.

اليوم م الموافق ‏18/‏رمضان/‏1445هـ

 
 

 

المولد النبوي

5317

قضايا في الاعتقاد

البدع والمحدثات

أحمد بن حسين الفقيهي

الرياض

2/3/1427

جامع الإحسان

محامد و أدعية طباعة الخطبة بدون محامد وأدعية 

ملخص الخطبة

1- عادة إحياء ذكرى العظماء. 2- إسداء النعمة بالنبي . 3- أقسام الناس تجاه مولد النبي . 4- المحدثون للمولد النبوي. 5- بدعية الاحتفال بالموالد. 6- تأييد أعداء الإسلام للموالد. 7- مظاهر الاحتفال بالمولد النبوي. 8- الاختلاف في تحديد تاريخ مولد النبي . 9- دواعي التحذير من هذه البدعة.

الخطبة الأولى

أما بعد: عباد الله، لكل أمة عظماء سطر التاريخ مآثرهم، ومجد أعمالهم، وخلّد جزءا من سيرهم وحياتهم؛ ليكونوا نبراسًا لمن بعدهم في علمهم وجهادهم وأخلاقهم. ولقد اعتادت كثير من الأمم والملل إحياء ذكرى عظمائهما، فيخصصون يومًا يوافق يوم مولدهم أو يوم وفاتهم لتذكير شعوبهم وأتباعهم بسير هؤلاء العظماء؛ أملا أن لا يموت ذكرهم ولا تنسى أسماؤهم.

عباد الله، وفي مثل هذا الشهر تمر ذكرى مولد النبي ، لقد كان مولده فتحًا ومبعثه فجرًا بدد الله به جميع الظلمات، وهدى به من الضلالة، وعلم به من الجهالة، وأرشد به من الغواية، لقد كان العرب يعيشون قبل مولده وبعثه جاهلية جهلاء في مدلهمة ظلماء، كانوا أسارى شبهات وأرباب شهوات، يعبدون الأصنام، ويستقسمون بالأزلام، جهل وكفر، عربدةٌ وسكر، ظلوا على هذه الحال إلى أن أذن الله سبحانه بخروج النبي .

نـورًا من الرحمـن أرسله هُـدى      للناس فازدهر الزمان و أينعا

دع عنـك إيوانًا لكسرى عندمـا      هتفوا بِمولده هوى وتصدعا

واذكر كيـف أتى شعوبًا فُرقـت       أهواؤها كلّ يصحح ما ادَّعا

فهداهـم للحـق حتى أصبحـوا       فِي الله إخوانا تراهم رُكّعـا

عباد الله، في مولد النبي انقسم الناس إلى طرفي نقيض، طائفة شرِقَت بخروجِه وإخراجه الناسَ من الظلمات إلى النور، وتمنّت بقاءَ البشرية واستمرارها في عبادة الأحجار والأوثان، أما الطائفة الأخرى وهي التي علا صوتها حينًا وظهر عملها فهي التي غلت واتخذت من ذلك اليوم عيدًا وفرحًا يتكرّر كل عام بتكرار تاريخ الميلاد للنبي . وهذه الطائفة الثانية الغالية في النبي يكفيها شرفًا أن أول من سنّ وابتدع هذا الاحتفال هم الرافضة ملوك الدولة الفاطمية التي انتسبت كذبًا وزورًا إلى فاطمة بنت الرسول ، ففي القرن الرابع الهجري ابتدع الخليفة الفاطمي المعز العبيدي فكرة الاحتفال بالمولد النبوي، وأحدث مع المولد النبوي أربعة موالد أخرى: مولدًا لعلي، وآخر لفاطمة، وثالثا للحسن والحسين، ورابعا لمن يحكم من العبيديين، ثم توسعوا في إحداث الموالد والمناسبات البدعية الأخرى.

عباد الله، هذه الدولة التي أحيت وابتدعت المولد النبوي دولة كافرة فاسقة بإجماع المحققين من أهل العلم، عطلت الإسلام، وجحدت السنن والآثار، في ولايتهم أرغِمَ المصريون على سبّ أبي بكر وعمر وعائشة رضي الله عنهم أجمعين، ومنع الناس من صلاة التراويح ومن السعي لطلب الرزق نهارا، وانتشر الرعب والقتل حتى أكل الناس في زمانهم بعض البهائم والحيوانات.

هذه الدولة يرى بعض العلماء ومنهم شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله أنها تنحدر من أصل يهودي أو مجوسي، وبناء على ما سبق لم تعرف الأمة هذا المولد قبل هذه الدولة، فهل هي أهلٌ للاقتداء بها؟!

لم يبرح النـاس حتَّى أحدثوا بدعًا       في الدين بالرأي لم يبعث بها الرسلُ

حتى استخف بديـن اللَّه أكثرهم        وفِي الذي حُمِّلوا من حقّه شُغُـلُ

عباد الله، إن النبي وهو صاحب الشأن لم يحتفل بمولده في حياته، بل ولم يأمر بذلك أحدا من الناس، وهو المبلغ للدين، ولم يمت حتى أكمل الله به الدين، قال سبحانه: الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمْ الإِسْلامَ دِينًا [المائدة:3].

عباد الله، هل هناك أحد يحبّ رسول الله كحب أصحابه له، لا والذي رفع السماء بلا عمد، لقد ضربوا المثل الأعلى في حبهم، فها هو عمرو بن العاص رضي الله عنه كما في صحيح مسلم يقول: ما كان أحب إليّ من رسول ، ولا أجلّ في عيني منه، وما كنت أطيق أن أملأ عيني منه إجلالا له، ولو سئلت أن أصفه ما أطقت؛ لأني لم أكن أملأ عيني منه.

هذا مثال واحد لحبّ الصحابة رضوان الله عليهم لرسول الله ، فلماذا لم يحتفلوا بمولده؟! ثم أليس في عدم احتفالهم اتهام لهم عند من يرى الاحتفال بأنهم لا يحبون النبي ؟!

فسر خلف أصحاب الرسول فإنَّهم      نجوم هدى فِي ضوئها يهتدي الساري

وعج عن طريق الرفض فهو مؤسّس      على الكفر تأسيسًا علـى جرف هار

عباد الله، إن أصحاب هذه الموالد البدعية والمحتفلين بهذا اليوم يتشبهون من حيث لا يشعرون بأعداء الله النصارى، حيث كان في البلاد التي جاور فيها المسلمون النصارى كما في الشام ومصر، يحتفل النصارى بعيد ميلاد المسيح في يوم مولده وميلاد أسرته، فسرت تلك البدعة إلى المسلمين، قال الحافظ السخاوي رحمه الله تعالى: "كان أهل الصليب اتخذوا ليلة مولد نبيهم عيدًا أكبر" اهـ. ولقد حذر النبي من التشبه بأعداء الدين فقال : ((من تشبه بقوم فهو منهم)) أخرجه الإمام أحمد وأبو داود وحسنه ابن حجر رحمه الله.

عباد الله، إن أعداء الله من الكفار والمنافقين وغيرهم يفرحون بإقامة مثل هذه البدع؛ لأنهم يعلمون أنه متى أحدثت في الدين بدعة ماتت مقابلها سنة من سنن المصطفى ، وأوضح نموذج لذلك ما ذكره الجبرتي من أن نابليون أمر الشيخ البكري بإقامة الاحتفال بالمولد، وأعطاه ثلاثمائة ريال فرنسي، وأمده بتعليق الزينات، بل وحضر بنفسه الحفل من أوله إلى آخره. ويعلق الجبرتي على اهتمام الفرنسيين بالاحتفال بالموالد عمومًا بما رآه الفرنسيون في هذه الموالد من الخروج عن الشرائع واجتماع النساء واتباع الشهوات والرقص وفعل المحرمات.

عباد الله، إن الصادق في حبّ النبي من تظهر عليه علامة ذلك، وأولها الاقتداء به واستعمال سنته واتباع أقواله وأفعاله وامتثال أوامره واجتناب نواهيه والتأدب بآدابه في عسره ويسره ومنشطه ومكرهه، وشاهد هذا قوله تعالى: قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمْ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ [آل عمران: 31].

دعونا ـ يا عباد الله ـ ننظر في أفعال هؤلاء المدّعين أن احتفالهم بالمولد تعبير عن محبتهم للرسول ؛ لنرى هل يوافق الفعل الادعاء.

في يوم المولد يتمّ الاحتفال بنظام وتقليد معيّن، ربما تختلف تفاصيله بحسب البلدان، لكن الغالب أنه تقام فيه شعائر مخصوصة، وتلقى فيه أشعار تتضمن الشرك الصريح والكذب الواضح، وعند مقاطع معينة من الشعر الملقى يقوم الحضور على أرجلهم زاعمين أن النبي يدخل عليهم في هذه اللحظة، ويمدون أيديهم للسلام عليه، وبعضهم يطفئ الأنوار ويضع كأسا للنبي ليشرب منه حين قدومه إليهم، فهم بزعمهم يضيفونه في هذه الليلة؟! ويضعون مكانا خاصا ليجلس فيه؛ إما وسط الحلقة أو بجانب كبيرهم الذي يدعي بدوره أنه من نسله. وبعد ذلك يشرع في التذكير بقراءة سيرته وحياته، وهذه القراءة تكون مصحوبة بهز الرأس والجسم شمالا ويمينا، وأحيانا يتم الهز وهم وقوف، وربما اجتمع الرجال والنساء جميعا، هذا غير مشاركة المعازف وآلات الموسيقى في مثل هذه الاحتفالات، فكيف ـ يا عباد الله ـ يتم إحياء ذكرى مولد النبي بمثل هذه المنكرات والمخالفات؟!

لكن لا غرابة ما دام أولئك المحتفلون قد أجروا عقولهم لمشايخهم الذين يجيزون ويحللون لهم أفعالهم، بل يرون أنها من أقرب القربات، وهم يستندون في ذلك إلى شبهات يتعلقون بها ويجوّزون بها بدعتهم، لكنها عند التمحيص أوهى من بيت العنكبوت لو كانوا يعلمون.

كيـف لا أدري لماذا ربما       أنني يومـا عرفت السببـا

عالِم يدعو بدعوى جاهل       وليوث الحرب ترجو الأرنبا

عباد الله، إن البعض إذا أبصر أعدادَ المحتفلين داخله الشك وقال: لو كان منكرا ما فعله الناس كلهم، فيقال: إن فعل الكثير من الناس لا يدل على أنه حق وصواب، فقد ذمّ الله سبحانه الكثرة في القرآن فقال سبحانه: وَإِنْ تُطِعْ أَكْثَرَ مَنْ فِي الأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ [الأنعام: 116].

قال الإمام الشاطبي رحمه الله تعالى: "ولما كانت البدع والمخالفات تواطأ الناس عليها صار الجاهل يقول: ولو كان هذا منكرا لما فعله الناس"، ثم نقل ما ذكره شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في اقتضاء الصراط المستقيم: "إن من اعتقد أن أكثر هذه العادات المخالفة للسنن مجمع عليها بناء على أن الأمة أقرتها ولم تنكرها فهو مخطئ في هذا الاعتقاد، فإنه لم يزل ولا يزال في كل وقت من ينهى عن عامة العادات المحدثة المخالفة للسنة، ولا يجوز دعوى إجماع عمل بلد أو بلاد من بلدان المسلمين، فكيف بعمل طوائف منهم؟!" إلى آخر كلامه رحمه الله تعالى.

بارك الله لي ولكم في القرآن والسنة...

 

الخطبة الثانية

الحمد لله رب العالمين، ولا عدوان إلا على الظالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين.

أما بعد: فيا عباد الله، إن تحديد مولد النبي لم يكن محلَّ عناية السلف ولا موضع اهتمامهم؛ لذلك اختلفوا في تحديد يوم مولد النبي بعد اتفاقهم على ولادته في عام الفيل، وسبب اختلافهم أن الأمة الإسلامية كانت أمة لا تكتب ولا تحسب، وإنما يحسبون بالنجوم والفلك، فجمهور العلماء على أن النبي ولد في يوم الاثنين من شهر ربيع الأول، أما تاريخ ذلك اليوم فقال البعض: ولد في اليوم الثاني من شهر ربيع الأول، وقيل: بل ولد في اليوم التاسع، وبعضهم قال وهو التاريخ الذي رجحه المحققون من أهل التاريخ والسير: إنه ولد في يوم الاثنين الثامن من شهر ربيع الأول.

عباد الله، أما وفاته فهي محل اتفاق بين أهل العلم، حيث توفي يوم الاثنين الثاني عشر من ربيع الأول من العام الحادي عشر للهجرة النبوية.

وعلى هذا يقال للمحتفلين بالمولد النبوي: إن احتفالكم في يوم الثاني عشر من ربيع الأول إساءة أدب وجفوة للرسول ؛ لأنهم في الحقيقة يحتفلون بموته ، وصاحب العقل السليم يدرك أن الفرح في تلك الليلة بمولده ليس بأولى من الحزن على وفاته ، فإن الأمة ما أصيبت بأعظم من فقده .

عباد الله، إن هذه البدعة التي أحدثها الجاهلون يعرف الجميع في هذه البلاد ولله الحمد حكمها وكلام العلماء حولها، لكن التنبيه عليها لعدة أمور:

أولا: أنها تفعل في كثير من البلدان المجاورة لنا حتى أصبحت عادة مألوفة عند بعض من يعيش بين أظهرنا.

ثانيا: صورَها الصوتية والمرئية تصل إلينا عبر الإذاعات والفضائيات، بل ويصلنا ذكرها وصور من يشترك فيها عبر الجرائد والمجلات، فربما يعتدّ بها بعض الجهال عند سماع صوت القائمين عليها أو رؤية صورهم، فيستحسن أمرها ويحاول المشاركة فيها، وربما دعمها أحيانا.

ثالثا: بعض من يفد إلى هذه البلاد يقيم هذا الاحتفال ويدعو إليه، وربما يتشرب القناعة به بسبب تزيين القائمين عليها.

أخيرا، لنا في حذيفة بن اليمان رضي الله عنه قدوة حيث كان يسأل عن الشر مخافة أن يقع فيه:

عرفت الشر لا للشر ولكن لتوقيه       ومن لا يعرف الشر من الخير يقع فيه

صلوا وسلموا على الرحمة المهداة والنعمة المسداة...

 

محامد و أدعية طباعة الخطبة بدون محامد وأدعية 

إلى أعلى

إذا كانت لديك أية ملاحظات حول هذه الخطبة، إضغط هنا لإرسالها لنا.

كما نرجو كتابة رقم هذه الخطبة مع رسالتك ليتسنى لنا التدقيق وتصويب الأخطاء

 
 

 2004© مؤسسة المنبر الخيرية للمواقع الدعوية على شبكة الإنترنت، جميع الحقوق محفوظة

عدد الزوار حالياً