.

اليوم م الموافق ‏25/‏شوال/‏1445هـ

 
 

 

مشروعية مقاطعة بضائع الكفار وأهميتها

5305

العلم والدعوة والجهاد

القتال والجهاد

صالح بن عبد الله الهذلول

البدائع

9/2/1424

جامع الدهامي

محامد و أدعية طباعة الخطبة بدون محامد وأدعية 

ملخص الخطبة

1- مشروعية المقاطعة واستخدام النبي لها كنوع من التضييق الاقتصادي على الأعداء. 2- الحصار من أساليب الجهاد الفعالة. 3- شبهة حول جدوى المقاطعة والرد عليها. 4- فوائد المقاطعة.

الخطبة الأولى

أما بعد: أيها المسلمون، الاقتصاد في هذا الزمن ذو تأثير كبير وفعّال على مواقف الدول واتجاهاتها، والدعوة إلى مقاطعة البضائع والمنتجات التي تُصدرها تلك الدول التي تحارب المسلمين وسيلة ضغطٍ بالغة؛ لتوقف أو تخفّف تلك الدول من مواقفها المعادية للمسلمين.

معاشر المسلمين، الإضرار الاقتصادي طريق من طُرُق الجهاد المشروع، وقد استعمله النبي في التضييق والضغط على الكفار؛ ومن ذلكم أنه خرج في مائتين من أصحابه يعترض عيرًا لقريش في غزوة بواط، وخرج مرة ثانية أيضًا لاعتراض قافلة لقريش فيما سُمّي بغزوة العشيرة، وكانت تلك القافلة في طريقها إلى الشام، وغزوة بدر كان سببها طلبه عير أبي سفيان، وحاصر يهودَ بني النضير لما نقضوا العهد فقطع نخلهم وحرّقه، فرضخوا لأمر رسول الله ، وما ذاك إلا للضغط الاقتصادي الذي فرضه عليهم حتى زلزل كيانهم وأُجلوا من المدينة، كما حاصر أهل الطائف وأمر بقطع أعناب ثقيف، ولما أسلم ثمُامة بن أثال الحنفي وقدم مكة معتمرًا أعلن المقاطعة الاقتصادية لقريش قائلاً: لا والله، لا تأتيكم من اليمامة حبّة حنطة حتى يأذن في ذلك رسول الله ، حتى جهِدت قريش، وقد أقره النبي على مقاطعته تلك، وعُدَّت من مناقبه .

وأبلغ من ذلك أن النبي دعا على قريش أن تضيَّق عليهم معيشتهم، ففي الصحيحين من حديث ابن مسعود قال: إن رسول الله لما دعا قريشًا كذّبوه واستعصوا عليه فقال: ((اللهم أعني عليهم بسبع كسبع يوسف))، فأصابتهم سَنة حصَّت كل شيء حتى كانوا يأكلون الميتة، وكان يقوم أحدهم فكان يرى بينه وبين السماء مثل الدخان من الجَهد والجوع، فأتاه أبو سفيان فقال: أي محمد، إن قومك هلكوا، فادع الله أن يكشف عنهم.

فالحصار إذًا ـ عباد الله ـ من أساليب الجهاد، وفيه توهينٌ لقوة العدو وضربُ مِفصَل مهمّ من مفاصله متى قدر المسلمون عليه واحتاجوا إليه، وإلا فالمقاطعة هي البديل الأمثل لنكايته، وقد قال : ((جاهدوا المشركين بأموالكم وأنفسكم وألسنتكم))، فإذا لم يمكنك ـ أيها المؤمن ـ جهاد الكفار بنفسك ودفع ضررهم عن المسلمين فلا تتقاعس عن جهادهم بمالك، لكن لا أقل من المقاطعة، خاصة وأن البدائل كثيرة، وأثرها في العدو بالغ، وهي تغيظهم، وقد صرحت السفارة الأمريكية في إحدى الدول الإسلامية قائلة: إن ضعف الإقبال على شراء السلع الأمريكية أمرٌ باعث على القلق، وإن انخفاض الإقبال على السلع الأمريكية كبير جدًا.

عباد الله، من المعلوم أن السعي في تقوية اقتصاد أيّ دولة ثبتت عداوتها للمسلمين وإيذاؤها لهم وحربُها إياهم، إن ذلكم دعمٌ لها وعون على تماديها في العدوان، والله تعالى نهى عن ذلك بقوله جل وعز: وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ.

والمقاطعة وسيلة عملية لك ـ أيها المسلم ـ في أن تسهم بصد العدوان، وقد عادت بثمار طيبة والحمد لله، فآلمت تلك الدول المعادية، ودفعت بشركات عدة إلى التبرؤ من دعم اليهود مثلاً، أو تعهُّد شركاتٍ أخرى بدفع تبرعات لضحايا المسلمين، شهادة تزكية تقدّمها، أو اعتذار تتظاهر به للمسلمين؛ ليظل التبادل التجاري معها قائمًا.

أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى تِجَارَةٍ تُنجِيكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنتُمْ تَعْلَمُونَ [الصف: 10، 11].

اللهم بارك لنا في القرآن العظيم...

 

الخطبة الثانية

الحمد لله الأول الآخر، الظاهر الباطن، له العزة والجبروت، وبيده الملك والملكوت، وهو بكل شيء عليم، وفي كل تدبيره حكيم، العلي العظيم، خلق كل شيء فقدره تقديرًا، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، جاهد في الله بنفسه وماله ولسانه حتى أتاه اليقين، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليمًا كثيرًا.

أما بعد: أيها المسلمون، ما الفائدة التي تعود على المسلمين من مقاطعة بضائع المحاربين لهم من الدول الكبرى؟ وماذا عساهم فاعلون وهم الضعاف المحتاجون إلى صناعة الغرب وتقنيته؟! سؤال ربما يجول بخاطر البعض، ومحاولة مني في دفع هذه الشبهة أسوق النقاط التالية لعلها تجيب على هذا الإشكال:

أولاً: أظهرت عدد من الإحصائيات التي نشرت في الصحف سواء منها ما يصدر في الدول الإسلامية أو الغربية تعرّضَ كثير من الشركات الغربية العاملة في البلاد الإسلامية إلى خسائر كبيرة نتيجة للمقاطعة، وتراوحت هذه الخسائر ما بين 20 و25 بالمائة لتصل إلى 80 بالمائة في بعضها؛ مما اضطر بعضها إلى نشر إعلانات أنها تقتطع نسبة معينة من الأرباح للمستشفيات الفلسطينية أو للأطفال الفلسطينين؛ استدرارًا للعواطف الإسلامية في محاولة منها لمنع حدوث خسائر أخرى.

وثانيًا: مع أن المقاطعة على مستوى العالم الإسلامي طابعها شعبي ولم تتدخل الحكومات فيها، بل ربما انطلقت أحيانًا بشكل عفوي، إلا أنها أثرت أثرًا بالغًا بالاقتصاد الغربي، مما يؤكد أهمية دور الأفراد في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وفاعليتَه.

وثالثًا: من فوائد ومنافع المقاطعة التي تعود على المسلمين إتاحة فرصٍ كبيرة للنساء أن يشاركن مشاركة فعّالة في نكاية العدو؛ لأن كثيرًا مما يُعرض في الأسواق إما خاص بالمرأة، أو أن لها رأيا كبيرا في شرائه أو تركه.

ورابعًا: ترشيد عادة الاستهلاك المفرط لدى الشعوب الإسلامية والتخلص من تحكم الغرب في الأسواق الإسلامية وتشجيعُ الصناعات الوطنية.

وخامسًا: مع أصالة ومشروعية المقاطعة إسلاميًا إلا أنها فقهٌ منسي، بسبب تراكم مشاريع التجهيل والتبعية التي كان الغرب ولا يزال يسعى لتكريسها، وإحياء هذا الفقه يؤكد شمولية هذا الدين لكافة مناحي الحياة، وأن الإسلام له في كل قضية ونازلةٍ رأيٌ وتشريع، خاصة وأنه صدر عن عدد من العلماء ذوي الصفة الاعتبارية وغيرهم في مختلف البلدان الإسلامية فتاوى بعضها يوجب المقاطعة.

وسادسًا: فإن المقاطعة وسيلة من وسائل التخلص أو التقليل من تهافت الناس والشباب خاصة على مطاعم الوجبات السريعة وتقاطرهم على محلات ما يسمى بأدوات التجميل والعطورات، ولأنها تعرض مأكولاتها بطعم شهي وأصناف التجميل بشكل مثير ومغري، فينساق إليها الناس عامة والشباب والنساء خاصة دون وعي بمضارها الصحية.

سابعًا: المقاطعة برهان من البراهين يقدمه المسلم دليلاً على رفضه للمشاريع الغربية في فرض هيمنتها على العالم الإسلامي؛ وذلك لأنه بات من المقطوع به لدى الأغلبية العظمى من المسلمين أن الاقتصاد عصب مهم جدًا في الحياة.

ثامنًا: المسلم موعود بالأجر العظيم في كلّ عمل يقدمه لإضعاف أعداء الله، قال الله تعالى: وَلا يَطَئُونَ مَوْطِئًا يَغِيظُ الْكُفَّارَ وَلا يَنَالُونَ مِنْ عَدُوٍّ نَيْلاً إِلاَّ كُتِبَ لَهُمْ بِهِ عَمَلٌ صَالِحٌ إِنَّ اللَّهَ لا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ [التوبة: 120].

فعليك ـ أيها المسلم ـ أن تعي مشروعية المقاطعة وأهميتها وضرورتها، وأن تتعرف على الشركات اليهودية والأمريكية لتحذرها، وكثيرًا ما يعلن عنها، ويذكر في الإعلان نفسه البديل عنها، يتم ذلك عبر وسائل الإعلام العالمية المختلفة، وربما كتبت في مطويات توزع، وتجدها أوفر ما تكون في مواقع الشبكة العالمية الإنترنت.

وأخيرًا معاشر الفضلاء، لا يمنع كون المسلم اشترى بضاعة من صنع الدولة المقاطعة أن يكف عن الدعوة لمقاطعتها، كما لا يمنعه شراؤه بضاعة أن يقاطع غيرها، فكلٌ يسعى ويسهم في المقاطعة بقدر ما يستطيع، وأما الشركات أو المصانع التي تأخذ امتياز تصنيع بضاعة من البضاعات على أن تدفع للشركة الكافرة مقابل الترخيص فإن مثل هذه الشركة المحلية حكمها يدخل فيما سبق إلى حد كبير وإن لم يرتق إليه تمامًا، ويتأكد هذا الحكم إذا كانت البضاعة المصنعة مما ثبت طبيًا ضرره كالبيبسي.

فاتقوا الله عباد الله، وغاروا على دينكم وأمتكم، وتذكروا أنه لن تزول قدما عبدٍ يوم القيامة حتى يسأل عن ماله: من أين اكتسبه؟ وفيم أنفقه؟

اللهم أعز الإسلام وانصر المسلمين، اللهم نج المستضعفين من المسلمين...

 

محامد و أدعية طباعة الخطبة بدون محامد وأدعية 

إلى أعلى

إذا كانت لديك أية ملاحظات حول هذه الخطبة، إضغط هنا لإرسالها لنا.

كما نرجو كتابة رقم هذه الخطبة مع رسالتك ليتسنى لنا التدقيق وتصويب الأخطاء

 
 

 2004© مؤسسة المنبر الخيرية للمواقع الدعوية على شبكة الإنترنت، جميع الحقوق محفوظة

عدد الزوار حالياً