.

اليوم م الموافق ‏02/‏ذو القعدة/‏1445هـ

 
 

 

تعبير الرؤى

5287

موضوعات عامة

الرؤى والمنامات

صالح بن عبد الله الهذلول

البدائع

19/6/1422

جامع الدهامي

محامد و أدعية طباعة الخطبة بدون محامد وأدعية 

ملخص الخطبة

1- من آداب تفسير الرؤيا أن لا يقص الرائي رؤيته إلا على الناصح التقي. 2- أهمية التثبت عند تأويل الرؤيا. 3- الرؤيا جزء من النبوة ولا يفسرها أي أحد. 4- هدي النبي في الرؤى. 5- ذكر بعض الرؤى التي رآها النبي وبعض ما أوّله . 6- استحالة أن تكون رؤى آحاد الناس مصدرًا للتشريع. 7- التحذير من اعتقاد أو توزيع النشرة المنسوبة لخادم الحجرة النبوية.

الخطبة الأولى

أما بعد: تقدم في الجمعة قبل الماضية الحديث حول حقيقة الرؤيا، والفرق بين الرؤيا والحلم، وبعض الآداب التي ينبغي فعلها لمن رأى رؤيا، وسمعتم أنّ من رأى رؤيا سيئة فالسنة في حقه أن يتعوذ بالله من شر ما رأى ثلاث مرات، ويتعوذ بالله من الشيطان ثلاث مرات، وأن يتفُل عن يساره، وأن يتحوّل عن الجانب الذي هو عليه، وأن يسأل الله من خيرها، وأن يعتقد أنها لا تضرّه، وألا يخبر بها أحدًا، ويصلي عقبها، ومن رأى رؤيا صالحة شرع له أن يعتقد أن تلك الرؤيا من الله، وأن يحمد الله عليها، ويطلب تفسيرها، ولا يحدّث بها إلا من يحب.

أيها الإخوة، من آداب الرؤيا أنّ على صاحب الرؤيا إذا أراد أن تُعبّر أو تُفسّر أن يتحرى من كان عالمًا ناصحًا تقيًا عالمًا بكتاب الله، فيقصّها عليه، ولا يقصّها على جاهل أو سفيه أو حاسد كما هو حال بعض الناس، تجده يقص رؤياه على كل من قابله عرفه أو لم يعرفه، والرسول قال عن الرؤيا: ((لا يقصُّها إلا على وادٍ أو ذي رأي)) رواه أحمد، وقال : ((إذا رأى أحدكم رؤيا فلا يحدث بها إلا ناصحًا أو عالمًا)). واسمع إلى يعقوب عليه السلام حين يقول لابنه يوسف: يَا بُنَيَّ لا تَقْصُصْ رُؤْيَاكَ عَلَى إِخْوَتِكَ فَيَكِيدُوا لَكَ كَيْدًا [يوسف: 5]. وتعبير الرؤى علم فلا يتكلم فيه من لا يعرفه، والخوضُ في تأويلاتها بمجرد الظن خلاف الشرع.

واعلم ـ أخي المسلم ـ أن النبي قال: ((إن الرؤيا تقع على ما تعبر به، ومثل ذلك مثل رجل رفع رجله فهو ينظر متى يضعها))، وجاء عنه أنه قال: ((الرؤيا على جناح طائر ما لم تعبر، فإذا عبرت وقعت)).

ويتعين على المعبر أن يتثبت فيما يقوله لصاحب الرؤيا، وأن يسمع الرؤيا كاملة، ويتمهل ولا يتعجل في تعبيرها، ولا يعبرها حتى يعرف لمن هي له. ويلزمه أن يكتم عورات الناس، وينبغي له أن يعبر الرؤيا المسؤول عنها على مقادير الناس ومراتبهم ومذاهبهم وأعرافهم وبلدانهم.

روت عائشة رضي الله عنها قالت: كانت امرأة من أهل المدينة لها زوج يسافر للتجارة، فأتت رسول الله فقالت: إن زوجي غائب وتركني حاملاً، فرأيت في المنام أن ساريةَ بيتي انكسرت، وأني ولدت غلامًا أعور، فقال: ((خير، يرجع زوجك إن شاء الله، وتلدين غلامًا برًا))، فجاءت مرة أخرى ورسول الله غائب، فسألتها فأخبرتني برؤياها فقلت: لئن صدقت رؤياك ليموتن زوجك وتلدين غلامًا فاجرًا، فقعدت تبكي فجاء رسول الله فقال: ((مه يا عائشة، إذا عبرتم للمسلم الرؤيا فعبّروها على خير، فإن الرؤيا تكون على ما يعبرها صاحبها))، فمات والله زوجها، ولا أراها ولدت إلا غلامًا فاجرًا.

أيها المسلمون، كان رسول الله إذا قصّت عليه رؤيا يقول: ((خيرًا رأيت، وخيرًا تلقاه، وشرًا تتوقاه، وخير لنا، وشر على أعدائنا، والحمد لله رب العالمين، اقصص رؤياك)).

وكان ابن قتيبة يقول: "يجب على العابر التثبت فيما يرد إليه وترك التعسّف، ولا يأنف أن يقول لما يشكل عليه: لا أعرفه". وقد كان محمد بن سرين إمامًا في هذا الفن، ومع ذلك كان يُمسِك عن التعبير أكثر مما يفسر.

وليعلم المسلم أن تعبير الرؤيا أمرٌ ليس بالهين، فليتق الله من تصدى للناس يفسر لهم رؤياهم، فهو غير ملزم العمل إن لم يكن أهلاً له. وقد سئل الإمام مالك رحمه الله: أيعبّر الرؤيا كل أحد؟ قال: أبالنبوة يُلعب؟! ثم قال: الرؤيا جزء من النبوة، فلا يلعب بالنبوة.

معاشر المسلمين، مما يحذر منه ما تمتلئ به المكتبات من معاجم لتفسير الأحلام، وتجد البعض يقتني مجموعة منها، وكلما رأى حلمًا فتحها وعبّر لنفسه، وهذا لا ينضبط ولا يستقيم، وإنما الذي يعبّرها المعبّر الحاذق الذي يدرك ويحيط بشروط التعبير. ومن اشتهروا بالتعبير ذكروا أن التعبير يختلف باختلاف حال الرائي وظروفه وملابساته. واسمع إلى هذا المثال ليتضح لك ما أعني:

أتى رجلان إلى ابن سيرين، كل واحد منهما قال: إني رأيت في المنام أني أُأَذن، فقال لأحدهما: تحج إن شاء الله، وقال للآخر: تسرق وتُقْطع يدك، فقيل له: كيف ذلك؟! فقال: رأيت على الأول علامات الصلاح فأولت قوله تعالى: وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ [الحج: 27]، ورأيت على الثاني علامات الخبث والفجور فأوّلت قوله تعالى: ثُمَّ أَذَّنَ مُؤَذِّنٌ أَيَّتُهَا الْعِيرُ إِنَّكُمْ لَسَارِقُونَ [يوسف: 70]. فالتعبير يحتاج إذًا مع الفطنة والموهبة إلى علم بالكتاب والسنة، وإلا جهل وتخبط.

ثم اعلم ـ أيها المسلم ـ أنه ليس أحدٌ مُجبرا على تفسير رؤياه، ولن يخرج عما كتب الله له، فلا يلقي باله للأضغاث ويشتغل بها ويُشغل الناس، ولو ترك السؤال عن الرؤيا فلا حرج عليه في ذلك، أما هدي الرسول فقد كان إذا صلّى الفجر وأقبل على الناس بوجهه قال: ((هل رأى أحد منكم البارحة رؤيا؟)) وفي حديث ابن عباس: ((من رأى منكم رؤيا فليقصها؛ أُعبرها له)).

وقد نقلت لنا كتب السنة من الرؤى التي رآها الرسول الكثير، ومنها ما رواه ابن عمر قال: قال رسول : ((بينا أنا نائم أُتيت بقدحِ لبنٍ فشربت منه، حتى إني لأرى الرِّيَ يخرج من أطرافي، فأعطيت فضلي عمر بن الخطاب))، فقال من حوله: فما أولت ذلك يا رسول الله؟ قال: ((العلم)). وروى ابن عمر أيضًا قال: قال رسول الله : ((رأيت كأن امرأة سوداء ثائرة الرأس خرجت من المدينة حتى قامت بمهيعة ـ وهي الجحفة ـ، فأولت أن وباء المدينة نقل إليها)). ومما حدّث به رسول الله من الرؤى ما رواه ابن عباس عند البخاري أن رجلاً أتى رسول الله فقال: إني رأيت الليلة في المنام ظُلّة تنطف ـ أي: تقطر وتصب ـ السمن والعسل، فأرى الناس يتكففون منها، فالمستكثر والمستقل، وإذا سبب واصل من الأرض إلى السماء ـ والسبب: الحبل ـ فأراك أخذت به فعلوت، ثم أخذ به رجلٌ فعلا، ثم أخذ به آخر فانقطع، ثم وصل، فقال أبو بكر: يا رسول الله، بأبي أنت وأمي والله لتدعني فأعبّرها، فقال النبي : ((اعبرها))، فقال: أما الظلة فالإسلام، وأما الذي ينطف السمن والعسل فالقرآن؛ حلاوته تنطف، فالمستكثر من القرآن والمستقل، وأما السبب الواصل من السماء إلى الأرض فالحق الذي أنت عليه، تأخذ به فيعليك الله، ثم يأخذ به رجل من بعدك فيعلو به، ثم يأخذ به رجل آخر فيعلو به، ثم يأخذ به آخر فينقطع له، ثم يوصل فيعلو به، فأخبرني يا رسول الله بأبي أنت وأمي أصبت أم أخطأت؟ فقال النبي : ((أصبتَ بعضًا وأخطأت بعضًا))، قال: فوالله يا رسول الله، لتحدثني بالذي أخطأت به، قال : ((لا تقسِم)).

اللهم انفعنا بالقرآن الكريم وبهدي وسنة سيد المرسلين...

 

الخطبة الثانية

الحمد لله الذي له ما في السماوات وما في الأرض، وله الحمد في الأولى والآخرة، وهو الحكيم الخبير، والصلاة والسلام على من بُعث رحمة للعالمين، بشيرًا للمتقين، ونذيرًا للمجرمين، وعلى آله وصحبه أجمعين.

أما بعد: الرؤيا منزلتها في ديننا عظيمة، لكن لا تثبت بها الأحكام الشرعية، وشرعنا قد كمل في عهد النبوة. والرؤى ليست مصدرًا للتشريع كما يزعم بعض أصحاب الطرق المخالفة للسنة، ويدعون أنهم رأوا الرسول فأمرهم ونهاهم، فيأخذون بذلك الأمر أو النهي ويتركون أحكام الشرع.

معاشر المسلمين، بين حين وآخر توزع نشرة منسوبة إلى من يسمي نفسه الشيخ أحمد خادم الحجرة النبوية، وتروج بين الجهلة والعوام، يزعم فيها أنه رأى النبي في المنام وأخبره بكثرة الفساد في الناس وأنه يموت من أمته كل جمعة مائة وستون ألفًا على غير الإسلام، وأخبره ببعض علامات الساعة وقرب قيامها، وأمره أن يعلن الوصية للناس، ويعد بالجميل لمن يصدقها ويجتهد في نشرها، ويتهدد بالوعيد لمن يكذبها ويكتمها ولا يبلغها الناس. وقد عرض ذلك على اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء لتعرض وتبين موقف الشرع من مثل هذه الدعاوى، فأجابت عليه مشكورة، وإليكم نص الفتوى:

أيها الإخوة، من رأى الرسول بصورته المعروفة الواردة في كتب السنة فإنه قد رآه حقًا للحديث السابق، وقد ورد وصف النبي فيها أنه ليس بالطويل البائن ولا بالقصير البائن، وليس بالأبيض الشديد البياض، بل كان أبيض مشربًا بحمرة، وكان أسود الحدقة أهدب الأشفار، وكان وجهه كالقمر من النور والبهاء وجمعنا به في جنات النعيم مع الذين أنعم الله عليهم. فمن رآه إذًا على صورة تخالف تلك الأوصاف كأن يرى رجلاً طويلاً جدًا أو قصيرًا جدًا أو يرى رجلاً حليقًا أو لابسًا بنطلونًا أو عقالاً وغترة أو شماغًا ونحو ذلك مما لم يرد في وصفه فليس ذاك بشخص الرسول ، وإنما تمثيل من الشيطان حتى لو قيل له في المنام أو ظهر على أنه النبي .

 

محامد و أدعية طباعة الخطبة بدون محامد وأدعية 

إلى أعلى

إذا كانت لديك أية ملاحظات حول هذه الخطبة، إضغط هنا لإرسالها لنا.

كما نرجو كتابة رقم هذه الخطبة مع رسالتك ليتسنى لنا التدقيق وتصويب الأخطاء

 
 

 2004© مؤسسة المنبر الخيرية للمواقع الدعوية على شبكة الإنترنت، جميع الحقوق محفوظة

عدد الزوار حالياً