.

اليوم م الموافق ‏14/‏شوال/‏1445هـ

 
 

 

محبة النبي

5326

الإيمان, العلم والدعوة والجهاد, قضايا في الاعتقاد

الإيمان بالرسل, الاتباع, التربية والتزكية

مهران ماهر عثمان نوري

الخرطوم

2/3/1427

خالد بن الوليد

محامد و أدعية طباعة الخطبة بدون محامد وأدعية 

ملخص الخطبة

1- وجوب محبة النبي . 2- أسباب محبة النبي . 3- دلائل محبة النبي . 4- ثمار محبة النبي . 5- نماذج راشدة في محبة النبي .

الخطبة الأولى

أما بعد: فإن الله تعالى أوجب علينا محبة نبيه ، وتوعد المخالف في ذلك بقوله: قُلْ إِن كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَآؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُم مِّنَ اللّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُواْ حَتَّى يَأْتِيَ اللّهُ بِأَمْرِهِ وَاللّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ [التوبة: 24]. وكلُّ هذه المذكورات في الآية جُبِل المرء على محبتها، وليس المراد تحجير هذا أو ذمَّ من قام به، وإنما المراد من الآية ذمُّ من قدم حبها على حب الله ورسوله والجهاد في سبيله؛ فإنَّ حبها مركوز في نفوسنا.

ومن الأدلة القرآنية على وجوب تقديم حب النبي على كلِّ محبوب قول رب العالمين: النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنفُسِهِمْ [الأحزاب: 6]. يقول ابن القيم رحمه الله في روضة المحبين (1/276): "قال الله تعالى: النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنفُسِهِمْ، ولا يتم لهم مقام الإيمان حتى يكون الرسول أحب إليهم من أنفسهم، فضلاً عن أبنائهم وآبائهم".

ودلت السنة النبوية على أنه لا إيمان لمن لم يقدم حبَّ رسول الله على كلِّ محبوب، فعن أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ : ((لا يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى أَكُونَ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِنْ وَلَدِهِ وَوَالِدِهِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ)) رواه البخاري ومسلم واللفظ له. أتدري لِم مثَّل النبي بالوالد والولد؟ لأن الوالد لا يرى في الدنيا مثل ابنه، وهو يحب أن يرقى ابنه درجات قصر عنها، ولا يمكن أن يراوده هذا الشعور تجاه غيره، وقد سمعتم بأن أبوين آثرا ابنهما بطوق النجاة إثر غرق الباخرة المصريّة بعد حجِّ هذا العام، وأما حبّ الولد لوالده فلا يحتاج إلى تدليل، فلا يمكن أن يؤمن بالله ورسوله من قدم حبَّ ولده أو والده على حبه .

قال عبدُ اللَّهِ بْنُ هِشَامٍ : كُنَّا مَعَ النَّبِيِّ وَهُوَ آخِذٌ بِيَدِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، فَقَالَ لَهُ عُمَرُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، لأَنْتَ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ إِلا مِنْ نَفْسِي، فَقَالَ النَّبِيُّ : ((لا وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، حَتَّى أَكُونَ أَحَبَّ إِلَيْكَ مِنْ نَفْسِكَ))، فَقَالَ لَهُ عُمَرُ: فَإِنَّهُ الآنَ ـ وَاللهِ ـ لأَنْتَ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ نَفْسِي، فَقَالَ النَّبِيُّ : ((الآنَ يَا عُمَرُ)) رواه البخاري.

قال ابن حجر رحمه الله في فتح الباري (11/528): "قال الخطابي: حبُّ الإنسان نفسَه طبع، وحب غيره اختيار بتوسّط الأسباب، وإنما أراد عليه الصلاة والسلام حب الاختيار، إذ لا سبيل إلى قلب الطباع وتغييرها عما جبلت عليه. قلت: فعلى هذا فجواب عمر أولاً كان بحسب الطبع، ثم تأمل فعرف بالاستدلال أن النبي أحب إليه من نفسه؛ لكونه السبب في نجاتها من المهلكات في الدنيا والأخرى، فأخبر بما اقتضاه الاختيار، ولذلك حصل الجواب بقوله: ((الآن يا عمر)) أي: الآن عرفت فنطقت بما يجب".

عباد الله، هذه المحبة لها أسباب تنمِّيها، ونحن مأمورون باتخاذها، فمن ذلك التأمل في أخلاقه التي امتدحها الله تعالى بقوله: وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ [القلم: 4]. ومنها أنَّ محبته تابعة لمحبة الله تعالى، فالله قد اتخذ نبينا خليلاً، والخُلَّة أعلى درجات المحبة، قال قَبْلَ أَنْ يَمُوتَ بِخَمْسٍ: ((إِنِّي أَبْرَأُ إِلَى اللَّهِ أَنْ يَكُونَ لِي مِنْكُمْ خَلِيلٌ؛ فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَدْ اتَّخَذَنِي خَلِيلاً كَمَا اتَّخَذَ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلاً، وَلَوْ كُنْتُ مُتَّخِذًا مِنْ أُمَّتِي خَلِيلاً لاتَّخَذْتُ أَبَا بَكْرٍ خَلِيلاً)) رواه مسلم. ومنها قراءة سيرته؛ ولذا فإن من أقوى سبل دعوة الكافرين إيقافهم على سيرة النبي . ومنها قراءة خصائصه التي امتاز بها عن سائر الأنبياء.

أيها المؤمنون، الأدلة على صدق محبة النبي كثيرة، أجتزئ منها عشرةً:

الأول: نصرته في حياته ونصرة سنته بعد موته، أما نصرته حال حياته فهذا مما خصّ الله تعالى به أصحابه، وقد قاموا بما أوجبه الله تعالى عليهم من نصرة نبينا خير قيام، وهذا من أعظم ما يدل على صدق محبتهم للنبي ، وهل أدل على ذلك من فدائهم بأنفسهم للنبي ، وكثيرًا ما كان الرجل منهم إذا اشتد الوطيس يجعل من نفسه تِرسًا يحمي رسول الله .

الثاني: الحرص على صحبته، وهذا مما اختُص به الصحابة أيضًا، ولنا منها التمني، يقول الإمام النووي رحمه الله في شرح صحيح مسلم (2/16): "قال القاضي عياض رحمه الله: ومن محبته نصرة سنته، والذب عن شريعته، وتمني حضور حياته، فيبذل ماله ونفسه دونه".

الثالث: امتثال أمره، فلا يعقل أن تدّعي محبته ولا حظَّ لك من سنته وهديه وسمته، إن المحبة الحقيقية لا بد أن يتوّلد منها التأسي به ، المحبة الحقيقية يتبعها الاتباع لمنهجه وطريقه.

تعصي الإله وأنت تزعم حبه    هذا مُحال في القياس بديع

لو كان حبك صادقًا لأطعته     إن المحبَّ لِمن يُحب مطيع

الرابع: الحرص على تبليغ سنته والدعوة إليها؛ ولذا فإن الصادقين في حب نبيهم يفنون أعمارهم في الدعوة وتبصير الناس بها والتأليف دفاعًا عنها والرد على من يتجشم المهالك ويطعن فيها.

الخامس: عدم الرضا بالإساءة إليه، حدَّث ابْنُ عَبَّاسٍ أَنَّ أَعْمَى كَانَتْ لَهُ أُمُّ وَلَدٍ تَشْتُمُ النَّبِيَّ وَتَقَعُ فِيهِ، فَيَنْهَاهَا فَلا تَنْتَهِي وَيَزْجُرُهَا فَلا تَنْزَجِرُ، قَالَ: فَلَمَّا كَانَتْ ذَاتَ لَيْلَةٍ جَعَلَتْ تَقَعُ فِي النَّبِيِّ وَتَشْتُمُهُ، فَأَخَذَ الْمِغْوَلَ فَوَضَعَهُ فِي بَطْنِهَا وَاتَّكَأَ عَلَيْهَا فَقَتَلَهَا، فَوَقَعَ بَيْنَ رِجْلَيْهَا طِفْلٌ فَلَطَّخَتْ مَا هُنَاكَ بِالدَّمِ، فَلَمَّا أَصْبَحَ ذُكِرَ ذَلِكَ لِرَسُولِ اللَّهِ ، فَجَمَعَ النَّاسَ فَقَالَ: ((أَنْشُدُ اللَّهَ رَجُلاً فَعَلَ مَا فَعَلَ لِي عَلَيْهِ حَقٌّ إِلا قَامَ))، فَقَامَ الأَعْمَى يَتَخَطَّى النَّاسَ وَهُوَ يَتَزَلْزَلُ حَتَّى قَعَدَ بَيْنَ يَدَيْ النَّبِيِّ ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَنَا صَاحِبُهَا، كَانَتْ تَشْتُمُكَ وَتَقَعُ فِيكَ، فَأَنْهَاهَا فَلا تَنْتَهِي، وَأَزْجُرُهَا فَلا تَنْزَجِرُ، وَلِي مِنْهَا ابْنَانِ مِثْلُ اللُّؤْلُؤَتَيْنِ، وَكَانَتْ بِي رَفِيقَةً، فَلَمَّا كَانَ الْبَارِحَةَ جَعَلَتْ تَشْتُمُكَ وَتَقَعُ فِيكَ، فَأَخَذْتُ الْمِغْوَلَ فَوَضَعْتُهُ فِي بَطْنِهَا وَاتَّكَأْتُ عَلَيْهَا حَتَّى قَتَلْتُهَا، فَقَالَ النَّبِيُّ : ((أَلا اشْهَدُوا أَنَّ دَمَهَا هَدَرٌ)) رواه أبو داود والنسائي.

السادس: كثرة الصلاة عليه، فعَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ إِذَا ذَهَبَ ثُلُثَا اللَّيْلِ قَامَ فَقَالَ: ((يَا أَيُّهَا النَّاسُ، اذْكُرُوا اللَّهَ، اذْكُرُوا اللَّهَ، جَاءَتْ الرَّاجِفَةُ تَتْبَعُهَا الرَّادِفَةُ، جَاءَ الْمَوْتُ بِمَا فِيهِ، جَاءَ الْمَوْتُ بِمَا فِيهِ))، قَالَ أُبَيٌّ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنِّي أُكْثِرُ الصَّلاةَ عَلَيْكَ، فَكَمْ أَجْعَلُ لَكَ مِنْ صَلاتِي؟ فَقَالَ: ((مَا شِئْتَ))، قَالَ: قُلْتُ: الرُّبُعَ؟ قَالَ: ((مَا شِئْتَ، فَإِنْ زِدْتَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكَ))، قُلْتُ: النِّصْفَ؟ قَالَ: ((مَا شِئْتَ فَإِنْ زِدْتَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكَ))، قَالَ: قُلْتُ: فَالثُّلُثَيْنِ؟ قَالَ: ((مَا شِئْتَ، فَإِنْ زِدْتَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكَ))، قُلْتُ: أَجْعَلُ لَكَ صَلاتِي كُلَّهَا؟ قَالَ: ((إِذًا تُكْفَى هَمَّكَ وَيُغْفَرُ لَكَ ذَنْبُكَ)) رواه الترمذي.

السابع: مجانبة البدع؛ لأنها تضلّ عن طريق النبي وحوضه في الآخرة، ولا يمكن لمريد يعرف ذلك ويستمر عليها، كيف لمحب يعلم أن البدعة تفرّق بينه وبين رسول الله على حوضه فيقع فيها؟! فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ أَتَى الْمَقْبُرَةَ فَقَالَ: ((السَّلامُ عَلَيْكُمْ دَارَ قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ، وَإِنَّا إِنْ شَاءَ اللَّهُ بِكُمْ لاحِقُونَ، وَدِدْتُ أَنَّا قَدْ رَأَيْنَا إِخْوَانَنَا))، قَالُوا: أَوَلَسْنَا إِخْوَانَكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟! قَالَ: ((أَنْتُمْ أَصْحَابِي، وَإِخْوَانُنَا الَّذِينَ لَمْ يَأْتُوا بَعْدُ))، فَقَالُوا: كَيْفَ تَعْرِفُ مَنْ لَمْ يَأْتِ بَعْدُ مِنْ أُمَّتِكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟! فَقَالَ: ((أَرَأَيْتَ لَوْ أَنَّ رَجُلاً لَهُ خَيْلٌ غُرٌّ مُحَجَّلَةٌ بَيْنَ ظَهْرَيْ خَيْلٍ دُهْمٍ بُهْمٍ، أَلا يَعْرِفُ خَيْلَهُ؟)) قَالُوا: بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: ((فَإِنَّهُمْ يَأْتُونَ غُرًّا مُحَجَّلِينَ مِنْ الْوُضُوءِ، وَأَنَا فَرَطُهُمْ عَلَى الْحَوْضِ، أَلا لَيُذَادَنَّ رِجَالٌ عَنْ حَوْضِي كَمَا يُذَادُ الْبَعِيرُ الضَّالُّ، أُنَادِيهِمْ: أَلا هَلُمَّ، فَيُقَالُ: إِنَّهُمْ قَدْ بَدَّلُوا بَعْدَكَ، فَأَقُولُ: سُحْقًا سُحْقًا)) رواه البخاري ومسلم.

الثامن: محبة أصحابه وأهل بيته وإعمال وصيته فيهم، وليس من شكٍّ أنَّ الطعن فيهم والنيل منهم نيل وطعن في النبي ، فالمرء على دين خليله؛ ولذا فإنَّ العقل لا يمكن أن يتصوّر محبًا صادقًا للنبيّ قاليًا مبغضًا لأصحابه وآل بيته.

التاسع: التأدب معه.

العاشر: عدم الغلو فيه؛ لشدّة بغضه ذلك، فهل يعمل المحبُّ بما يُسخط حبيبَه؟! عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ رَجُلاً قَالَ لِلنَّبِيِّ : مَا شَاءَ اللَّهُ وَشِئْتَ، فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ : ((أَجَعَلْتَنِي وَاللَّهَ عدْلاً؟! بَلْ: مَا شَاءَ اللَّهُ وَحْدَهُ)) رواه أحمد.

بارك الله لي ولكم في القرآن الكريم، ونفعنا بما فيه من آيات وذكر حكيم، أقول ما تسمعون، وأستغفر الله لي ولكم وللمؤمنين، فاستغفروه إنه غفور رحيم.

 

الخطبة الثانية

أحمد الله حمدًا كثيرًا طيبًا مباركًا فيه، وأشهد أن لا إله إلا هو سبحانه لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله وصحبه أجمعين.

أما بعد: فيا أيها المؤمنون، ما ثمار محبتك لنبيك ؟

من ثمارها أنك تجد بها حلاوة الإيمان، فعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ عَنْ النَّبِيِّ قَالَ: ((ثَلاثٌ مَنْ كُنَّ فِيهِ وَجَدَ حَلاوَةَ الإِيمَانِ: أَنْ يَكُونَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِمَّا سِوَاهُمَا، وَأَنْ يُحِبَّ الْمَرْءَ لا يُحِبُّهُ إِلا لِلَّهِ، وَأَنْ يَكْرَهَ أَنْ يَعُودَ فِي الْكُفْرِ كَمَا يَكْرَهُ أَنْ يُقْذَفَ فِي النَّارِ)) رواه البخاري ومسلم.

من ثمارها ما جاء في هذا الحديث العظيم: عَنْ أَنَسٍ أَنَّ رَجُلاً سَأَلَ النَّبِيَّ عَنْ السَّاعَةِ فَقَالَ: مَتَى السَّاعَةُ؟ قَالَ: ((وَمَاذَا أَعْدَدْتَ لَهَا؟)) قَالَ: لا شَيْءَ إِلا أَنِّي أُحِبُّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ ، فَقَالَ: ((أَنْتَ مَعَ مَنْ أَحْبَبْتَ))، قَالَ أَنَسٌ: فَمَا فَرِحْنَا بِشَيْءٍ فَرَحَنَا بِقَوْلِ النَّبِيِّ : ((أَنْتَ مَعَ مَنْ أَحْبَبْتَ))، فَأَنَا أُحِبُّ النَّبِيَّ وَأَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ، وَأَرْجُو أَنْ أَكُونَ مَعَهُمْ بِحُبِّي إِيَّاهُمْ وَإِنْ لَمْ أَعْمَلْ بِمِثْلِ أَعْمَالِهِمْ. رواه البخاري ومسلم.

لكن ـ عباد الله ـ المحب الصادق الذي يناله هذا الفضل من سلك طريقه واقتفى أثره واستنار بنهجه واهتدى بهديه، ألا ترى أن اليهود والنصارى يحبون أنبياءهم وإنما لم يحظوا بمعيّتهم في الآخرة لمخالفتهم.

ولقد خلَّد التاريخ مواقف نيرة لأصحاب النبي في عظيم حبهم له، أُذكِّر ببعضها لأمرين: الأول: لنجعل منهم أسوة في ذلك، الثاني: لنعرف للصحابة قدرهم.

فهذا خُبيب بن عبد الله الأنصاري لما بعثه النبي ومعه اثنان من أصحابه عيونًا بمكة، واعترضتهم بنو لحيان من هذيل، كان من أمر خبيب أنه قال بعد أن أخرجوه لقتله: (اللهم إني لا أجد رسولاً إلى رسولك فبلغه مني السلام). ما هذا يا خبيب؟! أهذا كلّ همك؟! هلا دعوت للخلاص من كربك! في هذا الموقف يدعو الله أن يبلغ رسوله سلامه! لا عجب ولا غرابة، إنهم من اصطفاهم الله لنصرة رسوله كما قال ابن مسعود . فنزل جبريل يحمل سلامه إلى الرسول ، ثم صلبوه، فقال: (اللهم أحصهم عددًا، واقتلهم بددًا، ولا تُبق منهم أحدًا). فقالوا له وهو مصلوب، نادوه وناشدوه: أتحبُ أنَّ محمدًا مكانَك؟ فقال: (لا والله العظيم، ما أحبُّ أن يَفْدِيَني بشوكة يُشاكها في قدمه) رواه الطبراني في الكبير (5/260-261). فأي حب هذا الذي حوته قلوبهم لرسول الله ؟!

موقف آخر: عن ابن عباس أن رجلا أتى النبي فقال: يا رسول الله، إني لأحبك حتى إني لأذكرك، فلولا أني أجيء فأنظر إليك ظننت أن نفسي تخرج، فأذكر أني إن دخلت الجنة صرت دونك في المنزلة، فشق ذلك عليَّ، وأحب أن أكون معك في الدرجة، فلم يردَّ رسول الله شيئًا، فأنزل الله عز وجل: وَمَن يُّطِعِ اللهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللهُ عَلَيْهِمْ [النساء: 69] الآية. رواه الطبراني في معاجمه الثلاثة وابن أبي شيبة في مصنفه.

موقف ثالث: امرأة من بني دينار أصيب زوجها وأخوها وأبوها مع رسول الله بأُحد، فلما نعوهم لها قالت: فما فعل رسول الله ؟ قالوا: خيرًا يا أمَّ فلان، هو بحمد الله كما تحبين، قالت: أرنيه حتى أنظر إليه، فأشير لها إليه حتى إذا رأته قالت: كلّ مصيبة بعدك جلل. تريد: هيِّنةً.

ويعطي عليٌّ سيفه فاطمة بعد المعركة قائلاً:

أفـاطم هـاك السيف غير ذميـم      فلست برعديـد ولا بمليـم

لعمري لقد قـاتلت في حبّ أحْمد      وطاعة ربٍّ بالعبـاد رحيـم

لقد كان رسول الله أحب إليهم من كل شيء، ولو أخذنا نذكر ما يدل لذلك من سيرتهم لطال المقام بنا.

أسأل الله تعالى أن يملأ قلوبنا بحب وتوقير وتعظيم نبيه ...

 

محامد و أدعية طباعة الخطبة بدون محامد وأدعية 

إلى أعلى

إذا كانت لديك أية ملاحظات حول هذه الخطبة، إضغط هنا لإرسالها لنا.

كما نرجو كتابة رقم هذه الخطبة مع رسالتك ليتسنى لنا التدقيق وتصويب الأخطاء

 
 

 2004© مؤسسة المنبر الخيرية للمواقع الدعوية على شبكة الإنترنت، جميع الحقوق محفوظة

عدد الزوار حالياً