الأخسرين أعمالا الذين ضل سعيهم في الحياة الدنيا وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا.

أيها المسلمون: لقد بين النبي الربا وأين يكون وكيف يكون فقال : ((الذهب بالذهب والفضة بالفضة والبر بالبر والشعير بالشعير والتمر بالتمر والملح بالملح مثلا بمثل يدا بيد فمن زاد أو استزاد فقد أربى، الآخذ والمعطي فيه سواء)) [رواه أحمد والبخاري].

فهذه هي الأصناف التي نص عليها رسول الله وألحق بها العلماء ما كان في معناه، بين النبي أن هذه الأصناف إذا بيع الشيء منها بجنسه فلا بد فيه من أمرين: الأول القبض من الطرفين في مجلس العقد، والثاني التساوي بأن لا يزاد أحدهما على الآخر، فإن اختل أحد الأمرين وقع المتعاقدان في الربا.

أيها الناس: إن من المعلوم أن أكثر الدول الآن لا تتعامل بالذهب والفضة وإنما تتعامل بالأنواط بدلا عن الدراهم والبدل له حكم المبدل، فيكون لهذه الأنواط حكم ما جعلت بدلا عنه من الذهب والفضة وإذا كان معلوما أنه لا يجوز أن يعطى الرجل مئة من هذه الأوراق بمائة وعشرة مثلا إلى أجل لأن هذا ربا صريح فإنه لا يجوز التحيل على ذلك بأي نوع كان من الحيل، ولكن الشيطان وهو عدو بني آدم فتح على كثير من الناس باب التحيل على محارم الله كما فتحها على اليهود وغيرهم، والحيلة على المحَّرم أن يتوصل الإنسان إلى المحرم بشيء صورته صورة المباح.

 وقد حذر النبي أمته من التحيل على المحرمات فقال: ((لا ترتكبوا ما ارتكبت اليهود فتستحلوا محارم الله بأدنى الحيل)) وقال بعض السلف في المتحايلين أنهم يخادعون الله كما يخادعون الصبيان لو أتوا الأمر على وجهه لكان أهون، والحيلة على المحرم لا ترفع التحريم عنه وإنما هي فعل للمحرم مع زيادة المكر والخداع لله رب العالمين الذي يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور والمتحايل على المحرم لا يقصد إلا المحرم فله ما نوى. قال النبي : ((إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى)).

أيها المسلمون: إن للتحايل على الربا صورا كثيرة أكثرها شيوعا بيننا طريقة المداينة التي يستعمله كثير من الناس وهي أن يتفق الدائن والمدين أولا على المعاشرة يتفق معه على الدراهم يقول أريد عشرة آلاف ريال العشرة بعشرة ونصف مثلا ثم يذهب الدائن المدين إلى صاحب دكان عنده أموال مكدسة إما سكر أو ربطات خام أو غيرها فيشتريها الدائن شراء صوريا ليس له بها غرض سوى الوصول إلى بيع العشرة بعشرة ونصف، والدليل أنه شراء صوري أنه لا يكاسر بالثمن ولا يقلب السلعة ولا يفتشها كما يفعل المشتري حقيقة وربما كانت هذه الأموال أفسدها طول الزمن أو أكلتها الأرض لأنها لم تنقل ولم تقلب ولم تفتش وبعد هذا الشراء الصوري يبيع الدائن هذه السلع على المدين بما اتفقا عليه من الربح ثم يعود المدين فيبيعها على صاحب الدكان ويخرج بدراهم وهذا العمل بعينه هو ما حكاه شيخ الإسلام ابن تيميه في كتاب أبطال التحليل من جملة صور الحيل حيث قال رحمه الله: وكذلك بلغني أن من الباعة من قد أعد بزا لتحليل الربا، فإذا جاء إلى من يريد أن يأخذ منه ألفا بألف ومائتين ذهبا إلى ذلك المحلل فاشترى منه المعطى ذلك البز ثم يعيده للآخذ ثم يعيده الآخذ إلى صاحبه وقد عرف الرجل بذلك بحيث أن هذا البز الذي يحلل به الربا لا يكاد يبيعه البيع البات انتهى.

وقد قال قبل ذلك فيا سبحان الله العظيم أن يعود الربا الذي عظم الله شأنه في القرآن وأوجب محاربة مستحله ولعن آكله وموكله وكاتبه وشاهديه وجاء فيه من الوعيد ما لم يجيء في غيره إلى أن يستحل بأدنى سعي من غير كلفة أصلا إلا بصورة عقد هي عبث ولعب.

وقال في الفتاوي أيضا وكذلك إذا اتفقا على المعاملة الربوية ثم أتيا إلى صاحب حانوت يطلبان منه متاعا بقدر المال فاشتراه المعطى ثم باعه على الآخذ إلى أجل ثم أعاده إلى صاحب الحانوت بأقل من ذلك فيكون صاحب الحانوت واسطة بينهما بجُعْلٍ فهذا من الربا الذي لا ريب فيه انتهى.

أيها المسلمون: إن المداينة بهذا البيع الصوري- الذي يعلم الله جل وعلا ويعلم المتعاقدان أنفسهما أنهما لم يريدا حقيقة البيع، وإنما أرادا دراهم بدراهم فالدائن أراد الربح والمدين أراد الدراهم وأدخلا هذا العقد الصوري بينهما.

أقول: إن هذه المداينة تشتمل على عدة محاذير:

الأول: أنها تحيل على المحرم وخداع لله ورسوله، ونحن نقول لهذا المتحايل أن حيلتك لن تغني عنك من الله شيئا. ألم تعلم بأن الله يرى؟ ألم تعلم بأن الله يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور؟ ألم تعلم بأن الحساب يوم القيامة على ما في قلبك؟ أفلا يعلم إذا بعثر ما في القبوروحصل ما في الصدور يوم تبلى السرائر فما له من قوة ولا ناصر [الطارق].

المحذور الثاني: أن هذه المعاملة توجب قسوة القلب والتمادي في الباطل، فإن صاحبها يظن أنه على حق، فلو أتيته بكل دليل ما سمع منك لأن قلبه مغمور بمحبة هذه المعاملة السيئة لسهولتها، والنفس إذا اعتادت على الربح المحرم بهذه الطريقة السهلة صعب عليها تركها إلا أن يعينها الله بمدد منه، وتعرف حقيقة واقعها وشؤم عاقبة معاصيها، وأن هذه الأرباح التي تحصل لها بطريق التحايل على محارم الله ليس منها إلا الغرم والإثم.

المحذور الثالث: إن في هذه المعاملة السيئة معصية لله ولرسوله فقد نهى النبي عن بيع السلع حتى تنقل. قال ابن عمر رضي الله عنهما كان الناس يتبايعون الطعام جزافا بأعلى السوق فنهاهم النبي أن يبيعوه حتى ينقلوه روه البخاري.

 وعن زيد بن ثابت أن النبي نهى أن تباع السلع حيث تبتاع حتى يحوزها التجار إلى رحالهم رواه أبو داود فكيف ترضى لنفسك أيها المسلم أن تتعامل بمعاملة يكون فيها معصية الله ورسوله والوقوع فيما حذر الله ورسوله منه من أجل كسب لا يعود عليك بالخير والبركة، فتب إلى ربك واتق الله في نفسك واعرف حقيقة الدنيا وأنها زائلة ولا تقدمها على الآخرة، قولوا سمعنا وأطعنا ولا تقولوا سمعنا وعصينا.

فكروا في هذه المعاملة تفكيرا سليما من الهوى يتبين لكم حقيقة أمرها، واسلكوا طريقتين سليمتين إحداهما طريقة الإحسان وهي القرض بدون ربح فإن أبيتم ذلك فاسلكوا الطريقة الثانية طريقة السلم وهي التي تسمى المكتب تعطون دراهم بسلع معينة إلى أجل معلوم كما كان الناس يفعلون ذلك على عهد النبي مثل أن تعطيه ألف ريال بعشرين كيس سكر مثلا يعطيك إياها بعد سنة، فهذا جائز.

وكذلك إذا احتاج إلى سلعة معينة كسيارة تساوي عشرة آلاف فبعتها عليه بأحد عشر ألفا أو أكثر إلى أجل معين، فلا بأس به سواء كان الأجل مدته واحدة أو كان موزعا على الأشهر والسنوات.

وفقني الله وإياكم لسلوك طريق الزهد والورع وجنبنا ما فيه هلاكنا من الشح والطمع وجعلنا ممن رأى الحق حقا واتبعه ورأى الباطل باطلا واجتنبه إنه جواد كريم.

الخطبة الثانية

لم ترد .

محامد و أدعية طباعة الخطبة بدون محامد وأدعية 

إلى أعلى

إذا كانت لديك أية ملاحظات حول هذه الخطبة، إضغط هنا لإرسالها لنا.

كما نرجو كتابة رقم هذه الخطبة مع رسالتك ليتسنى لنا التدقيق وتصويب الأخطاء

 
 

 2004© مؤسسة المنبر الخيرية للمواقع الدعوية على شبكة الإنترنت، جميع الحقوق محفوظة

عدد الزوار حالياً