الحمد لله الأول الآخر، الظاهر الباطن، له العزة والجبروت، وبيده الملك والملكوت، وهو بكل شيء عليم، وفي كل تدبيره حكيم، العلي العظيم، خلق كل شيء فقدره تقديرًا، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، جاهد في الله بنفسه وماله ولسانه حتى أتاه اليقين، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليمًا كثيرًا.
أما بعد: أيها المسلمون، ما الفائدة التي تعود على المسلمين من مقاطعة بضائع المحاربين لهم من الدول الكبرى؟ وماذا عساهم فاعلون وهم الضعاف المحتاجون إلى صناعة الغرب وتقنيته؟! سؤال ربما يجول بخاطر البعض، ومحاولة مني في دفع هذه الشبهة أسوق النقاط التالية لعلها تجيب على هذا الإشكال:
أولاً: أظهرت عدد من الإحصائيات التي نشرت في الصحف سواء منها ما يصدر في الدول الإسلامية أو الغربية تعرّضَ كثير من الشركات الغربية العاملة في البلاد الإسلامية إلى خسائر كبيرة نتيجة للمقاطعة، وتراوحت هذه الخسائر ما بين 20 و25 بالمائة لتصل إلى 80 بالمائة في بعضها؛ مما اضطر بعضها إلى نشر إعلانات أنها تقتطع نسبة معينة من الأرباح للمستشفيات الفلسطينية أو للأطفال الفلسطينين؛ استدرارًا للعواطف الإسلامية في محاولة منها لمنع حدوث خسائر أخرى.
وثانيًا: مع أن المقاطعة على مستوى العالم الإسلامي طابعها شعبي ولم تتدخل الحكومات فيها، بل ربما انطلقت أحيانًا بشكل عفوي، إلا أنها أثرت أثرًا بالغًا بالاقتصاد الغربي، مما يؤكد أهمية دور الأفراد في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وفاعليتَه.
وثالثًا: من فوائد ومنافع المقاطعة التي تعود على المسلمين إتاحة فرصٍ كبيرة للنساء أن يشاركن مشاركة فعّالة في نكاية العدو؛ لأن كثيرًا مما يُعرض في الأسواق إما خاص بالمرأة، أو أن لها رأيا كبيرا في شرائه أو تركه.
ورابعًا: ترشيد عادة الاستهلاك المفرط لدى الشعوب الإسلامية والتخلص من تحكم الغرب في الأسواق الإسلامية وتشجيعُ الصناعات الوطنية.
وخامسًا: مع أصالة ومشروعية المقاطعة إسلاميًا إلا أنها فقهٌ منسي، بسبب تراكم مشاريع التجهيل والتبعية التي كان الغرب ولا يزال يسعى لتكريسها، وإحياء هذا الفقه يؤكد شمولية هذا الدين لكافة مناحي الحياة، وأن الإسلام له في كل قضية ونازلةٍ رأيٌ وتشريع، خاصة وأنه صدر عن عدد من العلماء ذوي الصفة الاعتبارية وغيرهم في مختلف البلدان الإسلامية فتاوى بعضها يوجب المقاطعة.
وسادسًا: فإن المقاطعة وسيلة من وسائل التخلص أو التقليل من تهافت الناس والشباب خاصة على مطاعم الوجبات السريعة وتقاطرهم على محلات ما يسمى بأدوات التجميل والعطورات، ولأنها تعرض مأكولاتها بطعم شهي وأصناف التجميل بشكل مثير ومغري، فينساق إليها الناس عامة والشباب والنساء خاصة دون وعي بمضارها الصحية.
سابعًا: المقاطعة برهان من البراهين يقدمه المسلم دليلاً على رفضه للمشاريع الغربية في فرض هيمنتها على العالم الإسلامي؛ وذلك لأنه بات من المقطوع به لدى الأغلبية العظمى من المسلمين أن الاقتصاد عصب مهم جدًا في الحياة.
ثامنًا: المسلم موعود بالأجر العظيم في كلّ عمل يقدمه لإضعاف أعداء الله، قال الله تعالى: وَلا يَطَئُونَ مَوْطِئًا يَغِيظُ الْكُفَّارَ وَلا يَنَالُونَ مِنْ عَدُوٍّ نَيْلاً إِلاَّ كُتِبَ لَهُمْ بِهِ عَمَلٌ صَالِحٌ إِنَّ اللَّهَ لا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ [التوبة: 120].
فعليك ـ أيها المسلم ـ أن تعي مشروعية المقاطعة وأهميتها وضرورتها، وأن تتعرف على الشركات اليهودية والأمريكية لتحذرها، وكثيرًا ما يعلن عنها، ويذكر في الإعلان نفسه البديل عنها، يتم ذلك عبر وسائل الإعلام العالمية المختلفة، وربما كتبت في مطويات توزع، وتجدها أوفر ما تكون في مواقع الشبكة العالمية الإنترنت.
وأخيرًا معاشر الفضلاء، لا يمنع كون المسلم اشترى بضاعة من صنع الدولة المقاطعة أن يكف عن الدعوة لمقاطعتها، كما لا يمنعه شراؤه بضاعة أن يقاطع غيرها، فكلٌ يسعى ويسهم في المقاطعة بقدر ما يستطيع، وأما الشركات أو المصانع التي تأخذ امتياز تصنيع بضاعة من البضاعات على أن تدفع للشركة الكافرة مقابل الترخيص فإن مثل هذه الشركة المحلية حكمها يدخل فيما سبق إلى حد كبير وإن لم يرتق إليه تمامًا، ويتأكد هذا الحكم إذا كانت البضاعة المصنعة مما ثبت طبيًا ضرره كالبيبسي.
فاتقوا الله عباد الله، وغاروا على دينكم وأمتكم، وتذكروا أنه لن تزول قدما عبدٍ يوم القيامة حتى يسأل عن ماله: من أين اكتسبه؟ وفيم أنفقه؟
اللهم أعز الإسلام وانصر المسلمين، اللهم نج المستضعفين من المسلمين...
|